تميزت تركيا بصناعة المسلسلات بمختلف أنواعها الاجتماعية والتاريخية والسياسية، كل أعمالها الدرامية كان لها صدى كبير على شاشات التلفاز حول العالم، بدءًا من الجمهور المحلي ودول البلقان حتى الوسط العربي وإلى دول أمريكا اللاتينية.
الحياة اليومية والعادات الاجتماعية التركية كانت محط اهتمام الكثير وذلك لأنها خليط بين الحياة المعاصرة والمحافظة في نفس الوقت، أما عن المسلسلات التي كانت تحمل طابعًا تاريخيًا أو سياسيًا، فحققت نجاحات غير متوقعة وأثارت الجدل بشأن عدة قضايا ونقاط محورية.
اليوم تقدر مكاسب المسلسلات بنحو 350 مليون دولار، مما يجعل تركيا من أنجح الدول المنتجة للمسلسلات التليفزيونية.
في الآونة الأخيرة وتزامنًا مع الأحداث السياسية المعقدة التي تمر بها تركيا، أخذت الدراما التركيا منحى جديدًا وهو مضاعفة إنتاج المسلسلات الوطنية والتاريخية ومن أجددها وأشهرها “أنت وطني” و”فيلينتا” و”أرطغرل” وغيرها، وتدور أحداث هذه المسلسلات حول أبطال ووقائع تخص تاريخ الإمبراطورية العثمانية والشأن التركي.
على الرغم من المشاهدة العالية والتفاعل الكبير من الجمهور المحلي والأجنبي إلا أن هذه الأعمال لم تسلم من الانتقادات والاتهامات على أنها زورت حقائق تاريخية أو كانت ضعيفة في تصوير بعض الأحداث أو أنها تجاهلت بعض المحاور التي اعتبرها البعض مهمة ولا يمكن التغاضي عن غيابها في سياق تطورات القصة المصورة.
في المقابل كان هناك أعمالاً مدعومة بشكل مباشر من الحكومة الحالية وأخرى من الجهات المعارضة وكلا الطرفين كانا يوفران الوسائل اللازمة لهذه الأعمال للتعبير عن اهتمامتهم وإرسال رسائل للجمهور عما تحمله هذه المسلسلات من تشابه بشأن الصراعات التي يمرون بها الآن.
وفقًا لصحيفة الصباح التركية، كانت المسلسلات التركية تكسب نحو مليون دولا سنويًا، واليوم تقدر هذه المكاسب بنحو 350 مليون دولار، مما يجعل تركيا من أنجح الدول المنتجة للمسلسلات التليفزيونية.
حريم السلطان
أحد أكثر المسلسلات التركية التاريخية انتشارًا في تركيا والعالم، تسابقت القنوات لعرضه على شاشاتها وذلك لأنه أثار اهتمام شريحة عريضة من الناس، عرض هذا المسلسل حياة السلطان العثماني سليمان القانوني، أهم حاكم في تاريخ الدولة العثمانية وهو عاشر السلاطين العثمانين والذي حكم لمدة 46 عامًا من عمر 25 سنة.
تعليق رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان، “ليس لدينا أجداد يشبهون ما يتم تصويره وعرضه في المسلسل”
عرض المسلسل أحداث حياته التي كانت مليئة بالمغامرات الحربية وركز بالتحديد على حياته العاطفية وعلى تعدد علاقاته بالنساء ونزواته مع الجواري من حوله، لم يهتم كثيرًا بالأحداث التاريخية العريضة أو بإنجازاته السياسية ولم تلمع صورته كبطل محارب ومهاب، بل اهتم بخبايا حياته الشخصية وعرضها بصورة مبهرة ومشوقة، مما خدش صورة الوقار والالتزام الديني والأخلاقي التي احتفظ بها الناس عن السلطان سليمان القانوني.
