أثار إعلان المفوضية الأوروبية عن تعليق المساعدات التنموية للفلسطينيين، انتقادات واسعة بسبب التسرع في إعلانه، وهو ما تسبب في انقسام المواقف بشأن هذا القرار داخل الدول الأوروبية.
ولم تمض إلا ساعات حتى تراجع الاتحاد الأوروبي عن قراره القاضي بتعليق تلك المساعدات التي تبلغ قيمتها أكثر من 728 مليون دولار، لكن أثيرت كثير من التساؤلات بشأن استخدام هذه المساعدات كورقة ضغط ضد الفلسطينيين ووسيلة للمساومة والابتزاز.
معارضة القرار الأوروبي
أعربت العديد من الدول الأوروبية عن رفضها لقرار المفوضية بشأن إيقاف المساعدات واعتماد سياسة العقوبات الجماعية بحق الفلسطينيين.
وصرّحت وزارة الخارجية الفرنسية، الثلاثاء 10 أكتوبر/تشرين الأول 2023، بأنّها لا تؤيد تعليق المساعدات التي يستفيد منها الفلسطينيون بشكل مباشر.
فيما حذرت إسبانيا من أن تعليق المساعدات للأراضي الفلسطينية سيأتي بنتائج عكسية، مرجّحة أن تزداد احتياجات الأراضي الفلسطينية للمساعدات في المستقبل القريب بسبب القصف الإسرائيلي على غزة.
من جانبها أكدت بريطانيا أنها تعكف على مراجعة المساعدات وأنها بصدد اتخاذ إجراءات صارمة بشأن نوعية المساعدات المقدمة.
أما الدنمارك فقد سارعت إلى وقف المساعدات التنموية إلى فلسطين بذريعة الرد على العملية العسكرية التي نفذتها فصائل المقاومة الفلسطينية.
ويرجح مراقبون أن تؤيد ألمانيا ودول أخرى قرار الاتحاد الأوروبي تعليق المساعدات التنموية للفلسطينيين، إذ أوقفت برلين برنامج تقديم المساعدات المباشرة للفلسطينيين.
معاقبة الفلسطينيين مرتين
وعن قرار مراجعة المساعدات الأوروبية إلى فلسطين، يقول مدير المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان راجي الصوراني، إنّ الاحتلال الإسرائيلي يضرب الأهداف المدنية ليصنع نكبة جديدة للشعب الفلسطيني من خلال دفع سكان القطاع للنزوح.
ويضيف الصوراني في حديثه لموقع “نون بوست”، بأن المفوضية الأوروبية وبدلًا من إدانة الموقف الإسرائيلي، والدعوة لحماية المدنيين ووقف إطلاق النار بشكل فوري قرر معاقبة الفلسطينيين.
ويشير مدير المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان إلى أنّ الاتحاد الأوروبي يعاقب فلسطين مرتين، مرة بالدعم الكامل للموقف الإسرائيلي سياسيًا، ومرة ثانية من خلال قطع المساعدات عن الشعب الفلسطيني، ومعاقبة ملايين الفلسطينيين الذين يعيشون تحت وطأة الاحتلال وجرائمه.
ويعرب الصوراني عن استهجانه لازدواجية الموقف الأوروبي والأمريكي، من خلال “تقديم الدعم السياسي والعسكري لـ”إسرائيل” التي تقصف غزة بأسلحة أمريكية وباتت المدمرات والبوارج من الطائرات الأمريكية والبريطانية على سواحلنا، بينما تعاقب فرنسا من يتظاهر مع الشعب الفلسطيني”.
وعن البدائل المتاحة أمام فلسطين في حال قطع المساعدات الأوروبية، يقول الصوراني: “نحن لدينا محيط عربي هو الأغنى والأكثر سخاءً، لكن مع الأسف أنّ أكثر من 80% من الموارد التي تأتي للسلطة الفلسطينية والشعب الفلسطيني، مصدرها الدول الغربية، وعلى السياسيين العرب أن يجيبوا عن ذلك، وأن يقفوا أمام مسؤولياتهم بدعم الشعب الفلسطيني كما ينبغي”.
ويرى أن هناك بدائل عديدة في حال انقطاع الدعم الأوروبي وغيره، داعيًا أحرار العالم والدول التي تساند الشعب الفلسطيني وتدعمه وهي كثيرة، بمد يد العون إلى قطاع غزة المنكوب منذ 17 عامًا من خلال 5 حروب مدمرة، وحصار ظالم غير إنساني وغير قانوني.
ويلفت الصوراني إلى أنّ وقاحة الموقف الأوروبي السياسي، كشف عن هذا الوجه المالي الاستعماري، والانتقائية والازدواجية في تطبيق القانون الدولي، ويتجلى ذلك من خلال رفض احتلال أوكرانيا ومدّها بالمال والسلاح، لكنه في المقابل يؤيد الاحتلال الإسرائيلي.
طبيعة المساعدات الأوروبية
وتمثل المساعدات الأوروبية لفلسطين عاملًا حيويًا في دعم استقرار وتنمية الأوضاع في المنطقة، وتُعنى هذه المساعدات بتوفير الدعم المالي والإنساني للفلسطينيين، سواء من خلال تعزيز البنية التحتية أم تقديم المساعدة الإنسانية أم دعم مشاريع التنمية.
وتتزايد المخاوف من أن قطع المساعدات الأوروبية عن فلسطين يمكن أن يؤدي إلى تفاقم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، وزيادة مستوى الفقر والبطالة، وهو ما يهدد بمزيدٍ من التوتر وعدم الاستقرار.
وأعلن الاتحاد الأوروبي في فبراير/شباط الماضي عن دعم السلطة الفلسطينية بمبلغ 114.2 مليون يورو لمساعدتها في دفع رواتب ومعاشات التقاعد لموظفي الخدمة المدنية، والعلاوات الاجتماعية للعائلات الضعيفة والتحويلات إلى مستشفيات القدس الشرقية.
وبموجب البرنامج الذي يمتد من 2021 إلى 2024، سيواصل الاتحاد الأوروبي دعم الإصلاحات الرئيسية في مجالات الإدارة المالية العامة والمياه والطاقة، ويشمل المبلغ أيضًا 1.2 مليون يورو من النمسا كمساهمة في المخصصات الاجتماعية.
كما سيساهم برنامج بقيمة 30 مليون يورو في زيادة حجم مياه الشرب في غزة، حيث لا يزال نصيب الفرد من المياه من حيث الجودة والكمية أقل من المعايير الدولية.
بينما تم تخصيص 27 مليون يورو لدعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الحجم لاكتساب القدرة التنافسية الخضراء، والأعمال التجارية الزراعية الذكية مناخيًا، وشمول التمويل الريفي، والسياسة البيئية.
كما جرى تخصيص 12 مليون يورو لتلبية احتياجات السكان الفلسطينيين في القدس الشرقية في مجالات التعليم والصحة، وتنمية القطاع الخاص، وغيرها.
وخُصص كذلك أكثر نحو 16 مليون يورو لتحسين البنية التحتية وتعزيز سيادة القانون ودعم التراث الثقافي الفلسطيني.
يُذكر أن الاتحاد الأوروبي تعهد بتقديم دعم ثابت لفلسطين، من خلال تخصيص قرابة 1.177 مليار يورو كدعم مالي بين عامي 2021- 2024، قبل أن يتراجع عن ذلك في 9 أكتوبر/تشرين الأول الحاليّ على خلفية عملية “طوفان الأقصى” التي شنتها حركة حماس ضد المستوطنات الإسرائيلية في غلاف قطاع غزة.