ارتفع حصيلة قتلى التفجير الذي استهدف عددًا من الحافلات في منطقة الراشدين غرب حلب شمال سوريا خلال عملية إجلاء مدنيين ومقاتلين من الفوعة وكفريا إلى 112 شخصًا من بينهم عناصر من فرق الإغاثة التي رافقت الحافلة، حسبما أشار المرصد السوري لحقوق الإنسان.
يذكر أنه في تمام السابعة الرابعة عصر أمس السبت (الثالثة عشر بتوقيت جرينتش) استهدف تفجير انتحاري حافلات كانت تقل على متنها خمسة آلاف شخص، بينهم 1300 مقاتل، تم إجلاؤهم أول أمس الجمعة من بلدتي الفوعة وكفريا المواليتين للنظام السوري، تنفيذًا للمرحلة الأولى من اتفاق (المدن الأربعة) بين الحكومة االسورية والفصائل المعارضة، الذي ينص على إخراج المحاصرين في مضايا والزبداني إلى ريف إدلب، وإخراج المحاصرين من بلدتي كفريا والفوعة إلى مدينة حلب.
توقعات بارتفاع عدد القتلى في ظل وجود مئات الجرحى بعضهم في حالات خطرة، إضافة إلى وجود بعض عناصر المعارضة السورية ضمن ضحايا هذا التفجير، الذي يرجح أن يكون لانتحاري قام بتفجير سيارة مفخخة قرب محطة وقود بحي الراشدين، مما يدفع للتساؤل عن أسباب هذا التفجير ومن يقف خلفه.
اتفاق “المدن الأربعة”
برعاية إيرانية روسية قطرية، وبعد أشهر من التعثر، اتفق النظام السوري وفصائل المعارضة، على تفعيل المرحلة الثانية من اتفاق “المدن الأربعة” الذي يشتمل على تبادل لعدد من الأسرى بين الجانبين، والتي بمقتضاها سيتم إخراج 3800 شخص – بينهم مقاتلون من المعارضة المسلحة – من وادي بردى باتجاه إدلب، مقابل خروج 8000 شخص – بينهم مسلحون موالون للنظام – من كفريا والفوعة باتجاه حلب.
هذا الاتفاق الذي بدأت أولى خطواته في سبتمبر 2015 بقرار بوقف إطلاق النار لمدة 9 أشهر، تضمن أيضًا الإفراج عن 1500 معتقل من سجون النظام السوري معظمهم من النساء، إضافة إلى وقف إطلاق النار، وإدخال معونات إلى مناطق جنوب دمشق المحاصرة، وإخراج المحاصرين من مخيم اليرموك في دمشق، والتفاوض على تسليم السلاح الثقيل وخرائط الألغام من قبل المعارضة.
ارتفاع أعداد ضحايا التفجير إلى 112 مع توقعات بمزيد من القتلى في ظل وجود مئات الجرحى بعضهم في حالات خطرة
إخلال وترقب
الاتفاق المبرم مؤخرًا بشأن تبادل الأسرى بين نظام الأسد وفصائل المعارضة لم يحظ بترحيب الجميع داخل سوريا وخارجها، حيث رافقه ترقب وقلق من قبل بعض المعارضين لبشار وجيشه، وإخلال من بعض القوى الخارجية الوسيطة في مشوار التفاوض لإتمامه.
فمن جانب المعارضة، هنا تخوفات تساور البعض من عمليات انتقامية لنظام الأسد بعض خروج الموالين له من كفريا والفوعة، حيث تصبح تلك المناطق آمنة تمامًا من الموالين للأسد، مما يجعلها مستهدفة بشتى أنواع أسلحة النظام والجيش معًا، وهو ما يهدد وجود المعارضين وذويهم في تلك المناطق.
بعض الفصائل رفضت الاتفاق بشكل كبير، فمنها من اعتبره تهجيرًا قسريًا وخيانة تتطلب التوحد للتصدي لها، بينما رآها آخرون إحدى حلقات التدخل الإيراني الرامي إلى نشر المذهب الشيعي على حساب تهجير السنة من الأراضي السورية، كما تطرقت بعض المصادر الإعلامية إلى إخلال المفاوض الإيراني ومليشياته بالاتفاق، وأخرجوا نصف المسلحين فقط من بلدتي كفريا والفوعة المواليتين للنظام.
مواصلة تبادل الأسرى بين النظام وفصائل المعارضة
إعلامي سوري: النظام أساسًا كان أكبر الرافضين لهذا الاتفاق، إلا أنّ إيران أجبرته على القبول به، و هو ما دفعه إلى الانتقام من مؤيديه بهذا الشكل الإرهابي
تفجير الراشدين.. مسؤولية من؟
التليفزيون الرسمي السوري أرجع الحادث الذي أودى بحياة 112 سوريًا موالين للمعارضة إلى تفجير قام به انتحاري قرب محطة وقود بحي الراشدين، مستهدفًا سيارات تحمل أغذية لأهالي كفريا والفوعة، واصفًا من قام بالتفجير بـ”إرهابيين” أرادوا عرقلة إتمام تنفيذ اتفاق المدن الأربعة.
