بعد أيام من زيارة الشيخة موزة آل مسند للسودان والتي أثارت موجة عاصفة من الجدل والتلاسن الإعلامي والسياسي بين القاهرة والخرطوم، تأزمت معها العلاقات المصرية السودانية، وما تبعها من تأجيل وزير الخارجية المصري زيارته للخرطوم بدعوى العواصف الترابية، ها هو أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، يحط رحاله في إثيوبيا في إطار جولة إفريقية تشمل كينيا وجنوب إفريقيا.
زيارة تميم لإثيوبيا والتي تعد الأولى له منذ توليه زمام الأمور تأتي وسط حالة من الترقب والقلق من قبل القاهرة، خاصة أنها تتزامن مع احتفالات إثيوبيا بالذكرى السادسة لبناء سد النهضة، وبعد أيام قليلة من زيارة الرئيس السوداني عمر البشير لأديس أبابا، مما فتح باب التكهنات بشأن التساؤل عن أسباب ودوافع هذه الزيارة، فهل جاءت في إطار جهود الدوحة لتقوية علاقاتها الاقتصادية والسياسية مع دول القارة الإفريقية أم أن لها بُعدًا آخر يتعلق بالعبث في ملف مصر المائي كما يتهم البعض؟
هل الزيارة مكايدة سياسية لمصر؟
منذ أن أعلنت الدوحة عن زيارة تميم إلى أديس أبابا، شن فريق من السياسيين والخبراء المصريين هجومًا حادًا على هذه الزيارة، مشككين في تحركات قطر الإفريقية، وأنها تهدف إلى الإضرار بمصالح مصر المائية والاقتصادية في القارة الإفريقية، بل وصل الحد إلى وصف البعض لهذه الزيارة بأنها نوع من “المكايدة السياسية لمصر” كما جاء على لسان الدكتور هاني رسلان، رئيس وحدة حوض النيل والسودان بمركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية.
رسلان في تصريحات صحفية له أشار إلى أن قطر تسعى للبحث عن دور لها مستغلة حالة الاضطراب السياسي والأمني الذي تحياه المنطقة العربية والشرق الأوسط، ملفتًا أن زيارة الشيخة موزة (والدة أمير قطر) للخرطوم وتبرعها بـ130 مليون دولار لترميم الأثار السودانية إنما يأتي في إطار الإضرار بمصالح مصر، فضلاً عن إسهام قطر في تمويل سد النهضة بطرق غير مباشرة عن طريق الاستثمارات وغيرها.
وفي السياق نفسه، شكك السفير نبيل بدر مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، في زيارة أمير قطر لدول إفريقيا، كاشفًا أن تحركات الدوحة في دول حوض النيل “ليست طبيعية”، ملفتًا أن البعد الاقتصادي والاستثماري ليس الهدف الوحيد للزيارة، إذ إن هناك تأويلات أخرى من بينها الإضرار بأمن مصر المائي.
الإدعاءات المصرية بشأن محاولة الدوحة الإضرار بمصالحها المائية من خلال هذه الزيارة، يدفع إلى إلقاء الضوء حول العلاقات القطرية الإفريقية لاسيما مع دول القرن الإفريقي سواء السياسية او الإقتصادية أو الأمنية في محاولة للإجابة عن التساؤل: لماذا هذه الزيارة وما الهدف منها؟
هاني رسلان: زيارة الشيخ تميم لإثيوبيا نوع من المكايدة السياسية لمصر
السيسي وتميم في شرم الشيخ
دعم العلاقات السياسية
تشهد العلاقات بين الدوحة وعدد من العواصم الإفريقية حالة من التعاون والتنسيق المتبادل لم تشهدها من قبل، لا سيما إثيوبيا، السودان، جيبوتي، جنوب إفريقيا، لما تربطهم من مصالح مشتركة تدفع إلى مزيد من التقارب.
إثيوبيًا.. استأنفت قطر علاقاتها مع بأديس أبابا عام 2012 بعد قطيعة استمرت 6 سنوات خلال الفترة (2008-2012)، نتيجة اتهام إثيوبيا لقطر بدعم حكومة إريتريا وحركة الشباب في الصومال، المناوئتين لأديس أبابا، ومع أول تغيير في النظام الإثيوبي عام 2012 عادت العلاقات إلى سابق عهدها، حيث قام وزير الخارجية القطري السابق، بزيارة لأديس أبابا، أدّت إلى استئناف العلاقات بين الطرفين، وإلى زيارة أمير قطر السابق لأديس أبابا عام 2013.
سودانيًا.. تتمتع العلاقات بين الدوحة والخرطوم بالقوة والتقارب في كثير من الملفات، حيث كانت قطر إحدى الدول الساعية لرفع العقوبات عن السودان، وكان لها دور في حل أزمة دارفور وإنهاء الحرب هناك من خلال اتفاق الدوحة مع الحركات المتمردة، وتبرعت بمليارات الدولارات من أجل حقن الدماء هناك، وهذا سر العلاقات السودانية القطرية الوطيدة.
