أخيرًا مرت التعديلات الدستورية في الاستفتاء العام بواقع 51.3% بعد يوم طويل وصعب مرت فيه تركيا، تنفس الحزب الحاكم والرئيس الصعداء. والآن وبعد تمرير تلك التعديلات يقفز سؤال على الواجهة هل ستؤدي هذه التعديلات لطفرة اقتصادية جديدة كما ذكر محللين تنقل البلاد إلى أكبر عشر اقتصادات في العالم؟
الاقتصاد التركي بعد الاستفتاء
ذكر الرئيس التركي أردوغان قبل الاستفتاء بأيام إن بلاده ستشهد قفزة اقتصادية كبيرة في حال خرجت نتيجة التصويت على الاستفتاء بـ “نعم”، وذهب رئيس الوزراء التركي ورئيس حزب العدالة والتنمية الحاكم، بن علي يلدريم، بقوله إن التحول إلى النظام الرئاسي، سيعزز الاستقرار والنمو الاقتصادي لتركيا وتزيد من حجم الاستثمارات والإنتاج. وأضاف أن تركيا ستصبح وجهةً للمستثمرين، عقب التصويت لصالح تعديلات الدستور.
والآن بعد انتهاء الاستفتاء والتصويت بـ”نعم” سينتظر الشعب التركي تنفيذ تلك الوعود التي ذكرتها مؤسسة الرئاسة والحكومة، فيما إذا ستتحسن الأرقام أم لا، علمًا أن التعديلات لن يتم تطبيقها بشكل كامل إلا في العام 2019.
الرئيس لا يملك عصا سحرية لينهض بالاقتصاد بالشكل الذي وصفه البعض أن هناك طفرة اقتصادية جديدة ستحدث بعد التصويت بنعم
كل ما ذكر قبل الاستفتاء فيما يخص الاقتصاد سواءًا من طرف معسكر “نعم” أو معسكر “لا” يندرج تحت بروبوغاندا إعلامية إما للتحفيز والترغيب والتصويت بـ”نعم” أو للتخويف والتصويت بـ”لا”، حيث كلا المعسكرين ركز على إطلاق تصريحات بتحسن/ضرر الاقتصاد من آثار التعديلات الدستورية.
وبما أن النتيجة جاءت “نعم” بالتالي سيضع هذا الحكومة أمام استحقاقات مهمة بما يخص الاقتصاد والإصلاحات المرجوة أمام نفسها وكل من صوت بنعم وأمام الشعب أجمع.
الواقع أن الرئيس لا يملك عصا سحرية لينهض بالاقتصاد بالشكل الذي وصفه البعض أن هناك طفرة اقتصادية جديدة ستحدث بعد التصويت بنعم، فالنهضة الاقتصادية مرتبطة بحزمة من العوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية تعمل بشكل متسق وعلى فترة زمينة ليست قصيرة للنهوض بالاقتصاد، وكذلك لا يعلم الرئيس بالغيب والقدر ليوقف أي أزمة اقتصادية أو سياسية عالمية قد تحصل وتؤثر على الاقتصاد العالمي والتركي بالمحصلة.
حافظت المؤشرات الاقتصادية التركية على معدلات نمو مقبولة وأفضل من كثير من البلدان على الرغم من الأزمات المحلية والدولية التي واجهتها
والنقطة الثانية، تتعلق بالطفرة الاقتصادية الجديدة والتي تعني انتعاش ونمو اقتصادي تعيشه البلاد في جميع القطاعات، وهو شيء لا يمكن الأخذ به أساسًا، فالمفروض أن تركيا مرت بطفرة اقتصادية منذ العام 2002 ولا تزال تعيش فيها حتى الآن إذ حققت معدلات نمو عالية جدًا مكنتها من استقبال أموال واستثمارات أجنبية أسمهت في رفع سوية البلاد والقطاعات الإنتاجية من بلد مديون، ومستهلك، وضعيف، إلى بلد منتج، ودائن، وقوي.
فإذا كانت الطفرة الاقتصادية قد تحققت والبلاد تنعم بمنجزاتها، وتمكن الاقتصاد بالرغم من الأزمات العديدة المحلية والدولية من الصمود، فلماذا يكون هناك طفرة جديدة!، بينما الأساس أن يتم استكمال مسيرة النمو القديمة، بالأخص إذا علمنا أنه لا يزال هناك الكثير من العمل والمشاريع التي تحتملها مسيرة النهضة التركية والطفرة التي بدأت على يد العدالة والتنمية بعد العام 2002 وتمر بمراحل مخطط لها وفق رؤية موضوعة نحو 2023 و 2053 و 2071.
