“الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عرض على الحكومة السعودية وعلى التحالف قواتٍ على الأرض” بهذه التصريحات الصادرة عن اللواء أحمد عسيري مستشار وزير الدفاع السعودي والمتحدث باسم قوات التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن، خلال لقاء تليفزيوني له على قناة “العربية” أعاد ملف التدخل العسكري المصري في اليمن على مائدة النقاش مجددًا بعد أشهر طويلة من دخوله غرف إنعاش المفاوضات.
الرد السعودي على العرض المصري جاء بالرفض حينها وهو ما فسره عسيري بقوله: “منهجية العمل في اليمن هي عدم وضع قوات غير يمنية على الأرض اليمنية”، وهو ما فندته التطورات على أرض الواقع، حيث تدخلت قوات عسكرية برية سودانية وسنغالية وغيرها من القوات الداعمة للتحالف العربي في اليمن، أما عن حجم القوات التي عرض الرئيس المصري المشاركة بها ضمن قوات التحالف، فأشار إلى أن “الجيش المصري يشارك في الجهد البحري وفي الجهد الجوي (حاليًا)، ولكن كنا نتكلم آنذاك (في بداية العمليات) عن المشاركة بنحو 30 إلى 40 ألف جندي كقوات برية”.
حالة من الجدل أثارتها تلك التصريحات خاصة أنها تتزامن مع بعض الأحداث التي تجعلها محل شك وريبة، حيث جاءت بعد أيام قليلة من لقاء السيسي والعاهل السعودي في عمّان على هامش القمة العربية، وما تبعها مباشرة من لقاء جمع الرئيس المصري ونظيره الأمريكي في البيت الأبيض، ثم أنها جاءت قبل أيام معدودة من زيارة وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس لمنطقة الشرق الأوسط والمقرر لها اليوم الثلاثاء والتي تأتي بعد ساعات قليلة من إعلان واشنطن تشديد عقوباتها على إيران.
موقف القاهرة من اليمن
مر الموقف المصري من الأزمة اليمنية بعدة مراحل عكست طبيعة الأهداف التي تسعى القاهرة لتحقيقها من وراء توجهاتها الخارجية حيال الجارة الشقيقة، فضلًا عن تأثرها بشكل أو بآخر بالعلاقة مع دول الخليج خاصة المملكة العربية السعودية.
في البداية أعلنت القاهرة حرصها على تفعيل سبل الحل السياسي كمخرج للأزمة، بحيث تجلس الأطراف المتنازعة في اليمن على مائدة مفاوضات واحدة للخروج بحل توافقي يرضي جميع الأطراف لا سيما بعدما ضمنت الرياض للرئيس اليمني المخلوع علي عبد الله صالح الخروج الآمن والإقامة بالمملكة.
لكن سرعان ما تحول الأمر حين عاد صالح لليمن من جديد ليقود بالتعاون مع جماعة الحوثي جبهة ضد الثوار والحكومة الشرعية بقيادة عبد ربه منصور هادي، وهو ما أدى إلى تغير الموقف العربي من الأزمة بما فيه الموقف المصري، حتى جاء الإعلان الدستوري الذي أصدره الحوثيون في السادس من فبراير 2015، والذي بموجبه حلّت مجلس النواب وشكلت مجلسًا وطنيًا بديلًا عنه قوامه 551 عضوًا، مما ترتب عليه استقالة عبد ربه منصور هادي عقب الاستيلاء على قصره الرئاسي.
موقف مصر من التدخل العسكري في اليمن تأرجح طرديًا مع العلاقة مع الرياض
هذا التحول بجانب القلق من التهديدات التي من الممكن أن تطال “باب المندب”، بما قد يؤثر على الملاحة في قناة السويس التي تمثل مصدر الدخل الرئيسي لمصر، دفعت القاهرة إلى تأييد قرار دول مجلس التعاون الخليجي لعملية “عاصفة الحزم” التي نفذها “ائتلاف الدول الداعمة للحكومة الشرعية” في اليمن في 25 من مارس 2015، وإعلان الاستعداد للمشاركة بقوات بحرية وبرية في تلك العملية.
