أعادت المجزرة الإسرائيلية التي اُرتكبت في 17 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 في المستشفى الأهلي العربي “المعمداني”، التذكير بالسجلّ المخزي والمشين والممتلئ بالمذابح لدولة الاحتلال، منذ أن تأسّست على يد العصابات الصهيونية في المنطقة بداية القرن الماضي، ضمن مساعيها لإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين.
وتحولت ساحة المشفى إلى ميدان أكبر مجزرة في تاريخ قطاع غزة، حيث أحال قصف جيش الاحتلال الإسرائيلي المئات من المرضى والنازحين -معظمهم من النساء والأطفال- إلى أشلاء، إذ يعدّ مستشفى المعمداني أقدم مشفى في قطاع غزة، وبُني قبل نكبة فلسطين بأكثر من نصف قرن وسط مدينة غزة في أحد المربعات السكنية المكتظة بحي الزيتون.
وكانت إحداثيات المستشفى -الذي لم يستهدَف قط خلال الحروب الإسرائيلية السابقة على القطاع- قد وصلت “إسرائيل” سابقًا عبر الصليب الأحمر، في حين أكدت وزارة الصحة في قطاع غزة أن المجزرة سبقها تهديد صريح وتحذير مباشر من الجيش الإسرائيلي.
ومنذ بداية العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة الذي أطلق عليه اسم “السيوف الحديدية”، وتطلق عليه المقاومة الفلسطينية اسم “طوفان الأقصى”، هدد الاحتلال 22 مستشفى وعيادة حكومية وخاصة، وطالب بإخلائها رغم اكتظاظها بالحالات المرضية.
ومنذ نشأة دويلة الاحتلال ارتكبت عشرات المذابح سواء ضد الشعب الفلسطيني، أو ضد دول عربية مثل مصر ولبنان وسوريا، وغيرها من المناطق التي طالتها يد الجريمة الإسرائيلية، وشهدت الحروب مع المقاومة في السنوات الأخيرة سلسلة من المجازر التي اُرتكبت بحقّ عائلات.
تاريخ المجازر.. ما قبل النكبة وبعدها
يذكّر “نون بوست” في هذا التقرير بأبرز المجازر التي ارتكبتها العصابات الصهيونية أو قوات الاحتلال منذ تأسيس “إسرائيل” عام 1948:
- مذبحة بلدة الشيخ: اقتحمت عصابات الهاغاناه، في 31 ديسمبر/ كانون الأول 1947، قرية بلدة الشيخ (يطلق عليها اليوم اسم تل جنان) ولاحقت المواطنين العزل، وقد أدّت المذبحة إلى مصرع العديد من النساء والأطفال، حيث بلغت حصيلة المذبحة نحو 600 شهيد وجدت جثث غالبيتهم داخل منازل القرية.
- مذبحة دير ياسين: اُرتكبت في قرية دير ياسين غربي القدس في 9 أبريل/ نيسان 1948، على يد الجماعتَين الصهيونيتَين أرجون وشتيرن، وراح ضحية هذه المذبحة أعداد كبيرة من السكان لهذه القرية من الأطفال وكبار السن والنساء والشباب. عدد من ذهب ضحية هذه المذبحة مختلَف عليه، إذ تذكر المصادر العربية والفلسطينية أن ما بين 250 إلى 360 ضحية تمّ قتلها، بينما تذكر المصادر الغربية أن العدد لم يتجاوز 109 قتلى.
- مذبحة قرية أبو شوشة: بدأت المذبحة في 14 مايو/ أيار 1948 في قرية أبو شوشة القريبة من قرية دير ياسين فجرًا، راح ضحيتها 50 شهيدًا من النساء والرجال والشيوخ والأطفال ضُربت رؤوس العديد منهم بالبلطات، وقد أطلق جنود لواء جعفاتي، الذي نفّذ المذبحة، النار على كل شيء يتحرك دون تمييز.
- مذبحة الطنطورة: في 23 مايو/ أيار 1948 هاجمت كتيبة 33 التابعة للواء ألكسندروني قرية طنطورة، واُحتلت القرية بعد عدة ساعات من مقاومة أهالي البلدة لقوات الاحتلال، وفي ساعات الصباح الباكر كانت القرية كلها قد سقطت في يد جيش الاحتلال.
