ماذا لو استيقظت في الصباح على خبر مفاده أن خدمة الإنترنت سيتم قطعها نتيجة أعطال ما تتطلب وقتًا لإصلاحها ربما يستغرق يومًا أو أسبوعًا أو شهرًا؟ ربما يمثل هذا السؤال صدمة للبعض في مقابل استحالة تقبله من قبل آخرين، خاصة بعدما بات الإنترنت مظهرًا يوميًا من مظاهر الحياة، بل ربما يصل عند البعض إلى حد الإدمان.
الإجابة على هذا السؤال ربما لن تخرج عن رفض هذه الفكرة من الأساس، فالنسبة العظمى من الأشخاص قد اعتادت على استخدام الإنترنت بصورة لا يمكن الحياة دونه، حيث أصبح وسيلة التواصل – ربما تكون الوحيدة – مع الأهل والأقارب، ومصدر الترفيه والثقافة الأول، فضلًا عن كونه آلية العمل الوحيدة لدى قطاع عريض من الناس، مما يعني أن غيابه شلل تام لكل مقومات الحياة.
المحاور السابقة ربما تلخص إجابة كل شخص على حدة، في ضوء ما يمثل له الإنترنت من قيمة وأهمية، لكن يبقى السؤال الأهم: ماذا لو انقطعت خدمات الإنترنت عن العالم أجمع؟ ما الآثار المحتملة حال حدوث أعطال تصيب تلك الخدمات بالتوقف؟ هل سيتأثر العالم في هيئته الكلية كما يتأثر الشخص على المستوى الفردي؟ وما الفارق في حجم ومستوى ونتائج التأثر؟
3.7 مليار مستخدم في العالم
يبلغ عدد مستخدمي شبكة الإنترنت في العالم نحو 3.7 مليار مستخدم حسب آخر إحصاء في مارس 2017، بما يقرب من 48% من إجمالي سكان العالم، يتصدرهم مواطنو دول آسيا بنسبة 50.2%، تليهم أوروبا بنسبة 17.1% ثم 10.3% دول أمريكا اللاتينية، 9.3% إفريقيا، 8.6% أمريكا الشمالية، 3.8% دول الشرق الأوسط، .7% أستراليا.
وعربيًا يتوقع أن يبلغ عدد المستخدمين العرب للإنترنت نحو 226 مليون مستخدم بحلول العام 2018، هذا ما خلص إليه “تقرير اقتصاد المعرفة العربي 2015-2016” الذي أصدرته شركة “أورينت بلانيت للأبحاث” وهي وحدة مستقلة معنية بإعداد الدراسات والأبحاث المتعلقة بالاقتصاد الرقمي واستخدام الإنترنت.
وبحسب التقرير فإن معدلات استخدام شبكة الإنترنت ستسجل ارتفاعًا ملحوظًا لتصل إلى 55% بحلول العام 2018 مقارنةً بـ37.5% خلال العام 2014، متفوقة بـ7% تقريبًا على معدل النمو العالمي المتوقع والبالغ 3.7 مليار مستخدم.
المصدر: internetworldstats
28% من الاقتصاد العالمي (معرفي)
حقق التوظيف الجيد للمعلومات وتكنولوجيا الاتصالات تأثيرًا قويًا في منظومة الاقتصاد العالمي، حيث فرض هذا التطور نفسه على الساحة الاقتصادية بصورة محورية، دفع إلى نشوء فرع جديد من علم الاقتصاد يقوم على المعلومة والتكنولوجيا المستخدمة في مجال الاتصالات والإنترنت، فيما أطلق عليه بعد ذلك “الاقتصاد المعرفي أو الرقمي”.
وخلال العقود الأخيرة بات هذا النوع من الاقتصاد هو الأول من بين فروع هذا العلم المختلفة، إذ بات يشكل ما يقرب من 22.5% من سوق الاقتصاد العالمي، وذلك بحسب دراسة أجرتها شركة “accenture” للاستشارات وخدمات التكنولوجيا.
