بدأت واشنطن تتحرك في العالم لحلحلة الأزمة السورية، وهو ما كان الكل ينتظره منذ مدة طويلة فقد أدى الجمود الأمريكي حول سوريا لتعسر آليات الحل السياسي، ومنذ الضربة الأمريكية على مطار الشعيرات في سوريا والموقف الأمريكي تغير من النظام السوري والأسد، وصار شبه يقينًا أن ما قبل الضربة الكيميائية على خان شيخون ليس كما بعدها؟
البروبوغاندا الأمريكية ضد الأسد
بدأت الولايات المتحدة بالضغط على موسكو بشكل أكبر للتوقف عن دعم الأسد، وتكثفت التصريحات الأمريكية من مختلف المسؤولين الأمريكيين حول الأسد لتظهر للعلن أن هناك “فقاعة” أمريكية ضد الأسد لم يتيقن العالم بعد من شكل وجدية التحرك الأمريكي في سوريا، سوى من الضربة العسكرية على مطار الشعيرات. وأبرز تلك التصريحات ما قاله ترامب في معرض حديثه عن الأسد مع صحيفة “فوكس نيوز” الأمريكية، إذ قال إن “بوتين يدعم شخصًا شريرًا بحق، أظنه سيئًا جدًا، سواء بالنسبة لروسيا أو للبشرية والعالم أجمع”.
كلام ترامب حول وصفه لبشار الأسد بأنه “حيوان” يعتبر الأعنف من نوعه من مسؤول رفيع المستوى تجاه رأس النظام السوري، بشار الأسد
وأضاف ترامب في كلام يعتبر الأعنف من نوعه من مسؤول رفيع المستوى تجاه رأس النظام السوري، بشار الأسد، عندما وصفه بـ”الحيوان” لأنه يلقي غازات سامة أو قنابل أو براميل متفجرة، وسط مجموعة من الناس، “ثم تجد الأطفال دون أذرع أو أرجل أو أوجه، فهذا، بكل إنصاف، هذا حيوان”.
المتحدث باسم البيت الأبيض شون سبايسر
واعتبر المتحدث باسم البيت الأبيض “شون سبايسر” في المؤتمر الصحفي أمس الثلاثاء، أن الأسد أسوأ من هتلر “فالسلاح الكيميائي لم يستخدم في الحرب العالمية الثانية وحتى هتلر لم ينحدر إلى درجة من استخدام هذا السلاح”. وذكر وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس إن النظام السوري، سيدفع ثمنًا باهظًا إذا استخدم أسلحة كيميائية مرة أخرى، وأشار أن الوضع في سوريا لن يتسبب في تدهور علاقة الولايات المتحدة بروسيا.
وزير الخارجية الأمريكي يصرح قبل التوجه إلى روسيا بأنه من الواضح أن حكم عائلة الأسد يقترب من النهاية.
وجاءت تصريحات حاسمة لوزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون أمس الثلاثاء قبل توجهه إلى موسكو بقوله إنه “أفعالاً مثل الهجوم الكيماوي الذي وقع الأسبوع الماضي تجرد الرئيس الأسد من شرعيته ” وأضاف أنه “من الواضح أن حكم عائلة الأسد يقترب من النهاية”.
تحشيد عالمي ضد روسيا
اتسم اجتماع وزراء خارجية مجموعة السبع الكبار الذي عقد أمس في إيطاليا بأهمية بالغة في خصوص موضوع الأسد وعلاقة الروس به، وقد حضر القمة وزراء خارجية دول كل من إيطاليا، كندا، اليابان، فرنسا، ألمانيا، بريطانيا، الولايات المتحدة بالإضافة إلى انضمام وزراء خارجية كل من تركيا والسعودية وقطر والإمارات والأردن.
وهو ما يشير إلى حشد أمريكي كبير للضغط على روسيا بالتخلي عن الأسد، وضمنت أمريكا بادرة حسن نية لروسيا، بعدم فرض عقوبات جديدة على روسيا بعد الهجوم الكيميائي علمًا أن اقتراح فرض العقوبات جاء من طرف بريطانيا، حيث طرح وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون الاثنين الماضي إمكانية فرض عقوبات على “مسؤولين في الجيش الروسي شاركوا في تنسيق العمليات السورية وتلوثوا بالسلوك الوحشي لنظام الأسد”.
