كثيرًا ما حاضر قادة الغرب عن مبادئ حقوق الإنسان وحرية التعبير، حتى إنهم نصّبوا أنفسهم طيلة العقود الأخيرة الراعي الرسمي والناطق باسم هذه المبادئ الإنسانية العظيمة، وفرضوا العقوبات على الدول والأشخاص لدفعهم لاحترامها والعمل بها، حسب زعمهم.
مبادئ يردد قادة الغرب أن الحياة من دونها لا تستقيم وإنها أساس الديمقراطية، لكن العديد من الأحداث والمناسبات أكدت أن هذه المبادئ تقف عند مصلحة الغرب، فهي مرتبطة بمزاجهم فقط، ولا مكان لها إن تعارضت مع أفكارهم وتوجهاتهم.
الحرب الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة أثبتت ذلك مرة أخرى، فالجرائم المتواصلة منذ نحو أسبوعين في حق الفلسطينيين العزّل، أكدت دون شك زيف ادعاءات قادة الغرب وعنصريتهم ونفاقهم واتباعهم سياسة الكيل بمكيالين.
منع التظاهر
قبل أشهر من الآن، كان سُيّرت المظاهرات في مختلف حواضر أوروبا والغرب، دعمًا لأوكرانيا في وجه روسيا، ففي اعتقادهم أن كييف ضحية عدوان موسكو، لكن التظاهر دعمًا لفلسطين وتنديدًا بجرائم الاحتلال الإسرائيلي ممنوع.
ويواجه المتضامنون مع فلسطين في أغلب الدول الأوروبية قيودًا وحظرًا وتدخلًا من قوى الأمن والسلطات لمنع التظاهرات والمسيرات، وصل إلى حد حصول اعتقالات وإيقافات للعديد من الناشطين، رغم أن ذلك ينافي حقوق الإنسان التي ينادي بها الغرب.
قوات الامن في #فرنسا تلاحق المتظاهرين وتعتدي عليهم لانهم تضامنوا مع #غزة!! pic.twitter.com/X8u39Um7wu
— د. طارق الزمر (@drtarekelzomor) October 12, 2023
اعتقل 15 شخصًا في بريطانيا لمشاركته في مسيرة تضامنية مع غزة، ومُنع التلويح بالعلم الفلسطيني، ونفس الشيء حصل في فرنسا، حيث اعتقل عشرات المتضامنين مع فلسطين وفرضت غرامات على مئات الأشخاص الذين كانوا يحملون الأعلام الفلسطينية ويضعون الكوفية حول أعناقهم، وتم قمع العديد من المظاهرات المنددة بالجرائم الإسرائيلية في الوقت الذي سُمح فيه بالمظاهرات المؤيدة للكيان الإسرائيلي في مدينتي باريس وستراسبورغ.
لم يكن المشهد مختلفًا في ألمانيا، فقد منعت شرطة برلين مظاهرات التضامن مع الفلسطينيين منذ 11 أكتوبر/تشرين الأول الحاليّ، واعتقلت عددًا من المتضامنين مع القضية الفلسطينية والمنددين بجرائم كيان الاحتلال المتواصلة بحق الفلسطينيين.
وزيرة ألمانية تدعو لترحيل داعمي المقاومة
نواصل مع عنصرية الغرب، حيث دعت وزيرة الداخلية الألمانية نانسي فيزر، أمس الجمعة، لترحيل داعمي المقاومة، وقالت إنه يجب ترحيل داعمي حركة المقاومة الإسلامية “حماس” من البلاد طالما كان ذلك ممكنًا، مضيفة أن السلطات ستراقب عن كثب التهديدات المحتملة في أعقاب هجوم الحركة الفلسطينية على “إسرائيل”.
وأضافت فيزر بعد محادثات مع مسؤولين في مكتب الشرطة الجنائية الاتحادية “إذا كان بوسعنا ترحيل داعمي حماس، فإن علينا فعل ذلك”، وتابعت “تركز سلطاتنا الأمنية حاليًّا بشكل أقوى على المشهد الإسلامي”، مشيرة إلى هجوم وقع في الآونة الأخيرة في بروكسل، باعتباره مؤشرًا على التهديد.
وزيرة الداخلية الألمانية: سنرحّل داعمي حماس من ألمانيا إذا استدعى الأمر.
— حرب روسيا – اوكرانيا (@_world_changing) October 20, 2023
وناشدت فيزر المواطنين إبلاغ السلطات بأي “دعاية” داعمة لحماس، وذكر بيان صادر عن المدعي العام أن ممثلي ادعاء في ميونيخ أصدروا أمرًا اليوم بتفتيش منزل مواطن ألماني يبلغ من العمر 38 عامًا بسبب منشور على إنستغرام دافع فيه عن هجوم حماس.
