ترجمة وتحرير: نون بوست
يعاني قطاع غزة من مأساة لا نهاية لها على ما يبدو. وبينما تشن إسرائيل حربها لاجتثاث حماس في أعقاب “المذبحة” التي ارتكبتها الأخيرة في السابع من تشرين الأول/أكتوبر، والتي أسفرت عن مقتل 1400 شخص في إسرائيل، قُتل ما لا يقل عن 3700 فلسطيني في غزة. وأدى انفجار في المستشفى الأهلي، حيث لجأ العديد من سكان غزة إلى خسارة مئات الأرواح.
ولكن على الرغم من كل الاهتمام الذي أولي لغزة في الأسبوعين الماضيين، يظل من الصعب سماع أصوات الفلسطينيين الذين يعيشون هناك، فقد قطعت السلطات الإسرائيلية الوقود والكهرباء عن القطاع، مما يجعل من الصعب على السكان إبقاء أجهزتهم مشحونة، ناهيك عن الوصول إلى العالم الخارجي.
وفي حين يقيم العديد من الصحفيين الدوليين في إسرائيل، إلا أن وجود وسائل الإعلام الأجنبية في غزة محدود للغاية. إن التقارير التي تأتي من القطاع هي إلى حد كبير من المراسلين الفلسطينيين المقيمين في غزة مثل نور حرازين، الذين يغطون القصة ويعيشونها في نفس الوقت، وتقول: “أحاول أن أكون محترفة قدر الإمكان، فقط حتى لا يستطيع أحد أن يقول ذلك لأنني صحفية فلسطينية، فإنني أنحاز إلى الجانب الفلسطيني، وأنشر الأكاذيب”، مضيفة: “أحاول قدر المستطاع حبس دموعي، لكن في بعض الحالات، لا أستطيع فعل ذلك”.
الصورة قاتمة؛ إذ إن العيش في غزة اليوم لا يعني فقط مواجهة الغارات الجوية، التي تم شن الآلاف منها على غزة على مدى الأيام الثلاثة عشر الماضية، بل يعني أيضًا خطر سوء التغذية وعدم القدرة على الوصول إلى الرعاية الطبية، حيث تصل مستشفيات غزة إلى نقطة الانهيار. ويقول غسان أبو ستة، وهو طبيب فلسطيني بريطاني يعمل حاليًّا في غزة: “كان النظام الصحي يضم 2500 سرير عندما بدأت الحرب، والآن أصبح لديه 12500 جريح”.
ويشير إلى أن النظام الصحي كان بالفعل “راكعًا على ركبتيه” نتيجة للحصار المستمر منذ 16 عامًا، والذي فرضته إسرائيل ومصر، والذي أدى إلى تقييد شديد لحركة البضائع والأشخاص داخل القطاع وخارجه، حيث نصف سكان القطاع يبلغ عددهم 2 مليون نسمة من الأطفال.
وعلى الرغم من الأمر الذي أصدره الجيش الإسرائيلي في وقت متأخر من يوم 12 أكتوبر/تشرين الأول لـ 1.1 مليون فلسطيني يقيمون في شمال غزة بالفرار إلى الجنوب – وهي عملية إجلاء جماعي وصفتها الأمم المتحدة بأنها “مستحيلة” دون عواقب إنسانية مدمرة – لا توجد ملاذات آمنة في غزة. فمع فرار مئات الآلاف إلى المدن الجنوبية مثل خان يونس ورفح، فقد تلا ذلك الغارات الجوية الإسرائيلية.
إن حدوث كل هذا على مرأى ومسمع من العالم يجعل العديد من الفلسطينيين في غزة يشعرون بالوحدة، بل وحتى بالخيانة؛ حيث تقول غادة عقيل، الأستاذة الزائرة في جامعة ألبرتا في كندا، والتي لا تزال أسرتها الكبيرة باقية في غزة: “إذا قلتَ لأي فلسطيني: “احكي قصتك الآن”، وحتى أنا، فسيقولون: اصمت، لا أحد يهتم”. في غزة “لقد تم إرسال القصص. المشكلة ليست في القصة المشكلة تكمن في وسائل الإعلام الغربية والسياسيين الغربيين الذين اختاروا التزام الصمت”.