وانهمك الجنود الإسرائيليون لعدة ساعات في مطاردة دموية شرسة لرجال بالغين بهدف قتلهم، في البداية أطلقوا النار عليهم في كل مكان صادفوهم فيه: في البيوت، في الساحات، وحتى في الشوارع، وبعد ذلك أخذوا يطلقون النار بصورة مركزة في مقبرة القرية.
وخلّفت مذبحة الطنطورة أكثر من 90 قتيلًا دُفنوا في حفرة كبيرة، وعلى المقبرة التي دُفنت فيها جثث القتلى من أهالي القرية في قبر جماعي، أقيمت لاحقًا ساحة لوقوف السيارات كمرفق لشاطئ “دور” على البحر المتوسط جنوبي حيفا.
- مذبحة قبية: قامت وحدات من الجيش النظامي الإسرائيلي، في 14 أكتوبر/ تشرين الأول 1953، بتطويق قرية قبية (كان عدد سكانها يوم المذبحة حوالي 200 شخص) بقوة قوامها حوالي 600 جندي، بعد قصف مدفعي مكثف استهدف مساكنها، وبعد ذلك اقتحمت قوات الاحتلال الإسرائيلي القرية وهي تطلق النار بشكل عشوائي. وبينما طاردت وحدة من المشاة السكان الفلسطينيين العزل وأطلقت عليهم النار، عمدت وحدات أخرى إلى وضع شحنات متفجرة حول بعض المنازل، فنسفتها فوق سكانها.
- مذبحة خان يونس: نفّذ جيش الاحتلال الإسرائيلي، في 3 نوفمبر/ تشرين الثاني 1956، مذبحة بحق اللاجئين الفلسطينيين في مخيم خان يونس جنوبي قطاع غزة، راح ضحيتها أكثر من 250 فلسطينيًّا، وبعد 9 أيام من المجزرة الأولى، أي 12 نوفمبر/ تشرين الأول 1956، نفّذت وحدة من الجيش الإسرائيلي مجزرة وحشية أخرى راح ضحيتها نحو 275 شهيدًا من المدنيين في المخيم نفسه، كما قُتل أكثر من 100 فلسطيني آخر من سكان مخيم رفح للاجئين في اليوم نفسه.
- مذبحة القدس: أمطرت القوات الإسرائيلية، في يونيو/ حزيران 1967، مدينة القدس وسكانها بوابل من القصف المتواصل بالقنابل الحارقة، جوًّا وأرضًا، وبموجات من رصاص الرشاشات، ما أدى إلى استشهاد حوالي 300 من المدنيين.
- مذبحة صبرا وشاتيلا: في 16-18 سبتمبر/ أيلول 1982، وقعت هذه المذبحة في مخيم صبرا وشاتيلا الفلسطيني بعد دخول القوات الإسرائيلية الغازية إلى العاصمة اللبنانية بيروت وإحكام سيطرتها على القطاع الغربي منها، وراح ضحية مذبحة صبرا وشاتيلا 1500 شهيد من الفلسطينيين واللبنانيين العزل، بينهم الأطفال والنساء، فضلًا عن اغتصاب النساء.
- مذبحة المسجد الأقصى: في يوم الاثنين الموافق 8 أكتوبر/ تشرين الأول 1990، وقبيل صلاة الظهر، حاول متطرفون يهود ممّا يسمّى بـ”جماعة أمناء جبل الهيكل” وضع حجر الأساس للهيكل الثالث المزعوم في ساحة الحرم القدسي الشريف، وهبَّ أهالي القدس لمنع المتطرفين اليهود من تدنيس المسجد الأقصى، ما أدّى إلى وقوع اشتباكات بين المتطرفين اليهود الذين يقودهم جرشون سلمون زعيم “أمناء جبل الهيكل”، و5 آلاف فلسطيني قصدوا المسجد لأداء الصلاة فيه.
