هددت إيران أكثر من مرة بالتخلي عن استخدام الدولار في تعاملاتها المصرفية والتجارية، وكانت الحكومة قد أصدرت قرارًا في بداية شهر فبراير/شباط الماضي يحظر استخدام عملة الدولار في البلاد، وتسعى الحكومة لاعتماد عملة أجنبية أخرى بديلة في السوق العالمية. فهل يعد هكذا قرار لصالح الاقتصاد الإيراني الذي يعاني من مشاكل وأزمات في ظل الظروف الصعبة التي تواجهها البلاد.
ترامب يحارب إيران
منذ وصول ترامب إلى البيت الأبيض صعد ترامب وإدارته من تحذيراته لإيران على خلفية انتهاكاتها المتكررة والتي كان آخرها تجربتها لصاروخ بالستي وتصرفاتها ضد السفن البحرية الأمريكية، وصرح قائلا أن “كل الخيارات مطروحة للتعامل مع طهران” ردًا على سؤال وجه له بشأن البحث في الخيارات العسكرية ضد إيران، ويُذكر أن ترامب ينتقد سلفه أوباما في التعاطي مع الملف النووي الإيراني وتوقيع الاتفاق النووي مع الدول الست الكبرى في 2015 وسبق أن هدد أكثر من مرة أنه سيعمل على إلغاءه فور وصوله للسلطة.
وبالفعل أعلنت الولايات المتحدة فرص عقوبات جديدة على 13 فردًا وكيانًا إيرانيًا يعتقد بارتباطهم بعلاقات بالبرنامج الصاروخي وبدعم ما تصفه بالأنشطة الإرهابية وقالت وزارة الخزانة الأميركية إن العقوبات تتضمن تجميد مصالح وممتلكات هذه الكيانات وحظر التعامل معها على المواطنين الأميركيين.
تسعى إيران منذ رفع العقوبات الأممية عنها مطلع 2016 لقبض مستحقاتها القديمة الضخمة من مستوردي النفط الإيراني باليورو بدلا من الدولار
كما استهدفت العقوبات الشركات والشخصيات التي تدعم بالمال والتكنولوجيا فيلق القدس الإيراني وحزب الله اللبناني. وحسب وزارة الخزانة الأميركية يقع مقر بعض هذه الشخصيات والشركات في لبنان والخليج. وقال البيت الأبيض إن الولايات المتحدة سوف تستمر في الرد على إيران بما يلزم بعد العقوبات الجديدة. وشدد ترامب إن “طهران تلعب بالنار” وأشار في تغريدة على موقع تويتر إلى أن “الإيرانيين لا يقدرون كم كان باراك أوباما طيبا معهم” مؤكدًا أنه لن يكون مثله. بينما ردت إيران على العقوبات الأمريكية، باعتبارها خرقًا للاتفاق النووي.
اليورو بدلا من الدولار
تسعى إيران منذ رفع العقوبات الأممية عنها مطلع العام الماضي 2016 لقبض مستحقاتها القديمة الضخمة من الهند وغيرها من مستوردي النفط الإيراني باليورو بدلا من الدولار، كما تصدر فواتير مبيعات النفط الجديدة باليورو، لتقليل اعتمادها على الدولار، وأكدت الشركة النفط الوطنية الإيرانية أن إيران ستطلب السداد باليورو في عقود النفط الموقعة مؤخرًا مع شركات عدة منها توتال الفرنسية وسبسا الإسبانية وليتاسكو التابعة لشركة لوك أويل الروسية. وطلبت غيران أيضًا من شركائها التجاريين الذين يدينون لها بمليارات الدولارات أن يسددوا هذه المبالغ باليورو وليس بالدولار.
يرى محللون أن اختيار اليورو بالنسبة لإيران تعد خطوة منطقية لأن أوروبا هي أحد أكبر الشركاء التجاريين لإيران، ولأن العديد من الشركات الأوروبية تهرع حاليًا إلى إيران للفوز بفرص تجارية واستثمارية. ولكن على النقيض من ذلك يرى محللون أن هذه الخطوة ستؤذي الاقتصاد الإيراني.
