كشفت وكالة “أسوشييتد برس” الأمريكية في الأمس ما أشبه بـ”الخطة الأمريكية” إزاء سوريا تضمنت حلول مقترحة لإنهاء الأزمة السورية وفق 3 مراحل متلاحقة. فيما يبدو أن الإدارة الأمريكية بدأت بعد الضربة العسكرية على مطار الشعيرات ببلورة استراتيجية ولو بشكل تدريجي للتعامل مع الملف السوري ودراسة الحلول المقترحة لإنهاء الأزمة السورية الممتدة على مدار 6 سنوات بدون بارقة أمل لإنهائها، فهل تنتهي الأزمة على يد ترامب؟ وتساعد خطته في فك طلاسم الدول المتدخلة بشكل مباشر أو غير مباشر في سوريا؟ أم أن هذا الكلام خيال لا يمت للواقع بصلة؟.
الخطة الأمريكية تجاه سوريا
أشارت الوكالة في تقريرها عن مسؤول أمريكي لم تذكر اسمه، أنه على الرغم من أن خطط الرئيس الأمريكي ترامب، حيال سوريا ما زالت تتطور تدريجيًا إلا أنها أصبحت أكثر وضوحًا منذ الضربة العسكرية على سوريا.
وقبل البدء بتفاصيل الخطة، لابد من الإشارة أن التقرير لم يصدر إلا بموافقة البيت الأبيض. وهو عمل مؤلف من حلقات لا يمكن فصلها عن بعضها البعض، تبدأ منذ الضربة الأمريكية على الشعيرات، وحركة البوارج الأمريكية في شبه الجزيرة الكورية ورمي أم القنابل في أفغانستان، واجتماع دول السبع الكبرى واتفاقهم ضد روسيا، والتصريحات الكثيرة للمسؤولين الأمريكيين المتحولة ضد الأسد وعدم الالتزام بحمايته بعد الآن، وبعدها زيارة وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس إلى المنطقة والرسائل التي حملها لزعماء المنطقة.
3 مراحل متلاحقة حددتها الخطة الأ|مريكية تبدأ بهزيمة تنظيم الدولة الإسلامية داعش، واستعادة الاستقرار في سوريا منطقة تلو الأخرى، ومن ثم ضمان عملية انتقال سياسي يتنحى بموجبها بشار الأسد عن السلطة
كل هذا يبعث إشارة أن البيت الأبيض كان خلال هذه الفترة يحضر أمرًا ما تجاه سوريا، فقد ظهرت أخبار حول نية ترامب بإرسال آلاف الجنود الأمريكيين إلى سوريا للمساعدة في الإطاحة بالأسد، وعن ضربات مركزة للمطارات السورية الأخرى، وتجهيز ملف جرائم الأسد، ومن ثم جاء هذا التقرير من مسؤول أمريكي – لم يُذكر اسمه – ليوضح بعض مما كان يدور في البيت الأبيض وما تم التوصل إليه على سبيل “بالون اختبار” للأزمة.
3 مراحل متلاحقة حددتها الخطة الجديدة تبدأ بهزيمة تنظيم الدولة الإسلامية داعش، واستعادة الاستقرار في سوريا منطقة تلو الأخرى، ومن ثم ضمان عملية انتقال سياسي يتنحى بموجبها بشار الأسد عن السلطة، وأخيرًا إعادة الإعمار وإدارة المناطق من قبل المعارضة.
الضربة الأمريكية على مطار الشعيرات في سوريا
المرحلة الأولى تتعلق بالقضاء على داعش وهو هدف رئيسي عريض ينادي به ترامب وإدارته منذ فترة ويتعاون في تنفيذه مع العديد من الأطراف أبرزهم قوات سوريا الديمقراطية في الشمال. أما المرحلة الثانية فتتعلق بمناطق الاستقرار المؤقتة، إذ توقعت الوكالة أن الإدارة الأمريكية ستحاول التوسط في اتفاق وقف إطلاق نار إقليمي بين الطرفين (قوات الأسد، والمعارضة السورية.
مناطق الاستقرار المؤقتة المقترحة في الخطة الأمريكية ستكون مختلفة عن المناطق الآمنة المقترحة في إدارة الرئيس أوباما
وتكلم التقرير أيضًا أن إدارة ترامب تحدثت عن مناطق استقرار مؤقتة ستكون مختلفة عن المناطق الآمنة المقترحة في إدارة الرئيس أوباما، ويسهم نظام الأسد في إنشاء هذه المناطق، وفي هذه الحالة يمكن لطائرات الولايات المتحدة وحلفائها التحليق فوق هذه المناطق دون المخاطرة بالاصطدام مع سلاح الجو التابع للنظام.