وتدخّل جنود حرس الحدود الإسرائيليون الموجودون بكثافة داخل الحرم القدسي، وأخذوا يطلقون النار على المصلين دون تمييز بين طفل وامرأة وشيخ، ما أدّى إلى استشهاد أكثر من 21 شهيدًا وجرح أكثر من 150 منهم، كما اُعتقل 270 شخصًا داخل وخارج الحرم القدسي الشريف. - مذبحة الحرم الإبراهيمي: مذبحة الحرم الإبراهيمي بقيادة باروخ غولدشتاين، وهو طبيب يهودي، في مدينة الخليل الفلسطينية في 25 فبراير/ شباط 1994، التي قام بها مع تواطؤ عدد من المستوطنين والجيش بحقّ المصلين، حيث أطلق النار على المصلين المسلمين في المسجد الإبراهيمي أثناء أدائهم الصلاة فجر يوم جمعة في شهر رمضان، وقتل 29 مصليًّا وجرح 150 آخرين قبل أن ينقضّ عليه مصلون آخرون ويقتلوه.
- مجزرة قانا: وقعت في يوليو/ تموز 2006، واستشهد خلالها 55 شخصًا معظمهم من الأطفال، وتضم البلدة التي تسمّى رسميًّا “قانا الجليل” أحياء كثيرة، منها حارة الفوقا وحارة التحتا وحي السيدة صالحة (يوجد مقام لسيدة جليلة) وحي البركة وحي المحافر وحي الجامع الشرقي وحارة مار يوسف وحي الحافور، كما حي الوارداني وحي الخشنة وحي الماصية وحي الحمارة والخريبة.
ويوجد في قانا مقر لقوات الطوارئ الدولية الأممية “يونيفيل”، وتعرضت تلك القرية الوادعة لمجزرة أخرى فجر 30 يوليو/ تموز 2006 خلّفت 57 قتيلًا على الأقل أكثرهم من الأطفال، كانوا قد لجؤوا إلى بناية هربًا من القصف الإسرائيلي الذي يشَنّ على قريتهم، في مذبحة عُرفت بمجزرة قانا الثانية.
عوامل وأسباب.. الانتقام وكيّ الوعي
تقوم العقيدة الإسرائيلية على نظرية تميُّز العرق اليهودي والنظرة الاستعلائية، وبالتالي إنهم ينظرون إلى العرب عمومًا والفلسطينيين على وجه الخصوص على أنه لا حصانة لهم، ولا مشكلة في إزهاق عشرات الآلاف منهم في سبيل حفظ الأمن القومي.
وبالحديث عن العوامل والأسباب التي تقود الاحتلال إلى المجازر، يمكن تلخيصها في عدة نقاط أبرزها:
أولًا: الشعور الإسرائيلي بالعجز أمام حالة المقاومة تاريخيًّا، وحاجتهم إلى فرض هجرة للعرب والفلسطينيين، وهو ما نراه الآن جليًّا في هذا العدوان عبر الإبلاغات المتكررة لجميع سكان محافظة الشمال بإخلائها والنزوح نحو الجنوب، وعبر الضربات التي تستهدف المدنيين وأماكن إيوائهم حتى لو كانت مستشفيات، حتى تضطرهم للنزوح.
ثانيًا: السعي لخلق نقمة من المدنيين على المقاومة، عبر تضخيم المأساة الإنسانية وجعلها تفوق القدرة على التحمل، ما يجعل السكان يطرحون أسئلة عن جدوى أي فعل مقاوم.
ثالثًا: محاولة كيّ وعي الفلسطينيين وجعل ثمن المقاومة مرتفع، والتفكير مرارًا به قبل تنفيذ أي عمليات أو مواجهات ضد الاحتلال.
رابعًا: إحداث أضرار على الصعيد الجغرافي وعلى الصعيد الاقتصادي يصعب تعويضها خلال فترات زمنية متقاربة.
ومنذ تأسيسها، لم تخضع دولة الاحتلال لمساءلة جادّة من أي طرف دولي أو غربي، بل لم توبّخ على مذابحها من أي جهة فاعلة ومؤثرة، وكل ما تلقاه مقابل وحشيتها هو المزيد من التسليح والدعم والمناصرة وعبارات الشد على اليد، وحدهم المقاومون هم من يجعلونها تتألم.