ما إن تتوتر الأوضاع قليلًا في ليبيا ويشتد الصراع بين الأطراف المتنازعة، حتى يخرج ملف تقسيمها إلى دويلات من تحت أدراج الطاولات، ففي كل مرة تكشف وسائل إعلام دولية ومحلية عن مساعٍ لإحدى الدول الكبرى لتقسيم البلاد بذريعة الحفاظ عليها من خطر الانهيار، فهل يحصل التقسيم وترجع ليبيا إلى ما كانت عليه قبل سنة 1963.
الرجوع للأقاليم العثمانية الثلاث
هذه المرة كشفت صحيفة الغارديان البريطانية أن مسؤولًا أمريكيًا عرض خريطة لتقسيم ليبيا إلى ثلاث دول على أساس أقاليمها العثمانية الثلاث القديمة :طرابلس في الغرب، برقة في الشرق، فزان في الجنوب، وإلى غاية 26 من أبريل 1963، كانت ليبيا دولة فيدرالية تتكون من 3 أقاليم تعتمد النظام الاتحادي.
الصحيفة أوضحت في تقرير لها صدر أمس الإثنين أن سيباستيان غوركا أحد نواب مساعدي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للشؤون الخارجية، اقترح تقسيم ليبيا قبل أسابيع من تنصيب ترامب رئيسًا، مضيفة أنه رسم أمام دبلوماسي أوروبي، خريطة لتقسيم ليبيا إلى ثلاث دول، لكنها لم تذكر اسم الدبلوماسي الأوروبي، ويسعى غوركا الآن للحصول على منصب مبعوث ترامب الخاص إلى ليبيا، حسب تقرير الصحيفة البريطانية، ولم يعين البيت الأبيض بعد مبعوثًا لترامب في ليبيا.
لم يصدر البيت الأبيض ولا الرئيس ترامب إلى الآن أي تعليق عن هذا التقرير، كما أنهما لم يحدّدا بعد الرؤية الأمريكية لما يحدث في ليبيا
يُعتبر غوركا الذي لم يصبح مواطنًا أمريكيًا إلا في سنة 2012، من المقربين لكبير استراتيجيي البيت الأبيض، اليميني المتطرّف ستيف بانون، الذي أقاله من منصبه مؤخرًا، كما يخدم ضمن طاقم مستشار الأمن القومي، ويتهم بعدائه للإسلام وتحيزه ضده، وعلاقاته المشبوهة مع اليمين الهنغاري المتطرف وحزب “Vitezi Ren” – الذي يُتهم بمعاداة السامية، علاوة على تعاونه مع النازيين، وتواطئه مع المذابح ضد اليهود في هنغاريا تزامنًا مع الحرب العالمية الثانية خاصة أنه قضى فترة التسعينيات والعقد الأول من الألفية في هنغاريا، وعمل خلال تلك الفترة مستشارًا لوزارة الدفاع الهنغارية، قبل التحاقه بالجيش البريطاني ومن ثم طاقم ترامب.
ولم يصدر البيت الأبيض ولا الرئيس ترامب إلى الآن أي تعليق عن هذا التقرير، كما أنهما لم يحدّدا بعد الرؤية الأمريكية لما يحدث في ليبيا، وكان الرئيس السابق باراك أوباما الذي يدعم حكومة فائز السراج المعترف بها دوليًا، قد أقر في 2016 بأن قراراته بشأن ليبيا “أسوأ أخطاء إدارته”.
واعتبر أوباما أن تدخل الولايات المتحدة مع حلف شمال الأطلسي ضد معمر القذافي كان مبررًا “لحماية المدنيين خلال انتفاضة 2011″، إلا أن خطأ إدارته تجلى “بعدم الاستعداد لليوم التالي لسقوط القذافي”، مما دفع البلاد إلى صراعات أهلية مسلحة واسعة النطاق.
الأقاليم الليبية الثلاث
ويُحمّل أوباما التركيبة القبلية في ليبيا، إضافة إلى تخلي حلفاء أمريكا الأوروبيين عن الانخراط بفاعلية في الشأن الليبي، مسؤولية عدم السيطرة على الأوضاع في البلاد، إلا أن المشكلة الأكبر كانت بحسب الرئيس الأمريكي السابق “عدم امتلاكه خطة لما بعد إسقاط النظام”، ومن غير الواضح ما إذا كانت ليبيا ستحظى بأي أولوية بالنسبة للرئيس الجديد دونالد ترامب.
