ترجمة وتحرير نون بوست
مع بزوغ شمس اليوم السابع من نيسان/ إبريل، وصلت أخبار الهجوم الصاروخي الأمريكي على سوريا إلى العاصمة طهران. في البداية كانت المعلومات المتوفرة حول مخلفات هذه الضربة شحيحة، إلا أن هذا الخبر استقبل في العاصمة الإيرانية على أنه رسالة مضمونة الوصول من واشنطن، لكل الأطراف التي تقاتل إلى جانب رئيس النظام السوري بشار الأسد، لتنبهها إلى أن فترة السكوت الأمريكي على الأطراف المتورطة في الحرب الدائرة قد انتهت.
في الواقع، قبل أشهر قليلة فقط كانت الأزمة السورية تبدو تحت السيطرة، بفضل وجود قواعد اشتباك تم وضعها من قبل الأطراف الدولية المتدخلة، من أجل تجنب وقوع حوادث مماثلة لهذا الهجوم الذي تعرض له مطار الشعيرات قرب تدمر، ولكن جاءت هذه الضربة لتمثل صدمة لكل الدول، بالنظر لتعهدات دونالد ترامب وخطابه في الحملة الانتخابية حول عدم التورط في سوريا والشرق الأوسط.
شعرت موسكو بالتهديد الذي مثلته هذه الضربة، خاصة وأنها كانت تسعى منذ مدة لإقامة تعاون استراتيجي مع واشنطن، بهدف التوصل لحل الأزمة السورية المندلعة منذ ستة سنوات
وفي هذا السياق، أكد كل من تحدثوا إلى موقع المونيتور بطهران أنهم ينظرون إلى هذا الهجوم الصاروخي على أنه مناورة سياسية، أكثر من كونه تغيرا جذريا في استراتيجيات الإدارة الأمريكية.
وفي اتصال لنا مع مصدر عسكري من القيادة السورية المشتركة، التي تجمع قوات روسيا وإيران وحزب الله، والذي طلب عدم الكشف عن اسمه، أكد لنا هذا المصدر أن”الهجوم الأمريكي رغم كونه عملا عسكريا فهو في الحقيقة يعد عملا سياسيا. إذ أن الجيش الأمريكي أعلم الجانب الروسي قبل الضربة، وهذا منح الروس المجال لتحذير النظام السوري ليتمكن كلا الطرفين من إخلاء القاعدة قبل الهجوم. وكان واضحا أنه لم تكن هنالك نية لدى واشنطن للقتل بل أرادت توجيه رسالة لروسيا”.
وقد شعرت موسكو بالتهديد الذي مثلته هذه الضربة، خاصة وأنها كانت تسعى منذ مدة لإقامة تعاون استراتيجي مع واشنطن، بهدف التوصل لحل الأزمة السورية المندلعة منذ ستة سنوات. ومرة أخرى تجد روسيا نفسها دون حليف موثوق في سوريا باستثناء إيران، باعتبار أن الخطوة التي قامت بها الولايات المتحدة مؤخرا اعتبرت عملا عدائيا من قبل موسكو، خاصة في ظل الاستراتيجية التي تعتمدها تركيا، التي بدت مساندة للتحرك الأمريكي الأخير.
وفي التاسع من نيسان/أبريل، عقد مسئولون رفيعو المستوى من روسيا وسوريا وإيران اجتماعا عبر الهاتف للتشاور. كما اتصل الرئيس الإيراني حسن روحاني برئيس النظام السوري، بينما اتصل أيضا بالرئيس الروسي بوتين بنظيره الإيراني، وتحدث أيضا وزيرا الدفاع الروسي والإيراني عبر الهاتف، بينما اتفق مستشار الأمن القومي الإيراني علي شامخاني مع نظيره السوري علي مملوك لتنسيق الجهود، خلال مكالمة هاتفية جمعت بينهما.
وفي سوريا اجتمعت القيادات العسكرية لجيش النظام، وأصدرت بيانا شديد اللهجة يتعهد بالرد بقوة على ما اعتبرته “أي معتد أو تجاوز للخطوط الحمراء مهما كان مصدره”، مضيفة: “أمريكا تعرف قدراتنا جيدا”.