إريتريًا.. لعبت الدوحة دورًا سياسيًا محوريًا مع أسمرة، وذلك حين تحالفت مع الرئيس أسياس أفورقي، ودعمته، وهو ما كان سببًا في إحداث القطيعة بين قطر وإثيوبيا لمدة ستة أعوام كاملة، وقد تعززت هذه العلاقات بين البلدين بزيارة أمير قطر إلى أسمرة عام 2015، وزيارتين لرئيس إرتيريا إلى الدوحة (أغسطس 2015، مارس 2016)، خاصة أن أسمرة تنظر إلى قطر باعتبارها جسر العلاقات مع دول الخليج العربي، كما أنّ هناك تنسيق بين الطرفين لدعم السودان.
أميرة فاضل: قطر تمثل أحد الشركاء الرئيسيين لإفريقيا وهي عضو مراقب بالاتحاد الإفريقي، ولها دور رائد في السودان والصومال
جيبوتيًا.. العلاقات بين قطر وجيبوتي تقوم على محورين، الأول: المساعدات الإنسانية القطرية المقدمة، حيث تأتي جيبوتي في المرتبة الثانية على قائمة الدول الأكثر حصولاً على المساعدات القطرية إفريقيًا بعد الصومال، الثاني: الوساطة القطرية في تقريب وجهات النظر بين جيبوتي وإريتريا وذلك من خلال استفادة جيبوتي من علاقة الدوحة وأسمرة لدعم هذه الوساطة، وما ترتب على ذلك من نشر قوات عسكرية قطرية على الحدود الجيبوتية الإريترية لحفظ السلام هناك.
كما كان لقطر دور محوري إفريقيًا حسبما جاء على لسان مفوضة الشؤون الاجتماعية بالاتحاد الإفريقي، أميرة الفاضل، والتي أشارت إلى أن زيارة أمير قطر تاريخية ومهمة وتعزز العلاقات العربية الإفريقية.
الفاضل في تصريحات لها ألقت الضوء على إسهامات قطر في دعم القارة من خلال حل النزاعات في مناطق عديدة بإفريقيا، واصفة الدوحة بأنها تمثل أحد الشركاء الرئيسيين لإفريقيا وهي عضو مراقب بالاتحاد الإفريقي، ولسمو الأمير جهود فاعلة في منطقة شرق إفريقيا خاصة في القضايا الإنسانية، مشيرة الى جهود قطر الرائدة في السودان والصومال.
الاستثمارات والتعاون الاقتصادي
تمتلك قطر حزمة كبيرة من الاستثمارات داخل قارة إفريقيا، وهو ما دفع البعض إلى القول بأن أحد أبرز أهداف الزيارة إنما يتعلق بتنمية هذه الاستثمارات والمشروعات ومحاولة إيجاد فرص استثمارية جديدة خاصة أن قطر ليست الدولة الوحيدة التي وجهت دفتها صوب القارة السمراء، إذ إن هناك العديد من القوى الدولية والإقليمية باتت تنظر إلى إفريقيا على أنها قبلة الاقتصاد القادمة لما تتمتع به من إمكانيات وموارد هائلة.
ففي جنوب إفريقيا بلغ حجم الاستثمارات المتبادلة بين البلدين نحو 13.2 مليار دولار أمريكي، ومن أبرز الشركات القطرية الموجودة بها شركة قطر للبتروكيماويات، إضافة إلى شبكة الجزيرة، وفي المقابل تبلغ مجموع استثمارات جنوب إفريقيا في قطر وتحديدًا في قطاع الطاقة 8.9 مليار دولار.
وقد طالب جاكوب زوما رئيس جمهورية جنوب إفريقيا، بتنمية مجالات التعاون التجاري والاقتصادي مع قطر بما في ذلك قطاع البتروكيماويات والقطاع الزراعي والتعدين وتطوير البنى التحتية، وكذلك قطاع البيع بالتجزئة والجملة، مبينًا أن الربط الجوي المباشر بين قطر وجنوب إفريقيا سيلعب دورًا مباشرًا في تعزيز التعاون التجاري.
11 اتفاقية تعاون في مجالات اقتصادية عدة وقعت بين الدوحة وأديس أبابا ديسمبر الماضي
وفي السودان تبلغ قيمة الاستثمارات القطرية بأكثر من 3.8 مليار دولار، حسبما جاء على لسان وزير الاستثمار السوداني الدكتور مدثر عبد الغني، والذي أكد على مساهمة الدوحة في دعم مشروعات البنى التحتية والطرق والكباري والسدود ومشروعات البترول والتعدين وغيرها من المشروعات التي كان لها أثر واضح على الاقتصاد الوطني.