رفض إيطالي
ما عبّر عنه المسؤول الأمريكي سرًا، وجد معارضة إيطالية علنية، حيث جدد وزير خارجية إيطاليا أنجلينو ألفانو رفضه تقسيم ليبيا، مؤكّدًا في تصريح للإذاعة الرسمية لبلاده، ضرورة عمل المجتمع الدولي على الحفاظ على وحدة ليبيا حكومة وشعبًا، وقال ألفانو إن هذا يجب أن يتم في إطار عملية تسوية يتفق عليها الليبيون وتكون مظلتها اتفاق المصالحة الموقع برعاية أممية في مدينة الصخيرات المغربية في ديسمبر 2015.
رغم مرور أكثر من سنة على اتفاق الصخيرات، فإنّه لم ينفذ بعد على الأرض
واعتبر الوزير الإيطالي أن أي تقسيم لليبيا يمثّل خطرًا كبيرًا على بلاده قائلاً: “سيُلِحق ضرر جسيم بمصالحنا ويزيد من حدة التوتر في البلد المتوسطي الذي يشكل أهم نقطة عبور للمهاجرين بحرًا إلى إيطاليا”، ومنذ سقوط نظام القذافي في فبراير 2011، باتت ليبيا أحد أهم المواني المصدّرة للمهاجرين غير الشرعيين على ضفاف البحر الأبيض المتوسط، وقبلة للمقاتلين الأجانب.
ورغم مرور أكثر من سنة على اتفاق الصخيرات، فإنّه لم ينفذ بعد على الأرض، فليبيا تحكمها ثلاث حكومات: اثنتان في العاصمة طرابلس (الوفاق والإنقاذ)، وثالثة (مؤقتة) في مدينة البيضاء (شرقي البلاد)، فيما تسيطر قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر على معظم إقليم برقة، بينما يسيطر تحالف لكتائب الغرب الليبي – وعلى رأسها كتائب مصراتة – على معظم أجزاء إقليمي طرابلس وفزان.
ليست المرة الأولى
تقسيم ليبيا إلى ثلاث دويلات ليس مقترحًا جديدًا، حيث كان موضوعًا لتقارير وتسريبات إعلامية على مدى سنوات منذ الإطاحة بحكم معمر القذافي، حيث كشفت رسالة إلكترونية من بين آلاف الرسائل نشرتها وزارة الخارجية الأمريكية لرئيسة الدبلوماسية السابقة، هيلاري كلينتون، بعثتها لمستشارها سيلفان جاكوب، في التاسع من مارس 2012، أن المخابرات الفرنسية والبريطانية كانت تدبر لانقسام الشرق الليبي عن الغرب منذ منتصف يناير 2012.
مظاهرة لرفض التقسيم
وجاء في الإيميل، الذي توصلت إليه الوزيرة السابقة من جهة لم تتضح هويتها، قبل أن تعيد إرساله إلى مستشارها، تحت عنوان “بريطانيا وفرنسا وراء الانقسام في ليبيا”، أن ضباطًا من المخابرات الفرنسية (دي جي إس إي) والمخابرات البريطانية الخارجية (إم آي 6) عملوا منذ منتصف يناير إلى شهر مارس على تحفيز القبائل الشرقية والنشطاء المدنيين في “برقة” على طلب الحكم الذاتي والسعي إلى الانفصال عن حكومة طرابلس.
تتركّز عيون الدول الغربية وبعض الدول العربية على رأسها مصر على النفط الليبي، ومحاولة السيطرة عليه
وأوضحت الجهة التي كتبت الإيميل “السري”، إلى أن المعلومات الواردة فيه استقتها من مصادر على اتصال مباشر بالمجلس الوطني الليبي، وكبار المسؤولين في الحكومات الغربية والإخوان المسلمين في مصر والمخابرات الغربية، وأن هذا المخطط تم تدبيره بإيعاز من مستشار للرئيس الفرنسي آنذاك، نيكولا ساركوزي، بعد شكاوى رجال الأعمال الفرنسيين من الحكومة الجديدة التي رأوا أنها لا تخدم مصالحهم التجارية بالشكل الذي يناسبهم.
وتتركز عيون الدول الغربية وبعض الدول العربية على رأسها مصر على النفط الليبي، ومحاولة السيطرة عليه، فاحتياطات النفط في ليبيا هي الأكبر في قارة إفريقيا، وتحتل المرتبة التاسعة بين عشر دول لديها أكبر احتياطيات نفطية مؤكدة لبلدٍ في العالم، بمعدلات تقدر بـ46.4 مليار برميل، حيث يقدر أن تستمر الاحتياطات مدة 77 سنة إذا ما استمر الإنتاج بالمعدل الحالي، وما لم تكتشف آبار نفط جديدة.