صارت مشاهد التيّه والتعثر التنظيمي في مختلف الدول التي سارت إليها تجمعات الإخوان بعد الانقلاب هي الأساس، لا تحقيق آمال كثيرين منهم صاحب هذه الكلمات في معالجة الأمر بمحاسبة المُقصرين وإقصائهم وفتح صفحة جديدة تستفيد الجماعة فيها من الأخطاء والخطايا الماضية في خطوات واضحة مُشرقة مستقبلية.
في نوفمبر/ تشرين الثاني 2014م دُعي إخوان مصر في تركيا، في أعلى تصنيف لهم، إلى انتخابات الرابطة الإخوانية الخاصة بالدول العربية!
وكان لقاءً عاصفًا في أحد الفنادق البعيدة استمر من قرابة الثانية عشرة صباحًا حتى قرابة العاشرة مساءً، وحضره مندوب من الرابطة طبيب جاء من أحد دول الخليج خصيصًا لهذا الهدف، ولم يكن أُعلنَ هدف أو حتى عنوان للقاء قبل الحضور إليه، وما إن بدأ الضيف في الكلام حتى قاطعه أحد القيادات الخارجة من مصر قبل الانقلاب، والمُثار حوله عدد من علامات الاستفهام، بالقول:
ـ هل ترانا (جاموسًا) يا بُني تشحننا إلى هنا، ونحن عشرات من سن آبائك كي تفاجئنا بانتخابات تتبع “الرابطة” فيما الأصل فينا أن نتبع “اتحاد المنظمات الإسلامية”؟
رفض الرجل الوقوف وهو يتحدث مُلمحًا إلى أن قدر المكان والجلسة لا يقتضي قيامه، فتبعه آخر كان بمقربة منه في بداية المنضدة الطويلة بكلمات أشد عن انمحاء الذوق والأخلاق من الجماعة التي كانت تُعرف بها لعشرات السنوات.
كان الاجتماع نواة لصراع القيادات القديمة، بشكل عفوي أو غيره، غير مُرشدٍ تُقسم نفسها إلى قسمين واحد يدعي القدرة على القيام بالمسؤولية في الغربة، والآخر يعارضه للوصول إلى أكبر منصب ممكن إلى جواره!
وانفرط العقد، وكان الجالسون يُقاربون الـ80 تحدث منهم قرابة نيف وستين ومنهم أعضاء في “مجلس شعب ـ 2012″، فما ترك الجميع، إلا قليلًا، شيئًا في ذم ونقد ما حدث من سياسات للإخوان في مصر شيئًا إلا قالوه، وبعضهم كان طرفًا منه، حتى أصيب أحد الشباب بإغماءة استدعتْ الإسعاف وكادت تزهق روحه فيها.
كان الاجتماع نواة لصراع القيادات القديمة، بشكل عفوي أو غيره، غير مُرشدٍ تُقسم نفسها إلى قسمين واحد يدعي القدرة على القيام بالمسؤولية في الغربة، والآخر يعارضه للوصول إلى أكبر منصب ممكن إلى جواره!
وبعد اللقاء الأول بأربعة أشهر أُعيدت الكرَّة على أمل أن تنقضي الشكوى الأبرز في المرة الماضية وهي معرفة البعض بالكل من المُنتخبين، وجاء مسؤول للرابطة مسن من لندن، فأسر لأحد الحضور:
ـ أعلنا نهج وطريق الديمقراطية والانتخابات التي تريدون، فإن لم ننته أعملنا “لائحة الرابطة” والسلام!
وكان سيناريو (ننتهي)، الذي أعلنه مسؤول الرابطة المُسن اللندني يقتضي التصويت ليرأس المكتب التنفيذي مسؤول محافظة ساحلية تم استدعاؤوه من السودان على عجل ليرأسه، ووفق اختيار أبناء المحافظة الساحلية التي ينتمي إليها، وعلى خلاف اللائحة القائلة ببقائه ستة أشهر قبلها في تركيا، فلم يلبث بعد أسابيع من انتخابه أن جعل نائبه المُنتخب معه يستقيل، لما رأى الأخير تصميم المسؤول التنفيذي على السير وفق المنظومة السابقة له في مصر من الاستبداد بالرأي، وكان الرجل مسؤول محافظة ساحلية شهيرة قال ثقات إنه قضى على العمل الإخواني فيها فكوفئ بتولي مكتب تركيا دفعة واحدة.
ثم راح مسؤول تركيا التنفيذي يُعملُ إغاظة مجلس الشورى الذي جاء به وانتخبه، وأغلبه “كان” من المُعارضين في إجراء الانتخابات وفق لائحة لندن، حتى جعل المسؤول التنفيذي جانبًا كبيرًا من المجلس يُقدم استقالته، وكان الرجل حريصًا على عدم حل مشكلة تُعرضُ عليه بل جعلها تتفاقم قدر إمكانه!
وقبل نهاية عام على توليته كان العقد انفرط وصار المكتب التنفيذي مكتبين، من القيادات التي تلاسنت رفضًا للانتخابات في نوفمبر/ تشرين الأول 2014، ثم انتخبته في أشهر 2015م الأولى، فلم يأت مارس/ أذار 2016م إلا وقد تسبب بإطاعته لسياسات الرابطة والقيادات التاريخية المُنتهية ولياتها والجاثمة على صدر الجماعة، ليجعل المكتب الواحد للجماعة مكتبين لجماعتين بقيادات مزدوجة!
أفرزت الانتخابات قيادات من أعضاء الجماعة القدامى الذين أودوا بها إلى المصير المُظلم، أو قياداتها الشابة المُشاركة فيها، ومنهم الوزير الأخير المذكور.