سيكون أحد أبرز الأهداف الموضوعة عند الحكومة التركية هي العودة إلى ما قبل فترة المخاطر الجيوسياسية التي واجهت تركيا خلال السنوات القليلة الماضية، وإعادة الاستقرار السياسي إلى البلاد.
وعليه نظريًا؛ فإنه لا يجب على الشعب التركي أن ينتظر مفاجئات من العيار الثقيل في الاقتصاد أو أن يحاسب الحكومة على عدم تحققها، كأن ينام ويستيقظ يجد أن معدل البطالة انخفض إلى 5% ومعدلات التضخم لأقل من 2% أو يجد معدلات النمو لامست أرقامًا قياسية، كما حصل بعد العام 2002.
من الناحية العملية، سيكون أحد أبرز الأهداف الموضوعة على طاولة الحكومة التركية هي العودة إلى ما قبل فترة المخاطر الجيوسياسية التي واجهت تركيا خلال السنوات القليلة الماضية، والتحديات الإقليمية في سوريا والعراق، ومحاولة الانقلاب الفاشلة… وانخفاض الليرة التركية، وهذا بحد ذاته أمر مهم للغاية وتحقيقه يعني العودة لمسار النمو وخطة التنمية.
والعودة إلى تلك الفترة تعني الاستقرار السياسي الذي سيقود بطبيعة الحال إلى عودة المال والاستثمارات الأجنبية إلى تركيا، إذ لا استقرار ولا جاذبية للاستثمارات في بلد غير مستقرة سياسيًا.
واجتمع الخبراء أن الفترة القريبة المقبلة في حال شهدت هذا الاستقرار فإن الاستثمارات الأجنبية ستزيد وتدفقات الأموال الأجنبية إلى البلاد ستعود، ويتحسن معدل صرف الليرة أو على الأقل يتوقف نزيفها، وتعود معدلات النمو للارتفاع مجددًا بفضل هذه العوامل. مع التأكيد أن الاستمرار في عملية النهضة يحتاج إلى التركيز على الإصلاحات الاقتصادية بشكل أكبر وتعبئة الثغرات التي يعاني منها الاقتصاد، وعمل مؤسساتي كبير تتعاون فيها الدولة مع القطاع الخاص لتحقيق الأهداف المنشودة، مع إيمان الشعب بالرؤية الحكومية وتخفيف الانقسامات المجتمعية.
الاقتصاد التركي في أرقام
تطمح تركيا أن تصبح بين أكبر 10 اقتصاديات في العالم في قابل السنوات وهذه الفكرة ليست مستحيلة على تركيا، فالقفزات التي تمكنت من تحقيقها خلال السنوات الماضية كفيلة بإيصال تركيا إلى ذاك المستوى، وقد أوردت شركات أبحاث في تقاريرها الاقتصادية أن الاقتصاد التركي سيحتل المرتبة 12 عالميًا بحلول العام 2030.
الاستقرار السياسي سيقود بطبيعة الحال إلى عودة المال والاستثمارات الأجنبية إلى تركيا، إذ لا استقرار ولا جاذبية للاستثمارات في بلد غير مستقرة سياسيًا.
ثبت الاقتصاد التركي على الرغم من كل ما واجهه من تحديات كبيرة خلال الفترة الماضية من التوترات في سوريا والعراق وما انعكس ذلك بشكل جلي على تركيا، من خلال دخولها في حرب بشكل مباشر مع التنظيمات التي تصنفها إرهابية في البلدين، واستقبالها أعداد كبيرة من اللاجئين على أراضيها. حافظت المؤشرات الاقتصادية على معدلات نمو مقبولة وأفضل من كثير من البلدان، وقد بلغ الناتج المحلي في العام الماضي نحو 861 مليار دولار، مرتفعًا بقيمة 130 مليار دولار خلال 9 سنوات ابتداءًا من العام 2008.
ولا تزال معدلات التضخم والبطالة مرتفعة حيث بلغ معدل البطالة 11.1% حتى يناير/كانون الثاني الماضي، أما معدل التضخم فوصل إلى 11.9% في مارس/آذار الماضي وهو المستوى الأعلى في 8 سنوات ويعود السبب إلى استمرار ضعف الليرة وما عكسه على أسعار المستهلكين.
المحصلة أن الصفحة الجديد التي فتحتها تركيا في الأمس تنتظر اختبارات على أكثر من جانب منها تفاصيل السياسة المالية والنقدية التي ستنتهجها الحكومة في ظل التعديلات الجديدة ما بعد تطبيقها كاملًا فضلا عن العلاقات الاقتصادية المتشابكة مع الدول الإقليمية مثل أوروبا وروسيا وغيرها، بالإضافة إلى الاستقرار.