ومع ذلك، فإن العديد من الفلسطينيين حريصون على تبادل تجاربهم؛ إن لم يكن لإنقاذ حياتهم، فعلى الأقل لإثبات أهميتها؛ حيث تقول تالا حرز الله، البالغة من العمر 21 عاماً، وهي طالبة في غزة: “آمل أن نبقى على قيد الحياة، ليس لأنني أريد الحياة، ولكن لأنني أريد أن أروي قصصنا، وقصص شعبنا”.
لنقرأ قصص تالا حرز الله وغيرها من الفلسطينيين من غزة أدناه. لقد جرى تحريرها من أجل الطول والوضوح.
د.غسان أبو ستة، 54 سنة
أبو ستة هو جراح تجميل مقيم في لندن، وقد وصل إلى غزة صباح يوم الإثنين 9 تشرين الأول/أكتوبر للتطوع مع منظمة أطباء بلا حدود، وقد تحدث إلى “تايم” في 19 تشرين الأول/أكتوبر؛ حيث قال: “أنا حاليًا في مستشفى الشفاء في وحدة الحروق. أنا أعمل حرفيًا طوال اليوم في غرفة العمليات، وفي الليل أنام على إحدى [النقالات]. مستشفى الشفاء نفسه، وهو أكبر مستشفى في غزة، تحول إلى مخيم للنازحين مع عشرات الآلاف من العائلات في كل مجمع من مجمعات المستشفى، في الممرات، وعلى السلالم.
أول أمس، طلب مني زملائي في المستشفى الأهلي المساعدة. لذا ركبتُ سيارة إسعاف وظللت أعمل هناك حتى الساعة 5:30 مساءً. عندما أدركت أنني سأضطر إلى البقاء هناك لأنه لم يكن السفر ليلاً آمنًا، وحتى أتمكن من مواصلة العمل حتى الليل.
وفي وقت لاحق من ذلك المساء، سٌمع صوت صراخ عالٍ أعقبه الانفجار، وعندما خرجتُ من غرفة العمليات لأرى ما حدث، رأيتُ النار تشتعل في فناء المستشفى؛ حيث اشتعلت النيران في سيارات الإسعاف.. كانت السيارات مشتعلة. واشتعلت النيران في أشجار النخيل. وكان الفناء، الذي أضاءته النار، مليئا بالجثث وأجزاء من الجثث.
بعد الانفجار بدأ توافد الجرحى وذهبتُ إلى قسم الطوارئ، وكانت هناك مشاهد من الفوضى المطلقة؛ فالجثث في كل مكان، والناس يصرخون، والأشخاص مبتوري الأطراف. حالتي الأولى كانت لفتاة تبلغ من العمر 5 سنوات قُتلت والدتها مع أختها، وكانت مصابة بجرح هائل في ذراعها اليمنى – ذراعها اليمنى بأكملها، وكانت هذه الجروح ملوثة للغاية، وهناك أوساخ وحصى وقطع من الزجاج والمعدن في الجرح ويجب تنظيفها، يجب إزالة الأنسجة الميتة.
وبعد ذلك واصلنا العمل حتى الساعة 12:30 ليلاً؛ ولقد قمت برعاية رجل بترت ساقه من عند فخذه، وقد استخدمت حزامه كعاصبة وقمت بإنعاشه، ثم ذهبتُ إلى رجل آخر كان مصابًا بشظية في رقبته والتي أصابت وعاءً دمويًا وكان ينزف دمًا.
لقد كنتُ لا أزال مهتزًا تمامًا بالأمس، ولكن بحلول منتصف النهار، قررت أن الطريقة الوحيدة هي العودة إلى العمل.