اجتماع وزراء خارجية دول السبع الكبار في إيطاليا
وتوصلت المجموعة إلى موقف موحد بشأن الصراع في سوريا قبل سفر وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون إلى روسيا لإقناعها بالتخلي عن مساندتها لحكومة الرئيس السوري بشار الأسد. بالإضافة إلى الاتفاق على أنه لا حل للأزمة السورية طالما بقى الأسد في السلطة. وقال وزير الخارجية الإيطالي “أنجلينو ألفانو” بأنه ليس هناك إجماع على عقوبات جديدة إضافية، وأضاف علينا أن نجري حوارًا مع روسيا، علينا ألا ندفع روسيا نحو الزاوية”.
توصلت مجموعة السبع الكبرى إلى موقف موحد بشأن الصراع في سوريا ماهيته إقناع روسيا بالتخلي عن مساندة الرئيس بشار الأسد.
توحد موقف الدول في الاجتماع، يشير إلى دعم دولي واسع لم يشهده العالم منذ بداية الثورة السورية وبقيادة أمريكا، ضد الرئيس الأسد وروسيا أكبر حلفاءه، ويتفائل الرئيس الأمريكي ترامب، حول موقف روسيا من هذه القضية ففي محادثة هاتفية مع رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي، يوم الإثنين الماضي، ذكر إن “هناك فرصة لإقناع روسيا بالتوقف عن دعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد”.
استقبت روسيا زيارة تيلرسون ودعت للتأكيد في رغبتها على تعاون بناء مع الولايات المتحدة مقابل محاولة تبرئة الأسد من جريمة خان شيخون، جاء رد تيلرسون من إيطاليا في الأمس أن باب التعاون مع موسكو مفتوح ولكن بشروط، وخير تيلرسون روسيا بين التعاون معها والاصفاف مع العالم أو أن تبقى مع الأسد وإيران، وقال إنه “يمكن أن تكون روسيا جزءًا من ذلك المستقبل وتؤدي دورًا مهمًا أو أن تحتفظ بتحالفها مع سوريا وإيران وحزب الله المسلح وهو ما نعتقد أنه لن يحافظ على مصالح روسيا على المدى الطويل”.
رسالة تيلرسون إلى بوتين
سيكون جدول أعمال مباحثات تيلرسون في موسكو مقتصرًا على الموقف الروسي من الأزمة السورية، فالضربة الأمريكية على سوريا بحسب خبراء روس أدخلت الأزمة السورية مرحلة جديدة، وحدت موقف الدول السبع برفضها لنظام الأسد والدعم الروسي المستمر له، وتشكلت أرضية مناسبة لفرض عقوبات اقتصادية جديدة بحق موسكو على خلفية دعمها للنظام بالإضافة أن الضربات على سوريا قد تتكرر، وهذا بحد ذاته مؤشر قوي على تحول السياسة الخارجية الأمريكية لإيجاد حل للأزمة السورية.
الضربة الأمريكية على سوريا أدخلت الأزمة السورية مرحلة جديدة
تيلرسون سينقل رسالة جماعية من دول السبع الكبار، بينما سترد عليه روسيا بطلب تقديم أدلة قاطعة على أن نظام الأسد هو الذي استخدم السلاح الكيميائي في خان شيخون في إدلب.
وأشار وزير الخارجية الروسي لافروف أن علاقات موسكو وواشنطن في أسوأ حالاتها منذ الحرب الباردة، معبرًا عن أمله في أن يطلعنا تيلرسون على خطط واشنطن في ليبيا واليمن. وأضاف لافروف بأنه يأمل موافقة واشنطن على إجراء تحقيق دولي بخصوص هجوم إدلب الكيميائي، وعبر عن تطلع موسكو لمحادثات بناءة، مع وزير الخارجية الأمريكي.
وكان الرئيس الروسي بوتين حذر من خطط أمريكية لشن ضربات صاروخية جديدة بعد اختلاق هجمات بالغاز وإلصاق التهمة بالقوات النظامية السورية، كما ما يرى، وأضاف أنه “لدينا معلومات بأنه يتمّ التجهيز لاستفزاز في أجزاء أخرى من سوريا، بما في ذلك ضواحي دمشق الجنوبية، حيث يخططون مرة أخرى لزرع بعض المواد واتهام السلطات السورية باستخدام أسلحة كيماوية”.
ولكن تيلرسون وحسب مصادر إعلامية، يحمل في جعبته أكثر من مجرد كلام للضغط على روسيا لتخليها عن الأسد، إذ من المتوقع أن يعرض على بوتين تحقيق مصالح روسية مقابل البدء بعملية انتقال سياسية تقود لإزاحة بشار الأسد من السلطة في سوريا دون انهيار مؤسسات الدولة، وتلك المصالح تتضمن تخفيف العقوبات المفروضة على روسيا من قبل أمريكا وأوروبا، وإعادة روسيا إلى نادي الثماني الكبار والتعاون مع روسيا في مجال مكافحة الإرهاب، مقابل وقف نار شامل في سوريا لا يشمل الإرهابيين وإطلاق عملية انتقال سياسي جدية تحافظ على المؤسسات وتؤدي إلى خروج الأسد.