أما في إثيوبيا، بعد استئناف العلاقات الدبلوماسية مجددًا، تزايدت فرص التعاون الاقتصادي بين البلدين، ففي ديسمبر الماضي تم توقيع 11 اتفاقية تعاون في مجالات اقتصادية عدة، وذلك على هامش زيارة وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، حيث تنوعت الاتفاقيات في قطاعات، السياحة، الاستثمار، البنى التحتية، دعم التقارب الثنائي بين رجالات الأعمال والمال في البلدين، سبل تعزيز التعاون في مجال السلم والأمن على المستويين الدولي والإقليمي.
وقد علق وزير الخارجية الإثيوبي ورقنه جيبيو، حينها بقولة إن بلاده ترتبط بعلاقات قديمة وتاريخية مع قطر، مشيدًا بمستوى تلك العلاقات، وأن زيارة وزير الخارجية القطري تعتبر إشارة للعمل المشترك وتوثيق العلاقات بين البلدين، داعيًا المستثمرين القطريين، للاستثمار في مختلف المجالات في إثيوبيا، خاصة في مجالي السياحة والاستثمار والعقارات.
هذا بالإضافة إلى ما تردد بشأن مساعي قطر لإنشاء شركة على غرار موانئ دبي وذلك من خلال تطوير ميناء عصب الإريتري، بحيث يصبح المنفذ الوحيد للدول الإفريقية الداخلية وفي مقدمتها أوغندا والسودان لتصدير بضائعهم من خلال نظير مقابل مادي يصب في صالح الدوحة، وهو ما لم تؤكده قطر حتى الآن.
قطر وإثيوبيا توقعان 11 اتفاقية تعاون ويضعان خريطة لتطوير العلاقات
تعزيز الأمن القومي الخليجي
الاتفاقيات المبرمة بين دول الخليج عامة بما فيها قطر ودول إفريقيا لا سيما القرن الإفريقي والذي يضم (إثيوبيا، الصومال، جيبوتي، إريتيريا) لم تقتصر فقط على البعد السياسي والاقتصادي، بل هناك بعد آخر لا يقل أهمية ومكانة، ألا وهو البعد الأمني، وهو ما يفسر إبرام بعض دول الخليج عدد من الاتفاقيات العسكرية والأمنية مع دول المنطقة.
ومع ما تمثله منطقة القرن الإفريقي من عملق استرتيجي لليمن، نظرًا لقربها الشديد من مسرح الأحداث، وفي ظل استمرار العمليات العسكرية هناك، كان لا بد لدول مجلس التعاون الخليجي من إبرام بعض الاتفاقيات الأمنية وهو ما حدث بالفعل لا سيما مع السعودية والإمارات، ومن ثم تأتي زيارة أمير قطر لهذه الدول في إطار هذا التوجه الخليجي في تلك المنطقة.
البعض ذهب إلى أنه لو نجحت قطر في كسب تأييد إثيوبيا لحكومة السراج ستحقق ضربة قوية للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الداعم لحكومة حفتر
دعم حكومة السراج
بعدًا آخر تتضمنه زيارة أمير قطر لإثيوبيا، وهو جذب أنظار الشعب الإثيوبي وحكومته تجاه الأزمة الليبية، ومحاولة الحصول على دعم إثيوبي إفريقي لحكومة فايز السراج المعترف بها دوليًا في غرب ليبيا، في مواجهة حكومة اللواء متقاعد خليفة حفتر في المنطقة الغربية، وذلك بحسب مراقبين.
البعض أشار إلى أنه لو نجحت قطر في كسب تأييد إثيوبيا لحكومة السراج ستحقق ضربة قوية للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الداعم لحكومة حفتر في الملف الليبي، وذلك في إطار الصراع السياسي بين القاهرة والدوحة، أما فيما يتعلق بالعبث في ملف مصر المائي، فإن الدوحة ليس لديها مصلحة في محاصرة مصر مائيًا كما يتردد في القاهرة، ملفتًا أن القلق من زيارة تميم لأديس أبابا غير مبررة، فإثيوبيا دولة كبيرة، ونمر إفريقيا الصاعد حاليًا، والزيارة هدفها تشجيع الاستثمارات في المقام الأول.
ومن هنا يمكن القول إن جولة أمير قطر الإفريقية التي تشمل إثيوبيا وكينيا وجنوب إفريقيا لا تتعلق بالقاهرة فقط أو محاولة العبث بأمنها المائي كما يزعم الإعلام المصري، بل تهدف في المقام الأول إلى بحث سبل تنمية حزمة الاستثمارات القطرية في هذه الدول، فضلًا عن تقوية العلاقات السياسية وتعزيز تواجدها بأفريقيا.