الدراسة توصلت إلى أن ما يقرب من 28% من اقتصاديات الدول القوية يعتمد بشكل أساسي على تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والتجارة الإلكترونية، وهو ما ساهم بشكل كبير في نمو هذه الاقتصاديات بصورة غير متوقعة في العقود الأخيرة.
أما عن أكثر الدول التي تعتمد في اقتصادها على هذا النوع من الاقتصاد “الرقمي” فجاءت الولايات المتحدة الأمريكية في المرتبة الأولى، إذ تقدّر قيمة اقتصادها الرقمي بـ5.9 تريليون دولار، أي ما يوازي 33% من الناتج المحلي، ويمثل 28% من إجمالي الأصول، كما أن 43% من العمالة في الولايات المتحدة الأمريكية موجودة في القطاع الرقمي.
دراسة خلصت إلى أن ما يقرب من 28% من اقتصاديات الدول القوية يعتمد بشكل أساسي على تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والتجارة الإلكترونية
وقد خلصت الدراسة إلى أن هناك فرصة اقتصادية هائلة في سوق الاقتصاد الرقمي حال توظيفه بشكل جيد، والاستفادة منه بالطريقة المثلى، إذ تقدر تلك الفرصة الاستثمارية بقيمة 1.5 تريليون دولار في حال نجاح الشركات العالمية في تفعيل منظومة الاقتصاد الرقمي لديها.
بعد أن وصل عدد مستخدمي الإنترنت في العالم إلى 3.7 مليار مستخدم بما يقرب من نصف عدد سكان الكرة الأرضية، فضلاً عما تمثله تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات من مكانة محورية في دعم العملية الاقتصادية، إذ تبلغ نسبتها ما يقرب من الثلث من إجمالي الاقتصاد العالمي، فكيف لو انقطعت خدمة الإنترنت في العالم؟
ثلث الاقتصاد العالمي “رقمي”
شلل في مقومات الحياة
لا شك أن الآثار الناجمة عن انقطاع الإنترنت وتعثر سبل التكنولوجيا الحديثة التي تعتمد على الاتصالات، سيكون له عواقب وخيمة على العالم بلا استثناء، خاصة بعدما باتت هذه الخدمة مسألة حياة أو موت للكثير من الكيانات الهائلة التي تتحكم في مسيرة العالم، اقتصاديًا وثقافيًا، ويمكن الوقوف على أبرز النتائج المحتملة لتوقف الإنترنت من خلال عدد من النقاط.
- أولاً.. انهيار اقتصادي
كما قلنا سابقًا فإن ما يقرب من ثلث الاقتصاد العالمي مبني على الإنترنت وتكنولوجيا الاتصالات والمعلومات، ومن ثم فإن أي عطل أو خلل في خدمات الإنترنت سيتسبب في إحداث انهيار ما يقرب من ثلث اقتصاد العالم والذي يعتمد في المقام الأول على الاتصالات في تيسير أموره.
كما أن حدوث أي أعطال توقف الإنترنت ستتسبب في موجات غلاء غير مسبوقة، سواء في التنقل أو توصيل المراسلات والمكاتبات التي كانت تتم عبر البريد الإلكتروني أو أي وسيلة تكنولوجية أخرى تعتمد على الإنترنت، أضف إلى ذلك البطء في إتمام المهام الاقتصادية، فالوقت الذي كان يستغرقه إرسال رسالة عبر الإنترنت قد لا يتجاوز الثانية الواحدة لأي مكان في العالم، فما الحال لو تم الإرسال عبر وسائل المراسلة التقليدية كالبريد وغيرها؟
وهناك كارثة أخرى حال حدوث مثل هذا التصور، ألا وهي تعرض الملايين من الأشخاص للبطالة، إذ إن هناك مئات الملايين من الموظفين يعتمدون على الإنترنت سواء في إيجاد وظائف أو كونه محور العمل، كمجالات التسويق الإلكتروني والإعلام الإلكتروني وغير ذلك، إذ إن ما يقرب من 43% من العمالة في الولايات المتحدة الأمريكية موجودة في القطاع الرقمي، كما تم ذكره سابقًا.
