ترجمة وتحرير نون بوست
في ظل تواتر الانتقادات اللاذعة بشأن التأثيرات السلبية لمواقع التواصل الاجتماعي، أعلن مارك زوكربيرغ أنه يسعى لتحسين خدماته وتطوير الفيسبوك من خلال أفكار جديدة. ولكن هل يحق لشركة معينة أن تتمتع بهذا النفوذ؟
عشر سنوات بعد بداية أجهزة التلفاز
مكنت أجهزة التلفاز التي كانت حاضرة في كل بيت في الولايات المتحدة الأمريكية، القنوات التلفزية من تحقيق نجاح مالي ضخم عبر بث العديد من البرامج. وقد ذكر رئيس اللجنة الفيدرالية للاتصالات خلال خطاب له في سنة 1961، أمام المديرين التنفيذيين لهذه القنوات، أن عائدات هذه الصناعة بلغت أكثر من 1 مليار دولار سنويا، وبنسق نمو فاق 9 بالمائة في السنة حتى في فترات الانكماش الاقتصادي.
لعل ما يثير الصدمة هو أن السبب الذي دفع نيوتن ميناو لوصف التلفاز على أنه “مصب فضلات كبير”، ينطبق اليوم على الفيسبوك
في المقابل، أفاد رئيس اللجنة الفيدرالية للاتصالات، أن هناك مشكلة أساسية في هذا المجال تتعلق بكيفية إدارة هذه المؤسسات وحصولها على الأرباح. فلم تكن طريقة عمل هذه المؤسسات تخدم مصالح المواطنين، بل كانت ترتكز على عرض البرامج السخيفة والغبية التي تمتزج بالدعايات التجارية المسيئة والمبهرة. وفي هذا الصدد أقر رئيس اللجنة، أن “التلفاز أصبح وسيلة مقيتة، ولا شيء يفوقه سوءا”. وقد اشتهر هذا الخطاب نظرا للازدراء والاحتقار الذي أظهره رئيس لجنة الاتصالات نيوتن ميناو، الذي وصف القنوات التلفزيةبأنها “مصب كبير للفضلات”.
كان ذلك توصيفا رائعا للوضع في ذلك الوقت، ولكن هناك أسباب جديدة تدعونا للاستشهاد بذلك الخطاب، بعد عشرة سنوات من ظهور وسيلة جديدة للتواصل ألا وهي فيسبوك. فقد تسلل هذا الموقع إلى كل المنازل، كما حقق نجاحا ماليا منقطع النظير، إلا أنه بات في الوقت نفسه وسيلة لنشر الأخبار الزائفة وتحقيق مآرب خبيثة.
ولعل ما يثير الصدمة هو أن السبب الذي دفع نيوتن ميناو لوصف التلفاز على أنه “مصب فضلات كبير”، ينطبق اليوم على الفيسبوك. في الواقع، صرح ميناو أمام مديري القنوات التلفزية الأمريكية، متحدثا عن دورهم في المجتمع، أن “صناعتكم تعد أقوى أداة في الولايات المتحدة، ولذلك فأنتم تتحملون مسؤولية توظيف صوتكم بطريقة ذكية. وفي غضون سنوات قليلة، تطورت هذه الصناعة المثيرة من مجرد ظاهرة مستجدة إلى أداة ذات نفوذ مهول على الشعب الأمريكي. يجب أن تكونوا مستعدين لتولي القيادة بشكل مسؤول كما فعلت الصحف والمجلات طوال السنوات الماضية، وذلك حتى يكون شعبنا واعيا بما يدور في هذا العالم”.
بيّن زوكربيرغ أن هدف فيسبوك يتمحور حول مساعدة مستخدميه على رؤية الصورة الكاملة لهذا العالم
وفي الأثناء، يتفق مارك زوكربيرغ مع نيوتن في هذه النقطة بالذات، حيث كتب في شباط/فبراير الماضي، مقالا من 5700 كلمة تساءل فيه حول الدور الغامض الذي يلعبه الفيسبوك في الحياة المدنية. وفي هذا الصدد، أفاد زوكربيرغ “هل نحن بصدد بناء العالم الذي نريده؟”. وفي إشارة إلى القدرة الفائقة لفيسبوك على نشر الأكاذيب والشائعات، وقدرته على إثارة مشاعر الأشخاص، بين زوكربيرغ أن هدف فيسبوك يتمحور حول مساعدة مستخدميه على رؤية الصورة الكاملة لهذا العالم.
