تفاصيل خطة ترامب لتفكيك القضية الفلسطينية
قبل أيام قليلة من توجه الرئيس الفلسطيني محمود عباس، إلى العاصمة الأمريكية واشنطن، ولقائه المرتقب بالرئيس دونالد ترامب، بدأت الإدارة الأمريكية تمهد لمرحلة سياسية جديدة في المنطقة، وفتحت باب “أوكازيون العروض” واسعًا أمام الرئيس الفلسطيني، لإغوائه بمفاوضة “إسرائيل” والتنازل مبتسمًا عن شروطه.
عباس أمام اختبار حاسم ومصيري بالنسبة له فهو فيقف على حافة “نارين” لكل منها المخاطر والآثار التي يخشى الوقوع فيها مجددًا
“مبادرات سياسية جدية، وتسهيلات اقتصادية كبيرة”، هذا ما تضعه إدارة ترامب على وتر الرئيس عباس الحساس، فتارة تقدم الوعود السياسية لتحريك مشروع “التسوية” من جديد، وتارة أخرى تستخدم التسهيلات الاقتصادية التي هو في أشد وأمس الحاجة لها بسبب الأزمة المالية الخانقة التي تعاني منها سلطته.
عباس أمام اختبار حاسم ومصيري بالنسبة له فهو فيقف على حافة “نارين” لكل منها المخاطر والآثار التي يخشى الوقوع فيها مجددًا، أولها العودة لمربع المفاوضات الفاشل الذي استمر طول الـ22 عامًا مع إسرائيل دون ضمانات حقيقية وجادة وبهذا يقدم طوق النجاة مجددًا للاحتلال، وثانيهما مواجهة الإدارة الأمريكية وردات فعلها الغاضبة ضد السلطة في حال رفض مبادرة ترامب.
رشاوى سياسية واقتصادية لعباس
العروض التي بدأت تتساقط على الرئيس عباس كالمطر خلال الأيام الأخيرة، وصفها عضو في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، بأنها “رشاوى” سياسية واقتصادية تقدم للرئيس عباس قبل توجهه لواشنطن ولقائه بترامب.
وأضاف المسؤول الفلسطيني، لـ”نون بوست”: “هناك اتصالات مستمرة ومتقدمة بين السلطة الفلسطينية وإدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لمعالجة قضايا مهمة على رأسها المفاوضات السلمية، قبل لقاء القمة المقررة منتصف الشهر الحالي، وتم طرح خلال تلك الاتصالات العديد من المبادرات والعروض”.
وأكد أن هناك تطورات إيجابية حصلت خلال تلك الاتصالات، وبدأت قيادة السلطة الفلسطينية ترسم فعليًا ملامح التوجه الأمريكي الجديد في المنطقة، على ضوء ملفين مهمين وهما “الاستيطان والمفاوضات” في ظل التعنت الإسرائيلي والتصعيد القائم.
الإدارة الأمريكية لا تؤيد أي عمليات استيطانية جديدة على الأراضي الفلسطينية المحتلة، ويبدو أن “انتقادها الخجول” لما أعلنته الحكومة عن نية بناء مستوطنة جديدة في الضفة الغربية المحتلة
وأوضح أن الإدارة الأمريكية لا تؤيد أي عمليات استيطانية جديدة على الأراضي الفلسطينية المحتلة، ويبدو أن “انتقادها الخجول” لما أعلنته الحكومة عن نية بناء مستوطنة جديدة في الضفة الغربية المحتلة، هو بداية للانتقاد والمواجهة المباشرة بين نتنياهو وترامب في المرحلة المقبلة.
وذكر المسؤول الفلسطيني لـ”نون بوست”، أن السلطة تلقت وعودًا إيجابية من قبل الإدارة الأمريكية بتقديم تسهيلات اقتصادية لها وكذلك دعم سياسي كبير خلال الشهرين المقبلين لتحريك العملية السلمية من جديد مع الجانب “الإسرائيلي”.
ولفت إلى أن زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الأخيرة لواشنطن ولقاءه بالرئيس الأمريكي، كان على أجندته القضية الفلسطينية وسبل تحريك مشروع “التسوية” من جديد مع الجانب “الإسرائيلي”، مؤكدًا أن تحركًا جديدًا سيبدأ في هذا الملف قريبًا.
وكشف عن لقاءات سرية تجري في عواصم عربية وأوروبية بين مسؤولين فلسطينيين وآخرين إسرائيليين، لوضع الخطوط العريضة لأي عملية تفاوضية مقبلة تكون تحت إشرافي مصري وأردني.
