ترجمة وتحرير نون بوست
مر قرن كامل منذ أن أعلنت الولايات المتحدة الحرب على ألمانيا، تحديدا يوم 6 نيسان/ أبريل من سنة 1917. ومن هذا المنطلق، سنغوص في أهم خمسة نقاط من هذه المرحلة الحاسمة من تاريخ الحرب العالمية الأولى التي لازالت أحد أكثر الصراعات دموية في التاريخ.
كلمة: “الحياد”
يمكن تفسير مصطلح “الحياد” من منطلق أن الولايات المتحدة لن ترسل جنودها إلى أوروبا للمشاركة في الحرب، تطبيقا “لمبدأ مونرو” الذي أقره الرئيس الأمريكي السابق، جيمس مونرو. عموما، يرتكز هذا المبدأ على نظرية “الأخذ والعطاء”، حيث لا تتطفل القارة العجوز على الأمريكيين، في حين لا يتدخل الأمريكيون في قضايا الأوروبيين. وعلى ضوء هذه المعطيات، أعلن الرئيس الأمريكي، ويلسون، دخول بلاده تحت مظلة مبدأ الحياد يوم 4 آب/ أغسطس من سنة 1914.
اتخذ الرئيس الأمريكي، وودرو ويلسون، من حياد بلاده شعارا لحملته الانتخابية للترشح لولاية رئاسية ثانية تحت عنوان “نحن خارج دائرة هذه الحرب”
في واقع الأمر، يعتبر حياد الولايات المتحدة أمرا ضروريا للحفاظ على التماسك الوطني، خصوصا وأن المجتمع الأمريكي، في تلك الفترة، كان يمتاز بتركيبة سكانية تتكون أساسا من المهاجرين القادمين من دول أوروبية متناحرة. في المقابل، حافظ الأمريكيون على حيادهم ولكنهم لم يتخذوا نفس المبدأ على الصعيد التجاري. وبالتالي، أضحت الولايات المتحدة أهم الشركاء التجاريين في العالم وأكبر دائن لدول الوفاق بعد مرور سنوات على نهاية الحرب.
من جانب آخر، اتخذ الرئيس الأمريكي، وودرو ويلسون، من حياد بلاده شعارا لحملته الانتخابية للترشح لولاية رئاسية ثانية تحت عنوان “نحن خارج دائرة هذه الحرب”. ولكن كل تلك العبارات الرنانة كانت مجرد وعود انتخابية كاذبة، سرعان ما تغيرت ولم تطبق على أرض الواقع.
سببين اثنين وراء التدخل الأمريكي
تقرير لصحيفة لوفيغارو، بتاريخ 7 نيسان/ يونيو 1917، تحدثت فيه عن تصويت الكونغرس الأمريكي للدخول في الحرب
دفعت العديد من الوقائع على الصعيد العالمي الولايات المتحدة للتخلي عن حيادها. ومن الأحداث الخطيرة التي جدت في الحرب العالمية الأولى، “حرب الغواصات” التي قادها الألمان، إذ أنه وخلال سنة 1915، أغرقت غواصة ألمانية سفينة “لوسيتينيا” البريطانية، وقد كان من بين القتلى قرابة 128 أمريكي. في أعقاب ذلك، أصبحت هجمات الغواصات الألمانية تشكل عقبة في طريق السفن التجارية البحرية الأمريكية.
في يوم 19 آذار/مارس من نفس السنة، أغرق الألمان باخرة “فيجيلانتيا” الأمريكية. في الحقيقة، لم يكن هذا الحدث الأمر الوحيد الذي شجع الأمريكيين على تغيير موقفهم، حيث كانت دعوة وزير الشؤون الخارجية الألماني، آرثر زيمرمان، للمكسيكيين إلى التحالف ضد الولايات المتحدة، بمثابة القطرة التي أفاضت الكأس. ومباشرة، أعلن الكونغرس الحرب ضد ألمانيا، وكان ذلك يوم 6 نيسان/ أبريل سنة 1917.
واكب وصول الأمريكيين إلى فرنسا مراسم مهيبة هيجت مشاعر الحماسة
“لافاييت، نحن هنا”
أعاد التدخل الأمريكي إلى الأذهان بطولات الضابط الفرنسي ماركيس دي لافاييت الذي وقف إلى جانب الأمريكيين في حربهم لانتزاع حريتهم والاستقلال عن المملكة المتحدة. ولكن هذه المرة اختلف الأمر، إذ أن الأمريكيين هم من هبوا لنجدة الأوروبيين. وفي هذا الصدد، وتحديدا يوم 14 تموز/ يوليو سنة 1917، وقف المقدم في الجيش الأمريكي، شارلز اغبرت ستانتون، أمام قبر دي لافاييت في حي “بيكبوس” بباريس مرددا جملة، “لافاييت، نحن هنا”، التي أصبحت فيما بعد عبارة يتداولها الأفراد عبر التاريخ.
في السياق ذاته، واكب وصول الأمريكيين إلى فرنسا مراسم مهيبة هيجت مشاعر الحماسة. وأشارت صحيفة لوفيغارو، في ذلك الوقت، إلى أن نزول الأمريكيين بميناء “بولوني سور مير” الفرنسي، تزامن مع الاحتفال بعيد الاستقلال في يوم 4 تموز/يوليو، وقد ابتهج الفرنسيون بالتدخل الأمريكي. وبهذه المناسبة، هتفت فيالق الجيش الأمريكي منادية “تحيا أمريكا” تحت وابل من الورود ألقاها الفرنسيون عليهم.