وتزامنًا مع بدء هذه المرحلة، من المقرر حسب تفكير الإدارة الأمريكية أن تعود السلطات المحلية إلى العمل، وتدخل المعارضة السورية وتتشكل حكومة مؤقتة ويكون هناك أشبه بالفيدرالية، بمعنى أن المناطق ذات الغالبية السنية يجب أن تدار من قبل شخصيات سنية، والمناطق الكردية من قبل شخصيات كردية وهكذا، على أن تدار البلاد في هذه الفترة بواسطة حكومة مؤقتة.
ومع استعادة الأمن خلال تلك المرحلة تأمل إدراة ترامب أن تتمكن قيادات المعارضة التي أجبرت على الخروج من سوريا، من العودة وقيادة الحكومة المحلية، والمساعدة في استعادة الخدمات الرئيسية في تلك المناطق، وتجدر الإشارة إلى أن محادثات السلام التى ترعاها الأمم المتحدة فشلت لسنوات لغنشاء مثل هذه السلطة.
مغادرة الأسد الطوعية هو الطريق المفضل للإدارة الأمريكية
ومن ثم تأتي المرحلة الثالثة وهي مرحلة إزاحة الأسد وخلالها يجب على الأسد، وفقا للخطة الأمريكية، أن يتخلى عن السلطة، وهناك خيارات متعددة لرحيل الأسد في حال رفض التنحي طوعًا، كإجراء انتخابات بموجب دستور جديد، ومنع الأسد من الترشح من خلال منعه من المشاركة في الانتخابات أو عن طريق تهديده بالملاحقة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب.
وهنا أشارت “أسوشيتد برس” أن واشنطن تعتقد أن الأسد قد يوافق على ترك السلطة ومغادرة البلاد إلى روسيا أو إيران مع ضمان عدم ملاحقته لاحقًا، ولكن البيت الأبيض لا يستبعد أيضًا أن يسير الأسد على خطى الزعماء السابقين ويرفض التنحي كما حصل مع معمر القذافي وصدام حسين، وعليه فهناك احتمال للإطاحة به وقتله من قبل المعارضة. أما الخيار الآخر للإطاحة بالأسد إذا رفض التنحي فهو تهديده بتهم جرائم الحرب، علمًا أن محاكمته ستكون صعبة لأسباب قانوية وجيوسياسية، فالأسد مدعوم من قبل روسيا صاحبة الفيتو في مجلس الأمن.
هناك خيارات متعددة لرحيل الأسد في حال رفض التنحي طوعًا، كمنعه من الترشح في الانتخابات أو عن طريق تهديده بالملاحقة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب.
وبالنهاية قد يكون تهديد الأسد بإجراء تحقيق في جرائم الحرب وعرض نفي آمن في مكان ما خارج سوريا، ربما إيران أو روسيا، أنسب له، فوزير الخارجية الأمريكي تيلرسون في زيارته الأخيرة إلى موسكو ذكر للرئيس بوتين ووزير الخارجية لافروف أن مغادرة الأسد الطوعية هو الطريق المفضل للإدارة الأمريكية.
ماذا قال الخبراء عن هذه الخطة؟
سأل نون بوست محللين وباحثين مهتمين بالشأن السوري، حول الخطة الأمريكية المقبلة حيال التعامل مع الملف السوري.
والبداية من الدكتور علي باكير باحث ومحلل سياسية، “لا يمكن القول بأنّ ما طرحته “أسوشييتد برس” في هذا السياق بمثابة خطّة، فهي خطوط عامة ولا تخرج في المجمل عمّا كان مطروحًا في وقت سابق، سواءًا في أواخر عهد أوباما أو في بداية عهد ترامب، كما أنّ هذه الخطوط العامة لا تجيب على أسئلة محورية منها على سبيل المثال: إذا كانت الخطوة ستستمر في اعتبار محاربة داعش أولوية، ماذا سيكون دور وموقف قوات الاسد في هذه الحالة؟ هل سيتم التعاون معها؟ وماذا سيكون دور القوات الموالية للأسد؟ هل ستقبل إدارة ترامب في مواصلة الزحف الإيراني في سوريا تحت عنوان محاربة الإرهاب؟ وإذا لم يكن الأمر كذلك فكيف سيتم التصرف مع الأسد وحلفائه؟
روسيا لا تزال حتى هذه اللحظة تؤمن كل الغطاء السياسي والعسكري المطلوب لبقاء الأسد
أمّا فيما يتعلق بإخراج الأسد من السلطة عبر عملية إنتقالية، فيقول باكير: كيف سيضغط الجانب الأمريكي عليه لتحقيق ذلك طالما أن روسيا لا تزال حتى هذه اللحظة تؤمن كل الغطاء السياسي والعسكري المطلوب لبقائه؟ وكيف سيتم إقناع موسكو بالضغط على الأسد في وقت أثبتت فيه خلال مراحل مختلفة من الصراع أنها ليست مستعدة لفعل ذلك؟.
