ترجمة وتحرير نون بوست
لم تعكّر الفضائح القضائية صفو بداية الحملة الانتخابية في فرنسا فقط، بل طالت حتى الناخبين الفرنسيين الذين فقدوا اهتمامهم بما يحدث على الساحة السياسية. وقبل أسبوع واحد من الجولة الأولى للانتخابات، لا زال الكثير من الفرنسيين في حيرة من أمرهم ولا يعرفون بعد إلى من سيهدون أصواتهم. أما البعض الآخر، فلا يعتقدون أنهم سيذهبون إلى مكاتب الاقتراع.
بحسب استطلاعات الرأي، فإنه من المتوقع أن تبلغ نسبة الامتناع عن التصويت رقما قياسيا لتصل إلى حدود 32 بالمائة، في هذه الانتخابات التي تجاوزت فيها نسبة المشاركة 80 بالمائة. وعموما، لم تشهد فرنسا نسبة امتناع مماثلة، إلا في سنة 2002، التي بلغت فيها هذه النسبة حوالي 29 بالمائة.
وتجدر الإشارة إلى أنه خلال انتخابات سنة 2002، مرّ جان ماري لوبان، إلى الجولة الثانية ضد جاك شيراك، الذي فاز بالرئاسة. وبعد خيبة الأمل التي عرفتها فرنسا خلال فترة حكم جاك شيراك، أصبح من الصعب أمام رئيس الدولة آنذاك أن يحافظ على مكانته السابقة على الساحة السياسة. وفي الإجمال، كانت هذه التجربة، خير دليل على استفحال الأزمة في صلب النظام السياسي الفرنسي.
من المتوقع أن تبلغ نسبة الامتناع عن التصويت رقما قياسيا لتصل إلى حدود 32 بالمائة
في هذا السياق، قال جيروم فورك، مدير المعهد الفرنسي للرأي العام، لصحيفة “الموندو”، إن “ما تشهده فرنسا اليوم، هو حالة من الامتناع عن التصويت الموزعة بشكل جيد في البلاد. فمن جهة، أدت فضيحة زوجة الرئيس الفرنسي، بينيلوبي فيون، إلى تقويض معنويات الكثير من الناخبين اليمينيين في فرنسا. من جهة أخرى، لم يتخلّص اليسار الفرنسي بعدُ من الصعوبات التي تلاحقه منذ خمس سنوات والتي انتهت بإصابة مجموعة كبيرة من مسانديه في فرنسا بخيبة أمل”. وأمام هذا الوضع، جعلت الفضائح القضائية لكل من فيون ولوبان، من المشاكل الأساسية التي يجب على الدولة مناقشتها، مواضيع ثانوية في البلاد”.
من جانب آخر، يبدو أن نسبة العزوف عن التصويت في فرنسا شملت جزءا من الشعب الذي لا يهتم كثيرا بالسياسة. ووفقا لفورك، فإن هذه المجموعة هي في حد ذاتها “من الشباب والطبقة العاملة، على وجه الخصوص”. بالإضافة إلى ذلك، فإن العديد من المواطنين الفرنسيين سيمتنعون عن التصويت، طوعيا وذلك من أجل “أن يجعلوا حالة عدم رضائهم وتأييدهم للنظام السياسي، جلية للعموم”.
من بين هذه المجموعة الأخيرة، الشاب فينسنت، الذي يعمل كمستشار بعد أن تحصل على شهادته الجامعية في العلوم السياسية. فقد أكد الشاب أنه لن يصوت في المناسبات الانتخابية القادمة في فرنسا، سواء يوم 23 نيسان/ أبريل أو يوم 7 أيار/ مايو. وبالنسبة له، فإن التهديد الذي يمثله مرور لوبان إلى الجولة الثانية، الذي اعتبره خدعة من الأحزاب التقليدية لجذب ناخبين؛ لا تخيفه.
في نفس الصدد، يرى الشاب الفرنسي والقارئ الدؤوب للنماذج التاريخية والسياسية، أنه “من المعتاد القول إن الامتناع عن التصويت هو مؤشر واضح على عدم اكتراث المواطنين بالانتخابات؛ فالتصويت لا يعد بمثابة الطريقة الوحيدة لممارسة السياسة. وعلى عكس ذلك، فإن ما يقوم به العديد من المواطنين المواظبين على المرور للتصويت في جميع الانتخابات، لا يتجاوز إيداع ورقة في صناديق الاقتراع كل خمس سنوات”.
يبدو أن نسبة العزوف عن التصويت في فرنسا شملت جزءا من الشعب الذي لا يهتم كثيرا بالسياسة
في الأثناء، أضاف الشاب قائلا: “لن أصوت لأنني لا أريد أن أشارك في اللعبة. كما أنني لا أريد أن أمنح صوتي لأحزاب لا زالت تفعل نفس الشيء منذ 40 سنة. علاوة على ذلك، توهم هذه الأحزاب الشعب بأنه يجب عليه انتخابها حتى لا يكون ضحية لحالة من عدم الاستقرار التي من شأنها أن تسود البلاد. وفي نفس الوقت، بالغت هذه الأحزاب في تخويف الشعب وأوهمته بأنه لا يوجد “بديل” لها”.