الدعم المصري للتدخل العسكري في اليمن بجانب أنه جاء من أجل تأمين “باب المندب” إلا أنه في الوقت ذاته استجابة ومؤازرة للمملكة العربية السعودية التي طالما ساندت وأيدت نظام عبد الفتاح السيسي سواء بالمساعدات المالية أو اللوجستية، وهو ما يفسر تأرجح موقف القاهرة من الأزمة اليمنية طرديًا مع العلاقة مع الرياض.
ومع تباين وجهات النظر بين مصر والسعودية بشأن الموقف في سوريا، فضلًا عما أثير بشأن استقبال القاهرة لبعض ممثلي الحوثيين ولقاءهم بمسؤولين مصريين، وتوقف شحنات شركة “أرامكو” السعودية النفطية للقاهرة، توترت العلاقات بين البلدين، مما نجم عنه تراجع القاهرة خطوة للخلف في الملف اليمني، واكتفى دورها بتأمين مضيق “باب المندب”، وهو ما دفع دول الخليج للبحث عن شركاء عسكريين في منطقة القرن الإفريقي ووسط إفريقيا لدعم عملياتها في اليمن، وهو ما كان بالفعل.
عسيري يعلن عن بدء عاصفة الحزم بقيادة السعودية ضد اليمن 2015
العسيري يتراجع
بعد أقل من 24 ساعة على تصريحاته بشأن عرض السيسي لإرسال 40 ألف جندي مصري للمشاركة في الحرب ضد اليمن، تراجع المتحدث باسم قوات التحالف لدعم الشرعية في اليمن، اللواء أحمد عسيري، عن تصريحاته، قائلًا إن ما سبق أن تحدث عنه كان في ضوء ما طرح سابقًا من قبل جمهورية مصر الشقيقة، خلال بحث مقترح تشكيل القوة العربية المشتركة، الذي تم مناقشته في جامعة الدول العربية، والذي أتى من منطلق حرص الأشقاء في مصر على أن أمن الأمة العربية كل لا يتجزأ، وليس له علاقة بموضوع المشاركة في اليمن.
عسيري أشار أيضًا إلى مشاركة مصر ضمن قوات التحالف عن طريق عناصر من القوات البحرية والجوية دون أن يسميها أو يكشف عن أعدادها، مضيفًا: “هناك عناصر من القوات المسلحة المصرية تقوم بمهام تأمينية لمنطقة جنوب البحر الأحمر وباب المندب، والتي تعد من المناطق ذات الأهمية الاستراتيجية للأمن القومي المصري والعربي والإقليمي على حد سواء”.
تصريحات المتحدث باسم قوات التحالف لدعم الشرعية في اليمن والتي تراجع عنها بعد أقل من يوم، وسط صمت مثير للجدل من الجانب المصري، يدفع للتساؤل عن إمكانية التدخل المصري في اليمن عسكريًا خلال الفترة المقبلة، وهو ما يتطلب الإجابة عنه إلقاء الضوء على بعض الدلالات والمؤشرات المرتبطة في سياقها الزمني والموضوعي والتي ربما تكشف النقاب قليلاً عن إجابة هذا التساؤل.
عسيري يتراجع عن تصريحاته قائلاً: “ما أتحدث عنه كان في ضوء ما طرح سابقًا من قبل جمهورية مصر الشقيقة، خلال بحث مقترح تشكيل القوة العربية المشتركة”
التنسيق المصري السعودي
تراجعت حدة التوتر بين مصر والسعودية في الآونة الأخيرة، إثر اللقاء الذي عقده السيسي وسلمان على هامش القمة العربية التي عقدت الشهر الماضي في العاصمة الأردنية عمّان، حيث أكدا على عمق العلاقات بين البلدين وتفعيل سبل التعاون المشترك، كما تعهد العاهل السعودي بزيارة القاهرة قريبًا.
هذا اللقاء كان بالتزامن مع إصدار محكمة مصرية حكمًا بأحقية الرياض في جزيرتي تيران وصنافير في إطار صحة توقيع اتفاقية إعادة ترسيم الحدود التي وقعت بين الجانبين في أبريل العام الماضي والذي تنازلت بمقتضاها مصر عن الجزيرتين لصالح المملكة.
