تركيا تفوز بالنظام الرئاسي والمدن الكبرى توجه رسائلها

c9jpak1xsaewoaz

إذا، قال الشعب التركي كلمته اليوم بعد ظهور النتائج الأولية للاستفتاء على التعديلات الدستورية، وذلك بعد يوم حافل شهد مشاركة كبيرة للمواطنين الأتراك في العملية الديمقراطية التي تمت دون أي أزمات، ولكن بمفاجئات كبيرة.

الاستفتاء الدستوري حصل –بحسب النتائج الأولية- على موافقة وتأييد ما نسبته 51.5% من أصوات المقترعين الأتراك، في حين حصل الاستفتاء على رفض ما نسبته 48.5% من أصوات المقترعين. وبهذا، يحسم الأتراك أمرهم حول هذا الدستور الجديد، وإن كان قد مر بشق الأنفس، حيث يعد هذا الدستور هو الأهم في تاريخ البلاد، وسيغير وجه تركيا، داخليًا وخارجيًا، بحسب كثير من المحللين والمراقبين.

خسارة كبيرة في إسطنبول وأنقرة

وصلت نسبة المشاركة في عملية الاستفتاء على الدستور بحسب النتائج الأولية إلى 85%، ويقول مراقبون إن هذه النسبة تعد كبيرة مقارنة مع العمليات الديمقراطية السابقة في تركيا، وذلك بسبب الاستقطاب الكبير الذي أحدثه الاختلاف حول هذه التعديلات الدستورية، حيث نجح هذا الاستقطاب السياسي في جذب الناس للإدلاء بأصواتهم.

وكان الناخبون الأتراك قد توجهوا بقوة إلى صناديق الاقتراع، صباح اليوم، للتصويت على مشروع التعديلات الدستورية الذي تقدم به حزب “العدالة والتنمية” الحاكم.

برغم نسبة المشاركة الكبيرة والإقبال، إلا أن مفاجآت الخسارة في إسطنبول وأنقرة كانت أكبر

لكن المفاجأة كانت في معقل حزب العدالة والتنمية، حيث حسمت صناديق الاقتراع في مدينة إسطنبول بنسبة %51,2 لصالح رفض الدستور، حيث كانت الحزب دائمًا يعول على مدينة إسطنبول في جميع الانتخابات السابقة، وكان دائمًا يقال – كما هو متعارف به عند الاتراك- إن النتيجة إذا حسمت في إسطنبول سواء سلبًا أم إيجابًا فهي ستحسم في تركيا كلها، بحيث أن إسطنبول هي تركيا المصغرة لدى السياسيين الأتراك، ومن يكسب بها يكسب النتيجة مجتمعة في عموم تركيا.

إسطنبول ليست وحدها، حيث تلقى حزب العدالة والتنمية أو المؤيدون للدستور الجديد شبه خسارة كبيرة في العاصمة التركية أنقرة، حيث تقول النتائج الأولية إن 51% صوتوا بـ”لا” هناك، حيث كان “العدالة والتنمية” يمني نفسه بنسبة نجاح كبيرة هناك، لكن هذه النتيجة كانت صادمة له.

أما في محافظة ديار بكر –معقل حزب الشعوب الديمقراطي- في جنوب شرقي البلاد، حصل الدستور الجديد على نسبة 32% فقط، حيث رفض بحسب النتائج الأولية ما يقارب 68% الدستور الجديد هناك. يذكر أن حزب العدالة والتنمية يقاتل وحده في معركته الديمقراطية في ديار بكر، حيث لا يذكر أي تواجد لحزب الحركة القومية المؤيد للتعديلات الدستورية أيضًا.

ويُعني مراقبون افراز هذه النسبة الكبيرة لرفض التعديلات في محافظة ديار بكر، إلى تحالف حزب العدالة والتنمية مع حزب الحركة القومية، حيث يفقد الأخير أي تأييد أو قبول هناك.

دعم حزب الحركة القومية لمعسكر “نعم”، قد أوصل الدستور لهذه النتيجة التي مررته بشكل كبير وصعب

المفاجئة الأكبر بالنسبة لحزب العدالة والتنمية في هذه النتائج المتقاربة، هي أنه بالرغم من تأييد حزب الحركة القومية التركي المعارض، لهذه التعديلات، كانت هذه النتيجة المتقاربة، في حين أن هذه ليست انتخابات نيابية، بل استفتاء على الدستور، حيث كان العدالة والتنمية يحصل على نسبة أكبر من ذلك، في الوقت الذي كانت “الحركة القومية” في المعسكر المقابل له على الدوام.

