يزور وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في زيارة هي الأولى له إلى المنطقة، والتي من المفترض أن يبدأها اليوم بدءًا من السعودية وبعدها من المقرر أن يزور قطر ومصر وإسرائيل، ويحمل ماتيس في جعبته العديد من القضايا الحساسة التي تشغل الدول المجدول زيارتها وشرح الاستراتيجية الأمريكية لهم والتي ترتبط بقتال تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا والعراق، والتحول الجديد للسياسة الأمريكية لجهة ضرب النظام السوري.
الاستراتيجية الأمريكية
زيارة وزير الدفاع الأمريكي تنبأ أن الاستراتيجية العسكرية للولايات المتحدة لتدخلها في المنطقة تبلورت بشكل جيد، وأن الوزير يحمل تفاصيل هذه الاستراتيجية لإزالة أي شكوك وتصادم في الرؤى بين أمريكا وحلفائها في المنطقة، التي تشترك معهم في التحالف، يأتي هذا التطور بعد الضربة الأمريكية على قاعدة الشعيرات العسكرية في سوريا، والتي أسست لمرحلة فاصلة من السياسة الخارجية الأمريكية في المنطقة، وذكر خبراء أن على أمريكا بعد تلك الضربة أن تضع استراتيجية واضحة تجاه سوريا للاستفادة من العمل العسكري وإنهاء الحرب وإيجاد حلول سياسية.
إذ لم ترتق الضربة الأمريكية آنذاك إلى أبعد من “تسجيل موقف” حازم وسريع بعد الضربة الكيميائية على خان شيخون، ورآها البعض بأنها أشبه بمعالجة “تأنيب الضمير” أكثر من القيام بتغيير السياسة الأمريكية في سوريا نحو الأفضل بدليل استمرار المجازر والقتل من قبل النظام السوري وروسيا على المدنيين.
زيارة وزير الدفاع الأمريكي ماتيس تأتي لتأكيد أن أمريكا امتلكت استراتيجيتها الخاصة في المنطقة، لصالح كيفية تعاملها مع الملف الأمني والسياسي الشائك في كل من سوريا والعراق
أضف أنه كان من المتوقع أن يقوم ترامب بتسليم الملف السوري للروس وهذه القناعة دامت لفترة من الزمن، وأنه سيعمل مع الروس للحرب ضد داعش وبالتالي القبول ضمنيًا ببقاء الأسد، ومن ثم جاءت الضربة الكيماوية على خان شيخون وقلبت الطاولة على الأسد وعلى حليفته روسيا، حيث توالت التصريحات الأمريكية من قبل وزير الخارجية الأمريكي تيلرسون ونيكي هيلي المندوبة بالأمم المتحدة ووزير الدفاع، بأن حكم عائلة الأسد في سوريا أوشك على الانتهاء، وأظهرت تخلي الولايات المتحدة لأول مرة عن الالتزام بحماية الأسد.
في أثناء زيارة الرئيس المصري لوزارة الدفاع الأمريكية ولقائه بوزير الدفاع ماتيس
أدركت الإدارة الأمريكية سريعًا أن الانقلاب المفاجئ في السياسة الأمريكية تجاه سوريا، من خلال استخدام القوة دون امتلاك استراتيجية سياسية لا يخدم الأهداف الأمريكية في سوريا إذا لم يترافق ذلك مع تغييرات دراماتيكية على المدى البعيد، كما يرى الباحث في مركز دراسات الشرق الأوسط دانيال بايمان.
لذلك فزيارة وزير الدفاع الأمريكي ماتيس تأتي لتأكيد أن الولايات المتحدة امتلكت استراتيجيتها الخاصة في المنطقة، لصالح كيفية تعاملها مع الملف الأمني والسياسي الشائك في كل من سوريا والعراق، وهي أولى اللكمات لروسيا التي كانت تتوقع أن ترامب سيعتمد على استراتيجيتها في إدارة ملف المنطقة، والتي سترقب تحركاتها في المستقبل القريب وبالأخص حيال سوريا.
ويظهر ذلك جليًا بعد التحذير المبطن لروسيا من أمريكا ودول السبع الكبار والذي حمله وزير الخارجية الأمريكي تيلرسون إلى روسيا منذ أيام، حيث أكدت الدول أن على روسيا أن تقرر إما التخلي عن الأسد أو البقاء بصفه وبالتالي مزيد من العزلة الدولية ضدها، ومن ثم تحركاتها في الشمال بالتعاون مع قوات سوريا الديمقراطية للسيطرة على الرقة، وفي الجنوب السوري بالتعاون مع الأردن لتمكين الجيش الحر في درعا من دحر النظام السوري من المنطقة الجنوبية.
رسائل متبادلة
تتمحور زيارة ماتيس إلى المنطقة بالتأكيد على أن ترامب ينتهج نهجًا عسكريًا أكثر من سابقه باراك أوباما وأنه أعطى حرية أكبر للجيش الأمريكي لاستخدام القوة في المناطق التي تعترض المصالح الأمريكية في العالم، وهو ما بدا واضحًا بعد إلقاء “أم القنابل” في أفغانستان وإشادة ترامب بقدرات الجيش الأمريكي، وقبلها ضرب القاعدة العسكرية في سوريا، وتحريك البوارج الحربية في شبه الجزيرة الكورية كتهديد لكوريا الشمالية.