وكان أحمد مجدلاني عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، كشف عن وجود خلافات بين الحكومة “الإسرائيلية” والرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب بملف الاستيطان على الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وقال مجدلاني: “إعلان البيت الأبيض عدم التوصل لأي اتفاق رسمي مع الحكومة “الإسرائيلية”، يؤكد وجود خلافات بين الطرفين بسبب استمرار سياسة الاستيطان التي يتبعها الاحتلال”، مؤكدًا أن الإدارة الأمريكية لن تقدم الغطاء السياسي ولا الدبلوماسية لحكومة الاحتلال بسبب سياسة الاستيطان، وهذا الموقف سياسي مهم للغاية”.
ويهدف ترامب من خلال دعم إجراءات اقتصادية “جزئية” لتحسين الوضع الاقتصادي في مناطق السلطة الوطنية الفلسطينية، كحافز وتشجيع للسلطة الفلسطينية للعودة إلى طاولة التفاوض دون شرطيّ المرجعية ووقف الاستيطان، وبذلك يصبح السلام الاقتصادي، بديلًا عن السلام السياسي، القائم على أساس حل الدولتين وإقامة دولة فلسطين.
وتتضمن هذه الخطة التي طرحت سابقًا خلال لقاءات بين نتنياهو ومسؤولين في إدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما ضخ أربعة مليارات دولار من الاستثمارات في الأراضي المحتلة، من شأنها أن تزيد الناتج المحلي الفلسطيني، بنسبة 50% خلال ثلاث سنوات، وتخفيض نسبة البطالة إلى الثلثين، وتزيد متوسط الرواتب بنسبة 20%، مع السماح للسلطة باستغلال الفوسفات في البحر الميت، وإعطاء السلطة الحق في تطوير حقول الغاز قبالة شواطئ غزة.
ويبدو أن إدارة ترامب الجديدة تدعم بقوة فكرة السلام الاقتصادي لتشجيع الفلسطينيين على القبول بها والتغاضي عن جزء كبير من الثوابت الفلسطينية خاصة ما يتعلق باللاجئين والقدس وحدود عام 1967، كما يعتبر الرئيس الأمريكي الأوضاع في الشرق الأوسط والضعف الذي يعاني منه الإقليم العربي والواقع الفلسطيني يدفع باتجاه تمرير مخطط السلام الاقتصادي ودفن حل الدولتين، بحيث يصبح الرخاء الاقتصادي هو البديل عن حالة الصراع العربي الإسرائيلي خاصة في الضفة الغربية التي تعتبر ساحة الصراع الحقيقية والتي ترفض إسرائيل كل مقترحات التنازل عنها تحت أي بند.
مبعوث ترامب إلى الشرق الأوسط، قام في منتصف الشهر الماضي بجولة التقى خلالها مع نتنياهو في إسرائيل والرئيس الفلسطيني محمود عباس في رام الله لبحث عملية السلام بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني
وقد احتلت قضية التسهيلات الاقتصادية حيزًا كبيرًا من جلسات نتنياهو مع مبعوث ترامب مساحة كبيرة خاصة أنه طالب بسلسلة من الخطوات على أرض الواقع تجاه الفلسطينيين بغية تحسين أوضاعهم الاقتصادية.
يذكر أن جيسون جرينبلات مبعوث ترامب إلى الشرق الأوسط، قام في منتصف الشهر الماضي بجولة التقى خلالها مع نتنياهو في إسرائيل والرئيس الفلسطيني محمود عباس في رام الله لبحث عملية السلام بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني.
وسيعقد الرئيس محمود عباس لقاء قمة مع ترامب في البيت الأبيض في منتصف شهر أبريل الحاليّ، عقب لقاء الأخير مع كل من الرئيس عبد الفتاح السياسي، والعاهل الأردني عبد الله الثاني.
وتأتي هذه المحادثة بين ترامب وعباس على خلفية زيارة مبعوث الرئيس الأمريكي جيسون غرينبلت، إلى المنطقة، ولقائه مع الرئيس عباس ورئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، والتي أحرزت تقدمًا كبيرًا بحسب مسؤولين فلسطينيين وإسرائيليين.
تحذير من تصفية القضية الفلسطينية
وعلى ضوء تلك التطورات، أكدت مصادر دبلوماسية مصرية، صحة التقارير الإعلامية التي تتحدّث عن مخطط لعقد مؤتمر قمة عربية – أمريكية – إسرائيلية في واشنطن خلال تموز/ يوليو القادم.