وعليه، فإن دعم حزب الحركة القومية لمعسكر “نعم”، قد أوصل الدستور لهذه النتيجة التي مررته بشكل كبير وصعب. ويقول محللون إن النتيجة هذه تظهر أنه ربما كان هناك اختلاف كبير بين رأس حزب الحركة القومية وبين قاعدته الشعبية، حيث يبدو أن الكثير من أبناء “الحركة القومية” لم يستجيبوا لقرار رأس الحزب ” دولت بهجه لي” الذي حث مناصريه على التصويت بـ”نعم” للدستور.

كيف سيكون الدستور الجديد؟

وبهذا النجاح الصعب وغير العادي للدستور الجديد، نذكر هنا لأبرز التعديلات التي شملت مواده، حيث تتضمن التعديلات الدستورية الجديدة عددًا من النقاط أبرزها المتعلقة بشكل النظام الحاكم وتحويله من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي، حيث سيتم إلغاء منصب رئيس الوزراء الحالي ويتم التعويض عنه بتعيين الرئيس نائب أو أكثر له، كما سيمنح الرئيس صلاحيات تمكنه من تعيين وإقالة كبار موظفي الحكومة من الوزراء والمسؤولين.

التعديلات الجديدة ستسمح للرئيس بتوسيع صلاحياته في تعيين المجلس الأعلى للقضاة، حيث يختار بشكل مباشر أو غير مباشر ستة أعضاء في المجلس الأعلى للقضاة والمدعين الذي يتولى التعيينات والإقالات في السلك القضائي، فيما يعين البرلمان سبعة أعضاء.

يتوقع الكثير من المراقبين والمتابعين للشأن التركي، أن تكون الفترة المقبلة عصيبة على البلاد وعلى ساستها، وذلك بسبب هذه النتيجة المتقاربة بين المعسكرين

ومن أبرز التعديلات الجديدة للدستور الجديد، إلغاء المحاكم العسكرية، وتحديد الحالات التي يسمح فيها بفرض حالة الطوارئ وهي عند حصول “انتفاضة ضد الوطن” أو “أعمال عنف تهدد بانقسام الأمة”، ويكون قرار فرض الطوارئ بيد الرئيس فقط، قبل عرضه على البرلمان الذي يحق له فيما بعد التحكم فيها سواء بتقليل مدتها أو رفعها.

كما شملت التعديلات رفع التمثيل البرلماني من 550 نائبًا إلى 600 مع خفض الحد الأدنى لأعمار النواب من 25 عامًا إلى 18 عامًا فقط، إضافة إلى زيادة فترة الدورة التشريعية لتصبح 5 سنوات بدلاً من 4، بالتزامن مع الاستحقاق الرئاسي، مع إعطاء البرلمان صلاحيات الإشراف على أعمال الرئيس، لكن الأخير سيحظى بسلطة إصدار المراسيم الرئاسية بخصوص كل المسائل المتعلقة بسلطاته التنفيذية.

كما تضمنت التعديلات تنظيم الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلة بشكل متزامن في الثالث من نوفمبر 2019، على أن يتم انتخاب الرئيس لفترة رئاسية مدتها 5 سنوات يمكن تجديدها مرة واحدة.

يذكر أنه في 21 يناير/كانون الثاني الماضي، أقر البرلمان التركي مشروع التعديلات الدستورية، الذي تقدم به حزب “العدالة والتنمية” الحاكم، ويتضمن الانتقال من النظام البرلماني إلى الرئاسي.

ومنذ تأسيس الجمهورية، شهدت تركيا 6 استفتاءات على التعديلات الدستورية، كانت نتيجة 5 منها إيجابية (في الأعوام 1961 و1982 و1987 و2007 و2010)، بينما انتهت إحداها بنتيجة سلبية (عام 1988). حيث يعد الاستفتاء الأخيرة هذا هو الأعلى بنسبة المشاركة والاقبال من قبل الأتراك.

مستقبل قريب شائك

إلى ذلك، وبعد مرور هذا الدستور، يتوقع الكثير من المراقبين والمتابعين للشأن التركي، أن تكون الفترة المقبلة عصيبة على البلاد وعلى ساستها، وذلك لأن هذه النتيجة المتقاربة، لم ترضي الجميع، سواء أكانوا مؤيدين أم معارضين، حيث سيزيد حجم الاستقطاب داخل تركيا، وكذلك ستدعو هذه النتيجة الحكومة التركية وحزب العدالة والتنمية لدراسة أسباب هذه النتيجة الصعبة التي حصل عليها الدستور.

فما القادم الذي ستحمله الأيام للشارع التركي، وكيف سيكون شكل الدستور الجديد، وهل ستشهد البلاد اختلافات كبيرة بين معسكر التأييد والمعارضة، وما هو مستقبل حزب العدالة والتنمية الحاكم، ومن الذي سيكون على رأسه بعد الآن في ظل هذه النتائج التي كانت صادمة للكل برغم كل التوقعات؟