ترجمة وتحرير نون بوست
في أعقاب العمليتين الإرهابيتين اللتين استهدفتا مسيحيي مصر وأسقطت 45 قتيلا قبطيا، شهدت مصر عودة تفشي العديد من الممارسات المروعة، على غرار الاعتقالات من دون مذكرات إيقاف، ورعب التحقيقات، فضلا عن إعلان حالة الطوارئ التي أعادت الجيش للشوارع. ولكن، ما يجعل الأمر أكثر تعقيدا بالنسبة للرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، أن ذلك يدل على أن تنظيم الدولة قد تمكن من عبور قناة السويس، وهو أمر حاول الجيش منعه منذ أشهر.
وفي الأثناء، قد يعتقد دونالد ترامب أن السيسي قد أنجز عملا رائعا في ظل الأوضاع الصعبة التي تعيشها مصر، ولكن في الحقيقة كانت سياسة الرئيس فاشلة للغاية. فقد كان مسؤولا عن عمليات الخطف القسري لأي شخص لا يحظى بقبول أجهزة الأمن. فضلا عن ذلك، سمح السيسي بعودة التعذيب إلى أقسام الشرطة (يجب أن لا ننسى حادثة الطالب الإيطالي الذي عثر عليه مقتولا على قارعة الطريق وعليه آثار تعذيب). كما ادعى النظام أن الإخوان المسلمين، الذين قام ضدهم بانقلاب العسكري، يمثلون تنظيم الدولة في مصر.
يواجه السيسي مشاكل مختلفة، فمن خلال إعلانه عن حالة الطوارئ، التي وعد أنها لن تدوم أكثر من 3 أشهر، علما وأنها قد تدوم سنة كاملة، أثبت عبد الفتاح السيسي للعالم أن الاستثمار الخاص لن ينمو في الأشهر القليلة القادمة
في المقابل، تبقى الحقيقة المسكوت عنها أن معظم شبه جزيرة سيناء كانت وما زالت تحت سيطرة تنظيم الدولة لعدة أشهر، قاموا خلالها باستهداف وحشي ضد المسيحيين والجنود ورجال الشرطة في المنطقة الواقعة بين قناة السويس وغزة. وعلى الرغم من كل ذلك، لم يخجل السيسي من التصريح بأنه حقق انتصارات هامة في حربه ضد الإرهاب. في واقع الأمر، ساهمت قوانينه المستبدة في خلق المزيد من الإرهاب، وإبادة أمل آلاف الشباب في العيش في ظل الديمقراطية.
على امتداد عدة أشهر إثر انقلابه ثم جلوسه على كرسي الرئاسة، بعد فوزه في انتخابات خيالية، كان أنصار السيسي يزعمون أنه قد نجح في تضييق الخناق على تنظيم الدولة وعزله في الجانب الآخر من القناة. خلافا لذلك، فشل الجيش والشرطة في تحقيق ذلك، فقد نجح تنظيم الدولة، اليوم، في التوغل في كل من القاهرة والإسكندرية ومن المحتمل أنه سيتمكن من التمركز في كل المناطق الفقيرة والمهمشة على خط النيل.
تؤكد بيانات شهر آذار/ مارس، المتعلقة بالاستثمار الخاص، أن هذا المجال لم يشهد أي تحسن يذكر، على الرغم من تطبيق “إصلاحات” العملة وإجراءات التقشف التي أعادت شبح الموت إلى مدن مصر الفقيرة.
وبالتالي، سنشهد، في الأيام القليلة المقبلة، على إراقة المزيد من الدماء في طرقات العاصمة بعد تفجيري الإسكندرية وطنطا. ولهذا السبب، تم نشر قوات الجيش في الشوارع، وستكون مهمتهم درء تنظيم الدولة حتى لو تطلب الأمر خوض المعارك ضده في الطرقات، تماما كما هو الحال في مدن سيناء على امتداد السنتين الماضيتين.
في المقابل، يواجه السيسي مشاكل مختلفة، فمن خلال إعلانه عن حالة الطوارئ، التي وعد أنها لن تدوم أكثر من 3 أشهر، علما وأنها قد تدوم سنة كاملة، أثبت عبد الفتاح السيسي للعالم أن الاستثمار الخاص لن ينمو في الأشهر القليلة القادمة. في الوقت نفسه، تؤكد بيانات شهر آذار/ مارس، المتعلقة بالاستثمار الخاص، أن هذا المجال لم يشهد أي تحسن يذكر، على الرغم من تطبيق “إصلاحات” العملة وإجراءات التقشف التي أعادت شبح الموت إلى مدن مصر الفقيرة.
لا يمكن القول أن التاريخ يعيد نفسه في مصر، إذ أنه مستمر، منذ عقود خلت، وفي كل مرة يتجسد بارتداده الصبياني نحو قانون الطوارئ والعنف والفقر
في عهد مبارك والسادات، كان يتم إعلام البرلمان الصوري والوزراء بمخطط قانون حالة الطوارئ. في المقابل، تجاهل السيسي كل حكومته ولم يكلف نفسه إعلامهم بقراراته في هذا الشأن، مع العلم أن الحكومة قد سمعت عن إعلان حالة الطوارئ لأول مرة، عندما استجاب السيسي لمقتل المسيحيين في الإسكندرية ودلتا النيل. هذا ما يفعله الدكتاتور العسكري، حتى وإن أصر السيسي على الادعاء بأنه “ديمقراطي”.
ولسائل أن يسأل: كيف ردت إدارة ترامب عن انتهاك حقوق الإنسان على يد شرطة السيسي؟ خلافا لإدارة أوباما، صرح أحد المسئولين في البيت الأبيض، “تتمثل مقاربتنا في حل مثل هذا النوع من الإشكاليات الحساسة في التعامل معها في كنف السرية والتكتم”. ولكن لماذا يجب أن نعتبر موضوع انتهاك حقوق الإنسان مشكلة حساسة في المقام الأول؟ لما لم نعتبر انتهاكات حقوق الإنسان موضوعا حساسا في مناطق أخرى في الشرق الأوسط، مثل ما حصل في العراق وسوريا؟ قد يظن ترامب أن السيسي يقوم بعمل جبار في مواجهة الأزمة في بلاده، ولكن ذلك غير صحيح. ففي واقع الأمر، يعمل السيسي على الانحدار ببلاده نحو القاع، بنفس السطوة والفظاظة، والأسلوب الوحشي لمن خلفهم، جمال عبد الناصر وأنور السادات وحسني مبارك.
في الحقيقة، لا يمكن القول أن التاريخ يعيد نفسه في مصر، إذ أنه مستمر، منذ عقود خلت، وفي كل مرة يتجسد بارتداده الصبياني نحو قانون الطوارئ والعنف والفقر. وفي الوقت الراهن أخذ حبل المشنقة يجهز، فاستعدوا “للمحاكمات الخاصة”.
المصدر: الإيندبندنت