ولكن كيف يمكننا أن نطور هذه المنصة وجعلها مفيدة وتضطلع بدور أفضل في حياتنا؟
في سنة 1961، أجاب ميناو بوضوح على هذا التساؤل، حيث قال: “أنا أؤمن بأن أغلب مشاكل التلفاز مصدرها الأساسي غياب المنافسة”. ومن هذا المنطلق، أعلن ميناو أنه يتطلع لظهور المزيد من القنوات ووصولها لكل الأفراد من خلال تكنولوجيات جديدة على غرار القنوات المدفوعة والقنوات الفضائية، وقنوات اللاقط الأرضي. علاوة على ذلك، تعهد ميناو بأنه سوف يبحث عن طرق جديدة لدعم المحطات التلفزيونية المحلية حتى تكون قادرة على خدمة المجتمعات المحلية. وفي هذا الإطار، أقر ميناو “أنا قلق بشكل خاص من تركز القوة في يد الشبكات التلفزيونية الكبيرة”.
خلافا لذلك، قد لا يتفق مارك زوكربيرغ مع ميناو في هذه النقطة بالذات، نظرا لأن فيسبوك يرتكز بشكل أساسي على جمع النفوذ والقوة في شبكة واحدة، وهي شبكة الفيسبوك، التي يطلق عليها زوكربيرغ اسم “المجتمع الكوني”. وفي حين تسبب الفيسبوك من خلال التجربة الواقعية في انتشار الاستقطاب الحاد والانقسامات، يعتقد زوكربيرغ أن هذا المشكل الخطير يمكن حله بمجرد إحداث بضع تعديلات. ففي رسالة كتبها في شباط/فبراير، قال زوكربيرغ إن فيسبوك سيسعى للحد من عامل إثارة البلبلة في هذه المنصة، ويتخذ إجراءات جديدة لجعل مستخدميه أكثر اطلاعا ووعيا وأكثر التزاما بالديمقراطية.
أقر زوكربيرغ بشكل لافت بما لاحظه جميع مستخدمي فيسبوك خلال انتخابات 2016، إذ أن هذه الشبكة الاجتماعية لم تكن في خدمة الديمقراطية الأمريكية
مما لا شك فيه أن نوايا زوكربيرغ نبيلة، ولكن المشكلة لا تتمحور حول الحاجة إلى تحسين فيسبوك. في الحقيقة، يقف وراء موقع فيسبوك شركة بلغت قيمتها 400 مليار دولار، إذ أنها وبكل بساطة تجمع كل المعلومات الخاصة بنا حول أذواقنا وعاداتنا في التسوق وآرائنا السياسية، وكل ما يدور في أذهاننا، وبالتالي ، تتمتع هذه الشركة بنفوذ يتجاوز كل المقاييس. في واقع الأمر، كل ما نحتاجه لحل المشاكل المتعلقة بهذا الموقع هو قضاء وقت أقل على هذا الموقع.
التلاعب بالعقول
في هذه الرسالة، أقر زوكربيرغ بشكل لافت بما لاحظه جميع مستخدمي فيسبوك خلال انتخابات 2016، إذ أن هذه الشبكة الاجتماعية لم تكن في خدمة الديمقراطية الأمريكية. فقد ساهم تدفق تحديثات الأخبار على الموقع، وأبرز المنشورات التي تظهر للمستخدم عند فتح فيسبوك، في تغذية حرب الشائعات والمغالطات التي كان أغلبها يصب في مصلحة دونالد ترامب، حسب تحليل قام به هانت ألكوت من جامعة نيويورك وماثيو غنكو من جامعة ستانفورد. كما ساهم فيسبوك بشكل مبالغ فيه في نشر قصص وصور تخدم الآراء المسبقة والحقائق المسلمة.
