تعددت الاستخدامات على موقع فيسبوك من منصة اجتماعية للتواصل وتناقل الأخبار في العالم، ومؤخراً إلى واجهة للإعلانات وأخيراً إلى ساحة للجرائم بمختلف أنواعها ليشاهد المستخدم أبشع الجرائم وأغربها بشكل مباشر وحديث.
عندما أطلق مارك زوكربيرغ خاصية البث المباشر قال: “لقد طورنا هذه المنصة التكنولوجية حتى نقدم الدعم للمستخدمين وندفع بهم إلى الأمام”، ولاقت هذه الخاصية رواج كبير بين مستخدمي فيسبوك، وذلك لتعدد مزاياها في مساعدة الوكالات الإخبارية في نقل أحداثها حول العالم ومشاركة الناس لأفكارهم مع أصدقائهم بطريقة سريعة وسهلة.
لكن الاستخدامات لم تقتصر على هذه المزايا، فوفقاً لصحيفة وول ستريت جورنال، إن 57 حادثاً عنيفاً تم بثه مباشرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي وتحديداً فيسبوك الذي بُثت عبره مختلف حوادث العنف.
فيسبوك يتحمل مسؤولية الحفاظ على أمن المستخدمين وإزالة المحتويات الجنسية والمحرضة على العنف
في نفس السياق، كشفت صحيفة ديلي ميل أن مئات من المجرمين كانوا يستخدمون الموقع لتهديد الضحايا من وراء شاشات فيسبوك وقد عثرت سلطات السجن على 350 سجينا في العامين الماضيين على فيسبوك، مستخدمين هواتف محمولة محظورة أو مهربة في السجون واستمرت إدارتهم للأعمال الجنائية من وراء القبضان باستخدام الموقع.
متحدث باسم فيسبوك أشار إلى أنه لا “يسمح بهذا النوع من المحتوى، وأنه يتحمل مسؤولية الحفاظ على أمن المستخدمين وإزالة المحتويات الجنسية والمحرضة على العنف”، لكن منذ أن أطلق فيسبوك هذه الخاصية زاد ارتكاب الجرائم بطريقة مباشرة وعلنية. لم يستطع فيسبوك أن يتحكم أو يوقف البث المباشر لهذه المقاطع المثيرة للدهشة، إذ أن كل حادثة تترك المشاهد في حالة من الصدمة والارتباك.
اعتداء جنسي جماعي
في بداية شهر نيسان من هذا العام، اعتقلت الشرطة الأمريكية صبياً في مدينة شيكاغو، لتورطه في جريمة اعتداء جنسي على فتاة، وبث وقائع الحادثة بشكل مباشر وحي من خلال فيسبوك لايف. ذكرت التقارير أن نحو 40 شخصاً شاهدوا البث الحي للجريمة لكن لم يبلغ أحد الشرطة عن الواقعة. المتحدث باسم الشرطة قال إن السلطات علمت بما حصل، بعد أن توجهت والدة الضحية إلى مركز الشرطة.
جريمة اغتصاب جماعي أخرى حدثت في السويد على أيدي 3 متهمين سويديين وآخرين من أصول أفغانية، وقد تم بث تنفيذ الجريمة على الموقع مباشرة، وقد قدم فيسبوك هذا الفيديو للمحكمة السويدية للنظر في هذه القضية.
اعتداء على ذوي الاحتياجات الخاصة
وفي الأول من يناير، قبضت الشرطة في مدينة شيكاغو على أربعة أشخاص بعد أن قاموا بالاعتداء على شخص معاق، وذلك بنشر الحادثة مباشرةً على موقع فيسبوك. يقول مسؤول في شرطة شيكاغو، إيدي جونسون، “الفيديو يجعلك تتعجب من معاملة هؤلاء الأشخاص لهذا الإنسان بهذه الطريقة”، واصفًا الحادثة أنها مثيرة للغثيان.
يظهر الفيديو -30 دقيقة- من الاعتداء على شاب يبلغ من العمر 18 عاماً، يظهر المعتدين وهم يمزقون ملابسه ويدفعون رأسه إلى الخلف بالحذاء ويقومون بسلخ فروة رأسه بالسكين وهم يضحكون ويلقون رماد السيجار عليه.
جريمة قتل
وفي مشهد آخر نقل مباشرة عبر خدمة فيسبوك لايف، قام أحد الأشخاص بتنفيذ عملية قتل مزدوجة، وكان ضحاياها طفلاً في الثانية من عمره ورجلاً في السادسة والعشرين من العمر. أثارت هذه الحادثة الصدمة في أمريكا والتي كان سبب ارتكابها هو حرب بين العصابات، استناداً إلى ما أوضحته الشرطة المحلية لولاية شيكاغو المعروفة بعاصمة الجرائم في الولايات المتحدة.