زيارة ماتيس إلى المنطقة للتأكيد على أن ترامب ينتهج نهجًا عسكريًا أكثر من سابقه باراك أوباما
ويؤكد هذا التوجه “الزيادة التاريخية” في نفقات وزارة الدفاع بنسبة 10% بقيمة 54 مليار دولار مقابل خفض في القيمة ذاتها لمجمل النفقات غير العسكرية، علمًا أن هذه الميزانية ليست مفصلة إنما عبارة عن خطوط عريضة يريدها البيت الأبيض مع التطور العام للنفقات في كل وزارة.
سيؤكد ماتيس لوزراء الدفاع في الدول التي سيحل فيها ضيفًا للمرة الأولى، أن أمريكا داعم مستمر لحلفائها في المنطقة، بحيث يسعى لطمأنة كل دولة ضد الأخطار المحدقة بهم، وأن عهد أوباما الذي ساد فيه الكلام فقط ولى مع تسلم ترامب للسلطة، حيث يسعى ترامب لرأب الصدع الذي خلفه أوباما من بعده في السماح لإيران بالتوغل في كل من سوريا والعراق ومحاولة امتلاك أسلحة متطورة، والامتناع عن قرار التدخل في سوريا والعراق وترك الساحة لروسيا لتقرر مستقبل الصراع والمنطقة كما يحلو لها، وامتداد داعش.
يسعى ترامب لرأب الصدع الذي خلفه أوباما في السماح لإيران بالتوغل في كل من سوريا والعراق، وترك الساحة لروسيا لتقرر مستقبل الصراع والمنطقة كما يحلو لها، وامتداد داعش في المنطقة
فأمريكا ترامب، ماضية في المنطقة في ثلاثة مسارات: تستهدف قتال داعش، وإزالة الأسد وقطع نفوذ طهران، وفق رؤية متكاملة ترضي جميع الأطراف وبالأخص إسرائيل التي سيزورها ماتيس ليوم واحد ويلتقي بكل من رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ووزير الأمن أفيغدور ليبرمان، ليؤكد معها على قطع يد طهران في المنطقة ومحاولة إزالة نفوذها في سوريا والعراق.
أثناء زيارة محمد بن سلمان لواشنطن
والتأكيد للسعوديين على نية أمريكا التوسع في دعمها للتحالف العربي الذي تقوده السعودية لقتال الحوثيين المدعومين من طهران، ويُذكر أن البنك الدولي يقوم بإعداد خطة لإعادة الإعمار سيتم الشروع بها بمجرد انتهاء الحرب هناك، في إشارة لمساعي واشنطن لإيجاد حلول في اليمن، وتتضمن خطة البنك الدولي دراسات معمقة تتعلق بالطاقة والمياه والتمويل والتجارة والفقر ليتم الاستفادة منها في مرحلة إعادة الإعمار.
ومن المتوقع أن تطلب السعودية من ماتيس الحصول على دعم أمريكي أكبر في معركتها ضد الحوثيين في اليمن، بحيث يشمل دعم استخباراتي وعسكري يتضمن بيع السعودية أسلحة موجهة بدقة لاستخدامها في حربها باليمن، ويُذكر أن ولي ولي العهد محمد بن سلمان زار واشنطن من فترة قريبة والتقى فيها ترامب وكان اللقاء وديًا.
من المتوقع أن تطلب السعودية من ماتيس الحصول على دعم أمريكي أكبر في معركتها ضد الحوثيين في اليمن
أما في مصر والتي من المقرر أن يزورها الوزير غدًا الأربعاء لإجراء محادثات أمنية مع المسؤوليين المصريين، ومن المتوقع أن تطلب الحكومة المصرية المزيد من الدعم الأمريكي لقتال المتشددين في شبه جزيرة سيناء.
تكيل واشنطن أهمية كبيرة للقاهرة وتراها شريكًا أمنيًا حاسمًا في المنطقة وتعد المطبخ الأمريكي للتقريب بين “إسرائيل” والفلسطينيين، ومحاولة التوصل إلى اتفاق سلام بين الطرفين، يذكر أن ترامب دعا عبد الفتاح السيسي لزيارة واشنطن الشهر الماضي، وقدم له دعمه بعدما كان أوباما قد همش القيادة المصرية بسبب الموقف من المعارضة السياسية والانتهاكات ضدهم، ولم يقرر البيت الأبيض بعد علاقته بالإخوان المسلمين بشكل واضح وفيما إذا سيدرجها بين المنظمات الإرهابية.
وبعيدًا عن الحرب والتوجهات العسكرية، فمن المنتظر أن يجيب ماتيس على تساؤلات مهمة في استراتيجية ترامب في فترة ما بعد انتهاء الصراع، فيما إذا ستساهم أمريكا في مساعدة الحكومات على إعادة الإعمار وتنمية اقتصاداتها من خلال أذرعها، صندوق النقد والبنك الدوليين، أم لا! وهو أمر مهم جدًا لدى تلك الدول حيث لا تريد أن تكون المنطقة المحررة بيئة فقيرة لتصبح بعد فترة خصبة لنمو التنظيمات “المتطرفة”.