في السياق ذاته، أورد زوكربيرغ في رسالته: “في مواقع التواصل الاجتماعي يتم تضخيم الرسائل وتناقلها عدة مرات، وهذا يخدم التفاهة ويعرقل الحياد والتفكير المجرد. من الأفضل أن يعمد فيسبوك على عرض مختلف وجهات النظر أمام الأفراد. في المقابل، يعتبر الموقع، في الوقت الراهن، في أسوأ حالاته، حيث يتسبب في نشر التفكير البسيط ويدفع الناس للتمترس وتبني آراء متطرفة”.
تعتبر محاولة فيسبوك لاعتماد إستراتيجيات جديدة، أمرا إيجابيا ولكن هذه الجهود لن تفيد على الأرجح، زوكربيرغ في خلق ما يسميه “المجتمع الواعي”، لأن آلية عمل الفيسبوك نفسها لا تخدم هذا الهدف.
بهدف وضع حد لمشكلة الأخبار المزيفة، يعمل فيسبوك الآن على تصيد الأكاذيب والقصص المفبركة التي يتم تناقلها على الموقع، ويعتمد في هذه المهمة على طرف ثالث يتثبت من الحقائق ويعلن عن زيف مثل هذه الأخبار. وعلى أمل نشر القصص الحقيقية والواقعية حتى وإن لم تكن ذات فائدة، قامت الشركة بتعديل خوارزميات ظهور المنشورات على حائط المستخدم، من أجل منح المزيد من الأهمية للقصص التي لا يشاركها الناس إلا بعد قراءتها أو على الأقل فتحها كاملة، عوضا عن القصص التي يقوم الأشخاص بنشرها في ثوان قليلة اعتمادا على العنوان فقط.
في الحقيقة، تقوم هذه الفكرة على نظرية أن القصص التي يتم تناقلها على فيسبوك بناء على عنوانها فقط هي في الغالب تكون خالية من أي مضمون، ولا يتوفر فيها ما يسميه زوكربيرغ “المحتوى العميق الجيد”. من المرجح أن أفكار زوكربيرغ لن تنجح في خلق “المجتمع الواعي”، نظرا لأن آلية عمل الفيسبوك نفسها مخالفة لهذا المبدأ.
على العموم، تعتبر محاولة فيسبوك لاعتماد إستراتيجيات جديدة، أمرا إيجابيا. وتتماشى هذه التوجهات مع المبادئ المدنية والراقية التي أعلنت عنها الشركة في الماضي، مثل تشجيع الناس على التصويت، ودفعهم لتقديم التبرعات لضحايا الفيضانات والزلازل. ولكن هذه الجهود لن تفيد على الأرجح، زوكربيرغ في خلق ما يسميه “المجتمع الواعي”، لأن آلية عمل الفيسبوك نفسها لا تخدم هذا الهدف.
لا تروج الأغلبية الساحقة لمقاطع الفيديو المنتشرة على الإنترنت لخطاب عقلاني وواعي
في الواقع، لا يعد فيسبوك بالأساس منصة لنشر الأفكار، بل هو عبارة عن شبكة من المستخدمين. ونظرا لأنه يوجد حوالي 2 مليار مستخدم نشيط كل شهر على الموقع، فلا يمكن مراقبتهم جميعا أو التواصل معهم. وكما يشير إليه فيسبوك، فإن أصدقائك على الموقع هم بشكل عام الأصدقاء الذين تعرفهم في الحياة الواقعية، وذلك يزيد من احتمال أن تجد نفسك داخل دائرة مغلقة من الأشخاص الذين يشاطرونك نفس الأفكار والمواقف.
من جهة أخرى، يمكنك مقابلة غرباء إذا انضممت إلى مجموعة تهمك، ولكن منشورات هؤلاء المستخدمين الذين غالبا ما يحملون آراء مختلفة لن تحظى بمساحة هامة على صفحتك الخاصة ولن تظهر لك في تسلسل الأخبار. والسبب الكامن وراء ذلك أن ما يظهر لك على الحائط يتم تحديده من خلال خوارزميات تهدف إلى عرض الأشياء التي على الأرجح قد تتوافق مع مبادئك وتثير إعجابك. ويتمثل الهدف من ذلك في جعلك سعيدا أثناء تصفحك للفيسبوك، وحثك للبقاء على الموقع طوال اليوم، وهذا لن يتحقق إلا من خلال إظهار القصص الجذابة والمثيرة أمامك.