بالأمس، قال جراحو العظام في مستشفى الشفاء إنه لم يعد لديهم أجهزة تثبيت خارجية. الأمور تنهار فقط. من المحتمل أن يكون لدى المستشفى ضعف عدد الجرحى الذي يمكنه استقباله. بالأمس، لم يعد هناك مكان في عنابرهم وممراتهم لوضع فرشات لإبقاء الجرحى عليها، وأصبح ضغط المياه الذي يصل إلى المستشفى منخفضًا جدًا الآن، ولا يمكنهم تشغيل آلة التعقيم المركزية. لقد عدنا إلى استخدام سيدكس، وهو مطهر كيميائي.
كان النظام الصحي في غزة يضم 2500 سرير عندما بدأت الحرب، والآن يضم 12500 جريح، لكن النظام الصحي بالفعل على ركبتيه نتيجة الحصار المفروض عليها منذ 16 عاما.
أشعر بالتشاؤم الشديد. ستكون هذه حربًا طويلة الأمد، ونحن في بدايتها فقط.
– كما قيل لأستا راجفانشي
عفاف النجار، 21 سنة
عفاف النجار هي طالبة فلسطينية تدرس الأدب الإنجليزي في الجامعة الإسلامية بغزة في مدينة غزة، وقد هربت إلى خان يونس في الجنوب مع عائلتها وتحدثت إلى مجلة تايم في 18 تشرين الأول/أكتوبر، فقالت: “أنا عروس جديدة، ولقد خطبت للتو قبل أسبوع من الهجوم. كان من المفترض أن يتم حفل خطوبتي يوم الخميس الماضي، أي اليوم السابق لإخلاء الفندق، وكنتُ قد أتممت استعداداتي لكل شيء. ثم فجأة؛ في غمضة عين، تحطم كل شيء.
في 7 تشرين الأول/أكتوبر؛ استيقظت عائلتي على أصوات الصواريخ. قررنا الذهاب إلى فندق كان من المفترض أن يكون آمنًا لأنه يحتوي على شيء يسمى “مكتب تخليص الأمم المتحدة، وبقينا في الفندق لمدة أربعة أو خمسة أيام، ثم أصبح الوضع سيئا للغاية؛ حيث تم القضاء على أحياء بأكملها حول الفندق وتدميرها بالكامل بسبب الغارات الجوية، وقد سقطت الأبواب، وتحطمت بعض النوافذ، وسقطت الأسقف أيضًا، فضلًا عن انقطاع المياه والكهرباء والغذاء. كان هناك حوالي 350 شخصًا في الفندق، جميعهم محشورون في مكان واحد لأن الموظفين قالوا لنا أن نذهب إلى الطوابق السفلية من الفندق لنكون أكثر أمانًا، لكن من الواضح أننا لم نكن آمنين.
طُلب منا أن ننتقل إلى جنوب قطاع غزة، وقد استغرق الأمر ثلاث ساعات للعثور على سيارة أجرة مستعدة للذهاب إلى خان يونس، وكنا نعلم أنه من المحتمل أن نستهدف بغارة جوية. وفي نفس اليوم الذي تم فيه إجلاؤنا، قُتل أكثر من 70 شخصًا في غارة جوية استهدفت الشارع المخصص للإخلاء، والذي اعتبرته القوات الإسرائيلية آمنًا، والحمد لله أننا تمكنا من الوصول إلى هنا سالمين.
لم يكن لدينا أي ماء في المنزل منذ ليلة الجمعة، ولم يكن لدينا أي كهرباء، ولم نستخدم بطاريات السيارات لتشغيل الإنترنت وعلينا أن نأخذ هواتفنا ونشحنها في المتاجر القريبة أو في منازل جيراننا الذين لديهم طاقة شمسية.
الهجمات على غزة دائمًا وحشية. ومع ذلك؛ هذه المرة أسوأ بكثير، فنحن نتحدث عن إبادة عائلات بأكملها، وعندما أقول عائلات بأكملها، فأنا لا أتحدث عن عائلة مكونة من أربعة أو خمسة أفراد، بل أنا أتحدث عن عائلة مكونة من أكثر من 40 شخصًا.
يجب أن أنام كل ليلة مع فكرة أنني قد أستيقظ تحت الأنقاض، إذا استيقظتُ. ويتعين على أمي أن تجلس أخي البالغ من العمر 11 عامًا وتخبره كيف يتعامل مع الوضع إذا وجد نفسه تحت الأنقاض.
