في تمام الساعة الـ7 بتوقيت تركيا (الرابعة بتوقيت جرنتش) بدأ ما يقرب من 55.3 مليون ناخب تركي (إجمالي من لهم حق التصويت) التوجه صوب 167140 مركز اقتراع في كل أنحاء تركيا للإدلاء بأصواتهم في الاستفتاء الأهم في تاريخ البلاد بشأن التعديلات الدستورية التي أبرزها صلاحيات الرئيس وطبيعة النظام الحاكم والعلاقة مع أوروبا، وفي تمام الخامسة مساءً بتوقيت تركيا (الرابعة عشر بتوقيت جرينتش)، أغلقت صناديق الاقتراع في عموم تركيا، وتم البدء بعملية الفرز.
بدء عملية الفرز بعد اغلاق صناديق الافتراع في تمام الـ5 مساءً
جانب من تغطية نون بوست الحية لمجريات الاستفتاء
يأتي هذا الاستفتاء في وقت تشهد فيه العلاقة بين أنقرة والاتحاد الأوروبي توترًا ملحوظًا، فضلاً عن الأحداث الأخيرة التي شهدتها تركيا وكان في مقدمتها محاولة الانقلاب الفاشلة منتصف يوليو الماضي والتي دفعت السلطات التركية إلى إعادة النظر في الكثير من المسائل والقضايا الداخلية والخارجية.
ورغم ما أبدته استطلاعات الرأي بشأن تقدم المعسكر المؤيد لتلك التعديلات مقارنة بالمعسكر الرافض، فإن النتائج النهائية تظل رهينة صناديق الاقتراع مجهولة التفاصيل حتى الإعلان الرسمي عن نتيجة الاستفتاء هذه الليلة، ويبقى مصير النظام التركي وعلاقته الأوروبية رهين الشعب التركي وموقفه من التعديلات التي يتم التصويت عليها.
ليس الأول
الاستفتاء على التعديلات الدستورية اليوم ليس الأول من نوعه في تاريخ الدولة التركية، فمنذ تأسيسها شهدت نحو 6 استفتاءات على بعض التعديلات الدستورية بها في الأعوام (1961 و1982 و1987 و1988و2007 و2010).
ويلاحظ أن جميع الاستفتاءات السابقة جاءت بنتيجة إيجابية (نعم) إلا استفتاء عام 1988 جاء بنتيجة سلبية (لا)، واستفتاء اليوم يعد وفق خبراء الأهم في تاريخ تركيا، نظرًا للظروف التي تمر بها البلاد والمنطقة في الآونة الأخيرة، فضلاً عما تتضمنه تلك التعديلات من جوانب تعيد رسم الخارطة السياسية التركية داخليًا وخارجيًا.
55.3 مليون ناخب تركي (إجمالي من لهم حق التصويت) يتوجهون صوب 167140 مركز اقتراع في كل أنحاء تركيا للإدلاء بأصواتهم في الاستفتاء الأهم في تاريخ البلاد
إقبال ملحوظ مع الساعات الأولى للاستفتاء
أبرز التعديلات الدستورية
تتضمن التعديلات الدستورية المقترحة عددًا من النقاط أبرزها المتعلقة بشكل النظام الحاكم وتحويله من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي، حيث سيتم إلغاء منصب رئيس الوزراء الحالي ويتم التعويض عنه بتعيين الرئيس نائب أو أكثر له، كما سيمنح الرئيس صلاحيات تمكنه من تعيين وإقالة كبار موظفي الحكومة من الوزراء والمسئولين.
التعديلات المقترحة تسمح للرئيس بالتدخل مباشرة في عمل القضاء، فضلاً عن صلاحياته في تعيين المجلس الأعلى للقضاة، حيث يختار بشكل مباشر أو غير مباشر ستة أعضاء في المجلس الأعلى للقضاة والمدعين الذي يتولى التعيينات والإقالات في السلك القضائي، فيما يعين البرلمان سبعة أعضاء.
ومن أبرز التعديلات المستفتى عليها إلغاء المحاكم العسكرية، وتحديد الحالات التي يسمح فيها بفرض حالة الطوارئ وهي عند حصول “انتفاضة ضد الوطن” أو “أعمال عنف تهدد بانقسام الأمة”، ويكون قرار فرض الطوارئ بيد الرئيس فقط، قبل عرضه على البرلمان الذي يحق له فيما بعد التحكم فيها سواء بتقليل مدتها أو رفعها.
كما شملت التعديلات رفع التمثيل البرلماني من 550 نائبًا إلى 600 مع خفض الحد الأدنى لأعمار النواب من 25 عامًا إلى 18 عامًا فقط، إضافة إلى زيادة فترة الدورة التشريعية لتصبح 5 سنوات بدلاً من 4، بالتزامن مع الاستحقاق الرئاسي، مع إعطاء البرلمان صلاحيات الإشراف على أعمال الرئيس، لكن الأخير سيحظى بسلطة إصدار المراسيم الرئاسية بخصوص كل المسائل المتعلقة بسلطاته التنفيذية.
