في مؤشّر على تغير شديد في مواقفه المتعلّقة بالسياسة الخارجية لبلاده التي أعلن عنها خلال حملته الانتخابية، قصفت الطائرات المقاتلة الأمريكية مواقعا لتنظيم الدولة الاسلامية “داعش” في أفغانستان بأمر من الرئيس ترامب، بعد أيام قليلة من الضربة الصاروخية على مطار الشعيرات العسكري في سوريا، تزامنا مع تحركات عسكرية أمريكية قرب كوريا الشمالية وتبادل للاتهامات مع روسيا.
“أم القنابل” توقع 36 قتيلا
36 قتيلا من مسلحي تنظيم الدولة الاسلامية “داعش”، وتدمير كبير من الأنفاق والكهوف التابعة له، نتيجة أولية للضرب العسكرية التي شنّتها طائرة “أم سي-130” التابعة للجيش الأميركي، أمس الخميس”على مواقع للتنظيم في منطقة أشين بولاية ننغرهار بأفغانستان، على مقربة من الحدود مع باكستان، بعد أسبوع من مقتل جندي أميركي في نفس المنطقة أثناء مشاركته في عمليات ضد مقاتلي التنظيم.
وصف المتحدث باسم البيت الأبيض القنبلة بأنها “سلاح ضخم وقوي يصيب الهدف بدقة
ضربة جوية، استعملت فيها الولايات المتحدة الأمريكية للمرة الأولى في تاريخ عملياتها القتالية، القنبلة “جي بي يو-43” المعروفة أيضا باسم “أم القنابل”، التي يبلغ وزنها نحو عشرة أطنان ويتم توجيهها بواسطة نظام تحديد المواقع العالمي (جي بي أس)، وجرى اختبارها أول مرة في مارس 2003 قبل أيام من بداية حرب العراق.
واعتبر المتحدث باسم البيت الأبيض شون سبايسر أن استخدام هذا السلاح كان بهدف حرمان تنظيم الدولة من مناطق عملياته لمهاجمة القوات الأميركية وقوات التحالف في المنطقة. ولفت إلى أن الجيش الأميركي في أفغانستان اتخذ “كافة الإجراءات الضرورية لتجنب سقوط ضحايا مدنيين، وتجنب حدوث أضرار جانبية يمكن أن تنتج عن العملية”، ووصف القنبلة بأنها “سلاح ضخم وقوي يصيب الهدف بدقة“.
القنبلة “جي بي يو-43” المعروفة أيضا باسم “أم القنابل”
من جهته، أشاد الرئيس الأميركي دونالد ترامب، خلال اجتماع في البيت الأبيض، باستخدام القنبلة قائلا إنه دليل على أن الولايات المتحدة أصبحت لديها سياسة خارجية أكثر قوة منذ تولى منصبه في يناير الماضي، ووصف إلقاء القنبلة بأنه كان “مهمة ناجحة جدا“. كما رحبت الحكومة الأفغانية في بيان لها بالعملية العسكرية وتدمير الأنفاق لمسلحي تنظيم الدولة شرق أفغانستان.
وتعتبر هذه القنبلة التي تم إسقاطها، ” الذخيرة الأمثل لتدمير الملاجئ تحت الأرض والأنفاق التي يستعملها تنظيم الدولة لتمتين دفاعاته، حسب قائد القوات الأميركية في أفغانستان الجنرال جون نيكلسون.
علاقات ترامب بوتين، محبة فعداء؟
الضربة الأخيرة على مواقع لتنظيم الدولة في أفغانستان سبقها استهداف البحرية الأمريكية بصواريخ توماهوك قاعدة “الشعيرات” العسكرية قرب حمص وهي القاعدة التي انطلقت منها الغارة على مدينة خان شيخون قرب إدلب والتي يعتقد أن قوات النظام استخدمت الأسلحة الكيماوية خلالها، في تغيّر واضح لسياسة ترامب في سوريا بعد أن أكّد خلال حملته الانتخابية أن سقوط الأسد ليس من أولوياته وأن الحرب ضدّه ليست منطقية الأن.