وفي المقابل استأنفت شركة أرامكو السعودية شحناتها من النفط للقاهرة مرة أخرى بعد أن أوقفتها لمدة ثلاثة أشهر، أرجعه خبراء إلى كونه رد فعل على موقف مصر تجاه الملف السوري، حيث صوتت لصالح القرار الروسي في مجلس الأمن أكتوبر الماضي وهو ما يتعارض مع التوجه السعودي.
الضغوط الأمريكية
تسعى واشنطن إلى تضييق الخناق على إيران بشتى السبل، وقد تجسد هذا الموقف ابتداءً خلال تصريحات الرئيس دونالد ترامب في أثناء حملته الانتخابية، حيث هدد بالإطاحة بالاتفاق النووي الذي أبرم مع إيران في 2015، فضلاً عن فرض المزيد من العقوبات عليها.
خطة ترامب لتحجيم طهران في الشرق الأوسط تشتمل على محاور ثلاث، الأولى: مناهضتها في اليمن من خلال قتال الحوثيين المدعومين إيرانيًا كما أعلن من قبل، الثانية: إجهاض تحركاتها في سوريا من خلال التدخل المباشر وإقصائها عن مائدة المفاوضات المتعلقة بالمستقبل السوري، الثالث: تشديد الخناق الاقتصادي عليها من خلال عقوبات وعرقلة لتحركاتها في المنطقة.
ويمكن تلمس ملامح هذه الخطة من خلال عدد من المؤشرات التي سعت واشنطن عن طريقها إلى تحجيم الدور الإيراني في المنطقة.
أولاً.. الناتو العربي
في فبراير الماضي نشرت صحيفة “وول ستريت جورنال” تقريرًا كشفت فيه عن مباحثات تدور بين إدارة الرئيس دونالد ترامب وإدارات عدد من الدول العربية لتكوين تحالف عسكري عربي يهدف إلى محاربة الإرهاب في المنطقة والتصدي لإيران والتعاون مع الكيان الإسرائيلي في مجال المعلومات الاستخباراتية.
التقرير لفت إلى أن وجود عدو واحد لكل من العرب وإسرائيل – في إشارة لإيران – يدفعهم إلى توحيد الجهود من أجل التصدي له وتضييق نفوذه في المنطقة، موضحًا أن التحالف من المقرر له أن يشمل السعودية، الإمارات، الأردن ومصر، إضافة إلى إمكانية انضمام دولا أخرى له في المستقبل.
الدور الأمريكي في هذا التحالف سيقتصر على تقديم الدعم العسكري والاستخباراتي للتحالف، كذلك دور تل أبيب أيضًا سيتعلق بتبادل المعلومات، وليس التدريب ولا نشر القوات على الأرض، بل توفير المعلومات الاستخباراتية وتحديد الأهداف، حسبما أشار التقرير.
الصحيفة أوضحت أن لقاءات عقدها دبلوماسيون عرب في واشنطن مع بعض القيادات العسكرية والأمنية الأمريكية على رأسهم مايك فلين، مستشار ترامب للأمن القومي المستقيل، كذلك وزير الدفاع جيم ماتيس، والذي أكدت بعض المصادر أن تفاصيل خطة تشكيل الناتو العربي سوف يتم مناقشتها خلال زيارته للشرق الأوسط المقرر لها اليوم الثلاثاء، كما سيرد ذكره لاحقًا.
صحيفة “وول ستريت جورنال” كشفت عن مباحثات أمريكية لتشكيل تحالف عسكري عربي يهدف إلى محاربة الإرهاب في المنطقة والتصدي لإيران
ثانيًا.. التنسيق مع العواصم العربية
خلال الشهرين الماضيين التقى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بعدد من الرؤساء والمسؤولين العرب تمحور جدول أعمال تلك اللقاءات عن التصدي لإيران وضرورة مواجهتها كونها أحد مصادر وتمويل الإرهاب في منطقة الشرق الأوسط، متعهدًا بالتعاون بين واشنطن والدول العربية في تنفيذ هذه الأجندة.
