هل يصبح الأزهر الضحية الأولى للمجلس الأعلى لمواجهة التطرف؟

جاءت تفجيرات الأحد الـ9 من أبريل الحالي بكنيستي مارجرجس بطنطا والمرقسية بالإسكندرية وراح ضحيتها ما يقرب من 47 مصريًا و126 مصابًا لتلقي بظلالها على المشهد السياسي برمته، ومع الساعات الأولى للحادث نصَب عدد من الإعلاميين والسياسيين أنفسهم منظرين وخبراء في محاولة للبحث عن أسباب تفشي العنف والتطرف في المجتمع المصري.
وما هي إلا دقائق معدودة عقب الكلمة التي ألقاها الرئيس عبد الفتاح السيسي تعليقًا على الحادث والذي أمر خلالها بتشكيل مجلس أعلى لمكافحة التطرف، إلا وبات الأزهر قبلة سهام النقد والتوبيخ من هنا وهناك، لتدخل المشيخة ورجالها جولة جديدة من جولات الصراع، لكن هذه المرة يبدو أن الأمر سيكون مختلفًا.
فريق يرى أن “الفرصة الآن سانحة لتقليم أظافر الأزهر وقياداته وتأميم إدارته وإعادة تشكيله بما يتوافق وتوجهات النظام الحالي” وآخر يرد بأن “ما يتعرض له هذا الكيان – مشيخة وعلماء – حملة ممنهجة تهدف إلى تشويه صورة الأزهر والقضاء عليه من أجل إحكام السيطرة على قراراته وقياداته”.
يعكس هذا الانقسام العلاقة المتوترة بين المؤسسة الدينية والنظام، فهل يصبح الأزهر أول ضحايا المجلس المزمع تشكيله لمكافحة التطرف أم يستطيع الصمود؟
تحميل الأزهر مسئولية التطرف
بعد دقائق من التفجير، شنّ عدد من الإعلاميين هجومًا ضد الأزهر، محملين إياه المسؤولية الكبرى في انتشار التطرف، مطالبين بضرورة إعادة النظر في مناهجه التعليمية من جانب، واللوائح التي تحدد طرق اختيار قياداته ومسؤوليه من جانب آخر.
من جانبه، سخر الإعلامي عمرو أديب، من الخطة التي أعلنها الأزهر لمواجهة التطرف والإرهاب، والتي جاء فيها إصدار توجيهات لكبار العلماء بإعداد الحكم الشرعي عن الأعمال الإرهابية، وهو ما علق عليه أديب بقوله: “الأزهر طلب إعداد الحكم الشرعي للأعمال الإرهاب، لو سمحتم طلعولنا حكم الراجل اللي بيروح وسط الأطفال والمصلين يفجر نفسه، أظن دي كلنا نفسنا نعرف دا حكمه إيه عند ربنا”.
وأضاف أن المصريين سعداء لطلب الأزهر إعداد الحكم الشرعي، معقبًا: “تفتكروا هيطلع المنتحر دا كافر أو يخش النار، ولا حكمه أنه يصوم 3 أيام مثلاً، دا أهله طبعُا اللي يصوموا، لا تعليق، نحن ننزف فكريًا وجسديًا، ولن يغير هذا البلد غير مجموعة من أبنائه الذين يشعرون بالخطر الدائم”.
أما أحمد موسى، فوصف قرار السيسي بإنشاء مجلس أعلى لمكافحة التطرف بأنه “شهادة وفاة للأزهر” قائلاً: “الأزهر الشريف فشل في مواجهة الإرهاب، وليس في مصر خطاب ديني يواجه الإرهاب، بُحّ صوت السيد الرئيس على مدى ثلاث سنوات لتصحيح الخطاب الديني، ما حدش عمل حاجة، والرئيس زهق”.
ويواصل أسامة منير العزف على هذا الوتر، حيث اتهم الأزهر ومناهجه وقياداته بأنها السبب الرئيسي في زيادة الأعمال الإرهابية في مصر خلال الفترة الأخيرة، مطالبًا قيادات الأزهر بتعديل مناهجها وحذف كل ما يشجع على الانقسام والتطرف ونبذ الآخر قبل أن تقدم واجب العزاء في ضحايا تفجير الكنيستين.