فيما كان المسؤول التنفيذي عن تركيا صُلبًا لا يتراجع متمسكًا بلائحة الرابطة التأبدية التي تجعله ومكتبه في بقاء بلا نهاية، حتى رقت قلوب قيادات رابطة لندن لتململ الشُّعب القليلة في تركيا، فناورت مقررة الانضمام إلى “اتحاد المنظمات الإسلامية” في نهاية 2016م ثم عادت في قرارها مقررة إتمام ما بدأته من فرقة، والاكتفاء بتعيين مكتب تنفيذي آخر، رغم أنف أغلب مكتب الشورى المُنتخب، وتعيين المسؤول عن الفرقة مسؤولًا عن المصريين في تركيا لا الإخوان فحسب، ربما في نوع نادر من التقدير على جهوده!
وفي المُنتصف تمت الدعوة إلى انتخابات “لجنة إدارة الأزمة” في نهايات 2015م فيما الإخوان في تركيا جاؤوا من محافظات مصرية مختلفة فلا يعرفون بعضهم بعضًا، والأماني في العودة مُزدهرة، حتى إن شابًا أحب التصوير مع وزير ظل بالوزارة لأشهر قبل الانقلاب فقال له في كلمات حاول جعلها لطيفة:
ـ معذرة عليّ قضايا و”قصص” فلا تدخل نفسك فيهاـ ولا تدخلني في “رواية” معك!
وأفرزت الانتخابات قيادات من أعضاء الجماعة القدامى الذين أودوا بها إلى المصير المُظلم، أو قياداتها الشابة المُشاركة فيها، ومنهم الوزير الأخير المذكور.
وفي تلك الانتخابات برز الذين لم يتم توثيقهم، وتم الدفع بهم إلى الصف لأعلى التصنيفات، دون دليل على أنهم يُنتمون إليها، سوى إعادة السيرة القديمة من التساهل القاتل بخاصة بُعيد الثورة، وضم الذين يستحقون أو لا إلى الجماعة، وكان البعض عميلاً للأمن للدرجة التي جعلت مسؤول إجراء الانتخابات يرجو الحضور عدم تسريب النتائج (الخاصة بانتخابات إدارة الأزمة)، وهو ما لم يحدث، فبعد دقائق تعد على أصابع اليد الواحدة من انتهاء الانتخابات كانت توزيعة المُختارين السبعة من تركيا، السودان، قطر، ماليزيا لدى الصحف الانقلابية في مصر، إذ إن المندسين كانوا مُزعين على الأقطار المُختلفة التي تمت الانتخابات فيها!
وحاول مكتب “إدارة الأزمة” النهوض بحل لأزمة مصر فقرر مراحل عبارة عن الانهاك للانقلاب ثم الإتعاب ثم الإسقاط، وهي كلمات لا تعبر إلا عن مستوى الذين عملوا عليها، وصار الخلاف يشتد بين الرابطة في تركيا ومكتب الأزمة في تركيا، حتى تم اتهام الأول للأخير بأنه زور الخطاب الذي تمت بناء عليه الانتخابات، وراحت الاتهامات المتبادلة بتلقي الأموال تتفاقم حتى صارت تهديدات قليلة بالقتل أحيانًا.
كان الحل لمعضلة المال اندساس بعض أعضاء الجماعة والمكتب الجديد وسط المكتب القديم على أمل إسقاطه من داخله، وهو المشروع الجاري تنفيذه حتى الآن على قدم وساق!
أما يوم 16 من مارس/ أذار 2016م فكان بمثابة اشتعال لجبهات الخلاف من القيادات القديمة المُتصدية للموقف من جديد أو بمعنى أصح بين (المندسين، عديمي الضمير، المعركة بين الرابطة والمكتب الجديد بخاصة الصلاحيات الخاصة بملفات الإعلام والسياسة والحقوق بإصرار الرابطة ورئيسها المحلي على إتمام انتخابات الشُّعب الداخلية في اليوم الذي دعا فيه مجلس الشورى الذي جاء به إلى سحب الثقة منه، وتم الاعتداء على إحدى عضوات الشورى لما حاولت توزيع أوراق تحذر فيها مما يجري، بالإضافة إلى قيام أحدهم بالتسبب في جلب إدارة مكان الاجتماع في أكبر الشُّعب الإخوانية في تركيا وهم من الفلسطينين الشرطة له، إذ تم التحذير من جانب مجلس الشورى من عدم توثيقه ومخاطر اندساسه بعد دعوته، لكنه أصر على الحضور والانتخاب.
ومضى كلٌ في جانبه “الرابطة” في رغبتها إكمال نصابها، ومكتب الأزمة الذي صار اسمه “المكتب الجديد” في سحب بساط الجماعة نحوه ليقول إنه المُعبر عنها، وقال الطرف القديم إنه يُعبر عن الإخوان المسلمين، أيضًا إنه المُعبر الوحيد عنها، وصار كلٌّ له أسره التربوية، ومثلهم على الأغلب في الدول الأخرى التي وُجدَ الإخوان فيها بعد الانقلاب.
لكن “المكتب الجديد” لا يجد التمويل الذي يستأثر به “مكتب الرابطة” أو جبهة الإخوان التاريخية، ومع اشتداد غيظ المكتب الأول وبالتالي تورطه في كيان مُماثل، عبر انتخابات جديدة اجتذبت أغلب الوزراء وأعضاء البرلمان والقادرين على التفكير، وكان الحل لمعضلة المال اندساس بعض أعضاء الجماعة والمكتب الجديد وسط المكتب القديم على أمل إسقاطه من داخله، وهو المشروع الجاري تنفيذه حتى الآن على قدم وساق!