دور المرأة في المجتمع غالبًا ما يكون مؤشرًا ودليلاً قويًا على تقدم وحضارة الدولة، ويعتبر من أهم المحاور التي يتم مناقشتها في الدعايا الانتخابية وغيرها من الأنظمة والإصلاحات السياسية الجديدة التي تعد المرأة بالنصيب الأكبر من الديمقراطية والعدل، فالمرأة التركية عاصرت أنظمة مختلفة وتعايشت مع تيارات مختلفة، تحكمت هذه الأنظمة بأدق تفاصيل حياتها من مظهرها الخارجي وعدد أطفالها إلى مشاركتها في الحياة السياسية وتنصيبها أعلى المناصب في الحكومة.
أثيرت قضية حقوق المرأة في تركيا منذ منتصف القرن التاسع عشر، إذ كان يُمارس على المرأة أشكال مختلفة من الضغط والحرمان، فمشاكل المرأة في تركيا كانت تتلخص بتعرضها للعنف المنزلي وضغوط اجتماعية والتمييز في العمل وحرمانها من التعليم.
منذ عام 1908، بدأت المرأة التركية بالمطالبة بحقوقها في المجالات المهنية والسياسية على وجه الخصوص، أسست مجموعة من النساء أول حزب “حزب النساء الشعبي” عام 1923، تحت قيادة نازيحة محي الدين، وجاءت فكرة إنشاء هذا الحزب اعتراضًا على منعهن من حقهن في التصويت في الانتخابات، واستطاعت أن تكسب حق التصويت في الانتخابات السياسية عام 1930.
بعد عدة أعوام، حصلت المرأة التركية على حقوقها في المشاركة السياسية بشكل كامل عام 1934، الأمر الذي أقره مصطفى كمال أتاتورك ضمن سلسلة التغييرات التي قام بها فترة حكمه، كان هذا أول طريق الحياة السياسية للمرأة التركية.
تركيا من الدول السباقة في إعطاء المرأة حق التصويت والترشح في الانتخابات أو إعطائها حق المشاركة السياسية عام 1934، بالمقابل منحت سويسرا هذا الحق السياسي عام 1971.
في عام 1935، دخلت 17 نائبة للمرة الأولى إلى مجلس النواب في البرلمان، واختيرت مفيدة الهان من مدينة مرسين كأول رئيسة بلدية في تركيا عام 1950، ليرتفع العدد إلى 82 امرأة نائبة في البرلمان من الأحزاب كافة في انتخابات 2015.
مؤسسة الدراسات الاستراتيجية التركية أوساك، تقول في أحد تقاريرها عن دور المرأة في المجال السياسي “المرأة التركية هي المرأة الأولى التي حصلت على حق المشاركة في الحياة السياسية وسبقت العديد من نساء دول أخرى في هذا الحق، إلا أن هذا الحق لم يُنفذ بشكل عملي وكان مجرد قانون منسي في الدستور التركي”.
في نفس السياق توضح أوساك أن المرأة التركية بدأت مبكرًا في الحياة السياسية، ولكنها بقت في مؤخرة السباق السياسي، نسبة مشاركة المرأة السياسية قليلة وتقدر بـ7.4% من أعضاء الحكومة، و%2.9 في رئاسة البلديات والمجالس المحلية و15% في البرلمان والحكومة.
يذكر أن تركيا من الدول السباقة في إعطاء المرأة حق التصويت والترشح في الانتخابات أو إعطائها حق المشاركة السياسية عام 1934، بالمقابل منحت سويسرا هذا الحق السياسي عام 1971.