ولسائل أن يسأل ما هو السبب الذي يجعل من فيسبوك ينشر مقاطع فيديو أكثر من المنشورات المكتوبة؟ في الواقع، أشار أحد المدراء التنفيذيين في الشركة إلى أنه خلال السنوات المقبلة قد تصبح المنشورات من نوع واحد أي على شكل فيديو. وبالطبع، قد تكون بعض هذه المقاطع التي ستشاهدها على فيسبوك عبارة على أفلام وثائقية مفيدة أو أخبارا حول أهم ما يحدث في العالم، ومواد أخرى إعلامية عميقة وشيقة. ولكن، بشكل عام، لا تروج الأغلبية الساحقة لمقاطع الفيديو المنتشرة على الإنترنت لخطاب عقلاني وواعي.
وقد أشار مارك زوكربيرغ نفسه إلى هذا الأمر في رسالته، حيث أقر بأن أغلب الأشخاص يتصفحون فيسبوك من أجل هدف اجتماعي وهو مشاركة الطرائف والدعابات مع الأصدقاء والأقارب، والتواصل مع الأشخاص الذين يعيشون في مكان بعيد، أو للحصول على الدعم داخل المجموعات لمواجهة التحديات اليومية مثل تربية الأطفال أو التعامل مع المرض. ووفقا لهذه المعطيات، يبدو أن تحويل فيسبوك إلى فضاء لنشر الوعي والحس المدني والالتزام السياسي، ضربا من الخيال.
الكثيرين منا باتوا قلقين بشأن تجسس الحكومات على المواطنين، خاصة بعد التسريبات التي كشفها إدوارد سنودن
والجدير بالذكر أن الهدف الأساسي لفيسبوك منذ البداية لم يكن نشر الوعي في المجتمع، كما أن الشركة تحوز معلومات شخصية تخص مستخدمي الموقع، تقوم بعرضها فيما بعد للبيع على الشركات التجارية. ويعد هذا السلوك غير مفاجئ، فقد أعلن زوكربيرغ منذ سنوات أن احترام الخصوصية لم يعد معيارا اجتماعيا مهما، إلا أن حجم انتهاك فيسبوك لهذه الخصوصية في الوقت الحالي بلغ مستويات صادمة.
في الصيف الماضي، نشرت صحيفة واشنطن بوست قائمة من 98 معلومة شخصية يقوم فيسبوك بجمعها من حسابات المستخدمين. فمن خلال تحليل سلوكك على فيسبوك ومقارنتها بملفات أخرى تهمك، تستطيع الشركة التوصل إلى حجم مداخيلك المالية، ومرتبك الشهري أو مرابيحك، فضلا عن قيمة منزلك، ووضعك البنكي، وما إذا كنت تقدم التبرعات، أو تستمع إلى الراديو، وما إذا كنت تشتري أدوية مضادة للحساسية. يلجأ فيسبوك لهذه الإستراتجية حتى يقدم للشركات التجارية فرصة غير مسبوقة لعرض اللافتات الدعائية أمامك بشكل فعال ودقيق لزيادة احتمالات إقناعك بالشراء.
على العموم، تعتبر هذه الإستراتجية مفيدة جدا بالنسبة لفيسبوك، فقد حققت الشركة صافي أرباح بلغ 10 مليار دولار من جملة مداخيل بلغت 28 مليار دولار في السنة الماضية. ولكن هل هذا الأمر مفيد لنا؟ وفي هذا الصدد، أقرت سو هالبيرن في مجلة نيويورك ريفيو، أن الخدمات التي يوفرها الفيسبوك تتطلب منا في المقابل التخلي عن شيء في حال خسرناه لن نتمكن من استعادته بسهولة.