كما أكدت القيادة المشتركة أن تواجد القوات الأمريكية في شمال سوريا يعد غير قانوني، وأن واشنطن تخفي مخططا طويل المدى لاحتلال المنطقة، مضيفة أنها لن تسمح بعالم أحادي القطب تسيطر عليه الولايات المتحدة كقوة مهيمنة تواصل فرض رغبتها على العالم.
في الساعات التي تلت الهجوم الأمريكي، سارعت إيران بالتنديد لهذه العملية، ولكن بيانها لم يكن في مستوى هذا الحدث
وحول هذا الأمر علق محمد مارندي، الأستاذ في جامعة طهران، بالقول: “الإيرانيون مقتنعون بأن الولايات المتحدة تعلم أن الهجوم الكيماوي لا علاقة له بالنظام السوري وقواته المسلحة. ولهذا رفضت واشنطن إجراء تحقيق مستقل ومحايد، وسارعت بمهاجمة القواعد الجوية دون خوف من تسرب هذ الأسلحة الكيماوية. إن دونالد ترامب يتعرض لضغوط كبيرة في داخل بلاده بسبب كثرة أخطاءه وعلاقته المتوترة مع الإعلام، ولذلك قرر شن هذا الهجوم لكي يدفع المؤسسات الأمريكية ووسائل الإعلام لتوجيه اهتمامها بعيدا عن الاهتمامات المحلية”.
كما اعتبر مارندي أن ترامب يتمنى أن يحصل على المزيد من النفوذ الدولي، ولكنه عوضا عن ذلك كسب عداء الروس. والرئيس الروسي بوتين لا يمكنه القبول بإهانة من الولايات المتحدة بعد كل ما حققه في سوريا. “ولذلك فإنه في رأيي هذا الهجوم الصاروخي كان جيدا لترامب وسيئا للولايات المتحدة”.
وفي الساعات التي تلت الهجوم الأمريكي، سارعت إيران بالتنديد لهذه العملية، ولكن بيانها لم يكن في مستوى هذا الحدث. وقد تحدث إلينا مسئول إيراني طلب عدم الكشف عن اسمه، قال” إن الرسالة كانت موجهة أساسا للروس، لأن موسكو هي من كانت تقيم علاقات وتنسيق مع واشنطن. وطهران بطبيعة الحال ستقوم بالتنديد بالهجوم، ولكنها لن تقوم بالرد بالنيابة عن موسكو. عندما قال الروس كلمتهم نحن ساندناهم، وسوف نساندهم دائما كحلفاء مقربين”.
على الرغم من الغضب الإيراني من الهجوم الأمريكي، فإن الإيرانيين خرجوا كأكبر فائز من هذه الأزمة الأخيرة في سوريا
وأضاف هذا المسئول:”وجهة نظرنا منذ البداية كانت أنه من غير الحكيم بناء الآمال حول سياسات ترامب، إذ أننا نعتقد أن الرئيس الأمريكي الجديد ليس لديه خطة واضحة، وأكبر دليل على ذلك هو هذه الضربة. نحن متأكدون تماما أنه أجبر على الموافقة على هذه العملية العسكرية من قبل مستشاريه الأمنيين، لأنهم هم من يقومون بالعمل الحقيقي في واشنطن الآن، ويسعون لتوريط بلادهم بشكل مباشر في الأزمة السورية. لقد كانوا يعملون لتحقيق هذا الهدف منذ مدة في شمال سوريا، والرئيس ترامب ليس إلا واجهة للإدارة الأمريكية. فهل يعلم ترامب أنه إثر الهجوم على مطار الشعيرات، استغل مقاتلو تنظيم الدولة هذه الضربة لمهاجمة حقول نفط قريبة؟”
وعلى الرغم من الغضب الإيراني من الهجوم الأمريكي، فإن الإيرانيين خرجوا كأكبر فائز من هذه الأزمة الأخيرة في سوريا. ومرة أخرى، أظهرت روسيا بأنها لا تثق بأي شريك في سوريا باستثناء إيران، والآن ستسعى طهران لدفع موسكو لاعتماد لهجة أكثر حدة ضد الدور الأمريكي في سوريا، وهذا يعني أنه من وجهة نظر إيرانية، إذا مرت هذه الهجمة الصاروخية دون رد قوي، فإنها ستصبح ممارسة أسبوعية أو يومية من قبل الولايات المتحدة.
المصدر: المونيتور