وقبل ذلك أعلن المستشار الألماني أولاف شولتز، في بيان حكومي، فرض حظر على أنشطة حركة حماس في ألمانيا بعد عملية طوفان الأقصى التي أطلقتها مع فصائل المقاومة الفلسطينية، وأضاف في بيانه بالبرلمان الألماني “بوندستاغ” أنه من المقرر أيضًا حظر شبكة “صامدون” الفلسطينية.
بنزيمة وعطال
لطالما تغنى المسؤولون ووسائل الإعلام الفرنسية بنجم كرة القدم كريم بنزيمة، الذي أهدى فرنسا الكرة الذهبية كأفضل لاعب دولي العام الماضي 2022، وساهم في مجد منتخبهم الأول الذي شارك معه في 97 مباراة دولية سجل خلالها 37 هدفًا خلال الفترة من 2007 حتى 2022، لكن الآن الأمر مختلف.
الأحد الماضي، انتصر بنزيمة للقيم التي تقول بلاده إنها راعية لها، وعمل بالمبادئ التي تدّعي فرنسا القيام عليها، إذ غرّد قائلًا “كل صلواتنا من أجل سكان غزة، ضحايا مرة أخرى لهذا القصف الظالم الذي لم يسلم منه نساء ولا أطفال”.
هذه التغريدة على بساطتها التي عبّر فيها نجم الكرة الفرنسية عن تضامنه مع ضحايا العدوان الإسرائيلي المتواصل منذ أسبوعين على قطاع غزة لم ترق للمسؤولين الفرنسيين، فما كان منهم إلا أن تسابقوا لاختلاق التهم وتوجيهها لكريم بنزيمة.
وتتوالى فضائح الغرب في التعامل مع العدوان الإسرائيلي على فلسطين.
وزير الداخلية الفرنسي يتهم اللاعب “كريم بنزيمة” بالتعاطف مع جماعة الإخوان المسلمين بعد أن كتب تغريدة يتضامن فيها مع أهل غزة ضد القصف الإسرائيلي الغاشم وسقوط آلاف القتلى والجرحى.
وفي لقاء له مع قناة فرنسية زعم… pic.twitter.com/HEYIfwTRBU— شؤون إسلامية (@Shuounislamiya) October 17, 2023
بعض الكلمات كانت كفيلة بفضح عنصرية قادة فرنسا، حيث اتهم وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانان بنزيمة بـ”صلته بجماعة الإخوان المسلمين”، بينما طالبت العضوة بمجلس الشيوخ فاليري بوايي سحب جنسيته وإلغاء تتويجه بالكرة الذهبية، إذا تأكدت علاقاته مع هذا التنظيم الإسلامي.
فيما صرّحت الوزيرة السابقة النائبة بالبرلمان الأوروبي نادين مورانو لقناة “سي نيوز” وإذاعة “أوروبا 1” بأن بنزيمة الذي طالما دافع عن ألوان منتخب “الديوك” وجلب له الانتصارات، اختار معسكره وبات “عميلًا للبروباغندا (الدعاية) التي تمارسها حماس وتهدف لتحطيم إسرائيل”.
بدوره، نشر النجم الجزائري يوسف عطال صورةً له متوشحًا بالعلم الفلسطيني ورفقها بعبارة “فلسطين حرة”، تنديدًا بجرائم الاحتلال الصهيوني في حق أهلنا بغزة، لكنه كان ضحية هجوم فرنسي كبير ضده، ما اضطره لحذفها والاعتذار وتأكيده “الإدانة بشدة لجميع أشكال العنف في أي مكان في العالم، ودعم جميع الضحايا”.
رغم الاعتذار عن ذنب لم يرتكبه، أعلن نادي نيس الفرنسي توقيف يوسف عطال، فيما فتحت النيابة العامة في مدينة نيس تحقيقًا أوليًا، ضد نجم المنتخب الجزائري بتهمة “الدفاع عن الإرهاب” و”التحريض على الكراهية أو العنف على أساس دين معين”.
