أدركت تركيا في الفترة الأخيرة الحاجة للاستفادة من السوريين الموجودين على أراضيها والبالغ عددهم قرابة 3 مليون شخص داخل المخيمات وخارجها، إذ أثبتت الأرقام خلال السنوات الماضية أن اللاجئين السوريين أضافوا قيمة كبيرة على الناتج الاقتصادي التركي من خلال مساهماتهم في مختلف القطاعات الاقتصادية من صناعة وتجارة وخدمات.
مؤتمر ريادة الأعمال للسوريين
افتتح رئيس منظمة “هابيتات” التركية سازيا هازر ملتقى ريادة الأعمال للسوريين قائلاً: “النظام الاقتصادي الحديث يقوم اليوم على ماذا ننتج، وماذا نقدم للمجتمع، وما القيمة التي نضيفها في المكان الذي نعيش فيه”، وأضاف هازر “اللاجئون والمهاجرون هم أكثر الناس المعنيين بهذا الكلام لأنهم يريدون إثبات أنفسهم في المجتمع الجديد وينخرطوا فيه بنجاح”.
اللاجئون والمهاجرون هم أكثر الناس الذين عليهم إثبات أنفسهم في المجتمع الجديد وينخرطوا فيه بنجاح
ويردف رئيس المنظمة أن تركيا أضاعت الدفعة الأولى من المهاجرين الذين لجأوا إلى تركيا، بعدما غادروا إلى أماكن أخرى كأوروبا وأمريكا، ولكن بعد ذلك تم تلافي هذا الأمر وإعادة ضبط السياسات اللازمة لإدماج السوريين في تركيا، وكيفية بلورة الطاقات السورية للاستفادة منها في الاقتصاد التركي.
مؤسسة هابيتات، تضطلع بتبني فرص مشاريع وبرامج لتنمية القدرات وبرامج لريادة الأعمال من أجل اللاجئين السوريين والمواطنين الأتراك، حيث يقوم البرنامج بتوفير الموارد الأساسية للمتلقين وتزويدهم بالأدوات المناسبة لخلق مشاريعهم التجارية في تركيا.
تنطلق رؤية هابتات بإدماج السوريين في تركيا من خلال مساعدتهم في المساهمة بالاقتصاد عبر خلق المشاريع وتشجيع رواد الأعمال وتوفير فرص عمل لهم، وهذا الأمر يضمن تغيير “الانطباع السيء” الموجود لدى فئات معينة من الشعب التركي عن السوريين، وتغيير هذا الانطباع يقع على عاتق ومسؤولية السوريين أنفسهم، من خلال تقديم قيمة مضافة والمساهمة في بناء المجتمع، وستعنى المنظمة بمساعدة رواد الأعمال من خلال توظيف شبكة علاقاتها وخبراتها لتخريج رجال أعمال سوريين يكون لهم دور مهم في الاقتصاد التركي.
تضطلع مؤسسة هابيتات بتبني فرص مشاريع وبرامج لتنمية القدرات وبرامج لريادة الأعمال من أجل اللاجئين السوريين والمواطنين الأتراك
ريادة الأعمال ستحد من الارتباط بالمساعدات الإنسانية والإغاثية وتجعل الأشخاص يعتمدون على أنفسهم بشكل أكبر، وخلق فرص عمل ومن ثم المساهمة في اقتصاد تركيا وتطوير جيل من رواد الأعمال المستقلين، حيث سيمر الرواد عبر قنوات معينة تضمن نجاهم في مشاريعهم التجارية، وهذه القنوات هي التدريب والتوجيه، ومن ثم الحصول على التمويل، أطلقت المنظمة على هذا البرنامج “الإعالة”.
حيث يسعى هذا البرنامج إلى دعم اللاجئين والفئات السكانية المحلية المحرومة في خلق مشاريع وفرص عمل والمساهمة في سوق العمل، وذلك من خلال التركيز على الفرد، بالتفكير فيما يتعرض له اللاجئ السوري من انعدام الأمن وعدم الاستقرار وعدم الثقة بالنفس والعمل على تحسين أوضاعهم، وتطوير الأعمال من خلال خلق أعمال مستدامة وزيادة دخل الفرد، والمساهمة في تنمية اقتصاد الدولة وتعزيز جدول الأعمال الاقتصادي ورؤية تركيا لعام 2023، والتأثير الثقافي عبر تحقيق الانسجام الثقافي والاحترام المتبادل بين سكان البلد المضيف واللاجئين عن طريق تشجيع ريادة الأعمال، وأخيرًا البرامج المستدامة عبر خلق الدعم الكافي لضمان استدامة البرامج الموجهة للاجئين والفئات الأخرى.
ريادة الأعمال ستحد من الارتباط بالمساعدات الإنسانية والإغاثية وتجعل الأشخاص يعتمدون على أنفسهم بشكل أكبر
المنظمة التي احتفلت بالعام العشرين لتأسيسها، والتي بدأت بالعمل على برامج تطوير ريادة الأعمال وتطوير التكنولوجيا والتمويل، طول الأعوام الماضية مع السكان المحليين، وتمكنت من تنفيذ مشاريع كثيرة في مجال الإدارة والتدريب، وبعد قدوم اللاجئين السوريين إلى تركيا افتتحت المنظمة مشروعًا جديدًا بعنوان “ملتقى ريادة الأعمال من أجل مسقبل تشاركي” من أجل مساعدة السوريين وتطوير مهاراتهم.