توتر العلاقات بين بوتين وترامب
ضربة جوية كانت سببا لخروج الأزمة الروسية الأمريكية إلى العلن فبعد أن كانت المحبة سمة العلاقة بين ترامب وبوتين أصبحت العداوة سمتها، فقد تراجع مستوى الثقة بين الطرفين منذ أن تولى ترامب منصبه، حسب بوتين. وكان ترامب، أيضا، قد أبدى حذره من مستقبل العلاقات مع روسيا، مشيرا إلى أن العلاقات متوقفة للتعرف على طبيعة مستقبل الروابط التي ستجمعهم بموسكو، وقال ترامب، الأربعاء، إنه يشعر بقلق متزايد من تأييد روسيا للرئيس السوري بشار الأسد، ورأى أن العلاقات بين البلدين ربما وصلت إلى أدنى مستوى.
وتعد تصريحات الرئيسين، إشارة لدخول العلاقات بين البلدين إلى مرحلة خلاف ربما يصل لمرحلة الخصام والقطيعة، على عكس ما كان متوقعا قبل فوز ترامب بالمنصب وأثناء حملته الانتخابية، وبعد توليه المنصب بشكل رسمي في الـ 21 يناير الماضي.
كوريا الشمالية على الخط
خلال حملته الانتخابية وقبل تقلّده منصب الرئاسة، أكّد ترامب أنه سيوجّه جهده وعمله داخل أمريكا، إلاّ أنه ما فتئ يظهر عكس ذلك، انطلاقا من الضربات الجوية في سوريا وأفغانستان وتوسيع صلاحيات الجيش في الصومال، إلى التهديدات الأخيرة تجاه كوريا الشمالية، وما استعمال صواريخ توماهوك وبعدها قبلة “أم القنابل”، إلا دليلا على هذا التغيير الحاصل في سياسة ترامب الخارجية.
في هذا السياق كشفت تقارير إعلامية، عن عزم الجيش الأمريكي تنفيذ ضربات عسكرية وقائية ضد كوريا الشمالية، إذا ثبت لهم إنها ستجري تجربة جديدة على أسلحة نووية وذلك مع استمرار المخاوف بشأن البرنامج النووي لبيونج يانج، وقال الرئيس دونالد ترامب أمس الخميس، في ردّ على سؤال بشأن الرسالة التي يود أن يوجهها إلى بيونجيانج، إن كوريا الشمالية “مشكلة سيتم التعامل معها”.
أظهرت صور التقطتها الأقمار الاصطناعية “تجهيز” موقع “بونجي- ري” للتجارب النووية في كوريا الشمالية
في سياق ذلك، توجهت السفينة الحربية الأمريكي حاملة الطائرات كارل فينسون التي يبلغ وزنها 97 ألف طن، مع غيرها من السفن، بأكثر من 60 طائرة إلى المياه الدولية القريبة من كوريا الشمالية بعد أن ألغت رحلتها المقررة إلى استراليا، وفقا لتقارير اعلامية، ويدرس مسؤولو إدارة ترامب فرض عقوبات اقتصادية مشددة بالإضافة إلى خيارات عسكرية للحد من طموحات كوريا الشمالية النووية.
وكانت صور التقطتها الأقمار الاصطناعية قد أظهرت “تجهيز” موقع “بونجي- ري” للتجارب النووية في كوريا الشمالية، بحسب مركز أبحاث أمريكي. كما لوحظ نشاط جديد في الموقع- الذي تجري فيه كوريا الشمالية تجارب نووية منذ عام 2006- في سبتمبر، قبل التجربة النووية الخامسة الناجحة للبلاد.
سفن حربية أمريكية تتوجه للسواحل الكورية
ويقول، خبراء، إن سياسة ترامب الخارجية بتحولاتها تعكس تراجع نفوذ فريق حملته الانتخابية وتزايد نفوذ وزير الدفاع جيمس ماتيس ووزير الخارجية ريكس تيلرسون ومستشار الأمن القومي أتش آر مكماستر، وثلاثتهم ممن لديهم شكوك عميقة في روسيا. وكان مستشار ترامب السابق للأمن القومي الجنرال المتقاعد مايكل فلين قد اضطر للاستقالة يوم 13 فبراير الماضي بسبب اتصالاته بالسفير الروسي لدى الولايات المتحدة قبل تولي ترامب منصبه.
ومن شأن هذه التحولات في بعض السياسات الخارجية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن تطمئن حلفاء الولايات المتحدة في أوروبا الذين هزهم ما أبداه ترامب من تخبّط خلال حملته الانتخابية.