والأهم كيف سيتم جلب المعارض السورية للتفاوض إذا كان الأسد سيستمر في أعمال القصف والقتل، ويبدو أنّه لا يزال يستمر في القيام بهذه المهمّة؟”
لا يمكن القول بأنّ ما طرحته “أسوشييتد برس” في هذا السياق بمثابة خطّة، فهي خطوط عامة ولا تخرج في المجمل عمّا كان مطروحاً في وقت سابق
وينتهي باكير بالقول “أعتقد إلى هذه اللحظة أن الأمور لم تحسم داخل إدارة ترامب ولا توجد سياسة متماسكة إزاء سوريا، وسيكون علينا الانتظار قليلا لنرى الشكل النهائي لها. لا شك انّ واشنطن لا تريد الدخول مع روسيا في نزاع كبير حول سوريا، لكنها ستكون مضطرة في مرحلة من المراحل الى الضغط على روسيا إذا كانت الأولى جادة في إخراج الاسد من المعادلة السياسية ومحاربة داعش وتحقيق الاستقرار عبر انتقال سياسي”.
الفيتو الروسي ضد قرارت تدين الأسد وجرائمه في سوريا
جواب آخر من الدكتور سنان حتاحت وهو باحث ومحلل سياسي، يرى أن الخطة الأمريكية: خطوط عامة للاستراتيجية ولكن عند إسقاطها على أرض الواقع ستواجه الإدارة عدّة صعوبات، أولاً من هي القوى المحلية التي ستحرر مناطق داعش؟.الخيارات الأمريكية ضيقة جدًا، والاعتماد على قوات سورية الديموقراطية، فيه خطورة، لأنه قد يتسبب بمشكلة جديدة بين العرب والأكراد، وهذا بدوره سيولد مشكلة “إرهاب” جديدة. وقد يتطلب ذلك من الولايات المتحدة أن تجد إطار تعاون جديد مع المعارضة السورية أو القوى الإقليمية الداعمة لها وهذا بدوره يتطلب منها إقناعهم وتقديم ضمانات تتعلق بالمرحلة الانتقالية، الأمر الذي رفضت أن تقوم به الإدارة السابقة وتلزم أي إدارة باتباعها.
وفيما يخص نقطة المناطق الآمنة يرى حتاحت أنها تواجه نفس النقطة، إذ لا يمكن للولايات المتحدة أن تقيم مثل هذه المناطق بدون قوة برية، فإما أن تزيد تواجدها العسكري وهذا مكلف وقد يعرضها للنقد في أمريكا، أو إنها تتعاون مع دول الجوار؛ مع الأردن، ومع تركيا وهي أصعب في هذه الحالة لأن تركيا لن توافق دون أن تأخذ إلتزامًا من أمريكا بوقف دعم المليشيات الإنفصالية الكردية. وهذا خيار صعب على واشنطن التي فشلت في الاعتماد على قوات أخرى غير “قسد” مؤخرًا.
لا يمكن للولايات المتحدة أن تقيم مناطق آمنة بدون قوة برية
أمّا بما بتعلق بمصير الأسد، فالتلويح بمحكمة الجنايات الدولية غير مفيد، لعدّة أسباب أولها الفيتو الروسي. والحقيقة أنه لا يمكن لأمريكا أن تحدث تغييرًا في المعادلة السورية دون أن تقضي على طرف قوي في المعادلة، إما الروس أو إيران، وإذا تم استبعاد روسيا، تبقى إيران، وهذا ممكن خصوصًا إذا ما تم استهداف حزب الله، ولكن هل تعي أمريكا ذلك؟ وهل هي مستعدة لفعله؟ الجواب على هذا السؤال من ملاك أمريكا.
وفي النهاية لا يمكن الجزم بأن ما ورد في تقرير الوكالة الأمريكية أمر يمكن البت به واعتباره خطوات تنفيذية ستشرع الإدارة الأمريكية لتنفيذها في سوريا، فكلها قابلة للتفاوض مع كافة القوى وأولها روسيا، التي سيجتمع وزير خارجيتها لافروف مع تيلرسون في الأيام المقبلة في جنيف، بالإضافة إلى القوى الإقليمية كالسعودية وقطر وإيران وتركيا والأردن.