الهجوم على الأزهر لم يكن شأنًا إعلاميًا فحسب، فها هو البرلماني محمد أبو حامد عضو مجلس النواب المصري، يستغل هذه الحملة على المشيخة معلنًا إعادة تقديم مشروعه السابق بشأن مشروع تعديل قانون تنظيم الأزهر رقم 103 لسنة 1961، للدكتور علي عبد العال رئيس مجلس النواب، والذي كان قد أعلنه من قبل.
المقترح المقدم من النائب الداعم للنظام الحالي يقوم في فلسفته على ضرورة أن تتدخل المؤسسات الدينية المختلفة لترشيح أعضاء هيئة كبار العلماء وإن كان هناك تعيين لأعضائها يكون من خلال رئيس الجمهورية وليس شيخ الأزهر، وهو ما قوبل حينها بحملة انتقادات من قبل رجال الأزهر.
أما إسلام بحيري، فحمل الأزهر مسؤولية التطرف والإرهاب، قائلاً: “80% من الإرهاب الذي انتشر في البلاد خلال الخمس سنوات الماضية، يتحمله رجال الأزهر الحاليين، ولهذا يجب أن يراجعوا ويعزلوا من مناصبهم، ما يحدث الآن من إرهاب يعود إلى الكتب القديمة التي تضلل تلاميذ الأزهر”.
بحيري – المفرج عنه بقرار رئاسي بعد حبسه بتهمة ازدراء الأديان – طالب الدولة باستلام زمام الأمور فيما يتعلق بقضية تجديد الخطاب الديني، وألا تتركها للأزهر، لأنهم وفق رأيه “رجال خاضعون للنقد والمراجعة ويجب أن ينصاعوا لرغبة الدولة، فهم ليسوا كهنوت أو فوق المواطنين” وتابع: “رجال الأزهر لم يقوموا بواجبهم، فكان يجب أن يشكل كيان أكبر من الأزهر، لمراجعة الشيوخ بشكل قانوني ودستوري”.
إسلام بحيري: 80% من الإرهاب الذي انتشر في البلاد خلال الخمس سنوات الماضية، يتحمله رجال الأزهر الحاليين
رجال الأزهر يستنكرون
أثارت هذه الحملة التي لم تقتصر على الإعلاميين فحسب، بل وصلت إلى التحرك التشريعي لتقويض سلطة الأزهر وسحب بعض صلاحيات شيخه لصالح رئيس الدولة، حفيظة عدد من رجاله، ممن وصفوها بأنها “تصفية حسابات” بسبب موقف المشيخة من “الطلاق الشفهي” الذي أقرت هيئة كبار العلماء بوقوعه بما يتعارض مع رغبة السيسي الذي كان يطالب بموقف شرعي يجرم وقوع مثل هذا النوع من الطلاق.
الشيخ محمد زكي الأمين العام للجنة العليا للدعوة بالأزهر، استنكر هذا الهجوم الممنهج على الأزهر وقياداته، مرجعًا مثل هذه الحملات التي تسعى للنيل من هذا الكيان بأنها نتاج طبيعي لـ”الحقد الدفين” داخل النفوس المعادية لهذه المؤسسة الدينية.
زكي في تصريحات له أقر بالجهود المبذولة من قبل الأزهر فيما يتعلق بقضية تجديد الخطاب الديني، إلا أن أحدًا لم يسمع، على حد وصفه، وتابع: “الأزهر بُح صوته في قضية تجديد الخطاب الديني والجهود الكبيرة التي يبذلها من أجل هذه القضية بتعديل المناهج الدراسية والقوافل الدعوية المستمرة التي يطلقها والتواصل المباشر مع المواطنين، ولكن وسائل الإعلام لا تنظر إلى كل ذلك وتهتم ببرامج عديمة الجدوى في الضلال والزور ونشر الجنس والفحش”.
أمين لجنة الدعوة بالأزهر: الهجوم نتاج طبيعي لـ”الحقد الدفين” داخل النفوس المعادية لهذه المؤسسة الدينية
أما الدكتور مختار مرزوق عميد كلية أصول الدين الأسبق بأسيوط، فأشار إلى أن الأزهر بات المتهم الأول عند كل جريمة أو حادثة إرهابية تحدث في مصر، مشيرًا أن الأزهر برئ من هذه التهم، وأنها تأتي في إطار حملة معدة خصيصًا لاستهداف المشيخة، ملفتًا أنه ليس من الحكمة الطعن في الأزهر أو أحكام الشريعة الإسلامية بعد كل حادثة.