كما تضمنت التعديلات تنظيم الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلة بشكل متزامن في الثالث من نوفمبر 2019، على أن يتم انتخاب الرئيس لفترة رئاسية مدتها 5 سنوات يمكن تجديدها مرة واحدة.
من أبرز التعديلات المستفتى عليها إلغاء المحاكم العسكرية، وتحديد الحالات التي يسمح فيها بفرض حالة الطوارئ
حضور نسائي أمام صناديق الاقتراع
ما بين “نعم” و”لا”
انقسم الشارع التركي حيال تلك التعديلات ما بين الموافقة والرفض، حيث برر الفريق المؤيد لها بزعامة حزب العدالة والتنمية الحاكم بأنها – التعديلات – تصب في نهاية المطاف في تحول تركيا إلى دولة قوية من خلال نظام رئاسي قوي يمتلك سلطة اتخاذ القرار بما يحافظ على مصالح تركيا الداخلية والخارجية.
أما الفريق الرافض لتلك التعديلات وعلى رأسه حزب الشعب الجمهوري أكبر أحزاب المعارضة وحزب الشعوب الديمقراطي الكردي وحزب السعادة الإسلامي وأحزاب يسارية وعلمانية أخرى، فيرى أنها تصب في صالح منح المزيد من الصلاحيات بيد رئيس الدولة، وتضع نقاط القوة كافة في يد رجل واحد فقط، وهو ما قد يمثل تهديدًا لمستقبل الدولة التركية ويقلص فرص المعارضة.
تفاعل جماهيري كبير حيال عملية الاستفتاء
لضمان نزاهة وسرية عملية الاستفتاء تم منع نشر أي أخبار أو توقعات أو تعليقات عن نتائج الاستفتاء وبذلك وفق تعليمات مشددة
متى يتم إقرار التعديلات؟
حتى يتم إقرار التعديلات ينبغي أن تكون نسبة عدد الأتراك المصوتين في الاستفتاء بالموافقة (نعم) أكثر من 50% من الأصوات (50%+1)، وهو المتعامل به في غالبية الاستحقاقات الانتخابية في مختلف دول العالم.
ويكون التصويت عبر ورقة واحدة، مقسمة إلى نصفين، نصف باللون البني مكتوب عليه HAYIR (لا) ونصف باللون الأبيض مكتوب عليه EVET (نعم)، وللناخب أن يقوم بتحديد خياره من خلال ختم يحمل كلمة TERCIHH وتعني (خيار أو ترجيح) سيطبعه على أحد الخيارين (نعم) أو (لا).
ولضمان نزاهة وسرية عملية الاستفتاء تم منع نشر أي أخبار أو توقعات أو تعليقات عن نتائج الاستفتاء وبذلك وفق تعليمات مشددة، بينما يكتفي فقط بالبيات الصادرة عن اللجنة العليا المشرفة على الانتخابات من الساعة السادسة وحتى التاسعة بتوقيت تركيا.
كما أصدرت السلطات التركية قرارًا بمنع بيع المشروبات الكحولية في مختلف مناطق ومدن البلاد حتى الثانية عشر ليلاً، مع إغلاق الملاهي كافة لحين الانتهاء من عملية التصويت.
مخاوف أمنية
يأتي استفتاء اليوم وسط حالة من الترقب الأمني في ظل القلق من قيام تنظيم الدولة الإسلامي “داعش” أو حزب العمال الكردستاني بشن أي عمليات إرهابية قبيل أو في أثناء عملية التصويت داخل لجان الاقتراع.
وتتصاعد هذه المخاوف عقب قيام مسلحين أكراد بقتل حارس في هجوم على مركبة كانت تقل مسؤولاً من حزب العدالة والتنمية في جنوب شرق تركيا ليلة أمس، حيث اعتقلت السلطات نحو 17 مشتبهًا به.
مصادر أمنية تركيا أشارت إلى أن مسلحي حزب العمال الكردستاني شنوا الهجوم الليلة الماضية في منطقة مرادية بإقليم فان بجنوب شرق تركيا، وأصيب حارس آخر كان مع مسؤول حزب العدالة والتنمية في الهجوم، وهو ما يعزز حالة القلق لدى البعض خلال مجريات الأحداث اليوم.
رغم نتائج استطلاعات الرأي وما تكشف عنه من مؤشرات فإن صناديق الاقتراع هي الفيصل الحقيقي في هذا الأمر
مخاوف من عمليات إرهابية أثناء الاستفتاء
استطلاعات الرأي
جاءت نتائج استطلاعات الرأي عن موقف الشعب التركي من التعديلات الدستورية متقارب إلى حد كبير، إلا أنه يحمل تفوقًا طفيفًا لصالح الفريق المؤيد، ففي استطلاع رأي أجرته مؤسسة “أنار” التركية في الفترة بين 5 و10 من أبريل الحالي من خلال مقابلات مباشرة مع ما يزيد على أربعة آلاف شخص في 26 إقليمًا تركيًا تبين أن نسبة التصويت بنعم سجلت 52%.