أرى دعم وحب الملايين من الناس حول العالم. ومع ذلك، فإن الأشخاص الذين هم في مواقع السلطة لا يفعلون أي شيء لوقف ذلك، فالجميع يتجول ويقول: “نحن ندين ما يحدث”؛ لقد قمنا بالإدانة بما يكفي بالفعل، وحان الوقت لوقف هذا. إنهم يتحدثون عن المساعدات القادمة إلى قطاع غزة، فما فائدة المساعدة إذا كان الناس ما زالوا يموتون؟
لقد وصلتُ إلى مرحلة لا أستطيع فيها أن أحلم بأي شيء سوى الحرب والدمار، لقد بدأتُ أسمع الأصوات، وبدأتُ أرى الأشياء، يبدو الأمر وكأننا ننتظر دورنا فقط، يبدو أننا متنا، لكن موتنا معلق؛ إنه متوقف مؤقتًا حتى تأتي غارة جوية وتهاجمنا.
– كما روت لياسمين سرحان
نهال العلمي، 33 سنة
نهال العلمي مترجمة في المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، وتحدثت إلى “تايم” في 18 تشرين الأول/أكتوبر، وقالت:
“لقد ولدتُ في مدينة غزة وترعرعتُ في ظل الحصار الإسرائيلي الذي يحرمنا من جميع حقوقنا الإنسانية الأساسية، وما أريد أن يعرفه العالم هو أن الأمور في غزة لم تبدأ في 7 أكتوبر، وأنها ليست حربًا ضد حماس، لقد عاقبتنا إسرائيل بشكل جماعي لمدة 16 عامًا. إذا كانت إسرائيل تشن بالفعل حربًا ضد حماس، فلماذا تغلق جميع المعابر وتمنع دخول المساعدات الإنسانية وغيرها من الإمدادات الأساسية إلى السكان المدنيين؟
وفي يوم الجمعة، غادرتُ مع عائلتي إلى خان يونس في جنوب غزة، ونحن الآن مع 20 شخصًا آخر في شقة واحدة، حيث وقعت العديد من التفجيرات القريبة في ما يسمى بـ “المنطقة الآمنة” في الجنوب.
ليس لدينا ماء ولا وقود ولا إنترنت ولا كهرباء، وقمنا بالإخلاء بعد تلقينا اتصالًا لإخلاء منزلنا عند الفجر، لذلك ذهبنا إلى منزل عمي، وكانت هناك غارات جوية شديدة جدًا على منطقتي في مدينة غزة؛ لقد تم القضاء على الحي الذي أعيش فيه بسبب الطائرات الحربية، ولا تزال إسرائيل تقصف المناطق المدنية في جميع أنحاء مدينة غزة.
لقد فقد زوجي متجره، مصدر دخلنا، بعد أن قصفت الطائرات الحربية الإسرائيلية مبنى الوطن التجاري في مدينة غزة في الأيام الأولى للحروب، ولقد نفدت منا كل الضروريات، ونحن نستهلك القليل جدًا للبقاء على قيد الحياة.
في غزة أنت لا تخطط؛ فالاحتلال الإسرائيلي يخطط لك كل شيء. وآمالنا هي أن نبقى على قيد الحياة، وألا أفقد أيًا من أحبائي، وأن أعود إلى منزلي في مدينة غزة.
نشعر بخيبة أمل من تقاعس العالم وصمته تجاه الجرائم الإسرائيلية بحقنا، بدءًا من إغلاق المعابر الحدودية ومنع دخول قوافل المساعدات الإنسانية، ونحن نشعر بالخوف الشديد ونشعر أن الموت قريب جدًا ونخاف من المجهول.