لا قوة كقوة الضمير.. والرجولة هي كلمة شرف وموقف عز 🇵🇸
أنور الغازي 🇲🇦 يوسف عطال 🇩🇿 نصير مزراوي 🇲🇦 وعيسى العيدوني 🇹🇳 لاعبون عرب صدحوا بكلمة الحق في أوروبا ونصروا إخوانهم في فلسطين حتى على حساب مستقبلهم الكروي في أنديتهم
قلوبنا معكم ..لن ينساكم التاريخ يا أبطال 🫡✌🏻 pic.twitter.com/u6t4PUs0Tt
— عبدالله محمد العلي (@abd_al3li) October 20, 2023
بدوره، لجأ الاتحاد الفرنسي لكرة القدم إلى مجلس الأخلاقيات التابع له للنظر فيما نشره مدافع نادي نيس والمنتخب الجزائري، دعمًا للفلسطينيين في العدوان الذي يشنه كيان الاحتلال الإسرائيلي حاليًّا ضدّ قطاع غزة، وذلك وفق ما أفاد رئيسه فيليب ديالو.
وارتفعت الأصوات منذ السبت، بينها صوت كريستيان أستروزي رئيس بلدية نيس، والمجلس التمثيلي للمؤسسات اليهودية في فرنسا، للتنديد بمقطع فيديو نشره عطال في حسابه على إنستغرام اعتُبِر “معاديًا للسامية ويدعو إلى العنف”.
يؤكد تعامل الفرنسيين مع بنزيمة وعطال ازدواجية المبادئ عندهم، فخلال الحرب ضدّ أوكرانيا، حثّ اتحاد الكرة الفرنسي وغيره من الاتحادات الغربية، الرياضيين ونجوم الصف الأول والفرق الكبيرة لإعلان دعمهم لأوكرانيا، لكن اليوم يعاقبون من يتضامن مع أطفال ورضّع وشيوخ ونساء سقطوا ضحية كيان لا يعترف بالقانون الدولي.
وقف المساعدات
في الوقت الذي ينتظر فيه الفلسطينيون وصول المساعدات إليهم لمعاضدتهم في المحنة التي يعيشونها، قرّرت ألمانيا تعليق مساعداتها التنموية للأراضي الفلسطينية في إطار مراجعة شاملة لمساعداتها المالية، وتبلغ قيمة المساعدات الألمانية المعلّقة 125 مليون يورو لهذا العام والعام المقبل، وتشمل المشاريع الممولة منشأة لتحلية المياه والتدريب المهني وإتاحة فرص عمل للشباب والأمن الغذائي.
نفس الشيء بالنسبة للنمسا، إذ أعلنت الحكومة النمساوية أيضًا تعليق مساعداتها التنموية للأراضي الفلسطينية، وتبلغ قيمتها 19 مليون يورو، وهو ما يمكن أن يزيد من معاناة الأطفال والشيوخ في قطاع غزة.
التهديد بغلق مطعم
حساسية السلطات الفرنسية إزاء كل ما يتعلق بالمقاومة الفلسطينية، ظهر في كيفية تعاملها مع مطعم “تاكوس” يقع بمدينة فالانس جنوب البلاد، اسمه “تشاماس” (CHAMAS)، لكن نظام الإضاءة الذي ينير الحرف الأول “سي” (C) أصيب بعطل، فلم يظهر للناظرين إلا اسم “HAMAS” مضاء ليلًا.
ما إن بلغ لمسامع السلطات هذا الأمر، حتى بادرت إلى القدوم للمطعم على الفور، وهددت صاحبه بالإغلاق إذا لم يصلح نظام إضاءة حرف “سي” فيظهر الاسم كاملًا، ورابطت دوريتان للشرطة بجانب المطعم حتى يصلح الخطأ.
الشرطة تغلق مطعم للوجبات السريعة بعد إبلاغ سكان المنطقة أن إسم المطعم يقرأ “حماس” !!
مطعم chamas حرف C لا يُضاء ليلا بسبب عطل منذ أكثر من 6 أشهر و بالتالي يصبح إسم المطعم HAMASواضح ان العالم فاضية جداً 🤡 pic.twitter.com/Rj6n3DsfXn
— PIC | صـور من التـاريخ (@inpic0) October 20, 2023
حرف حرّك الشرطة الفرنسية بسرعة ودفعها للتدخل، لكن آلاف المشردين في الشوارع لم تر السلطات أي دافع للتحرك إليهم ومعالجة مشاكلهم، رغم أن باريس عاصمة الحريات وفق قول قادة قصر الإيليزيه.
توقف الدول الغربية المساعدات الإنسانية وتعاقب اللاعبين وتهددهم بسحب الجنسية منهم على خلفية الإدلاء برأيهم وتمنع التظاهر وتعتقل نشطاء حقوق الإنسان، ومع ذلك تريد إقناع العالم بتصديق ما تقوله عن القيم وحقوق الإنسان والقوانين الدولية.