في شهر فبراير الماضي، قُتل لويس مانويل ميدينا، صحافي إذاعي، في جمهورية الدومينيكان، بالرصاص بينما كان يقرا الأخبار مباشرة عبر البث الحي، إضافة إلى المنتج ليو مارتينيز والسكرتيرة دايابا غارسيا.
كيف أوقف فيسبوك حالات الانتحار عبر البث الحي؟
ذكر المركز الوطني للإحصاءات الصحية، أن معدل الانتحار ارتفع بنسبة 24% في الولايات المتحدة بين 1999 و2014 بعد فترة من الثبات. حيث يعتبر الانتحار ثاني أهم الأسباب المسببة لوفاة الأشخاص بين سن 15 و 29 سنة هناك.
مؤخرًا، ذكرت صحيفة نيويورك بوست، أن فتاة عمرها 14 عاماً، قامت ببث عملية انتحارها عبر خاصية فيسبوك لايف أيضًا. وفي هذا الخصوص قال متحدث باسم فيسبوك “نحن لن نسمح بهذا النوع من المحتوى والحوادث البشعة”. مضيفًا: “نتحمل مسؤوليتنا بالحفاظ على سلامة الناس على فيسبوك وسوف نقوم بحذف أي مقاطع أو منشورات محرضة على العنف”.
الشركة قالت مؤخراً أنها تعمل على تطوير أدوات ستتيح للمستخدمين المشاهدين للمقاطع المصورة مباشرة أن يتواصلوا مع الشخص مباشرة، وإبلاغ فيسبوك عن هذه المادة، أو الاتصال بخط طلب المساعدة، وذلك عن طريق استخدام الذكاء الاصطناعي الذي سيستخدم في معرفة وتحديد المستخدمين ذوي الميول الانتحارية.
لماذا ينشر المجرم جرائمه على مواقع التواصل الاجتماعي؟
إن المنصات الاجتماعية تضمن للمستخدمين العزل الجسدي والانفصال عن العالم الواقعي من حولنا، فعندما نتواصل مع الآخرين دون رؤيتهم وبوجود مسافات، فإن هناك دافع في الدماغ يجعلنا ننسى أن ما نقوم به من أفعال على منصات العالم الافتراضي ليس له عواقب أو نتائج فعلية.
إن المراهقين أسوأ الأشخاص في تقدير المخاطر والعواقب لأفعالهم، كل ما يهمهم هو التفاخر أمام أقرانهم وإظهار قوتهم
المدير التنفيذي لمركز نيويورك لعلم النفس العصبي والعلوم السلوكية د.بيريل، قال لصحيفة ديلي نيوز “إن هؤلاء المجرمين مستعدين للتضحية بحريتهم بشكل غبي، لمجرد الحصول على الانتباه والاهتمام والتسبب في ضجة في الأنحاء”.
أضاف بيريل: “إن هذا واضح من خلال مشاهدة المراهقين المنفذين للجرائم وهم يضحكون بشكل هستيري على أفعالهم وبشكل علني”.
إن ارتكاب هذه الجرائم البشعة مثل الاعتداء الجنسي والقتل لا يمكن تصور فظاعتها بشكل كاف، والمثير للذهول ليس اعتراف الجاني بالجريمة بل التباهي بارتكابه هذا الفعل المقيت وعلناً أمام الملايين على شبكة الانترنت.
تقول مديرة أبحاث علم النفس الإعلامي، باميلا روتلدج، “إن المجرمين المتهمين بالتخريب أو الاغتصاب، لا يدركون أنهم يقومون بشيء مدمر أو خطير ولإضافة بعض الخصوصية لصورتهم يعرضون جرائمهم حتى يشعروا بالقوة والأهمية”.
تضيف روتلدج: “إن المراهقين أسوأ الأشخاص في تقدير المخاطر والعواقب لأفعالهم، كل ما يهمهم هو التفاخر أمام أقرانهم وإظهار قوتهم”.
في إحدى الحوادث، قام رجل بقتل زوجنه ونشر صور لجثتها على صفحته الشخصية في “الفيسبوك”، وكتب: “سأذهب إلى السجن أو سيحكم علي بالإعدام لقتل زوجتي، تابعوني على الأخبار يا أصدقاء”، وبعد أن تم تنبيه فيسبوك بهذه الحادثة قام الموقع بحذف هذه الصور.
الخبر السار هو أن التقنيات الاجتماعية ساعدت بشكل كبير على العثور على الجناة وملاحقتهم قضائياً. هذا ما أكده متحدث باسم “فيسبوك”، بأنهم يقومون بالتعاون مع الشرطة لتقديم المجرمين على الموقع للعدالة.