-كما قالت لأستا راجفانشي
نور حرازين، 33 سنة
نور حرازين صحفية فلسطينية، وكانت من بين مئات الآلاف من الفلسطينيين الذين فروا إلى جنوب غزة بعد أمر الإخلاء الإسرائيلي، وقد تحدثت إلى “تايم” في 17 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، فقالت:
“في يوم السبت الساعة 6:30 صباحًا، بدأنا نسمع إطلاق الصواريخ من غزة، وقد صدمنا، وما زلنا مصدومين حتى الآن، لقد اعتدنا على أن تبدأ إسرائيل الحروب، ولكن بمجرد أن رأينا الأخبار أدركنا أن هذا سيستغرق المزيد من الوقت.
لقد نشأتُ في دبي وعدتُ إلى وطني غزة سنة 2006، وأعيش في وسط مدينة غزة في حي الرمال الذي تم إخلاؤه، أنا الآن في دير البلح جنوب قطاع غزة، ولكن في الواقع هناك تفجيرات هنا أيضًا، لذا قاموا بإجلائنا حفاظًا على سلامتنا، لكن هناك قصف في الأماكن التي طلبوا منا الإخلاء إليها.
لقد كانت رحلتي للوصول إلى جنوب غزة بعد أمر الإخلاء أسهل من غيرها، لقد حالفني الحظ بالحصول على سيارة أجرة لنقلي، وكان لدي المال لدفع ثمن استئجار مكان في جنوب غزة، كان من الصعب عليّ الإخلاء، خاصة مع أطفالي ومحاولة جمع أكبر قدر ممكن من الأشياء، لكنني كنتُ محظوظة في الواقع بالنظر إلى الأشخاص الآخرين، فعندما كنتُ في السيارة رأيتُ أشخاصًا يسلكون هذا الطريق سيرًا على الأقدام مع أطفالهم وكانوا يأخذون البطانيات والطعام، لقد كان أمرًا محزنًا أن أرى ذلك… شعرت أنني محظوظة.
لدينا أيضًا تحديات أخرى، لا يوجد واي فاي، لا يوجد كهرباء، لا يوجد وقود، وأقيم هنا في مستشفى شهداء الأقصى في دير البلح منذ أربعة أيام، ولا أستطيع التحرك لأن هناك غارات جوية في كل مكان.
التحدي الأكبر بالنسبة لي كصحفية من غزة هو التزام الهدوء ومحاولة حبس دموعي، أحاول أن أكون محترفة قدر الإمكان حتى لا يقول أحد أنه لأنني صحافية فلسطينية فإنني أنحاز إلى الجانب الفلسطيني وأنشر الأكاذيب، لكن في بعض الحالات لا أستطيع فعل ذلك، فقبل يومين، استهدفت الطائرات الحربية الإسرائيلية مبنيين في دير البلح في وقت واحد، مات الناس، وكان الكثير منهم أطفالًا ورأيت أشياءً لم أرها من قبل، ذكرني بعض الأطفال بأطفالي، لدي طفلين، توأمان، وعمرهما 5 سنوات، إنهما لا يفهمان تمامًا ما يحدث، يعتقدون أننا نقوم برحلة أو شيء من هذا القبيل، لكنهما أقوياء، ولهذا السبب أصبح الأمر عاطفيًا جدًا بالنسبة لي.
– كما روت لآنا جوردون
روان حسن، 23 سنة
روان حسن؛ مدرسة لغة إنجليزية في رفح، تعاني من نفاد مياه الشرب، وقد تحدثت إلى “تايم” في 17 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، وقالت:
“الوضع صعب جدًّا في غزة، لا يمكنك النوم ليلا، ولا يمكنك أن تأكل ما تحتاجه، ولا يمكنك شرب الماء النظيف، مات العديد من الأطفال، ولدينا الكثير من الشهداء ولكن لا أحد يهتم، لا أحد يهتم، أين الإنسانية؟ أين الإنسانية لهؤلاء الأطفال؟
أعتقد أن الوضع الغذائي جيد بالنسبة لي، ولكنه ليس كذلك بالنسبة للآخرين، ولدينا كمية محدودة من الماء، وخلال يومين سينتهي كل الماء لدينا.