انخفاض سعر النفط سوف يرافقه انخفاض القدرة الشرائية لليورو في السوق العالمية، وبالمحصلة زيادة تكاليف استيراد السلع والمواد الغذائية الأخرى
إذ تواجه إيران مشكلتان في التخلي عن الدولار، الأولى تتعلق بالنظام المالي العالمي نفسه وتركيبته وارتباطه المنظومة المصرفية العالمية منذ فترة طويلة، حيث لا توجد أي دولة في العالم بإمكانها التخلي عن الدولار بطريقة فعالة بسبب هذا النظام، والسبب يعود إلى الولايات المتحدة نفسها وعملتها القوية الدولار المهيمنة على الأسواق العالمية، وأمام هذه الهيمنة لا يمكن لإيران تغيير هذا الواقع العالمي بسبب قوة الاقتصاد الأمريكي أولا ومحدودية اقتصاد إيران ثانيًا.
فالناتج الإجمالي لإيران يقدر بنحو 412 مليار دولار في العام 2016 وهي لا تتجاوز 2% من حجم الناتج الإجمالي الأمريكي البالغ قرابة 18 ترليون دولار، ومن ثم إن الاقتصاد الإيراني مخترق من قبل الدولة بشكل كبير ويتحكم فيه أدوات متنفذة تابعة بشكل مباشر وغير مباشر للحرس الثوري الإيراني، فضلا عن وجود اقتصاد موازي يحاكر الرسمي.
ويرى باحثون أنه هناك عملة قوية فقط من بين العملات العالمية وهذا واقع يعود إلى آلاف السنوات لا يمكن تغييره، والعملة الأقوى اليوم هي الدولار ولا وجود لأي عملة قادرة أن تحل محلها حتى الآن على الأقل. ولا حتى اليورو الذي يعد عملة قوية على مستوى أوروبا إلا أنه لا يحمل الميزات التي تحملها الدولار.
معظم السلع الاستراتيجية مسعرة بالدولار سواءًا كانت سلع طاقة أو أغذية أو معدنية
أما السبب الآخر وهي أن معظم السلع الاستراتيجية مسعرة بالدولار سواءًا كانت سلع طاقة أو أغذية أو معدنية، ويرأي محللين قد يكون هذا السبب الرئيسي الذي يفشل مشروع إيران في نبذ الدولار، فإيران تعتمد على الصادرات النفطية بشكل كبير.
حيث أثبتت الأبحاث خلال السنوات الماضية أن هناك علاقة عكسية بين النفط والدولار، فمتى ما ارتفعت قيمة الدولار مقابل العملات الأخرى، تنخفض أسعار النفط والمواد النفطية بشكل دراماتيكي. وبالنسبة للدول التي تربط صرف عملتها بالدولار فهذا يعني أن الدولار سيكون أكثر قيمة وبالتالي ستشتري تلك الدول به سلع أكثر.
التخلي عن الدولار بشكل كامل واعتماد اليورو سيكون سيئًا بالنسبة للاقتصاد الإيراني
لذلك لو قامت إيران فعلا بالتخلي عن الدولار بشكل كامل واعتمدت اليورو فإن ذلك سيكون سيئًا بالنسبة للاقتصاد الإيراني، والسبب أنه عادة ما يكون الدولار قويًا مقابل اليورو، وبقية العملات. وعندما يكون اليورو ضعيفًا – والذي يميل إلى أن يكون كذلك عندما يكون سعر النفط ضعيفًا- فإن انخفاض سعر النفط سوف يرافقه انخفاض القدرة الشرائية لليورو في السوق العالمية، وبالمحصلة زيادة تكاليف استيراد السلع والمواد الغذائية الأخرى، ومن شأن ذلك أن يؤدي إلى زيادة التضخم الذي يعاني من زيادة في الأصل.