هل يجب وضع حدّ للنظام الرئاسي؟
في هذا السياق، يدافع المحلل السياسي أوليفييه روكان في كتابه الذي يحمل عنوان “لنضع حدا للرئيس”، عن فكرة أن “السخط السياسي، وظاهرة الامتناع عن التصويت التي ظهرت مؤخرا، هي دليل واضح على أن المؤسسات الفرنسية في حاجة إلى العودة إلى التواصل مع الشعب الذي سبق وإن اعتبرته جزءا لا يمكن الاستغناء عنه”. فضلا عن ذلك، تحدث روكان عن “صورة الرئيس النموذجية على إثر بناء الجمهورية الخامسة، على يد “أبيها الروحي” شارل دي غول، الذي ظهر في صورة البطل والأب المنقذ القادر على قيادة البلاد. والجدير بالذكر أن هذه الصورة فقدت معناها وجُرّدت منه في الوقت الراهن”.
خلال هذه الانتخابات من المحتمل أن لا يظفر أي طرف بأغلب الأصوات
على العموم، فإن المحلل السياسي يدعم فكرته التي تفيد أن “هذا التراجع لتلك الصورة النمطية يعود إلى تلك الفترة التي أصبحت فيها الفترة الرئاسية تقدر بخمس سنوات، أي منذ سنة 2002. كما ينسب هذا التراجع، إلى ذلك الوقت الذي فقد فيه شيراك مصداقيته أمام الشعب في سنة 1997، عندما استعمل سلطته لحل الجمعية الوطنية الفرنسية”.
في نفس السياق، أضاف المحلل السياسي أنه “خلال هذه الأحداث الأخيرة، كان شيراك يعتقد أنه ستحصل على أصوات الأغلبية الساحقة في انتخابات تشريعية جديدة، إلا أن استراتيجيته باءت بالفشل. في المقابل، فاز اليسار وأعطى شارة بداية تشكيل حكومة جديدة عُيّن فيها ليونيل جوسبان رئيسا للوزراء”. وقد تكررت نفس الأحداث خلال سنة 2005، عندما عُقد الاستفتاء حول الدستور، وهي خطوة لم تكن أيضا في صالح الرئيس شيراك.
من جانب آخر، شدد روكان على ضرورة اقتراب النواب من دوائرهم الانتخابية، وقال إن “الشعب اليوم لا يفهم ما يميّز رئيس الجمهورية عن رئيس الوزراء. لذلك، يجب علينا إما أن يلعب الرئيس دور الحكم، بالإضافة إلى تعزيز صلاحيات السلطات التشريعية؛ أو أن يتم استعادة منطق الجمهورية الخامسة، وإعادة نظامنا السياسي إلى طبيعته”.
هناك مجموعة من الشعب الفرنسي التي يمكن أن يظهر عدم رضاه عن النظام السياسي عبر صناديق الاقتراع
في الإجمال، فإن عدم إعادة انتخاب كل من نيكولا ساركوزي أو فرانسوا هولاند، هي دليل على تراجع صورة “الرئيس القوي”. كما أن هذه الحالة ستتواصل على نفس المنوال، خاصة في ظل الانتخابات التشريعية التي ستعقد يومي 5 و11 حزيران/ يونيو. وخلال هذه الانتخابات من المحتمل أن لا يظفر أي طرف بأغلب الأصوات. وتعليقا على ذلك، أضاف أستاذ العلوم السياسية أن “رئيس الوزراء يمكن أن يتحول في ظل هذه الظروف إلى شخصية قوية داخل السلطة التنفيذية، في حال تمكّن من الحفاظ على حكومة دائمة”.
في هذا الصدد، يرى فنسنت أنه “في الوقت الذي يبدو فيه من الصعب على الرئيس إيصال صوته، فإن السلطات تطلب من الشعب أن يجيبها عن أسئلة حول بعض الجوانب، التي لم يُتح له الوقت بعد، حتى التوقف والتفكير فيها”. وبحسب المواطن ماركو، فإنه سينتهي الأمر بالعديد من اليسار الفرنسي إلى “التصويت لصالح برامج، وليس لصالح شخصيات”.
في الختام، أورد فورك أن هناك مجموعة من الشعب الفرنسي التي يمكن أن يظهر عدم رضاه عن النظام السياسي عبر صناديق الاقتراع، إما من خلال “الامتناع عن التصويت أو التصويت لصالح حزب الجبهة الوطنية بقيادة لوبان”. كما يعتبر المحلل السياسي أن هذا النوع من التحركات هو بمثابة التعبير عن الغضب وخيبة الأمل.
المصدر: الموندو الإسبانية