مرزوق وصف كل من يطعن في الأزهر وقياداته بـ”الجهل” وأنهم ليسوا على دراية بأحكام الشرع الصحيحة، مضيفًا أن “معظمهم لا يستطيع قراءة صفحة واحدة في كتب الفقه التي يسبونها، ويكفي أن بعضهم لم يستطع قراءة اسم صحيح البخاري”.
تفجير كنيستي طنطا والمرقسية فتح النار على الأزهر وقياداته
محاول للسيطرة والتأميم
فريق آخر ذهب في تفسيره للهجمة التي يتعرض لها الأزهر بأنها محاولة لفرض السيطرة عليه خاصة بعد تغريده خارج سرب النظام، فحين كان الأزهر داعمًا للدولة وسياساتها على طول الخط ما تجرأ أحد على الاقتراب منه لا بالتجريح أو النقد، لكن حين بدأ يغرد بعيدًا إلى حد ما، وسلك طريقًا غير المرسوم له، سلط النظام أجهزته الإعلامية والتشريعية والسياسية للنيل منه.
المفكر الإسلامي فهمي هويدي، يرى أن الهجمة على مؤسسة الأزهر ليست وليدة تفجير الكنيستين بطنطا والإسكندرية، لكنها بدأت في أعقاب الحديث عن تجديد الخطاب الديني في 2014، ملفتًا إلى الصدام الراهن يعد امتدادًا لأزمة الطلاق الشفهي.
هويدي في تصريحات له فسَر عودة الهجوم على هذا الكيان الديني بأنه محاولة لإخضاعه وإحكام السيطرة عليه بشكل كامل من قبل السلطة السياسية الحاكمة، في إطار مساعي فرض حالة من “التأميم” على كل منافذ الوعي والتثقيف، السياسي والإعلامي والديني.
المفكر الإسلامي أشار إلى أن الهجوم على الأزهر يأتي في إطار ما أسماه “حالة الهرج” التي تعيشها مصر في الآونة الأخيرة، وأن هناك سيناريوهان لا ثالث لهما إزاء التعامل مع هذه الحملة، الأول: تأميم الأزهر بشكل كامل لصالح السلطة، الثاني: تحويله إداريًا إلى مؤسسة تابعة للنظام تخضع للتعليمات وتنفذها وفقط، وهو ما يسعى البرلماني محمد أبو حامد أن يصل إليه من وراء مشروعه المقدم.
هويدي في تصريحاته قلَل من هذا الهجوم، موضحًا أن الأزهر ليس جهة مستقلة كما يتوهم البعض، وليس معارضًا للنظام، كما أنه ليس بالقوة التي تقلق السلطة، ملفتًا أن هذه الخصومة تعكس حالة الضعف التي تنتاب النظام الحاكم، وهو ما يجعل الحملة بلا منطق على حد وصفه.
فهمي هويدي: الهجوم على الأزهر يأتي في إطار مساعي السلطة الحاكمة فرض حالة من “التأميم” على كل منافذ الوعي والتثقيف، السياسي والإعلامي والديني
ليس الأزهر وحده
الكاتب الصحفي محمود سلطان رئيس التحرير التنفيذي لجريدة “المصريون” في مقال له تحت عنوان “ليس الأزهر وحده.. ولكن السيسي أيضًا!” أشار إلى أنه في الوقت الذي يطالب فيه السيسي الأزهر بتجديد خطابه الديني، لا يوجد دليل واحد على تورط هذا الكيان – علماءً ومؤسسة – في أي عمل إرهابي، إلا أنه وفي المقابل تؤكد تجربة السيسي في الحكم (2013 ـ 2017)، أن نظامه هو الذي يحتاج إلى تجديد ومراجعات سياسية جسورة”.
سلطان حمّل النظام الحاكم مسؤولية ما وصلت إليه الأوضاع، موضحًا أن “السيسي ـ كرئيس للجمهورية ـ يحتكر استخدام السلاح، وبيده القرار الاقتصادي، والنتيجة كما نرى: لا تحقق الأمن، ولا رفع الغلاء!” متسائلاً: أين المشكلة إذًا، في المؤسسة السياسية الرسمية التي على رأسها السيسي أم في رئيس مؤسسة علمية يرأسها د. أحمد الطيب؟! وأيهما الأولى بالتجديد والمراجعات؟!
