ترجمة وتحرير: نون بوست
يبدو الأمر وكأنه صورة من واقع بديل؛ حيث سيهبط المئات من المصرفيين والمديرين التنفيذيين إلى الرياض هذا الأسبوع لحضور مبادرة مستقبل الاستثمار، وهو مؤتمر استثماري مبهرج يطلق عليه اسم “دافوس في الصحراء”، وسيحاول رجال المال التظاهر بأن الأمور تسير كالمعتاد، لكن الشرق الأوسط يغلي.
وتهدد الحرب بين إسرائيل وحماس بإشعال صراع أوسع يجذب دول الخليج، التي تعد اقتصاداتها المزدهرة أساسية لأسواق النفط والغاز العالمية. ففي 20 تشرين الأول/أكتوبر، اعترضت مدمرة أمريكية في البحر الأحمر صواريخ كروز أطلقها المتمردون الحوثيون المدعومين من إيران في اليمن باتجاه إسرائيل.
في ذلك اليوم، قال الرئيس جو بايدن إن هدف هجوم حماس هو منع التوصل إلى اتفاق سلام بين إسرائيل والسعودية، وقال: “كنتُ على وشك الجلوس مع السعوديين.. وأراد السعوديون الاعتراف بإسرائيل”، وقد وصل سعر النفط، وهو مقياس لمخاطر التصعيد الإقليمي، إلى 92 دولارًا للبرميل.
وكانت دول الخليج تأمل أن يكون هذا عام التهدئة في المنطقة، فلقد أرادوا الهدوء للتركيز على الخطط الطموحة لتنويع اقتصاداتهم، والآن عاد أقدم صراع في المنطقة إلى الحياة. وبالنسبة لدولة خليجية، قطر، التي دعمت حماس، فإن الهدف المباشر هو الحفاظ على نفسها. ومع ذلك، تريد السعودية والإمارات إضعاف حماس، وإحباط مواجهة أوسع مع إيران، والحفاظ بطريقة أو بأخرى على رؤيتهما لمنطقة استبدادية ولكن أكثر سلامًا وازدهارًا؛ إنها عملية موازنة دقيقة وخطيرة.
قطر تبدو ضعيفة، فهي حليف للولايات المتحدة ومؤيدة لحماس في نفس الوقت. ومنذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر، عندما قتل مسلحو حماس أكثر من 1400 شخص في إسرائيل، أصبحت هذه العلاقات مصدرًا للإحراج والتوتر؛ حيث يعيش بعض قادة حماس في العاصمة القطرية الدوحة، وتتبرع الإمارة الغنية بالغاز بما يصل إلى 30 مليون دولار شهريًّا لغزة التي تديرها حماس. ولسنوات عديدة، أخبرت قطر حلفائها أن علاقاتها مع حماس مفيدة: فقد تكون وسيطًا بين تلك الجماعات والغرب.
وفي الوقت الحالي تسعى قطر جاهدة لإظهار أنها لا تزال قادرة على أن تكون مفيدة لأمريكا؛ ففي 20 أكتوبر/تشرين الأول، أطلقت حماس سراح اثنين من أكثر من 200 رهينة احتجزتها أثناء الهجوم، وكلاهما مواطنان أمريكيان إسرائيليان، في صفقة ساعدت قطر في التوسط فيها. ولكن هناك أيضًا علامات الإنكار والذعر في الدولة الصغيرة الغنية؛ ففي 14 تشرين الأول/أكتوبر، اتصل دبلوماسي قطري بمراسلنا ليقول إن إسماعيل هنية، زعيم حماس، ليس في الدوحة بل في تركيا.
وبعد ساعات، عقد وزير الخارجية الإيراني اجتماعًا متلفزًا مع هنية في الدوحة. كانت علاقات قطر مع الجماعات الإسلامية أحد الأسباب التي دفعت أربع دول عربية إلى فرض حظر على السفر والتجارة على الإمارة الصغيرة في عام 2017. وعندما يهدأ غبار هذه الحرب، يمكن أن تتعرض البلاد لضغوط أمريكية أكبر لقطع علاقاتها مع الجماعات المسلحة.
أما الإمارات، التي أصبحت في عام 2020 أول دولة خليجية تعترف بإسرائيل، فقد اتخذت موقفا مختلفًا، فعلى عكس معظم جيرانها، كان بيانها الأولي بشأن هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول بمثابة تعاطف مع إسرائيل، وقام قادتها بإجراء مكالمات تعزية متعددة لنظرائهم الإسرائيليين، وهم يكرهون الإسلام السياسي، الذي يعتبرونه تهديدًا لهم، وفي السر يوجهون انتقادات لاذعة لحماس.
بعد ساعات من الانفجار الذي وقع في المستشفى الأهلي العربي في غزة يوم 17 تشرين الأول/أكتوبر، نفى الجيش الإسرائيلي أنه استهدف المنشأة في غارة جوية، ويبدو أن الأدلة حتى الآن تدعم نفيه، وانضمت الإمارات إلى الدول العربية الأخرى في إدانة إسرائيل، ومع ذلك، ينبغي اعتبار مثل هذه التصريحات بمثابة مسرحية دبلوماسية: فالعلاقات بين البلدين تظل قوية.
