تسعى تونس للخروج من الأزمة الاقتصادية الحادة، التي تعيش على وقعها منذ سنوات نتيجة عوامل داخلية وأخرى خارجية عديدة، لتحقيق بعض أهداف ثورتها ومطالب شعبها الذي ما انفك يخرج للشارع في مسيرات احتجاجية للمطالبة بالتنمية والتشغيل، ويتنزل المخطط التنموي المصادق عليه حديثًا في هذا الشأن.
مخطط جديد بتكلفة إجمالية تبلغ 20 مليار دولار
بعد طول انتظار، صادق البرلمان التونسي، عشية أمس الأربعاء، على أول مخطط تنموي بعد الثورة يمتد إلى 2020، بتكلفة إجمالية تبلغ 20 مليار دولار، ويتضمن التوجهات العامة للسياسات الاقتصادية في تونس خلال السنوات المقبلة.
مخطط تنموي جاء على إثر تشخيص كامل ومن ثم تحديد الأولويات والتوجهات الكبرى للبلاد، حسب وزيرة المالية التونسية لمياء الزريبي، التي قالت في أثناء جلسة المصادقة على البرلمان: “موازنة 2017 سجلت ارتفاعًا في نصيب التنمية بـ17% وهناك تقدم في إنجاز المشاريع، كما أن نفقات الدولة للتنمية ارتفعت بنسبة 50% في المخطط الخماسي 2016-2020“.
من أبرز مشاريع المخطط، شق الطرقات والطرقات السريعة لربط شرق البلاد بغربها وجنوبها بشمالها
وتتمثل أهداف المخطط التنموي، في تحقيق نسبة نمو 3.5%، والوصول بالدخل الفردي إلى 11 ألف دينار (4.7 آلاف دولار) مقارنة بـ7 آلاف و800 دينار حاليًا (3 آلاف و350 دولارًا)، والتقليص من نسبة البطالة ورفع نسبة الاستثمارات من الناتج المحلي إلى 23% مقارنة مع 20% حاليًا، على ألا يتجاوز الدين الخارجي نسبة 51% من الدخل الخام، وسيسمح بإنجاز مشاريع تنموية في قطاعات الطاقة والمياه والبنى التحتية والصحة والتعليم والاستثمار، تخصص 70% للمناطق الداخلية في البلاد.
ومن أبرز مشاريع المخطط، شق الطرقات والطرقات السريعة لربط شرق البلاد بغربها وجنوبها بشمالها، وتحديث ومد شبكات السكك الحديدية، ومشاريع زراعية ومائية، وإنشاء 13 مستشفى جديدًا متعدد الاختصاصات في المناطق الداخلية للبلاد.
تهدف بعض مشاريع المخطط الجديد إلى النهوض بالبنية التحتية للبلاد
ويرجى من المخطط التنموي الجديد لتونس الذي أعدته حكومة الحبيب الصيد السابقة في شهر يوليو 2015، وأحالته للبرلمان في مايو 2016، تحسين جاذبية الاقتصاد التونسي بهدف دعم دور القطاع الخاص كدافع للنمو مع تحفيز الاستثمارات الوطنية والدولية، ويرتكز مخطط تونس الخماسي الجديد على 5 محاور ذات أولوية تتعلق بالحوكمة الرشيدة وإصلاح الإدارة ومقاومة الفساد والتحول من اقتصاد ذي كلفة ضعيفة إلى قطب اقتصادي والتنمية البشرية والاندماج الاجتماعي وتجسيد طموحات مختلف المناطق وإرساء اقتصاد أخضر.
تواصل الاحتجاجات المطالبة بالتنمية
مصادقة البرلمان التونسي على المخطط التنموي 2016-2020، تزامنت مع تصاعد وتيرة الاحتجاجات الشعبية المطالبة بالتنمية والتشغيل بمناطق عدة في البلاد، على غرار محافظتي تطاوين والكاف.
رغم حزمة الإجراءات التي اتخذتها الحكومة لفائدة محافظة تطاوين (جنوب شرق) إثر اجتماع وزاري، فإن الاحتجاجات المطالبة بالتنمية وتوفير فرص عمل ما زالت متواصلة هناك واتسعت رقعتها، بعد أن كانت مقتصرة على مركز المدينة.
وأقرت الحكومة، الثلاثاء الماضي، مجموعة من التدابير لفائدة سكان المحافظة بينها حث الشركات الأجنبية الناشطة بالمحافظة على فتح فروع لها وتطبيق مبدأ التمييز الإيجابي، إضافة إلى البدء في تفعيل مشروع “غاز الجنوب”.
يطالب سكان تطاوين بحق جهتهم في التنمية وتشغيل أبنائهم داخل حقول النفط الموجودة في المحافظة
ولم يفلح الوفد الوزاري الذي أرسله رئيس الحكومة يوسف الشاهد إلى تطاوين في تهدئة الاحتجاجات التي أعقبت الإضراب العام الذي شهدته المحافظة الثلاثاء الماضي، ويطالب السكان هناك بحق جهتهم في التنمية وتشغيل أبنائهم داخل حقول النفط الموجودة في المحافظة، وتخصيص نسب من العائدات المالية للشركات لمشاريع في الجهة، خاصة أن العديد من التقارير أثبتت وجود مخزون كبير من الغاز والنفط هناك.
وعلى مدى أسبوعين شهدت مناطق المحافظة إضرابات واعتصامات واحتجاجات شابتها عمليات قطع للطرقات من قبل المحتجين ومواجهات مع الأمن، مما عطل حركة النقل الرابطة بين المدينة وباقي مدن البلاد.
قطع الطرقات في تطاوين
وفي وسط البلاد، شهدت محافظة القيروان التي يبلغ عدد سكانها نحو 570.5 ألف نسمة، احتجاجات شعبية انطلقت بداية الأسبوع الحالي، للمطالبة بالتنمية والتوظيف، وتفعيل القرارات الحكومية المتعلقة بالمشاريع التنموية التي تعطلت لسنوات، وفي 17 من ديسمبر 2015، دعا رئيس الوزراء التونسي السابق الحبيب الصيد، خلال مجلس وزاري، إلى ربط الجهة بشبكة لسكك الحديد، وإنشاء 4 إدارات محلية تابعة لشركات استغلال وتوزيع المياه والكهرباء والغاز والتطهير.
بدورها، تتواصل الاحتجاجات التي انطلقت منذ فترة في الكاف (شمال البلاد)، على إثر غلق معمل كوابل السيارات الذي يشغل المئات من سكان المحافظة، ويعبر المحتجون عن خشيتهم من أن غلق المعمل لشهرين – مثلما أكد مديره العام -، مقدمة لتحويله إلى جهة أخرى، مطالبين بإعادة فتحه حتى لا يُحرم العاملون فيه من العمل.
ولاقت هذه الاحتجاجات، مساندة كبيرة من قبل الأحزاب والمنظمات الوطنية التي دعت الحكومة إلى الحوار مع المحتجين واتخاذ إجراءات عاجلة قبل أن تؤثر الاحتجاجات سلبًا على الوضع الاجتماعي والأمني في البلاد.