ففي منتصف مارس الماضي التقى ترامب بولي ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، بالبيت الأبيض، حيث تناول اللقاء سبل التعاون الأمريكي السعودي في مواجهة طهران والتعاون من أجل إحياء الدور الأمريكي مجددًا داخل سوريا، وهو ما لاقى ترحيبًا كبيرًا لدى الديوان الملكي بالرياض.
وفي أول أبريل الحالي التقى بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، حيث تطرق جزء كبير من اللقاء إلى بحث سبل مكافحة الإرهاب في المنطقة، وضرورة أن يكون لمصر دور محوري في هذه المسألة، ملفتًا إلى أن إيران ما زالت تمثل التهديد الأخطر لدول الشرق الأوسط.
وبعد أقل من ثلاثة أيام من لقائه الرئيس المصري، التقى ترامب بالعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، حيث تباحثا سبل مكافحة الإرهاب وحل القضية الفلسطينية، بما يضمن الحفاظ على الأمن القومي الإسرائيلي الذي يعد أحد أبرز محاور ترامب في حربه ضد إيران.
تعهد مصري بدعم خطة ترامب لمكافحة الإرهاب في الشرق الأوسط
ثالثًا.. جولة جيمس ماتيس
يتوجه وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس إلى منطقة الشرق الأوسط في زيارة هي الأولى له منذ توليه إدارة “البنتاجون”، حيث من المقرر أن يزور كل من مصر والسعودية وقطر وإسرائيل، ينقل من خلالها رؤية ترامب الجديدة حيال سوريا واليمن.
زيارة ماتيس التي تبدأ اليوم الثلاثاء وتستمر قرابة ثلاثة أيام تهدف إلى حشد حلفاء أمريكا في المنطقة لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” وتحجيم الدور الإيراني في المنطقة.
وبحسب مسؤولون أمريكيون فإن الولايات المتحدة تبحث تعميق دورها في صراع اليمن من خلال تقديم مساعدة مباشرة على نحو أكبر لحلفائها في الخليج ممن يقاتلون الحوثيين المدعومين إيرانيًا، وهو ما أشار إليه جون ألترمان مدير برنامج الشرق الأوسط في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية البحثي في واشنطن، والذي قال: “إيران تمثل بشكل استراتيجي الشاغل بالنسبة للسعودية، الشاغل بالنسبة للسعودية على المدى القريب هو كيفية توجيه رسالة للإيرانيين في اليمن ويرغبون في الحصول على دعم أمريكي كامل”.
زيارة وزير الدفاع الأمريكي للشرق الأوسط تهدف إلى حشد حلفاء أمريكا في المنطقة لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” وتحجيم الدور الإيراني
كما من المقرر أن يناقش وزير الدفاع الأمريكي خلال لقائه بقيادات الجيش السعودي والمصري مسألة تشكيل تحالف عسكري عربي لمواجهة داعش وإيران حسبما تم إعلان ذلك سابقًا، في الوقت الذي ترجح فيه بعض المصادر سعي القاهرة إلى طلب المزيد من الدعم من واشنطن من أجل التصدي للتنظيمات الإرهابية.
وبالأمس أعلن البيت الأبيض دراسته تشديد العقوبات ضد طهران مجددًا، وبحث فرض المزيد منها، مع التلويح مرة أخرى بإعادة النظر في الاتفاقية النووية المبرمة في 2015، وذلك قبل أيام من الاجتماع المزمع في فيينا بين إيران ومجموعة الستة الموقعة على الاتفاقية، لبحث مستقبلها في ظل التهديد الأمريكي.
بصرف النظر عن تصريحات اللواء أحمد عسيري مستشار وزير الدفاع السعودي والمتحدث باسم قوات التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن، بشأن العرض المصري الخاص بإرسال 40 ألف جندي للقتال في اليمن، وتراجعه عنها خشية أن يسبب ذلك حرجًا للقاهرة، إلا أن السياق العام الذي تضمن عددًا من المؤشرات المتعلقة بالتنسيق المصري السعودي والضغوط الممارسة من إدارة ترامب والمتوجة بزيارة وزير الدفاع الأمريكي للمنطقة تشير إلى أن شيئًا ما يحاك داخل الغرف المغلقة بشأن دور عسكري مصري مناهض لإيران في المنطقة.