لقد حاولت السعودية رسم مسار وسط، وكان ردها على هجوم حماس هو الاستشهاد بقائمة من الأفعال السيئة التي ارتكبتها إسرائيل في الماضي والدعوة إلى وقف فوري لإطلاق النار، وهو نوع البيان الذي تصدره دائمًا بعد اندلاع أعمال العنف في الأراضي المقدسة. ولكن هناك أيضًا دلائل على أن موقفها قد تغير.
ففي 17 تشرين الأول/أكتوبر، تحدث تركي بن فيصل آل سعود، الذي قاد جهاز المخابرات في المملكة من عام 1979 إلى عام 2001، باللغة الإنجليزية إلى مؤسسة فكرية أمريكية. وكلماته لها وزنها كمسؤول سابق وعضو في العائلة المالكة؛ حيث ندد بحماس لقتلها المدنيين وأشار إلى أن ذلك غير إسلامي، كما أدان إسرائيل أيضاً، بسبب “قصفها العشوائي” على غزة هذا الشهر، وجرائم احتلالها الذي دام نصف قرن، ولم يذكر إيران كثيرًا، وهي العدو الإقليمي للسعودية وأحد الداعمين الرئيسيين لحماس.
وبعد يوم واحد، بثت قناة العربية، وهي قناة إخبارية مملوكة للسعودية، مقابلة قاسية مع خالد مشعل، الرئيس السابق لحركة حماس؛ حيث سألته رشا نبيل، المذيعة، مرارًا وتكرارًا كيف يمكن لحماس أن تتوقع الدعم من الدول العربية الأخرى بعد أن اتخذت قرارًا أحاديًّا بالذهاب إلى الحرب، وضغطت عليه لإدانة قتل المدنيين الإسرائيليين، ووجهت إليه سؤالًا حول ما إذا كانت “توقعاتك” لمساعدة إيران “ترقى إلى المستوى المطلوب”. لقد كانت مقابلة لا يتعرض لها مسؤولو حماس على الإطلاق تقريبًا على القنوات الناطقة باللغة العربية. وبدا السيد مشعل منزعجًا. وتمت مشاركة مقاطع من المقابلة على نطاق واسع على وسائل التواصل الاجتماعي وحتى على التلفزيون الإسرائيلي.
ويمكن استخلاص ثلاثة استنتاجات حول نوايا السعودية. أولًا، تريد تقويض حماس. ثانيًا، تريد تجنب مواجهة أوسع مع إيران؛ حيث أشار الأمير تركي إلى أن التقارب بين السعودية وإيران لا يزال على قيد الحياة. واتفق الخصمان في أذار/مارس على إعادة فتح السفارتين وتخفيف نزاعهما المستمر منذ سنوات. ويشعر السعوديون بالقلق من أن تؤدي حرب إقليمية إلى هجمات ترعاها إيران على المملكة، مثل تلك التي وقعت في عام 2019 والتي عطلت لفترة وجيزة نصف إنتاجها من النفط.
وأخيرًا، السعودية لا تغلق الباب أمام التطبيع مع إسرائيل، فلقد أمضت أمريكا معظم هذا العام في الضغط من أجل التوصل إلى صفقة من شأنها أن تجعل السعوديين يعترفون بإسرائيل؛ وأرادت المملكة عقد اتفاقية دفاع مع أمريكا في المقابل. وبدا السعوديون راضين عن الضغط من أجل لفتات رمزية تجاه الفلسطينيين، وليس لإنهاء الاحتلال، بل فقط لجعله أقل إيلامًا. والآن يدعو محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي والحاكم الفعلي للبلاد، إلى إنشاء دولة فلسطينية على طول حدود المنطقة قبل عام 1967. سوف تستمر المحادثات مع إسرائيل، ولو بشكل أكثر هدوءًا عما كانت عليه من قبل، ولكن الثمن الذي ستتحمله إسرائيل الآن سيكون أعلى.
ويعتمد الكثير الآن على طبيعة الغزو البري الإسرائيلي الوشيك لغزة: فمع ارتفاع عدد القتلى المدنيين، سوف تتعرض دول الخليج لضغوط متزايدة في الداخل وفي مختلف أنحاء العالم العربي لإدانة إسرائيل وقطع العلاقات. لا يزال هناك شيء واحد يمكن لقادة الخليج أن يتفقوا عليه جميعًا: أنهم يريدون إنهاء الحرب؛ حيث يريد الممولين المجتمعون في الرياض هذا الأسبوع التحدث عن أفكار بمليارات الدولارات للسفر والتجارة والسياحة. ومن غير المرجح أن يأتي أي منها بثماره إذا كان هناك خطر من تحليق الصواريخ فوق رؤوسنا.
المصدر: الإيكونوميست