الأطفال يبكون طوال الوقت، إنهم يعيشون مع الخوف، وآمل أن يقف المجتمع الدولي معنا، لديَّ العديد من الأصدقاء في أمريكا والمملكة المتحدة وكندا، وقد كنت أحاول أن أخبر أصدقائي هناك بما يحدث لأنه من واجبي دعم مجتمعي وشعبي.
علينا أن نكون أقوياء أمام أطفالنا، أنا فقط أتظاهر بأن كل شيء على ما يرام، لدي ابنة أخي وابن أخي، إنهم صغار جدًا، وأدعو الله في كل وقت، أعتقد أن الأشخاص الذين يشعرون بالحرب أكثر من غيرهم هم الأطفال.
اليوم، قصف الإسرائيليون منزل جيراننا، عليك أن لا تشعر بأي شيء، عليك أن تكون قوياً ولا تدع أي شيء يدمرك، فأنت ما زلت على قيد الحياة.
– كما قالت لآنا جوردون
تالا حرز الله، 21 سنة
تالا حرز الله طالبة في الجامعة الإسلامية في غزة ومدرسة للغة الإنجليزية في مركز اللغات في مدينة غزة، وقد تحدثت إلى “تايم” في 17 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، فقالت:
“لقد دُمرت جامعتي الآن بالكامل، ودُمر مكان عملي بالكامل، وأنا الآن عالقة في وسط مدينة غزة مع أخي وزوجته وأولاده وأمي وأبي.
لا توجد كلمات يمكن أن تصف الوضع الذي نعيشه الآن، هناك دماء في كل مكان، الأخبار السيئة في كل مكان، نحن نَعُدُّ أيامنا فقط، دعني لا أقول أيامًا، بل دقائق، حتى الموت، لأن كل دقيقة قد نموت فيها، قد نُقتل، لقد فقدتُ ابنة عمي وأطفالها، وفقدتُ صديقتي، أنا أفقد أحبائي.
“هل أنت آمن؟” هو الآن سؤال سخيف لأنه في الواقع لا يوجد أمان في غزة، لا يوجد مكان آمن، حرفيًا، لا يوجد مكان آمن، قالوا للناس أن يتجهوا إلى الجنوب وقصفوا الجنوب، طلبوا من الناس مغادرة الشمال وقصفوا الشمال.
أصبح كل شيء شحيحًا، الماء عائق، والكهرباء عائق، والغاز، والغذاء، والإمدادات، إذا أردنا الخبز، يجب على أخي وأبي الوقوف في الطابور لمدة ساعة أو أكثر، قد يفتح المخبز يومًا ما ويغلق في اليوم التالي، كل شيء ينفد منا.
وحتى لو كنا على قيد الحياة الآن، وحتى لو كان سكان غزة على قيد الحياة، فإننا أموات في الداخل، لا أحد يستطيع أن يضحك، لا أحد يستطيع أن يغني، لا أحد يستطيع أن يتكلم، ليس لدينا القدرة أو الطاقة لفعل أي شيء في حياتنا، نحن فقط ننتظر الموت.
ليس لدينا خطة بديلة، نحن فقط لا نريد أن نخسر المزيد من الناس، والمزيد من المنازل، والمزيد من الأسواق، أتمنى أن نبقى على قيد الحياة، ليس لأنني أريد الحياة، بل لأنني أريد أن أروي قصصنا، قصص شعبنا، يجب على الناس أن يعرفوا المزيد عن التاريخ الفلسطيني ومعاناتنا، نحن نعاني منذ سنة 1948، وكل ما نريد فعله هو الدفاع عن أنفسنا وعن أرضنا.
-كما قالت لأستا راجفانشي
يارا عيد، 23 سنة
يارا عيد هي صحفية فلسطينية نشأت في غزة ولكنها تعيش في المملكة المتحدة منذ سبع سنوات، وتحدثت إلى تايم في 18 من تشرين الأول/ أكتوبر، فقالت:
“قبل يومين وصلني خبر قصف بيت عمي؛ لقد رحل عمي وعمتي وجميع أبنائهم وأحفادهم، وفقدتُ 14 فردًا من عائلتي في غارة جوية واحدة.