يقول مهدي أحد الإداريين في المشروع لنون بوست: “رغم حداثة عهد المشروع فإنه خلال العام الماضي وخلال 3 أشهر تم عمل 14 تدريبًا، وفي هذه السنة سنقدم تدريبًا، بالإضافة إلى التوجيه الاقتصادي وهي المرحلة الثانية ومن ثم الحصول على التمويل في المرحلة الأخيرة من عمر المشروع”.
رواد أعمال سوريون
استضاف الملتقى مجموعة من رواد الأعمال السوريين والعرب للحديث عن تجاربهم في إقامة مشاريعهم الخاصة في تركيا والمشاكل التي واجهوها وكيف تغلبوا عليها، جونلار حاجو سورية من دمشق مؤسسة مكتبة “صفحات” أو pages في إسطنبول، تروي قصتها أنها جاءت وزوجها سامر القادري إلى إسطنبول وبحوزتهم 4 آلاف دولار فقط، وبعد سنة من مكوثهم في إسطنبول لم يجدوا أي مكتبة عربية، علمًا أن عملهم الأساسي في دمشق هو دار نشر bright fingers للأطفال ويوجد 150 عنوانًا خاصًا بالدار، وإسطنبول بها نسبة سوريين جيدة ناهيك عن العرب والسياح الذين يأتون إليها.
الشعب السوري شعب منتج وفعال في المكان الذي يمكث به
فقرر سامر وزوجته جونلار تأسيس أول مكتبة عربية في إسطنبول، تروي جونلار أن الدار لم تقتصر على مكتبة لبيع الكتب وحسب، بل هي مركز ثقافي ومكان للسوريين ليسترجعوا هويتهم، وتعمل المكتبة على تقديم حاجة من حاجات الإنسان الأساسية لا تقل أهمية عن الحاجات الأساسية الأخرى وهي الثقافة، تقدم المكتبة ورشات دعم نفسي للأطفال السوريين، قراءة ورسم وموسيقى، وهناك أيضًا أمسيات شعرية ودروس موسيقى وتوقيع للكتب، ومكان جيد للاندماج بين السوريين والأتراك، وأكدت جونلار في نهاية محاضرتها أن الشعب السوري شعب منتج وفعال في المكان الذي يمكث به.
رواد أعمال: مجاهد عقيل وجونلار حاجو وعلي حلبي
التجربة الأخرى كانت لرائد الأعمال علي حلبي، صاحب شركة volt وهي عبارة عن تطبيق تشاركي يهدف لربط صاحب السيارة مع الراكب الذاهب لنفس الوجهة التي سيذهب إليها صاحب السيارة، إذ تبين أن هناك 8 من كل 10 سيارات بالازدحام المروري في إسطنبول يوجد بها السائق فقط، و85% من السيارات العالقة في الازدحام لديها مقاعد فارغة، لذا يهدف تطبيق volt لتخفيف الازدحام من خلال التشاركية، حيث يدفع الراكب لصاحب السيارة ثمن البنزين الذي يقدره التطبيق حسب الرحلة.
اقتناء سيارة يكلف نحو 18% من دخل الفرد ولكن يستعملها فقط 4% من وقته
يقول علي (لبناني الأصل) لنون بوست إن النشاطات الاقتصادية هذه الأيام تذهب إلى التشاركية بشكل أكبر من الماضي، لأن الأشياء التي نقوم بها لا تحتوي على الفعالية الكافية، فاقتناء سيارة يكلف نحو 18% من دخل الفرد ولكن يستعملها فقط 4% من وقته، ويرى علي أن المستقبل سيتغير وتركيزه يكون على التحرك، فالشخص الذي لا يملك سيارة يخسر وقتًا بسبب الازدحام والشخص المالك للسيارة يخسر مال.
أما مجاهد عقيل وهو رائد أعمال سوري من حلب، يملك موقع غربتنا وتطبيق ترجملي لايف، وهو مشروع ربحي، جاءت فكرة التطبيق بعدما رأى مجاهد أن هناك سوريون كثر وسياح عرب يأتون إلى تركيا لا يتكلمون اللغة التركية ويتصلون مع شخص يتقن اللغة لمساعدتهم.
المستقبل يحمل الكثير للمشاريع التقنية وهي مهمة جدًا للاقتصاد التركي
مجاهد قال لنون بوست إنه تمكن من تطويع التكنولوجيا لخلق فرص عمل جديدة غير موجودة، إذ تمكن تطبيق ترجملي لايف من خلق مترجمين فريلانسر على الهاتف، وهي فرصة عمل جديدة، ويعتقد مجاهد أن التطبيق سيتمكن من خلق ألفين إلى ثلاثة آلاف فرصة عمل بالأخص في ظل استقبال تركيا لعدد سياح كبير من أنحاء الوطن العرب، فضلاً عن الموظفين الدائمين.
ويرى مجاهد أن المستقبل يحمل الكثير للمشاريع التقنية وهي مهمة جدًا للاقتصاد التركي، وتركيا فيها مشاريع كثيرة في التطبيقات الذكية والتقنية والشعب التركي مستخدم جيد للهواتف الذكية، وهي فرصة كبيرة بالنسبة للسوريين والعرب للاستثمار في تركيا في المجالات التقنية.