وبحسب المصادر فقد تقرر عقد هذه القمة في أعقاب سلسلة اللقاءات التي أجراها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع قادة ومسؤولين عرب من مصر والأردن والسعودية، بالإضافة إلى رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، مشيرة إلى أنها ستبحث سبل استئناف مفاوضات التسوية بين السلطة الفلسطينية وتل أبيب.
حذر السفير عبد الله الأشعل مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، من أن يكون هدف هذه القمة هو “تصفية القضية الفلسطينية”
وأضافت أن العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني حصل على موافقة القادة العرب لعقد هذه القمة (بصفته رئيس دورة القمة العربية الأخيرة)، حيث ستتم بمشاركته إلى جانب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس السلطة محمود عباس ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
من جانبه، حذر السفير عبد الله الأشعل مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، من أن يكون هدف هذه القمة هو “تصفية القضية الفلسطينية”.
ويقول الأشعل: “إدارة ترامب تسعى بشكل أساسي لتشكيل تحالف عربي – إسرائيلي ضد توسع النفوذ الإيراني في المنطقة، بما يتوافق مع الرؤية السعودية، ولأن هذا التحالف يصطدم بعقبة عدم حل القضية الفلسطينية، تجري محاولات لتصفية القضية عبر حل شكلي أو وهم عودة التفاوض”، بحسب تقديراته.
كما حذر حشن خريشة النائب الثاني لرئيس المجلس التشريعي، رئيس السلطة محمود عباس من العودة للهث خلف سراب المفاوضات مع الجانب “الإسرائيلي”، مؤكدًا أن السلطة الفلسطينية ضعيفة للغاية وحتى لا تملك أي رؤية سياسية أو استراتيجية في التعامل مع المتغيرات المحيطة والصعبة، وقد تخلت عن كل مبادئها ومواقفها في أول لقاء بين عباس وترامب.
الرئيس الأمريكي الجديد لن يقدم أي حلول لعملية السلام المتوقفة، بل سيحاول أن يصدر وهمًا وسرابًا جديدًا تلهث ورائه السلطة الفلسطينية
وذكر أن الرئيس الأمريكي الجديد لن يقدم أي حلول لعملية السلام المتوقفة، بل سيحاول أن يصدر وهمًا وسرابًا جديدًا تلهث ورائه السلطة الفلسطينية على أمل إحياء مشروع المفاوضات الفاشل الذي بات هدفها الأول والأخير في الوقت الراهن.
ودعا خريشة الرئيس عباس لحسابه خطواته جيدًا والتفكير في كيف يمكن مواجهة الاحتلال والتضييق عليه وتقديم قادته للمحاكمة الدولية لمحاسبتهم على جرائمهم بحق شعبنا ومقدساتنا، وليس تقديم طوق النجاة لهم من خلال المفاوضات.
يشار إلى أنه منذ بدء ولايته، تجاهل ترامب الفلسطينيين وأطلق تصريحات تنسجم مع سياسة حكومة اليمين المتطرف “الإسرائيلية”، وقال ترامب في أثناء لقائه نتنياهو في البيت الأبيض، الشهر الماضي، إنه لا يرى حلًا معينًا للصراع “الإسرائيلي” – الفلسطيني وأنه بالإمكان التوجه نحو “الحل الدولة الواحدة”.
وتعد الإدارة الأمريكية لإطلاق عملية سياسية في الشهرين المقبلين، ويتوقع أن يستقبل الرئيس الأمريكي الرئيس الفلسطيني مطلع أيار/ مايو المقبل بعد أن استقبل كلًا من الرئيس المصري عبد الفتاح السياسي والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني الذي استضافت بلاده القمة العربية.
رفض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وقف الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، والقبول بحدود 1967 كأساس للتفاوض
في غضون ذلك، تجري اتصالات بين فريقين أمريكي وفلسطيني للتحضير للقاء عباس – ترامب، وقال مسؤول فلسطيني: “الجانب الأمريكي يبدي تفهمه للمطالب الفلسطينية في شأن وقف الاستيطان، ويشاركنا مخاوفنا من انتهاء حل الدولتين”.
وتوقفت المفاوضات بين رام الله وتل أبيب، منذ نيسان/ أبريل 2014، جراء رفض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وقف الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، والقبول بحدود 1967 كأساس للتفاوض، والإفراج عن أسرى فلسطينيين قدماء في سجون حكومته.