بالأمس، وصلني خبر قصف منزل عمتي. وما زلتُ لا أعرف عدد الأفراد الذين فقدتهم من عائلة عمتي؛ فربما يكون عددهم 15، أو يمكن أن يكون أكثر. لقد فقدتُ ابنة عمي التي كانت أكبر مني بسنتين فقط، وكانت طبيبة أسنان، وكانت ذاهبة إلى مصر هذا الشهر للزواج، وكانت متحمسة جداً لحفل زفافها ولحياتها الجديدة، ولكنهم قتلوها هي وعائلتها؛ حيث تم قصف الحي بالكامل وكان الجميع تحت الأنقاض.
أمي هي موظفة بالأمم المتحدة، وقد فقدت الكثير من زملائها؛ لقد كانت في الشمال، وليس مع بقية أفراد عائلتي، والآن تم إجلاؤها بمفردها إلى الجنوب بالقرب من معبر رفح الحدودي، ولم أتمكن من التحدث معها؛ فهي ليس لديها إمكانية الوصول إلى الإنترنت على الإطلاق، فأحيانًا يعمل هاتفها وأحيانًا لا يعمل، وفي أحد الأيام، لم أتمكن من الوصول إليها لأكثر من 17 ساعة ولم أعرف إذا كانت على قيد الحياة أم لا.
أما أفراد عائلتي الآخرين، فقد حاولتُ الاتصال بهم منذ اليوم الأول. ولم أتمكن من سماع أصواتهم. الشيء الوحيد الذي أفعله هو إعداد التقارير، وأحاول جاهدة ألا أسمع أخبار مقتل أفراد عائلتي في الأخبار.
لن أتمكن أبدًا من العيش مع الصور التي رأيتها؛ حيث أعاني من الكوابيس كل يوم، فأنا غير قادرة على النوم بسبب ما يمر به شعبي. هؤلاء مدنيون. وهؤلاء هم عائلتي.
إن الشيء الوحيد الذي أريده هو أن أكون مع عائلتي، ولا أستطيع أن أشرح مدى شعوري بالذنب في كل دقيقة أقضيها في المملكة المتحدة وعائلتي هناك. لم أشعر قط بهذا القدر من الألم والخسارة والحزن. لقد كان من الأسهل بالنسبة لي لو كنت على الأرض مع عائلتي وأشهد ما كانوا يشهدونه.
-كما قالت لأستا راجفانشي
كريم أبو الروس، 27 سنة
كريم أبو الروس هو كاتب وباحث وناشط حقوقي فلسطيني يعيش في بلجيكا وقد فقد أقاربه في غزة بسبب الغارات الجوية الإسرائيلية، ولقد تحدث إلى تايم في 18 تشرين الأول/ أكتوبر، فقال:
“إن لغزة مكانة كبيرة في قلبي. لقد ولدتُ في غزة ودرستُ هناك. ثم غادرتُ غزة كما يفعل العديد من الشباب الذين يبحثون عن حياة جديدة. وأعيش الآن في بلجيكا مع زوجتي ميسا منصور – وهي كاتبة أيضًا – وابننا غسان.
أما باقي أفراد عائلتي فلا يزالون في غزة تحت القصف؛ حيث لا يوجد مكان آمن.
لقد قتلتْ إسرائيل أختي هديل أبو الروس، معلمة في مدرسة رسمية، وزوجها باسل خياط، مهندس طرق عامة، وابنتيها إيلين وسيلين، وابنيها محمد ومحمود. لقد كانوا آمنين في منزلهم؛ حيث قصفت إسرائيل منزلهم دون سابق إنذار ودون أن يرتكبوا أي ذنب. ومنذ أن سمعتُ خبر وفاتهم، وأنا أراجع الفيديوهات الموجودة الخاصة ببنات أختي لديّ. في كل الفيديوهات، بنات أختي كن يرقصن، إنهن أحببن الرقص.
