هي “الأميرة الجاسوسة”، وأول امرأة تُعين في القوات الخاصة للجيش البريطاني، ذلك لخبرتها في فك وتحليل شفرات العدو، ليس حبًا في بريطانيا فحسب، بل لأنها كانت تُحارب الفاشية والديكتاتورية المتمثلة في النازية.
“نور عنايت خان” من إحدى الأميرات اللاتي يتصدرن قائمة موقع “أميرات مرفوضات” (Rejected Princesses)، وهو الموقع الذي يُلقي الضوء على دور كثير من النساء تم تجاهلهن من قِبل التاريخ، ولا يتم تصويرهن في أفلام ديزني المشهورة عن الأميرات على الرغم من دورهن المشرق في التاريخ.
كاتبة قصص الأطفال، وكذلك عازفة للآلات الموسيقية كما علّمها والدها، “عنايت خان”، المُنحدر من أصول ملكية من الهند، والذي انتهى به الحال في بريطانيا عازفًا للموسيقى، ومُعلمًا للمذهب الصوفي في الإسلام، وهو المذهب الذي ترعرعت فيه الأميرة “نور عنايت خان”، وقامت باتباع مبادئه الأساسية في الحياة، لتتعلم منه التسامح مع الأديان والمذاهب الأخرى، وكره العنف والفاشية.
نور مؤلفة القصص وعازفة البيانو
هي كاتبة قصص الأطفال، وكذلك عازفة للآلات الموسيقية كما علّمها والدها، “عنايت خان”
وُلدت نور في موسكو عام 1914 لأب ينحدر من سلالة الملك الثامن عشر لمملكة “ميسور” جنوب الهند، وُلدت الأميرة في عائلة من أب يحمل سلالة ملكية من الهند وأم أمريكية.
انتقلت العائلة بعد اندلاع الثورة الشعبية في روسيا في مطلع الحرب العالمية الأولى للحياة في بريطانيا، ومن ثم انتقلت للحياة في فرنسا عام 1920، وبعد وفاة والدها بعدها بسبعة أعوام، قررت نور الالتحاق بالجيش، بعد دراستها علم نفس الأطفال في جامعة السوربون، ودراستها للموسيقى في معهد باريس الموسيقي “Conservatoire de Paris”، وتخصصت في عزف القيثارة والبيانو.
كان لنور عمود صحفي في صحيفة لوفيغارو، ونشرت عام 1939 كتاب “عشرون حكايا من جاتاكا”، في تلك الحكايا رسمت نور الملامح الأساسية لعقيدتها، والتي تتمحور حول الاستعداد للنضال في سبيل الوحدة السلمية لكل البشر، وحتى لو كلفها ذلك حياتها، وبنًاء عليه، بحثت في تراث كل الأنبياء والثقافات الدينية، وذلك بهدف الكشف عن النواة المشتركة بينها، والتغلب على الصعوبات التي تعترض طريق التواصل بين هذه المعتقدات.
كان لنور عمود صحفي في صحيفة لوفيغارو، ونشرت عام 1939 كتاب “عشرون حكايا من جاتاكا” في تلك الحكايا
وخلال هذه الفترة، تابعت نور كتابة القصة تلو الأخرى، فراحت تنقب في تاريخ الأدب الأوروبي، وتحديدًا في القصائد الملحمية في العصور الوسطى، كما تناولت أيضًا القصص غير الأوروبية مثل شهرزاد، الحكيم السلطان جلال الدين محمد أكبر (1556-1605)، الموسيقية والشاعرة الصوفية الهندية ميرا باي (1498-1546)، ثم تابعت مسيرتها في الكتابة عن الأساطير الروسية والبولونية وعن الحكايات الأسطورية اليونانية والشمال أوروبية، كما أفردت ثلاث قصص للمسيحية وعلى وجه الخصوص لاحتفالات رأس السنة.
من دراسة الموسيقى إلى فك الشفرات
مع بداية الحرب العالمية الثانية عام 1939، شاركت نور كممرضة في الصليب الأحمر الفرنسي، وبعد عام واحد في مايو/ أيار عام 1940، احتل الألمان باريس، فهربت هى وعائلتها على آخر قارب في مدينة بوردو الفرنسية متجهًا إلى إنجلترا، وهناك انضمت إلى صفوف الجيش البريطاني، وانضمت بعدها إلى “وحدة المهام الخاصة” المعروف بـ(SEO)، وهي وحدة استخباراتية بريطانية، وتخصصت بالاتصال اللاسلكي.