محمود سلطان: تؤكد تجربة السيسي في الحكم أن نظامه هو الذي يحتاج إلى تجديد ومراجعات سياسية جسورة
واختتم رئيس تحرير “المصريون” مجيبًا على تساؤله بأن المشكلة تكمن في كون ” المراجعات السياسية، وكذلك تجديد الخطاب الديني، لا يمكن أن تُجرى في ظل مجتمع تعصف به الانقسامات وعلاقات الثأر وتحرش الكل بالكل، والقمع والترويع والمصادرة، وشيطنة كل من لا يروق للسلطة، وفرز الناس على فلاتر الولاء لا الكفاءة”، فالموضوع كما يصفه “كبير ومعقد” ولا يمكن لأي مؤسسة منفردة استيعابه واحتواءه، إلا أنه ومع ذلك تبقى مسؤولية من في “الاتحادية” أولًا، ثم تأتي بقية الجهات الأخرى التي لا غنى عنها أيضًا.
صحفيون يرون أن تجديد الخطاب الديني لا يمكن أن يجري وسط حالة القمع والمصادرة
وفي نفس السياق، أشار الدكتور محمد خليفة أبو راس أستاذ الدراسات الإسلامية بكلية الوافدين الإسلامية بجامعة الأزهر، أن الاتهامات التي يكيلها البعض للأزهر تعكس حالة الاستهداف الواضح لهذه المؤسسة الدينية، مشيرًا أنه إن كانت هناك اتهامات وتقصير من جانب الأزهر، فإنه ليس بمفرده الذي يفترض أن توجه إليه هذه التهم.
الأستاذ بالأزهر في تصريحاته حمّل الأوقاف جزءًا من المسئولية، ملفتًا أن الأزهر يعلم وينشئ، والأوقاف هي من تقوم بتعيين خريجي الأزهر كأئمة بالمساجد، ولهذا فالأوقاف مسؤولة لأن أئمتها يتواصلون بشكل مباشر مع المجتمع من خلال المنابر، على حد قوله.
يذكر أن العلاقة بين الأزهر والسلطة السياسية الحاكمة شهدت موجات من المد والجذر خلال الأشهر الماضية، وهو ما جسدتها تصريحات السيسي الموجهة لشيخ الأزهر أكثر من مرة، كما جاء في احتفالات مؤسسة الرئاسة بليلة القدر خلال شهر رمضان الماضي، حيث انتقد السيسي الطيب بشكل خاص وعلماء الأزهر بوجه عام، موجهًا حديثه له قائلاً: فضيلة الإمام كل ما أشوفه بقول له إنت بتعذبني، بينما في احتفالات مؤسسة الرئاسة بعيد الشرطة وجه الحديث لشيخ الأزهر قائلاً: تعبتني يا مولانا.
الأزهر لا يتحمل وحده مسؤولية التطرف فهناك الأوقاف التي يتواصل أئمتها مع الناس مباشرة
وقد تسبب التباين في وجهات النظر بين السيسي والطيب إلى إحداث شرخ واضح بين مؤسستي الأزهر والرئاسة وهو ما تجسد في عدد من المواقف بخلاف مسألة الطلاق الشفهي، ومن أبرزها، مسألة تجديد الخطاب الديني وتحفظ الأزهر على مطالب تعديل مناهجه الدراسية، كذلك مقترح الخطبة الموحدة والذي كشف عن جزء من الصراع بين المؤسستين.
وهكذا وبعد أن بات تشكيل مجلس أعلى لمكافحة التطرف أمرًا واقعيًا وفي ظل الهجوم الواضح على مؤسسة الأزهر، والمطالب التي تنادي بإعادة النظر في مناهجه الدراسية وإقصائه من مناقشة قضية تجديد الخطاب الديني، فضلاً عن تغيير ملامح خارطة قياداته وصلاحياتهم عبر مشروع القانون المزمع تقديمه لمجلس النواب، باتت المؤسسة الدينية الأبرز في مصر في انتظار مصيرها المجهول خاصة في ظل حالة الزخم الذي نجح الإعلام في تعبئة المناخ العام بها ضد رجال الأزهر وتوجهاتهم.