- ثانيًا.. عزلة عالمية
في عصر الإنترنت وتكنولوجيا الاتصالات بات العالم غرفة صغيرة وليس قرية كما كان يتردد قبل ذلك، حيث بات بإمكان أي شخص الاضطلاع على آخر الأخبار والمستجدات التي تحدث في أي مكان في العالم وهو في مكانه، مما ساهم بشكل كبير في زيادة الوعي الثقافي والسياسي والاقتصادي والمجتمعي لدى قطاع كبير من الأشخاص ممن لم يجدوا صعوبات بالغة في الحصول على المعلومة أو الخبر من مصادره التقليدية.
فكيف يكون الحال لو قطعت خدمات الإنترنت؟ لا شك أن الأمر سيكون كارثيًا، إذ إن الشخص هنا قد لا يستطيع أن يتعرف على ما يدور في الشارع الذي بجواره فضلاً عن الأحداث التي تدور في دول مجاورة أو أخرى بعيدة، وهو ما يجعل الإنسان أسير عزلة عالمية يفقد فيها كل سبل التعايش مع الأحداث، حتى التلفاز والشبكات الإخبارية ربما لا تستطيع أن تقوم بهذا الدور حال انقطاع خدمات الإنترنت.
ما يقرب من 43% من العمالة في الولايات المتحدة الأمريكية موجودة في القطاع الرقمي، فكيف يكون الحال لو انقطعت خدمات الإنترنت؟
- ثالثًا: فجوة اجتماعية
نسبة كبيرة من مستخدمي الإنترنت يعتمدون عليه في المسائل الاجتماعية، حيث التواصل مع الآخرين، مما يسهل عملية التواصل بين الشخص وذويه أو أصدقائه أو معارفه في أي منطقة بالعالم، بالصوت والصورة، وكأنه يحيا بينهم ومعهم، وهو ما يلقي بظلال إيجابية على المنظومة الاجتماعية لكثير من الأشخاص الذين فقدوا سبل التواصل التقليدية سواء لظروف الزمان أو المكان أو الكلفة المادية.
وهنا يبقى السؤال: ماذا لو فقد الأشخاص التواصل مع الآخرين بسبب انقطاع خدمات الإنترنت؟ بالفعل سينعكس ذلك بصورة سلبية، اجتماعيًا ونفسيًا، ما بين العزلة المجتمعية، وإحداث حالة من البرود في العلاقات الاجتماعية، وهو ما توصلت إليه العديد من الدراسات التي أكدت إصابة مدمني الإنترنت بالعديد من الأمراض النفسية حال انقطاع الخدمة عنهم، فضلاً عما يصابون به من أمراض مجتمعية تهدد تماسك واستقرار المجتمع فيما بعد.
الإنترنت بات المصدر الأول لمتابعة الأحداث العالمية
الآثار الناجمة عن انقطاع خدمات الإنترنت ليست كلها سلبية، فهناك العديد من النتائج الإيجابية التي قد تنجم عن هذا الحدث سواء على المستوى الاجتماعي أو النفسي أو حتى الثقافي، وهو ما يمكن أن نقف عليه من خلال نقاط ثلاثة تعد في الأساس سلبيات لاستخدام الإنترنت.