في تموز/ يوليو من عام 1943 أقلعت طائرة بريطانية بنور إلى خلف خطوط العدو النازي في فرنسا، ومن هناك ساعدت المقاومة الفرنسية لتصبح في النهاية آخر وسيلة اتصال لاسلكية بين الحلفاء والمقاومة الفرنسية.
كانت نور الفتاة الخجولة التي تخشى الأسلحة، إلا أنها وبعد انضمامها للقوات الخاصة، يذكرها التاريخ بأنها واحدة من أكثر النساء شجاعة في الحرب العالمية الثانية، حيث كانت جاسوسة في مدينة يملؤها النازيون، فكانت احتمالية بقائها على قيد الحياة هناك متوقعة بما يقارب ستة أسابيع فقط.
أقلعت طائرة بريطانية بنور إلى خلف خطوط العدو النازي في فرنسا، ومن هناك ساعدت المقاومة الفرنسية لتصبح في النهاية آخر وسيلة اتصال لاسلكية بين الحلفاء والمقاومة الفرنسية
الخيانة التى أودت بحياتها
الفيلم الوثائقي “الأميرة الجاسوسة”
تمت الوشاية بها من إحدى العميلات الأخريات، وقبض عليها النازيون في عام 1944، وبعد محاولتين فاشلتين للهرب، تم نقلها إلى سجن في مدينة بفورتسهايم، جنوب غرب ألمانيا، تعرضت للتعذيب والحرمان من الطعام، قبل نقلها أخيرًا إلى معسكر الاعتقال النازي في داخاو.
تمت الوشاية بها من إحدى العميلات الأخريات، وقبض عليها النازيون في عام 1944
بعد تعذيبها المتواصل لمدة 10 أشهر، لم تدل نور بأي معلومات، والتزمت الصمت التام طول فترة تعذيبها التي لم تنقطع، وفي الـ13 من سبتمبر/ أيلول من عام 1944 أخذ ضباط من “الوحدات الوقائية” النازية (إس إس) نور وثلاثًا من زميلاتها في “وحدة المهام الخاصة” إلى جدار بالقرب من أفران الغاز في المعسكر، أُمرت الفتيات بالجثو على ركبهن وأن تشبك كل منهن اليدين معًا، تم قتلهن بعيار ناري في مؤخرة الرأس.
مشهد إعدام نور من فيلم “عدوة الرايخ” الذي يُجسد حياتها دراميًا
آخر كلمات “نور” قبل إعدامها كانت: “الحرية”
بحسب السيرة الذاتية لنور عنايت خان، والتي كتبتها الصحفية “شريبانو باسو” التي بحثت في حياة نور لعدة سنوات، قالت بأن آخر كلماتها قبل إعدامها كانت: “الحرية”، كما يقول شقيق نور في مذكرات “باسو” بعنوان “الأميرة الجاسوسة”:
“أحيانًا أسال نفسي إذا كان من يعيشون برفاهية في مجتمعاتنا المعاصرة اليوم أو على الأقل من ينعمون بالحرية السياسية التي تقدر بثمن غال، يدركون أنهم مدينون لأولئك الذين ماتوا وعُذبوا من أجلهم”.
بعد وفاتها، كرمتها بريطانيا بمنحها وسام “صليب جورج” (أرفع وسام يحصل عليه المدنيون في المملكة المتحدة)، وكرمتها فرنسا بمنحها وسام “صليب الحرب”، وقد تم إقامة نصب تذكاري لها في ساحة غوردون في لندن، حيث كانت يطيب لها الجلوس هناك للقراءة والكتابة.
في إحدى كتابات نور نجدها تجيب السؤال الآتي: لماذا يسمح الرب بالكثير من الشرور والرعب في هذا العالم؟ لتجيب” “كل البشر لديهم الحرية لاختيار فعل الخير، اختيار فعل الخير هو دعوة الرب الواحد لكل البشر”.