مليونين من الجنود”الساميين”
جنود أمريكيون على جبهات القتال ضد الألمان
لسائل أن يسأل كم عدد الجنود الأمريكيين الذين شاركوا في الحرب العالمية الأولى؟ قبيل إعلان الحكومة الأمريكية عن المشاركة في الحرب، كان تعداد الجيش الأمريكي الرسمي قرابة 200 ألف جندي. عقب ذلك، قامت الحكومة بسن قانون التجنيد الإلزامي، حيث ارتفع عدد المجندين في صفوف الجيش الأمريكي ليبلغ قرابة أربعة مليون جندي، أرسل حوالي نصفهم إلى أوروبا. وفي تلك الفترة، تميز جنود اليانكيز الأمريكيين ببدلاتهم العسكرية الخضراء وقبعات “تريلبي”، وقد اندمجوا سريعا في الحرب الدائرة على الجبهة. وقد أطلق الفرنسيون على الجنود الأمريكيين لقب”الساميون” نسبة للعم سام، كما أطلقت عليهم الصحف الفرنسية اسم “تيديز” في إشارة إلى تيدي روزفلت. وفي الأثناء، انضم بكل من الجيش الأمريكي والفرنسي، حليفهم البريطاني.
يعود الفضل في نجاح التدخل الأمريكي، الذي وضع حدا للحرب التي قطعت أوصال أوروبا، إلى الرئيس، وودرو ويلسون
وتجدر الإشارة إلى أن الأمريكيين قد تأخروا نوعا ما في الالتحاق بجبهات القتال في أوروبا. ويعزى سبب هذا التأخير إلى تشكيل المعسكرات ونقل الأسلحة، ولم يدخل أي جندي أمريكي رسميا ساحة المعركة إلا خلال صيف سنة 1918. وقد أزهقت هذه الحرب روح 100 ألف جندي أمريكي، قتل نصفهم على جبهات القتال. في المقابل، يعد هذا الرقم ضئيلا مقارنة بعدد القتلى الذين سقطوا من الدول الأوروبية المتناحرة، والذين بلغ عددهم قرابة تسعة مليون قتيلا قبل أن يستسلم الألمان لهزيمتهم الحتمية.
الرئيس وودرو ويلسون
توماس وودرو ويلسون، الرئيس الأمريكي 28 (1856-1924)
يعود الفضل في نجاح التدخل الأمريكي، الذي وضع حدا للحرب التي قطعت أوصال أوروبا، إلى الرئيس، وودرو ويلسون. ويعتبر ويلسون الرئيس رقم 28 على لائحة رؤساء الولايات المتحدة، وقد دخل هذا الجامعي وحاكم ولاية نيوجيرسي سابقا، لأول مرة، البيت الأبيض سنة 1912، علما وأنه يعد رجلا تقدميا، على الرغم من أن والده كان قسيسا إنجيلي مشيخي.
خلال فترة حكمه لولايتين متتاليتين، أحدث وودرو ويلسون جملة من الإصلاحات الهامة جدا على الصعيد المحلي والدولي، ولعل أبرزها تعزيز قانون منع الاحتكار، وبعث نظام الاحتياطي الفدرالي، وحضر عمل الأطفال، فضلا عن تمكين المرأة من حق الانتخاب. أما على الصعيد الدولي؛ فقد أيد، ككل الأمريكيين، مبدأ الحياد، قبل أن يجد نفسه مجبرا على كسر العزلة الأمريكية.
تكريما لمبادرته، حظى ويلسون بجائزة نوبل للسلام لسنة 1919. في المقابل، سرعان ما تلاشى عهد هذه المبادئ المثالية، حيث وقف ويلسون عاجزا أمام رفض بلاده المصادقة على معاهدة فرساي وعلى الالتزام بمبادئ منظمة عصبة الأمم
من جانب آخر، ألقى ويلسون خطابا بحضور الشعب الأمريكي في يوم 8 كانون الثاني/ يناير من سنة 1918، أشتهر فيما بعد “بخطاب الأربعة عشر مبدأ”. وتضمن هذا الخطاب على مبادئ المفاوضات السلمية، حيث نادى بإنعاش العلاقات الدبلوماسية بين دول العالم، وتركيز أسس التجارة الحرة، وحق الشعوب في تقرير مصيرها. وقد مثلت هذه الأسس اللبنة الأولى لبعث منظمة عصبة الأمم.
وتكريما لمبادرته، حظى ويلسون بجائزة نوبل للسلام لسنة 1919. في المقابل، سرعان ما تلاشى عهد هذه المبادئ المثالية، حيث وقف ويلسون عاجزا أمام رفض بلاده المصادقة على معاهدة فرساي وعلى الالتزام بمبادئ منظمة عصبة الأمم. وفي أعقاب ذلك، تنحى ويلسون عن سدة الحكم وهو مرهق سنة 1921، وبعد ثلاثة سنوات توفي عن عمر يناهز 67 سنة.
المصدر: لوفيغارو الفرنسية