في الوقت الذي تفاقمت فيه المشاكل التي يعاني منها المواطن الموريتاني من نقص في المياه وارتفاع الانتهاكات الممارسة ضدّه، تتركز جهود السلطة الحاكمة في البلاد والمعارضة على معركة الاستفتاء على التعديلات الدستورية التي لا ينتظر منها إصلاح الحال البلاد والعباد.
“المولاة” تكثّف حملتها
بعد رفض مجلس الشيوخ الموريتاني التعديل الدستوري الذي أسفر عنه الحوار الوطني الذي نُظِم العام الماضي وقاطعته المعارضة التقليدية، وجّهت الموالاة والمعارضة كل جهودها نحو الاستفتاء المزمع إنجازه قريبًا، الموالاة لتمرير التعديلات، والمعارضة لوقف إنجاز هذا الاستفتاء لـ”عدم قانونيته”.
بدأت وزارة الداخلية الموريتانية واللجنة المستقلة للانتخابات، الاستعداد لتنظيم عملية الاستفتاء
وتواصلت على مدى الأيام الأخيرة، في العاصمة نواكشوط وعواصم الولايات الموريتانية الداخلية، حملات واجتماعات داعمة للاستفتاء ينظمها وزراء الرئيس وأنصاره، فيما تستعدّ بعثات سياسية تابعة للحزب الحاكم لانتشار قريب في عموم مناطق الداخل لتعبئة السكان وتعريفهم بأهمية التصويت بـ”نعم” في الاستفتاء الشعبي الذي أكد الرئيس قبل يومين توجهه نحو تنظيمه دون تراجع الصيف المقبل.
وبدأت وزارة الداخلية الموريتانية واللجنة المستقلة للانتخابات الاستعداد لتنظيم عملية الاستفتاء الذي أكد خبراء في اللجنة أن تنظيمه يتطلب ثلاثة أشهر على الأقل، لكونه يستلزم إصدار مجموعة من المراسيم التطبيقية والإجرائية ومراجعة للقائمة الانتخابية، واستعدادًا من المجلس الدستوري لمواكبة عمليات الاقتراع بوصفه الجهة المخولة للإعلانها الرسمي.
مسيرة احتجاجية رفضًا للتعديلات الدستورية
وتشمل أبرز التعديلات الدستورية التي قدمتها الحكومة وأسقطها مجلس الشيوخ إلغاء محكمة العدل السامية المعنية بمحاكمة الرئيس وأعضاء الحكومة، وتوسيع النسبة في الانتخابات العامة، وتغيير العلم الوطني، وإلغاء غرفة مجلس الشيوخ واستبدالها بمجالس محلية للتنمية (مجالس جهوية منتخبة)، بينما لا تتضمن التمديد لولاية ثالثة لرئيس البلاد.
استفتاء “غير دستوري”
في الوقت الذي تقول فيه الأغلبية الحاكمة إن مشروع التعديلات الدستورية يهدف إلى تقريب الإدارة من المواطن ودعم التنمية المحلية وتكريس الحياة الديمقراطية وتكريس قيم المواطنة، تشدّد المعارضة على رفضها لهذه التعديلات، لكونها تتجاهل مطالب الشعب الذي يعاني من الغلاء وسوء الأوضاع الاقتصادية، حسب قولهم.
وتشن أحزاب المعارضة منذ أيام حملة للتأكيد على عدم قانونية التمشي الذي اعتمده محمد ولد عبد العزيز، ويجمع عدد من كبار الفقهاء الدستوريين الموريتانيين المحسوبين على المعارضة ببطلان التفعيل الذي قام به ولد عبد العزيز، للمادة 38 من الدستور التي تقول: “لرئيس الجمهورية أن يستشير الشعب عن طريق الاستفتاء في كل قضية ذات أهمية وطنية”.