مؤسسة “كزيجي” لاستطلاع الرأي أجرت ما يقرب من 14 استطلاع رأي، كان التقدم فيها لصالح الفريق المؤيد لتلك التعديلات، وذلك بحسب مدير المؤسسة مراد كزيجي، الذي كشف أن نسبة استطلاع الرأي المؤيدة الأخيرة سجلت 53.3% في حين جاءت نسبة التصويت بالرفض 46.7 %.
جانب من تغطية نون بوست الحية لمجريات الاستفتاء
أما أحدث استطلاعات الرأي فقد أعلن عنها مركز أبحاث “عادل غور” أحد أشهر مراكز استطلاع الرأي في تركيا، والتي أجريت خلال الفترة من 8 – 13 من أبريل في نحو 41 ولاية تركية، حيث بلغت النسبة المؤيدة 60.8%، فيما بلغت نسبة الأصوات المعارضة 39.2 %.
ورغم نتائج استطلاعات الرأي وما تكشف عنه من مؤشرات إلا أن صناديق الاقتراع هي الفيصل الحقيقي في هذا الأمر، ويظل الشعب التركي صاحب الكلمة الفصل في نتيجة الاستفتاء، وهو ما يتم الكشف عن بعض ملامحه عقب التاسعة بتوقيت تركيا (الرابعة عشر بتوقيت جرينتش).
زعماء “نعم” و “لا” أدلوا بأصواتهم
أدلى قادة الحكومة والحزب الحاكم المناصرين للتعديلات الدستورية بأصواتهم في لجان الاقتراع التابعين لها وكان على رأسهم رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان في لجنة بمنطقة إسكودار في الجانب الآسيوي من مدينة اسطنبول، كذلك أدلى زعيم حزب الشعب الجمهوري المعارض (أكبر أحزاب المعارضة في تركيا) كمال قليجدار أوغلو بصوته في العاصمة التركية أنقرة.
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أثناء الإدلاء بصوته في الاستفتاء
وقال قليجدار أوغلو في تصريح للصحفيين عقب الإدلاء بصوته رفقة زوجته وابنه: “اليوم نصوت على مصير تركيا، على كافة المواطنين التحلي بأعلى قدر من المسؤولية، أنا متفائل بنتائج مفرحة لنا”.
زعيم حزب الشعب الجمهوري المعارض كمال قليجدار أوغلو أثناء الإدلاء بصوته
وعلى جانب آخر أكد وزير الداخلية التركي سليمان صويلو، عدم وجود أي مشاكل في كافة ولايات البلاد، تعكر صفو الاستفتاء الشعبي على التعديلات الدستورية، ولفت صويلو في تصريحات للصحفيين في ولاية طرابزون (شمال) بعد الإدلاء بصوته، أن كافة المعلومات التي وصلته من الولايات والأقضية، تفيد بعدم وقوع أي حادث يعكر صفو الاستفتاء، وذكر الوزير أنّ أجواء الاستفتاء والحملات الدعائية التي سبقتها كانت الأكثر أمانا من بين الاستحقاقات الانتخابية التي شهدتها تركيا في السنوات الأخيرة.
وزير الداخلية التركي سليمان صويلو أثناء الإدلاء بصوته
فيما أكّد رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم، احترامه لأي نتيجة تصدر عن الاستفتاء الشعبي على التعديلات الدستورية التي تشهدها البلاد اليوم الأحد، جاء ذلك خلال تصريح للصحفيين في منطقة مندريس التابعة لولاية إزمير غربي تركيا، عقب تصويته في الاستفتاء على التعديلات الدستورية، وقال يلدريم: “أيّا كانت نتيجة الاستفتاء فهي تاج على رؤوسنا، لأن القرار الذي يعطيه شعبنا هو الأفضل”.
رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم
هذا وصرح نائب رئيس الوزراء، المتحدث باسم الحكومة التركية، نعمان قورتولموش، اليوم الأحد، إن “الشعب هو صاحب القول الفصل في استفتاء التعديلات الدستورية اليوم”، مشيرا أنهم سيقبلون بالنتائج أيا كانت.
نائب رئيس الوزراء، والمتحدث باسم الحكومة التركية، نعمان قورتولموش
جاء ذلك في تصريحات صحفية، أدلى بها المسؤول التركي، عقب مشاركته في الاستفتاء، رافقته عقيلته سَفغي قورتولموش، بمنطقة الفاتح في مدينة إسطنبول، وأضاف نائب رئيس الوزراء قائلا “من صوّت بـ(نعم) أو (لا) على التعديلات الدستورية، فقد قال ما في جعبته، والنتائج التي ستصدر عن الاستفتاء سنقبل بها مهما كانت”.