وأضافت هالبيرن، أن “الكثيرين منا باتوا قلقين بشأن تجسس الحكومات على المواطنين، خاصة بعد التسريبات التي كشفها إدوارد سنودن. ولكن النزعة الاستهلاكية التي تشجع الشركات على انتهاك خصوصيتنا والتجسس على ميولاتنا ومعلوماتنا الشخصية، تمثل بدورها تهديدا لحقوقنا وحرياتنا الشخصية ومصلحتنا الجماعية. في الواقع، قد تكون هذه الوقائع أكثر خطورة مما قد نتصور، بما أننا وبكل غباء نتنازل عن 98 بالمائة من حريتنا من أجل حفنة من الخدمات التي تتلاعب بعقولنا حتى صرنا نتوهم أننا حصلنا عليها مجانا”.
تتمثل أول خطوة في هذا الطريق في الإقرار بأنه حتى في ظل المنافسة المفتوحة الموجودة الآن على شبكة الإنترنت، فإن فيسبوك يلعب دورا أكبر من اللازم في مجتمعنا
عندما تنظر إلى فيسبوك بهذه الطريقة، يصبح من الصعب على الشركة إقناعك بأنها منصة لتشجيع الحياة المدنية والالتزام السياسي. ففي حال امتنعنا عن التنازل عن خصوصيتنا حسب ما يمليه الفيسبوك، واستغنينا عن هذا الموقع، الذي وصفه زوكربيرغ أنه يوفر لمستخدميه “احتياجاتهم الشخصية والروحية والعاطفية”، يمكننا حماية خصوصيتنا وحرياتنا. وعوضا عن الإدمان على استخدام الفيسبوك يمكننا أن نعمل على خلق منصات تواصل اجتماعي جديدة، وإنشاء شبكات اجتماعية للتفاعل مع الآخرين فيما يتعلق بالشأن العام دون السماح لأي شركة بجمع معلومات عنا.
فرص عديدة
ماذا لو تتبعنا التفكير الذي اعتمده نيوتن ميناو في تعامله مع القنوات التلفازية في سنة 1961، وخلصنا إلى أنه يجب علينا إحداث تعددية في الشبكات القوية، من أجل الارتقاء بالأفكار وتشكيل الوعي العام؟
تتمثل أول خطوة في هذا الطريق في الإقرار بأنه حتى في ظل المنافسة المفتوحة الموجودة الآن على شبكة الإنترنت، فإن فيسبوك يلعب دورا أكبر من اللازم في مجتمعنا. عموما، يستخدم حوالي 68 بالمائة من البالغين في الولايات المتحدة هذا الموقع، وذلك وفقا لإحصائيات مركز بيو للأبحاث. وتعد هذه النسبة مرتفعة جدا مقارنة بمستخدمي إنستغرام الذين تبلغ نسبتهم 28 بالمائة، وبنترست الذي يبلغ عدد مستخدميه 26 بالمائة، في حين يسجل كل من لينكد إن نسبة 25 بالمائة وتويتر نسبة 21 بالمائة. وفي الأثناء، لا يمكن لأي من هذه المواقع منافسة فيسبوك من حيث جاذبيته وتعدد استخداماته.
من جهة أخرى، ساهم خطاب ميناو بشأن “مصب الفضلات”، في تحفيز المنافسة في مجال الإعلام، مما شجع بدوره توسع القنوات العامة في الولايات المتحدة. وربما حان الوقت اليوم لبذل جهود مماثلة للحث على تنوع المنصات ومواقع التواصل الاجتماعي.
نحتاج للمزيد من الجهود والخيارات من أجل مجابهة النفوذ الكبير الذي يتمتع به فيسبوك وتأثيره غير الصحي على حياتنا
وتجدر الإشارة إلى أن هذه البدائل غير التجارية لن يتم على الأرجح تمويلها من قبل الحكومة. وفي السياق ذاته، أورد رالف إنجلمان، المؤرخ الإعلامي في جامعة لونغ آيلاند، في كتابه تحت عنوان “التلفاز والراديو العمومي في الولايات المتحدة: تاريخ سياسي”، أن إنشاء قنوات البث العمومي كان بدفع وتمويل من منظمات غير ربحية على غرار مؤسسة فورد ومؤسسة كارنجي. وخلال السنوات القليلة الماضية، ظهرت عديد الوسائل الإعلامية غير الربحية، التي بدورها يمكنها بذل المزيد من الجهد لتوفير بدائل إعلامية جديدة.