على الرغم من منح المرأة التركية الحق السياسي بالتصويت والانتخاب، فإن الحكم العلماني للدولة منع النساء المحجبات من الترشح ومنع البعض من التصويت في بعض المناطق
المرأة في العهد العثماني
حُصرت مشاركة المرأة في أمور الدولة بالحكم من خلف الستار، أو بالحكم من خلال أزواجهن أو أبنائهن السلاطين، ففي عهد الدولة العثمانية استخدم مصطلح “كادينلار سلطاني” أي سلطنة النساء للإشارة إلى ممارستهن لأدوار سلطانية وتدخلهن في أمور الدولة وتأثيرهن القوي في قصر السلطان الحاكم، قامت أمهات السلاطين أو زوجاتهن بأدوار أثرت على مصير الدولة العثمانية.
واحدة من أشهر النساء العثمانيات اللاتي شاركن في إدارة أمور الدولة، كانت والدة سليمان القانوني وتعد أول من حمل لقب “السلطانة الوالدة” التي حكمت من وراء الستار ومن خلال أبنائها، أيضًا يذكر التاريخ أن زوجة السلطان القانوني، السلطانة حرم، كانت تراسل زعماء دول العالم آنذاك، أما السلطانة كوسيم ماه بيكر، زوجة السلطان أحمد الأول، المعروفة كأقوى امرأة في العهد العثماني، فقد كانت المحركة الأساسية للأحداث في عصر السلطان مراد.
المرأة في عهد الجمهورية التركية الحديثة
في عهد المؤسس للجمهورية التركية عام 1923، انتهج مصطفى كمال أتاتورك في سياسته النهج العلماني، وتبعًا لذلك، ألغى نظام الخلافة الإسلامية وأي نظام ديني له علاقة بالدولة أو أفرادها، واجتهد في تحقيق المساواة بين المرأة والرجل، حيث يعتبر الكثير من الأتراك أنه أول من منح المرأة حقوقها السياسية بشكل رسمي.
طردت أول نائبة تركية محجبة، مروة صفاء قاوقجي، من قبل الرئيس السابق سليمان ديمريل وذلك لأنها أصرت على حضور نقاشات البرلمان وهي مرتدية غطاء الرأس
لكن تأثير الحركات الإسلامية في المجتمع بدأ بالظهور والتأثير منذ أواسط الثمانينيات، فانتقدت حركات نسوية إسلامية، الحكم العلماني وفساده الأخلاقي ودعت للعودة إلى الإسلام، وظهرت مظاهرات تطالب بالسماح بالحجاب في المدارس والجامعات وإلغاء حظر أتاتورك للزي الإسلامي والقوانين التي تخص الدين.
وعلى الرغم من منح المرأة التركية الحق السياسي بالتصويت والانتخاب، فإن الحكم العلماني للدولة منع النساء المحجبات من الترشح ومنع البعض من التصويت في بعض المناطق.
أشهر حوادث التمييز السياسي الذي تتعرض له النساء التركيات المحجبات هو حادث طرد أول نائبة تركية محجبة، مروة صفاء قاوقجي، من قبل الرئيس السابق سليمان ديمريل وذلك لأنها أصرت على حضور نقاشات البرلمان وهي مرتدية غطاء الرأس، كانت هذه أبرز العوائق التي واجهتها المرأة للمشاركة في الحياة السياسية.
عند وصول حزب العدالة والتنمية الإسلامي المحافظ عام 2002، انتهى هذا النضال وكانت النساء التركيات في انتظار القوانين والسياسات الجديدة التي ستقرها الحكومة الجديدة.
تقول رئيسة الفروع النسائية في حزب الرفاه، سيبال أرسلان: “أردوغان هو من أعطى الهوية السياسية للمرأة وحولها من ضحية إلى لاعب قوي في الوسط، وهذا ما كانت المرأة بحاجته حتى تطور من نفسها”.
