بعد أيامٍ قلائل ستُكمل “رؤية السعودية 2030” عامها الأول، هذه الرؤية التي قيل إنها خطة ما بعد النفط للمملكة العربية السعودية، والتي تهدف بحسب رئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إلى التحرر من النفط من خلال تنويع مصادر الدخل، أي أن السعودية ستستطيع من خلالها العيش دون نفط، بالإضافة إلى الأمور التي تتعلق بالإسكان والبطالة والقطاع الخاص والصناعات العسكرية وغيرها.
الرؤية سُوِقَتْ عند إعلانها أنها تحول من الاعتماد على النفط لغير النفط وذلك بتنويع مصادر الدخل، لكن الذي حصل هو تحولها من النفط إلى جيب المواطن، فحتى اليوم لم نرَ أي بوادر على ما تسميه الدولة “تعدد مصادر الدخل”
الرؤية سُوِقَتْ عند إعلانها أنها تحول من الاعتماد على النفط لغير النفط وذلك بتنويع مصادر الدخل، لكن الذي حصل هو تحولها من النفط إلى جيب المواطن، فحتى اليوم لم نرَ أي بوادر على ما تسميه الدولة “تعدد مصادر الدخل”، كل ما رأيناه هو زيادة لدخلها عن طريق فرض الغرامات والضرائب وزيادة الرسوم والاقتطاعات ورفع الدعم عن السلع والخدمات المُقَدَمة للمواطنين فضلًا عن خفض الرواتب وإيقاف تنفيذ مشاريع حيوية.
ومن المعلوم للجميع أن زيادة دخل الدولة من خلال تلك الطرق السابقة لا يندرج إطلاقًا في “تعدد مصادر الدخل” ويمكن تسميته فقط بزيادة الدخل، وهذه مشكلة أخرى، فزيادة دخل الدولة عن طريق استعادة ما تدفعه كرواتب لمواطنيها يخلق حالة انكماش اقتصادي قصري وانخفاض للقوة الشرائية على الأقل 30% خلال الأربع سنوات القادمة، وفق تأكيدات المحللين الاقتصاديين.
مما لا شك فيه أن المرحلة الأخطر على الإطلاق هي وصول الضرر للقطاع الخاص جراء خسارته وعدم قدرته على تغطية مصاريفه مقابل استمراره
بمعنى آخر، فإنه مع الوقت ومع اعتماد الدولة على تمويل نفسها من ذلك الطريق فإنها ستواجه أولًا انخفاضًا في مدخولها لجفاف مدخرات المواطنين، كما أنها ستواجه تعثرًا لدى معظم مواطنيها في دفع بعض المستحقات كالمخالفات والغرامات وخلافه، والتي هي جزء من مصادر الدخل المتعددة – حسب الدولة -.
ومما لا شك فيه أن المرحلة الأخطر على الإطلاق هي وصول الضرر للقطاع الخاص جراء خسارته وعدم قدرته على تغطية مصاريفه مقابل استمراره، وهذا ما بدأنا نلمسه منذ أشهر، فنتيجة لذلك أغلقت شركات كثيرة أبوابها وشركات أخرى على وشك إعلان إفلاسها وتستعد للإقفال، وضرر ذلك سيكون كبيرًا على الوطن .
وهنا نستشعر أن الدولة تسببت فعلًا بتفكك اقتصادها وإضرارها بالتنمية، خصوصًا أننا اليوم أمام حالة تسريح للموظفين ونسبة بطالة عالية زادت الأوضاع سوءًا، فمنذ إعلان الرؤية سُرِح عشرات الآلاف من المواطنين من وظائفهم في القطاع الخاص، بحسب عضو مجلس الشورى نائب رئيس لجنة الإدارة والموارد البشرية الدكتور معدي بن محمد آل مذهب.
يمكننا القول إنه بات من الواضح بأن ما يسمى بالتحول الوطني ورؤية 2030 هو مجرد إثارة زوبعة لتمرير بيع النفط في مزادات الأسهم
قيل إن الرؤية لن تمس الطبقتين المتوسطة والفقيرة، لكن في الواقع هما الأكثر تضررًا من قراراتها، وقيل إنها ستخلق فرصًا وظيفية كبيرة جدًا، لكن في الواقع تم إيقاف التوظيف وارتفعت نسبة البطالة، وقيل كذلك إنها ستحسن مستوى معيشة المواطنين، لكن في الواقع تدهورت أوضاعهم بشكل كبير، وقيل إن القطاع الخاص سيساهم بشكل فعال في تحقيق ما تهدف إليه الرؤية، لكن في الواقع تضرر هذا القطاع كثيرًا بسببها، وقيل الكثير الكثير، لكن النتائج كانت كلها عكسية وتحمل المواطن العبء وحده.
الآن يمكننا القول إنه بات من الواضح بأن ما يسمى بالتحول الوطني ورؤية 2030 هو مجرد إثارة زوبعة لتمرير بيع النفط في مزادات الأسهم، ويبدو أن تنويع مصادر “الدخل” كانوا يقصدون به تنويع ما يخرج من جيب المواطن على هيئة غرامات وارتفاعات في أسعار السلع والكهرباء والبنزين وغيرهم!
فنحن لم نرَ أي مؤشرات “عملية” تدل على الجدية في تحقيق ما أُعلن، ما رأيناه فقط هو أن الرؤية خلقت حالة سعار حكومية لفرض الضرائب وجباية الأموال من المواطنين، ولم يهتموا بتحسين الخدمات بقدر ما اهتموا بالاستيلاء على ما في جيب الناس، والمؤسف جدًا هو أن الآثار الاقتصادية بدأت تكون عميقة جدًا على الشعب، لا سيما أن الطبقة المتوسطة بدأت تتلاشى شيئًا فشيئًا، وهذا أخطر ما قد نواجهه في المرحلة المقبلة.