ترجمة حفصة جودة
يوم 12 أكتوبر/تشرين الأول، بعد أيام قليلة من القصف الإسرائيلي، أصدرت الحكومة الإسرائيلية أوامر لـ1.1 مليون فلسطيني يعيشون شمال قطاع غزة – الذي يضم مدينة غزة حيث أكثر المناطق الحضرية ازدحامًا بالسكان – بالانتقال إلى جنوب القطاع المحاصر.
وعدت الحكومة الإسرائيلية بتوفير 24 ساعة تكون فيها الطرق آمنة لمن يريدون الفرار من الاجتياح البري الوشيك، وبالفعل بدأ الكثيرون بالتحرك فورًا نحو الجنوب على أقدامهم أو على ظهر شاحنات النقل، أما المحظوظون فقد ذهبوا بسياراتهم الخاصة.
قصفت “إسرائيل” الطرق في شمال القطاع لأيام متواصلة، ما جعل أي عملية إخلاء بطيئة ومرهقة، والأسوأ أن بعض التقارير تتحدث عن إخلاف الحكومة الإسرائيلية وعدها واستهدافها القوافل المتجهة إلى الجنوب.
فوفقًا لوزارة الصحة الفلسطينية، قصفت “إسرائيل” طريق صلاح الدين – الأكثر ازدحامًا في القطاع – الذي أعلنت من قبل أنه آمن مؤقتًا، ما تسبب في قتل 70 مواطنًا في أثناء محاولتهم الفرار إلى الجنوب.
في النهاية، غادر البعض، لكن الأكثرية لم يغادروا، فبعضهم في حالة لا تسمح لهم بالانتقال بسبب إعاقة أو إصابه، وفي المستشفيات رفض الأطباء والممرضات ترك مرضاهم، كما أن هناك آخرين رفضوا الرحيل خوفًا من تهجير دائم.
لم تبذل الحكومة الإسرائيلية جهدًا لإخفاء حقيقة أن قرار الإخلاء وخطتها الكبرى في غزة هي محاولة للإبادة العرقية
لم ينس الفلسطينيون قط نكبة 1948 التي هُجّر فيها 750 ألف فلسطيني من منازلهم بشكل دائم، هذا الشعور لم يغادر الفلسطينيين في غزة تحديدًا لأن غالبيتهم عائلات نزحت في أثناء نكبة 1948.
تعلم الحكومة الإسرائيلية ذلك جيدًا، وتعلم أيضًا أن نقل 1.1 مليون شخص في مساحة مثل غزة في غضون ساعات أمر مستحيل، لكن أمر الإخلاء يخدم أهدافها، فهو يمنح غطاءً للحكومة الإسرائيلية لارتكاب أعمال وحشية جماعية باستخدام خدعتها القديمة بأن حماس تتخذ دروعًا بشرية.
أوضحت الوكالات الدولية أن قرار الإخلاء لا يعفي الحكومة الإسرائيلية من التزاماتها ومسؤولياتها وفق القانون الإنساني الدولي، وطالبت القادة الإسرائيليين بإلغاء هذا القرار.
ومع ذلك، فمن ناحيتها لم تبذل الحكومة الإسرائيلية جهدًا لإخفاء حقيقة أن قرار الإخلاء وخطتها الكبرى في غزة هي محاولة للإبادة العرقية، فقد دعا الكثير من وزراء وساسة “إسرائيل” إلى محو غزة خلال الأسبوع الماضي واستخدموا خطابًا ينزع الإنسانية عنها، وحتى وزير الدفاع الإسرائيلي وصف الفلسطينيين في غزة بـ”الحيوانات البشرية”.
في الوقت نفسه، تضغط الولايات المتحدة على مصر للسماح بممر إنساني بين غزة وشبه جزيرة سيناء عبر معبر رفع الحدودي، ورغم أنه من الضروري بذل كل الجهود لمساعدة الناس على الفرار من القصف وإدخال المساعدات، فإن الناس يخشون إذا غادروا غزة أن ينتهي بهم الأمر مهجرين للأبد، إنه خوف عقلاني لأنه أمر يحدث باستمرار في تاريخ الفلسطينيين.
هذا الوضع لا يمكن وصفه إلا بأنه إبادة عرقية واستمرار للنكبة التي بدأت 1948
في الحقيقة، تجاهلت الحكومة الإسرائيلية باستمرار معاهدات دولية مختلفة لحماية حقوق اللاجئين بما في ذلك حق العودة للوطن، وهناك الآن أكثر من 7 ملايين فلسطيني يعيشون في منفى دائم وغير مسموح لهم بالعودة إلى وطنهم، وفي بعض الأحيان لا يمكنهم زيارته مطلقًا.
وبينما يحاول الفلسطينيون في شمال غزة اتخاذ القرار المستحيل بالبقاء في منازلهم أو المخاطرة بمحاولة الإخلاء، فإن الحكومة الإسرائيلية تستعد للغزو البري، فقد انطلقت مئات الدبابات الإسرائيلية نحو السياج الإسرائيلي الذي يحاصر الفلسطينيين في غزة منذ فترة طويلة.
في الوقت نفسه، يلقي الساسة الإسرائيليون وجنرالات الجيش بخطابات مسعورة، حتى إنهم أحضروا مجرم حرب إسرائيلي – شارك في مذبحة دير ياسين عام 1948 – لرفع معنويات الجنود، وقد خاطبهم هذا المجرم قائلًا: “اقضوا على ذاكرتهم، اقضوا عليهم وعلى عائلاتهم وأمهاتهم وأطفالهم، هؤلاء الحيوانات لا يجب أن يعيشوا أكثر من ذلك”.
كل ذلك يخبرنا أن الاجتياح سيكون وحشيًا، والحديث عن الرغبة في القضاء على قادة حماس السياسيين والعسكريين مجرد ذريعة، هذا الاجتياح سيقدم فرصة للحكومة الإسرائيلية للاستيلاء على الجزء الشمالي من غزة وحشد الفلسطينيين في سجن أصغر أو طردهم خارج حدود غزة.
وأيًا كانت الطريقة التي ترى بها الموقف، فإن هذا الوضع لا يمكن وصفه إلا بأنه إبادة عرقية واستمرار للنكبة التي بدأت 1948.
المصدر: الجزيرة الإنجليزية