المرأة التركية المحافظة واجهت تحديات كبيرة في مجال السياسة، إلا أن حزب العدالة والتنمية دفعها للمشاركة وللتغيير
تضيف المحامية وعضو اللجنة التنفيذية لحزب العدالة والتنمية أوزيليم زنقينن، في مقابلة سابقة لها مع صحيفة “دايلي صباح”، أن “الرئيس رجب طيب أردوغان أدرك من البداية أهمية وجود المرأة في الوسط السياسي، وذلك لأنه يعتقد أن المرأة هي أساس فعالية القرارات والمصير السياسي في تركيا، خلافًا مع بقية الأحزاب التي تبدو ظاهريًا أنها داعمة للمرأة ولنشاطها السياسي وفي المقابل لا تجد وجودًا لمشاركتها في برامجهم أو انتخاباتهم”.
وأضافت المحامية زنقين أن “أي حزب في تركيا يريد أن يصل إلى السلطة، لا بد له أن يكسب أصوات النساء الناخبات ودون ذلك لن يستطيع الوصول إلى السلطة”. ةتضيف زنقين أن المرأة التركية المحافظة واجهت تحديات كبيرة في مجال السياسة، إلا أن حزب العدالة والتنمية دفعها للمشاركة وللتغيير، إذ إنك تجد عدد كبير من النساء كأعضاء مجالس في البلديات”.
إلى ذلك، وتبعًا لدراسة قام بها مركز الاستشارات والبحوث جينار، أظهرت التقارير أن في انتخابات عام 2011 كان 48.7% من الذين صوتوا من النساء، أما نسبة اللواتي صوتن لحزب الشعب الجمهوري كانت نسبتهم 31.4%، أي أن النساء محرك قوي ورئيسي للمصير السياسي في الدولة.
استفادت المرأة من حق التصويت والترشح، بعد تولي حزب العدالة والتنمية للحكم، في تاريخ 13 من نوفمبر 2013 تم دخول 4 نائبات محجبات عن حزب العدالة والتنمية للبرلمان وفي عام 2015 تم دخول 21 نائبة للبرلمان وهو أكبر عدد للنائبات التركيات داخل البرلمان التركي منذ تأسيسه للجمهورية.
أحمد داوود أوغلو رئيس الوزراء التركي السابق قال في تصريحات سابقة، “إن تركيا تقوم بإجراء بعض التعديلات القانونية التي تضمن مشاركة المرأة في الحياة السياسية بشكل فعال وعملي”، مشيرًا إلى ضرورة وجودها في القطاعات الأخرى كافة، حيث قام أوغلوا عندما كان وزيرًا للخارجية قبل نحو 6 أعوام، بتعيين 37 سفيرة في عدة دول حول العالم، مؤكدًا حينها أن المرأة أصبحت تمثل 38% من القوة العاملة في وزارة الخارجية.
أشهر النساء التركيات في الحياة السياسية
خالدة أديب أضيوار: أول ناشطة حقوقية في زمن الامبراطورية العمانية عام 1919، وعلى الرغم من أنها مواطنة مدنية، إلا انها حازت على رتبة عسكرية كبطلة حرب.
خاطي ساطي تشيربان: أول سيدة تركية تنتخب كمختار للقرية عام 1933، وبناءً على توصية مصطفى كمال أتاتورك تم ترشيحها في الانتخابات العامة للبرلمان عام 1935.
مفيدة الهان: أول رئيسة بلدية في تركيا عام 1950.
تانسو تشيلر: أول امرأة تتولى منصب رئيس الوزراء في تاريخ تركيا الحديثة عام 1993.
مروة صفاء قاوقجي: أول نائبة تركية محجبة عام 1999.
تولاي توغجر: أول رئيسة للمحكمة الدستورية ومن ثم للمحكمة العليا عام 2005.
وغيرهم من النساء الأوائل مثل سعدية أردخان: أول سيدة تنتخب كرئيسة لبلدية أرتوين عام 1930، ونوكهات هوتار: أول عضوة في المجلس التنفيذي المركزي عام 2003، ولالا أيتمان: أول محافظة، بمبادرة من رئيس الوزراء مسعود يلماز عام 1991.