الأمر الذي أثار غضب البعض على أنه تشويه لصورة السلاطين العثمانين وتاريخهم البطولي العظيم، أوضحت بعض الجهات الإعلامية أن المسلسل كان نسجًا من خيال الكاتب وقد تم اختلاق بعض الأحداث جذبًا للمشاهدات فقط، بلغ الأمر حد المطالبة بوقف عرض المسلسل من قبل البرلمان التركي لما أحدثه من تزوير في التاريخ ولغط في اسم الخليفة المسلم سليمان القانوني، إضافة إلى أن مخرجي المسلسل والنجمين الأساسيين تم تتبعهم قضائيًا بتهمة التلاعب بالحقائق التاريخية. جدير بالذكر، أن هذا المسلسل تم دعمه من التيار المعارض العلماني.
ما أثار الجدل بشكل أكبر، هو تعليق رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان، “ليس لدينا أجداد يشبهون ما يتم تصويره وعرضه في المسلسل” والذي عبر عن غضبه مما يتم عرضه في المسلسل.
أرطغرل
يعتبر من أنجح صناعات الدراما التركية، تدور أحداث المسلسل في القرن الثالث عشر الميلادي، بين أنطاكية وحلب، وأرطغرل والد عثمان الأول أول سلاطين الدولة العثمانية وقائد قبيلة كاي من الأتراك الأوغوز وهو الذي مهد لقيام الإمبراطورية العثمانية، يعرض المسلسل سلسلة الصراعات التي عاشها أرطغرل والد عثمان الأول، ويقدم للجمهور مجموعة من الدروس والعبر عن القيم الرفيعة مثل الشجاعة وحب الوطن والانتماء.
دائمًا ما كان المسلسل يحصل على نسب عالية من المشاهدة وعلى دعم من التيار المحافظ، بالإضافة إلى ذلك، قام رئيس الجمهورية أردوغان بزيارة موقع التصوير والإشادة بهذا العمل العظيم عندما قال إنه من النادر أن تتحدث أسرة الرئيس عن عمل فني، ولكن هذا حصل بفضل مسلسل قيامة أرطغرل الذي كان حديث كل أسرة في تركيا.
أنت وطني
تدور أحداث المسلسل عن حرب البلقان الأولى، وذلك من خلال تصوير حياة أحد القادة العسكريين، ويركز المسلسل على مفهوم الأسرة وحب الوطن، ويعرض وجهتي النظر التركية واليونانية عن هذه الحرب.
أي مغالطات أو تزوير في المعلومات المعروضة تتسبب في آثار سلبية في تشكيل الفكر العام للمشاهد عما مر من أحداث تاريخية.
حقق هذا المسلسل نجاحًا كبيرًا وذلك تبعًا لنسبة المشاهدة والتفاعل الكبير من الجمهور العام، يذكر أن كاتب المسلسل نجاتي شاهين تم تغييره اضطراريًا وذلك بسبب الظروف السياسية التي تمر بها تركيا حاليًا والتي جعلته عرضة للاتهام بسبب انتمائه لجماعة فتح الله غولن، الجماعة الإرهابية كما هو مصنف في تركيا بعد الانقلاب العسكري الأخير.
عدم تناول اسم الكاتب ضمن فريق عمل المسلسل أكد أخبار الصحف التركية التي أشاعت هذه الأقاويل، يذكر أيضًا أن الاسم الأول لهذا المسلسل كان “خائن الوطن” وبعد انقلاب تموز في تركيا تم تغييره إلى “أنت وطني”.
بعد الانتشار الواسع وتركيز الصناعات الإنتاجية والكتاب على تصوير صفحات التاريخ وعرض حقب من التاريخ الإسلامي، تقول جهات إعلامية وباحثة إن المسلسلات التاريخية هي عرض كامل لمعلومات ومبادئ وقيم بصورة مبدعة ومن خلال دمج عناصر الجذب والتشويق تصبح هذه المعلومات مغروسة في وعي الجمهور وأي مغالطات أو تزوير تتسبب في آثار سلبية في تشكيل الفكر العام للمشاهد عما مر من أحداث تاريخية.
الأهم من ذلك، أن هذه المسلسلات التاريخية الوطنية تهدف دومًا لجذب المشاهد حتى يسقط هذه الصراعات والشخصيات البطولية على أحداث الواقع المحيطة به فتعلمه دروسًا وترسل له رسائل عميقة عن وحدة الأمة والمخاطر المعرضة لها دومًا.