وعلى الرغم من عدم الإعلان حتى الآن عن المسؤول عن هذه التفجيرات، فإن البعض حمّل النظام السوري مسؤولية هذه الجريمة، إذ إن السيارة المفخخة لم تخضع للتفتيش، كونها تحمل مساعدات غذائية إلى الموالين والداعمين له من السوريين في مناطق كفريا والفوعة، مما أسفر عن سقوط ثلاثين مقاتلاً من المعارضة المسلحة في التفجير، وهو ما أراده النظام بحسب هذا الرأي.
الإعلامي السوري رسول أبو سعود، الذي كان موجودًا قرب الانفجار، قال في تصريحات له: “النظام أساسًا كان أكبر الرافضين لهذا الاتفاق، إلا أنّ إيران أجبرته على القبول به، و هو ما دفعه إلى الانتقام من مؤيديه بهذا الشكل الإرهابي”، على حد وصفه.
أما موسى العمر إعلامي معارض، فقال على حسابه بموقع “تويتر”: “عدد القتلى قارب الـ150″، وأضاف: “المضطلع على كواليس المفاوضات يعلم أن النظام أكبر معارض ومعطل للاتفاق ووقع عليه مكرهًا بالبسطار الإيراني وعليه هو المستفيد الأول من التفجير”.
وهو ما ذهب إليه كبير مفوضي المعارضة في جنيف محمد صبرا، حيث كتب على حسابه الشخصي على موقع التواصل الاجتماعي “تويتر”: “ندين وبكل وضوح الجريمة التي وقعت باستهداف قافلة أهلنا من كفريا والفوعة، ونحمل نظام بشار المسؤولية الكاملة عن هذا الحادث، رحم الله الشهداء”.
ندين وبكل وضوح الجريمة التي وقعت باستهداف قافلة اهلنا من كفريا والفوعة ،ونحمل نظام بشار المسؤولية الكاملة عن هذا الحادث رحم الله الشهداء
— mohamad sabra (@sabra_mohamad) April 15, 2017
الهروب من لحظة التصدع
فريق آخر ذهب في تفسيره لهذا التفجير كونه مخططًا تآمريًا من قبل نظام الأسد للخروج من حالة التصدع الذي يحياها منذ الرابع من أبريل الحاليّ، إثر الإدانة الإقليمية والدولية للهجوم الكيميائي الذي قيل إن الحكومة السورية هي من قامت به في منطقة خان شيخون، باستخدام غاز السارين السام، والذي أسفر عن وقوع 100 قتيل جلهم من الأطفال، ونحو 400 مصاب.
المجزرة التي قامت بها الحكومة السورية لاقت ردود فعل منددة من هنا وهناك، وهو ما دفع الولايات المتحدة الأمريكية بشن ضربة عسكرية ضد سوريا، فبعد ثلاثة أيام فقط من مجزرة خان شيخون نفذت البحرية الأمريكية هجومًا بالصواريخ استهدف مطار الشعيرات العسكري التابع لنظام الأسد، وهو ما فسره البعض بأنه تحول خطير ومحوري في مستقبل الأزمة السورية.
بعد هذه الضربة تصاعدت النداءات الدولية – الأوروبية والأمريكية – بخصوص مستقبل سوري دون الأسد، وبات الأخير بؤرة اهتمام القوى الإقليمية والدولية، وهو ما تطلب البحث عن مجزرة تضاهي تلك التي حدثت في خان شيخون في محاولة لتخفيف وطأة الضغط على الأسد، ومن ثم كان التخطيط لهذا التفجير الذي ألقى النظام السوري مسؤوليته منذ الوهلة الأولى على ما وصفهم بـ”الإرهابيين” في محاولة لتحقيق توازن في معادلة الصراع، تفجير هنا في مقابل تفجير هناك، وهو ما ذهب إليه البعض في تفسيرهم لتفجيرات الأمس.
البعض أرجع تفجيرات الأمس كونها مؤامرة من قبل نظام الأسد للخروج من حالة التصدع الذي يحياها منذ الرابع من أبريل الحاليّ، إثر الإدانة الإقليمية والدولية لمجزرة خان شيخون
ارتفاع حصيلة مجزرة خان شيخون الكيماوية إلى مئة قتيل
استئناف الاتفاق
رغم المساعي التي هدفت إلى عرقلة اتفاق “المدن الأربعة” سواء بالإدانات أو التفجيرات، فإن الجزء الأول من المرحلة الثانية للاتفاق والمتمثلة في تبادل الأسرى بين النظام وفصائل المعارضة قد تم بشكل كامل، وسط حالة من الاستنفار الأمني غير المسبوق ترقبًا لتكرار مثل هذه العمليات.
وقد انتهى الجزء الأول من المرحلة الثانية من الاتفاق بوصول الحافلات القادمة من الزبداني ومضايا والتي أقلت 2325 شخصًا بينهم مقاتلين من المعارضة المسلحة إلى ريف إدلب، ودخول الحافلات القادمة من كفريا والفوعة والتي أقلت خمسة آلاف شخص بينهم مسلحون من المليشيات الموالية للنظام إلى مدينة حلب.
كما تم الإفراج عن 1500 من المعتقلين في سجون النظام السوري في إطار تنفيذ بنود الاتفاقية بالإضافة إلى تبادل أسرى وبعض جثث القتلى بين المعارضة المسلحة وقوات النظام، في ظل تعهد الطرفان بمواصلة تنفيذ بقية بنود الاتفاق.