في الماضي، قدمت بدائل أكثر وعيا ورُقيا من فيسبوك، وعلى رأسها موقع دياسبورا الذي يتيح لمستخدميه طرقا للتواصل الاجتماعي دون فقدان التحكم في بياناتهم الشخصية. ومن المثير للاهتمام أن موقع بارليو الذي تملكه شركة كورا، قد شارك في تأسيسه أحد الوجوه المعروفة التي قادت الربيع العربي في مصر، والذي شجع على طرح مواضيع ومناقشتها على هذا الموقع بشكل واع وحضاري ومنفتح.
خلافا لذلك، نحتاج للمزيد من الجهود والخيارات من أجل مجابهة النفوذ الكبير الذي يتمتع به فيسبوك وتأثيره غير الصحي على حياتنا. في الوقت ذاته، ينبغي المحافظة على المزايا التي توفرها مواقع التواصل الاجتماعي الآن، على غرار إمكانية التواصل مع الأشخاص خاصة الذين تفصلنا عنهم مسافات طويلة، والبقاء على اطلاع على الأخبار، وطرح أفكارنا.
يمكن للمنصات المنافسة لفيسبوك، الذي نجح في بسط سيطرته على شبكات التواصل الاجتماعي، التوجه إلى شرائح معينة من المجتمع، والاستجابة لأذواقهم الخاص
ونظرا لأن البدائل غير الربحية ستكون خالية من الإكراهات وسرقة المعلومات الشخصية والتجسس، ستعتمد على طرق مبتكرة لتشجيع الناس على التفاعل والتواصل. وفي الأثناء، قد تتخلص من نموذج عرض الأخبار الموجود الآن على فسبوك وتويتر، الذي يشجع على إثارة البلبلة أكثر من الواقعية. في الوقت ذاته، ستعتمد بعض البدائل بشكل مكثف على الخوارزميات من أجل تصنيف القصص والأفكار، في حين سيلجأ بعضها الآخر إلى التدخل البشري لتقييم المحادثات وكشف التجاوزات والأكاذيب والشائعات.
وفقا لما ذكر آنفا، يمكن للمنصات المنافسة لفيسبوك، الذي نجح في بسط سيطرته على شبكات التواصل الاجتماعي، التوجه إلى شرائح معينة من المجتمع، والاستجابة لأذواقهم الخاصة. وفي ظل تضخم الفيسبوك وتعاظم نفوذه، أصبح إيجاد بدائل أمرا ضروريا حتى تحل محل فيسبوك. وفي حال لم تنجح هذه البدائل في افتكاك نصيب من مستخدمي فيسبوك، فإنها قد تكون كافية لتذكير المستخدمين أنه على الرغم من نجاح شركة فيسبوك في اكتساب جملة من النفوذ وتحقيق أرباح خيالية، إلا أن هناك بدائل أخرى مهمة وحيوية.
لماذا أصبحنا أخيرا نعيش فيما يسميه البعض “العصر الذهبي للتلفزيون”، بكل ما يحمله من تأثير ثقافي وبرامج متطورة وراقية لا تهين ذكائنا؟
في الحقيقة، لا يكمن السبب وراء ذلك في توقف القائمين عن هذه القنوات عن تقديم المحتوى التافه والمثير، بل لأن الجماهير أصبحت منقسمة أكثر من أي وقت مضى، بسبب انتشار القنوات العمومية والمدفوعة وخدمات البث الحي عبر الإنترنت، وهو ما مثل تحديا للشركات الكبرى. وبالتالي، يمكن الجزم بأن الأمر يتطلب تنوعا في الخيارات لإنهاء التبعية للشبكات العملاقة، من أجل خلق نماذج جديدة أفضل.
المصدر: تكنولوجي ريفيو