لم أكن أتوقع أن يكون الأمر مروعًا إلى هذا الحد؛ فقد بدأت بمتابعة الأخبار عبر التلفاز بسبب عدم قدرتي على التواصل مع أهلي في غزة للاطمئنان عليهم بسبب عدم توفر الإنترنت واستقبال الهاتف المحمول. إن هذا الخوف والقلق تجاه من أحبهم – أصدقائي وعائلتي وزملائي – وجميع سكان غزة هو أول شعور ينتابني.
الوضع الحالي في غزة مرعب ومخيف، وأهل غزة لا يستحقون هذا. كما أن أختي وبناتها وأبنائها لا يستحقون أن يُقتلوا بهذه الطريقة المهينة للكرامة الإنسانية. لقد أحبوا الحياة، وحلموا بالسفر، وحلموا بأن يكونوا مثل أطفال العالم.
– كما قيل لأستا راجفانشي
غادة عقيل، 52 سنة
لم تتمكن غادة عقيل، الأستاذة الزائرة في جامعة ألبرتا، من الوصول إلى عائلتها في غزة وتخشى حدوث الأسوأ. وتحدثت إلى تايم في 15 تشرين الأول/ أكتوبر، فقالت:
“إن عائلتي في قطاع غزة إلا أنا وزوجي وطفلي فقط موجودون هنا في كندا. بينما إخوتي، وأخواتي، وجيراني، وأصدقائي، وخالاتي.. الجميع هناك. ولم أتمكن من التواصل معهم خلال الأيام الثلاثة الماضية. لقد اتصل بي صديق في بريطانيا اليوم وأخبرني أنه تواصل مع أحد إخوتي، وأخبرني أنهم بخير. ولكن لا أحد يعرف ما إذا كان صباح اليوم التالي سيجلب لك الفظائع.
ولقد قُتلت ابنة عمي هبة أبو شمالة صباح الخميس مع طفليها، وهبة هي لاجئة فلسطينية من الجيل الرابع، ولقد تزوجت للتو منذ أربع سنوات، وكانوا يعيشون في مخيم خانيونس للاجئين في منزل متواضع للغاية. واتصلت بوالدتها حليمة قبل يومين وأخبرتها أن تأتي إلى منزلها، وقالت أيضًا: “إذا متنا نموت معًا”، كانت تضحك وقالت والدتها: “لا، لا، يجب أن تأتي وتبقى معنا”. لكن هبة اعتقدت أنها ستكون أكثر أمانًا لأنها ليست منطقة حدودية؛ حيث لا تسكن بجوار أي مباني حكومية التي قد تكون هدفًا. ولكن لا يوجد مكان آمن في غزة الآن.
قُتلت ابنة عم غادة عقيل، هبة أبو شمالة (في الوسط) وطفليها مصعب (يسار)، 3 سنوات، ومنة، سنة واحدة، في 12 تشرين الأول/ أكتوبر.
إنهم يطلبون من الناس الانتقال من الشمال إلى الجنوب، والآن يتعرض الجنوب للهجوم. واليوم بالفعل، ربما تم قصف خمسة منازل أعرفها جيدًا. وأنا أشعر بالجنون لأن أختي في الشمال، وقد فقدنا الاتصال بها. أعلم أنها غادرت، ولكن أين ذهبت؟ نحن لا نعرف.
لدي أخ يعمل طبيبًا في المستشفى الرئيسي في مخيم خانيونس للاجئين. ولا أعرف إذا كان على قيد الحياة، أو إذا كان ميتًا، فكيف حاله. وحتى كتابة هذه السطور، مازلتُ لا أعرف مصير أختي في غزة. ولا أعرف هل نجت أم لا. وأختي هي واحدة من 2.3 مليون شخص يتعرضون للهجوم، ويقع بيتي وبيت هبة، وأختي فيما يعرف الآن بإسرائيل، فنحن لاجئون، ولدينا الحق في العودة إلى وطن أجدادنا. ربما يكون ذلك ليس اليوم، ولكن هذا حق غير قابل للمصادرة للجميع، بما في ذلك الفلسطينيين.
أنظرُ إلى صورة هبة. فهناك المئات، بل الآلاف، مثلها الآن. وأؤكد لكم أن هناك آلافًا آخرين تحت الأنقاض.
المصدر: مجلة تايم