ذكرت فيما مضى بتاريخ 16 من يناير 2017 مقالًا لي بعنوان “تركيا ما بين انقلاب عسكري وآخر اقتصادي” ذكرت فيه أن “تركيا تريد أن تتحول من التبعية إلى الشراكة، ثم إلى الاستقلال التام بين الدول، وهذا مسار مخطط له حتى عام 2023 وأعلنه الرئيس أردوغان في أكثر من خطاب له، وقد تم التأكيد على السير في هذا الاتجاه دون توقف رغم الصعوبات والأشواك المنتشرة في طريق النهضة، هذا وقد حققت في مدة قصيرة، هي مدة عمر الحزب الحاكم في البلاد “العدالة والتنمية” وحتى الآن طفرة ونقلة نوعية في جميع الجوانب الاقتصادية.
ولا شك أن تلك الخطوات تعارضها قوى إقليمية ودولية لا تحب لهذا البلد أو لغيره إلا أن تكون تابعًا كغيرها من أقرانها التي لا تسير إلا بتوجهات ومسارات محدده سالفًا.
رحى الصّراع على أوجّها
تدور رحى الصراع الآن على أوجّها بين معسكرين داخل تركيا، يرفع أحدهما راية “نعم” ويرفع الآخر راية “لا” وفي الخارج الجميع (ما بين محبّ لأردوغان ومعاد له)، يترقب نتائج الحدث “الاستفتاء على الدستور”.
ومع اقتراب موعد الاستفتاء الذي سيجرى داخل تركيا في 16 من أبريل/ نيسان الشهر الحالي، تزداد وتيرة التصاعد بين طرفي الصراع، كل منهما يريد لنفسه أن تؤول الأمور لصالحه دون غيره.
أولًا: خيار “نعم”
نتناول في هذا الخيار المتوقع والمؤمول بحسب المعطيات السابقة والجارية.
بيد أنه إذا تحقق لهذا الخيار أن يكون “نعم للتعديلات الدستورية”، فسوف تدور الأمور حينها بين “خمسة محاور” وعليها تترتب النتائج حسب تحقيق نسبة نجاح كل محور على حدى، وسوف أتطرق وأقتصر بالشرح على المحور الأول والأخير.
1- تركيا ما بعد الاستفتاء بـ”نعم” ستكون أكثر استقلالية عن ذي قبل.
حقيقة لا يريد تقبّلها (الأوروبيون) ، وهي أن تركيا باتت أكثر استقلالية حيث لا تنصاع لكل ما يقولون وانتهى بتعليق “للأسف هذه حالة أوروبا اليوم”
وفي هذه الصدد، ستنحو تركيا نحو مزيد من الاستقلالية، تحت ظل النظام الرئاسي، مما سيجعلها تنتقل من مرحلة الدفاع إلى مرحلة أكثر هجومًا.
وما صرح به وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو يوم 24 من مارس / آذار 2017 في سويسرا، يؤكد ذلك بأنّ تركيا باتت اليوم أكثر استقلالًا، ولم تعد تنصاع لأوامر الأوروبيين الذين لا يريدون تقبّل هذه الحقيقة.
وأكد على أن هناك حقيقة لا يريد تقبّلها (الأوروبيون)، وهي أن تركيا باتت أكثر استقلالية حيث لا تنصاع لكل ما يقولون وانتهى بتعليق “للأسف هذه حالة أوروبا اليوم”.
2- التركيز على التنمية المستدامة على المستوى الدخلي والخارجي قبل نهاية فترة ولاية أردوغان الحالية.
3- التعامل مع الاتحاد الأوروبي بـ”ندّية” أكثر من ذي قبل.
4- محاولة تعميق البُعد الاستراتيجي بين تركيا وإفريقيا وتركيا والدول الإسلامية وخاصة باكستان والسعودية.
5- محاولة التركيز على بعض القضايا العالقة أو كما أسميتها “ملفات ساخنة في انتظار تحديد المصير” كي يتم وضعها في إطار “استقرار نسبي”، حتى تسير عليه تلك القضايا، كنقطة انطلاق لتحقق الأهداف المرجوة فيما بعد.
وكنت قد عرجت في مقال سابق عقب فوز ترامب بأن هناك ملفات ساخنة في انتظار تحديد المصير، ولعل أبرز هذا الملفات تتمثل في الآتي:
• مصير الأسد في سوريا.
• مصير بعض الفصائل المسلحة في سوريا.
• مصير دعم حزب العمال الكردستاني وذراعه في سوريا.
• مصير فتح الله غولن القابع في بنسلفانيا.
• مصير المنطقة الآمنة في شمال سوريا.
• مصير تنظيم الدولة.
• مصير إيران في المنطقة والتعامل معها.
ثانيًا: خيار “لا”
أما إذا قلبت “نتيجة الاستفتاء على الدستور” الموازين والتوقعات المحتملة، وكانت النتيجة على عكس ما يراه الخبراء، ورجحت كفة “لا” على غيرها، فإن بدائل حزب العدالة والتنمية كثيرة، وأن الأمور ستسير كما هي قبل التفكير في تعديلات دستورية، ودون ثمة تغييرات ملحوظة، ولكن سيكون السير والتعاطي مع الأحداث والمستجدات الجارية ينتابه البطء أحيانًا، عكس المأمول والمتوقع إذا كانت النتيجة بـ”نعم”، فالأمر هنا كان سيختلف.
أوروبا وروسيا والولايات المتحدة يتعاملون مع تركيا بمبدأ المصالح المشتركة، وأعتقد أن الأمور ستجري وفق ما هو محدد له سابقًا
أردوغان الذي يسعى لتحقيق مزيد من الصلاحيات على غرار “التعديلات الدستورية”، تصفه أوروبا وقبل هذه التعديلات بـ”الديكتاتور”، فلن يختلف الأمر كثيرًا لو أخفقت جولته هذه المرة، وكانت نتائج التعديلات الدستورية في غير صالحه.
وأوروبا وروسيا والولايات المتحدة يتعاملون مع تركيا بمبدأ المصالح المشتركة، وأعتقد أن الأمور ستجري وفق ما هو محدد له سابقًا وليس ثمة أضرار ستنال من الدولة “التركية” أكثر مما أصابها في السابق.