يتضمن عرض تيلرسون على روسيا تخفيف العقوبات المفروضة على روسيا من قبل أمريكا وأوروبا، وإعادة روسيا إلى نادي الثماني الكبار والتعاون مع روسيا في مجال مكافحة الإرهاب
وفي حال رفض روسيا العرض الأمريكي ستعمل أمريكا برأي مراقبين إلى قيادة تحالف لوحدها لقتال داعش في الرقة وإقامة مناطق آمنة في الشمال السوري ومحاولة إعادة إعمار هذه المنطقة بالشكل الذي يعيد الحياة إليها لضمان عودة اللاجئين إليها، ومن ثم فصل مناطق شرق الفرات عن غربها التي سيتركز فيها النفوذ الإيراني والروسي، وحرمان مناطقهم من الموارد الاقتصادية والنفط والغاز الموجود شرق النهر، في حين يتم فرض عقوبات جديدة على روسيا وإيران لعزل المناطق التي تسيطر عليها بالشكل الذي يضمن إبقاء مناطقها مدمرة ومنعزلة، مع استمرار إغراق روسيا في “المستنقع” السوري وامتداد التطرف إلى أراضيها من خلال العمليات الإرهابية.
لم ترد أمريكا التحرك ضد روسيا لوحدها بل بالتنسيق والتعاون مع الدول الكبرى في العالم بالإضافة إلى دول مؤثرة في الملف السوري أبرزها تركيا والأردن والسعودية، وهذا يعطي الموقف الأمريكي صلابة واستدامة أكثر فيما لو كانت لوحدها. بينما روسيا عليها أن تواجه تغير الأولولية الأمريكية من حرب داعش إلى نزع حليفها الأسد، بدون الإضرار بعلاقتها مع ترامب، وكونها المؤثر الأكبر على النظام السوري فإن إمكانية تخليها عن الأسد سيكون مقابل ثمين من العالم، ليس أقلها رفع العقوبات عنها، وضمان مصالحها في سوريا ضمن أي حكومة مستقبلية منبثقة.
وعلى كل حال لا يزال التحرك الأمريكي لإزالة رأس النظام السوري أشبه بـ”فقاعة” وهناك احتمالات من الصفقة المتخيلة بين روسيا وأمريكا، كما يراها مراقبون أولها؛ إعلان الأسد عدم ترشحه، مقابل بقائه في سوريا متزعمًا حزب البعث، وثاني الاحتمالات؛ تسريع العملية السياسية بأدوات تشرعن بقاء النظام وتزيل رأسه، أما الاحتمال الثالث فهو تشكيل مجلس عسكري يدير البلاد ويصبح الرئيس سلطة فخرية.
وأن الثابت في أي صفقة أمران، الأول يتعلق بتغييب المعارضة لسببين أولا عدم توافر الرغبة الإقليمية والدولية بتغيير النظام والثاني عدم أهليتها لإدارة الدولة، وقيادة الدولة العميقة، والثاني، نمط الحكم الفعلي في البلاد -غير مشرعن- هو فيدرالية بدرجة لامركزية سياسية.
الضربة الأمريكية مثلت عودة استخدام أساليب دبلوماسبة القوة والتهديد بالقوة العسكرية بسبب تجاوز الخطوط الحمراء
أمام كل ما يحصل فإن هناك شيء ثابت لدى روسيا أن التحرك الأمريكي قادر على قلب المعادلة في سوريا، وأن روسيا لا يمكنها التصرف لوحدها في سوريا.
وحظيت التحركات الأمريكية بدعم دولي واسع حول مستقبل النظام السوري في سوريا، ومن جهة أخرى فإن الضربة الأمريكية مثلت عودة استخدام أساليب دبلوماسبة القوة والتهديد بالقوة العسكرية بسبب تجاوز الخطوط الحمراء من قبل النظام السوري، وأن ترامب عندما اتخذ قراره لم يشاور حلفاءه أو روسيا الحليف المفترض لترامب.
وبهذا أثبت ترامب أنه ليس كسابقه أوباما الذي تردد في اتخاذ مواقف جدية من الأزمة السورية، ما أدى لتغلغل روسيا فيها، ومن جهة أخرى أيضًا تحاول إدارة ترامب أن تثبت أنها ليست في خندق واحد مع بوتين، وأنها قادرة على اتخاذ قرارات حاسمة بدون أي فواصل دبلوماسية عند تجاوز الخطوط الحمراء الجديدة التي تحددها.