سبق للمنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة (تجمع أحزاب معارضة) أن أكّد رفضه “لإجراء أي استفتاء خلال الفترة القادمة”
ويبرّر الفقهاء “عدم قانونية” هذا الإجراء بأن المادة 38 من الدستور التي لجأ إليها، تندرج ضمن باب السلطة التنفيذية وليس ضمن الباب الحادي عشر الخاص بمراجعة الدستور، مؤكّدين أن اللجوء للمادة 38، يشكل خطرًا كبيرًا على موريتانيا، وسبق للمنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة (تجمع أحزاب معارضة) أن أكّد رفضه “لإجراء أي استفتاء خلال الفترة القادمة”، محملاً الرئيس محمد ولد عبد العزيز مسؤولية ما آلت إليه الأمور خلال الفترة الأخيرة، بفعل تملصه من الحوار وإجهاضه لأي تقارب محتمل مع المعارضة بشأن العديد من القضايا الملحة”.
تزايد المعاناة
تزامنًا مع هذا الصراع الذي تشهده الساحة السياسية الموريتانية بين المولاة والمعارضة، يمر المواطن بمشاكل كثيرة يتقدمها العطش الناجم عن النقص الحاد في مياه الشرب والتي لم تتمكن الحكومة من إيجاد حلول له وارتفاع الانتهاكات ضده.
وكان مئات الشباب الموريتانيين، قد تظاهروا، الأحد، في العاصمة نواكشوط، لمطالبة حكومة بلادهم بتحسين الظروف المعيشية وتوفير فرص عمل لهم، وشهدت المسيرة مناوشات بين المحتجين وقوات الأمن التي منعتهم من التوجه نحو القصر الرئاسي واعتقلت بعضهم.
تفاقم أزمة العطش في ولايات الشرق
وتقدر نسبة البطالة في موريتانيا بـ33%، وترفض الحكومة الاعتراف بارتفاع نسبة البطالة إلى هذا الحد، وتعتبر أنها لا تتجاوز 10%، إلا أن إحصاءات البنك الدولي ومنظمة العمل الدولية ودراسات الباحثين تؤكد أن ثلث الشباب في موريتانيا يعانون من البطالة، وتسجل موريتانيا أعلى معدل للبطالة في صفوف الرجال حول العالم، وتبلغ نسبة الفقر في موريتانيا 46% من مجموع السكان، 75% من الفقراء من سكان الأرياف، مما يجعل الفقر ظاهرة ريفية بامتياز.
النظام الموريتاني تحول خلال سنتين فقط لـ”نظام مستبد”
في سياق متّصل، تفاقمت مشكلة نقص المياه والعطش التي تهدد حياة السكان في المناطق الشرقية لموريتانيا الواقعة على الحدود مع مالي، وتزامنت هذه الأزمة مع ارتفاع درجات الحرارة، مما زاد من مخاوف تفاقمها، خصوصًا في المناطق الصحراوية البعيدة عن المراكز الحضرية، حيث تنعدم شبكات مياه الشرب وتنضب الآبار التقليدية، وأصبح عديد من السكان عاجزين عن توفير احتياجاتهم اليومية من مياه الشرب، ويخشى سكان المنطقة من تواصل هذه الأزمة المتكررة منذ سنوات في ظل عدم تدخل الدولة لحلها، محذرين من حدوث الكارثة في حال تواصلها.
وفي الشأن الحقوقي، أكد المرصد الموريتاني لحقوق الإنسان أن النظام الموريتاني تحول خلال سنتين فقط لـ”نظام مستبد”، محذرًا من أن أوضاع حقوق الإنسان في البلد تتدهور بشكل كبير.
ولفت رئيس المرصد في تقرير له، إلى أن محاكم الاسترقاق المستحدثة أخيرًا ضعيفة من الناحية المادية والبشرية، متحدثًا عن اعتراف شكلي من الحكومة بمخلفات ظاهرة العبودية، وجدد مطالبة المركز بإنشاء جهاز أمن خاص بمحاربة العبودية، ووصف المرصد الموريتاني أوضاع السجون في البلاد بأنها “مهددة للحياة” بفعل ما أسماها صعوبة الظروف المعيشية وغياب الرعاية الصحية.