* إحياء للهوايات القديمة
نجح الإنترنت في أسر الملايين من المستخدمين لساعات طويلة أمامه، مما أفقدهم العديد من الهوايات التي كانوا يحبونها في القدم، ولعل من أبرز تلك الهوايات، القراءة، حيث تراجعت نسب القراءة بصورة ملفتة للنظر بعد التطور الكبير في تكنولوجيا الاتصالات، حيث وجد الشخص في صفحات الإنترنت المختلفة بما تشتمل عليه من ملايين منصات المعرفة والثقافة ما يغنيه عن القراءة، وهو ما أثر بصورة كبيرة في مستوى الوعي عند كثير من المستخدمين، ممن اعتمدوا على الثقافة البصرية العابرة في تشكيل وعيهم الثقافي وهو ما كان له أثر سيئ.
انقطاع الإنترنت يعطي للشخص الفرصة والوقت لإزالة التراب من على كتبه المنسية فوق الأرفف، ومحاولة تصفحها من جديد بروية وتمعن، بما يلقي بظلال إيجابية على وعائه الفكري والثقافي والفلسفي بعد ذلك.
الدراسات التي جرت على مستخدمي الإنترنت، توصلت إلى أن معدل الإصابة بالضغط النفسي والأمراض النفسية يزداد بصورة ملفتة للنظر بين من يجلسون أمام الإنترنت
* تقوية الأواصر الاجتماعية
مصائب قوم عند قوم فوائد، كثير من العلاقات الاجتماعية أصابها الفتور والتفتت جراء استخدام الإنترنت وتكنولوجيا الاتصال المختلفة، فبات الشخص يكتفي بالاتصال عبر الهاتف أو عبر الإنترنت للاطمئنان على ذويه وأقاربه، وهو ما لم يحقق النتائج التي تحققها الزيارات التبادلية والتي يكون لها تأثير جيد في تقوية أواصر العلاقات بين أفراد الأسرة الواحدة ومن ثم المجتمع.
ومن ثم فإن تنحي خدمات الإنترنت ولو مؤقتًا، سيعطي دفعة قوية للعديد من الأشخاص لإعادة الزيارات مرة أخرى، فضلاً عن توفر الوقت المناسب لذلك والذي كان يضيع أمام أجهزة الحاسوب والهواتف النقالة، وهو ما ينعكس بصورة كبيرة على النسيج المجتمعي ككل.
* تقليل معدل الإصابة بالضغط العصبي
الدراسات النفسية والمجتمعية التي جرت على مستخدمي الإنترنت في السنوات الأخيرة، توصلت إلى أن معدل الإصابة بالضغط النفسي والأمراض النفسية يزداد بصورة ملفتة للنظر بين من يجلسون أمام الإنترنت بصورة كبيرة، بل ويصل في بعضها إلى حد اللجوء إلى الانتحار.
خبراء علم النفس والاجتماع أكدوا أن انقطاع الإنترنت – المؤقت – عن المستخدمين معتادي قضاء أوقات طويلة أمامه يصيبهم بألم شديد وعصبية وتوتر ملحوظ، إضافة إلى تقلب المزاج العام لديه، مما يترتب عليه خلافات مستمرة مع العائلة والأصدقاء والمقربين، والابتعاد عنهم، وتفضيل العزلة والوحدة، ما قد يدخله في نوبة من الإحباط والاكتئاب، ومن ثم فإن فقدانهم لهذه الخدمة لفترات طويلة، ويقينهم من ذلك، ربما يقلل من إصابتهم بالضغط العصبي ويعودون مجددًا إلى حياتهم الطبيعية، حيث دفء العلاقات الاجتماعية والأسرية.
وهكذا فإن انقطاع خدمات الإنترنت وإن كان يحمل بين ثناياه بعض الإيجابيات التي تنعكس بصورة جيدة على المنظومة النفسية والمجتمعية للمستخدمين، إلا أنه في الوقت ذاته يحمل آثارًا كارثية، ربما تهدد بتوقف الحياة بصورة كاملة، وتصيب الحياة بالشلل التام، وهو ما يدعو للبحث عن آلية للتوازن بين استخدام الإنترنت مع الخروج بأقل الخسائر الممكنة لهذا الاستخدام.