لا نستهين بالفترة الزمنية التي عاشها أجدادنا إبان مقارعة الاحتلال الفرنسي وما قدموه من تضحيات متواترة عبر سنوات الصمود الطويلة حتى تم تكرمُ الدماء الطاهرة بإجلاء آخر جندي فرنسي عن سوريا في 1946.
وكم نطوق اليوم إلى نفس الشعور يوم علت الهتافات أرجاء المعمورة وسط حضور لكبار الشخصيات الوطنية، محتفلين بالانتماء القومي السوري بعيدًا عن مُدخلات الدين والتطرف والخلط بينها وبين الإرادات الشعبية كما نراها اليوم في سوريا بعد مرور 71 عامًا على الجلاء.
لقد توج تلك الحقبة نخبة من الرجال الوطنيين الذي قادوا حركات التحرر بينهم سلطان باشا الأطرش وفارس الخوري وأحمد مريود وحسن الخراط وهاشم الآتاسي وغيرهم من رجال العصر الذهبي لسوريا.
المفارقة هنا بين الماضي والحاضر صعبة التوصيف، إذ الهم القومي آنذاك كان الشغل الشاغل للسوريين بخروج المستعمر الفرنسي المتغصب لأحلام الشعوب وتحرير كامل إردات الشعوب وتحقق هذا المنال.
بعد أن استطاعت فرنسا أن تضع بذرتها في سوريا قبل الخروج وهي الطامة الكبرى التي غابت عن السوريين المنشغلين في ترتيب البيت الداخلي، إذ استحكم صراع الأحزاب بالإقبال على السلطة لينتهي المطاف بهم بعد سلسلة من الانقلابات العسكرية بمصادرة القرار السوري بدعم قوى دولية جعلت نظام البعث خليفة لها في سوريا ليعود من جديد حكم العسكر بأيدي محلية تقدم ولاءها لإسرائيل، فنقلت السوريين من حالة الجلاء إلى حالة الرضوخ والانتهاء.
ربع قرن مر على الجلاء ليتضح اليوم عند الغالبية من السوريين الفاضحين لسلطة البعث في ثورة الحرية، أن الجلاء الحقيقي يكون بتطهير البلد من السرطان الأكبر المستبد والجاثم على صدور الشعب السوري.
يحتفل قبل أيام قاتل الأطفال بشار الأسد ليس بعيد الجلاء بل بإجلاء نصف شعبه خارج حدود الوطن وتشريد ما لا يقل عن تسعة مليون سوري داخل وطنهم يعيشون تحت سقف الذل والعار بتهجير قسري
لأربعة عقود ونيف عمل فيها المغتصب حافظ الأسد ومن بعده الوريث المجرم بشار على تعزيز النظام الشمولي وإقصاء كل أنواع الحريات، فحول سوريا لمزرعة شخصية بيد آل الأسد، هذه العائلة التي ما كانت لتصل الحكم لولا مؤامرة الدول الكبرى بدعم الأقلية على حساب أكبر مكون في سوريا (العرب السنة).
اليوم وبمرورالذكرى السنوية لعيد الجلاء وبعد دخول ثورة الحرية عامها السابع، يحتفل قاتل الأطفال بشار الأسد ليس بعيد الجلاء بل بإجلاء نصف شعبه خارج حدود الوطن وتشريد ما لا يقل عن تسعة مليون سوري داخل وطنهم يعيشون تحت سقف الذل والعار بتهجير قسري من منطقة إلى أخرى.
تفرغت وسائل إعلام النظام بعرض احتفالات المناسبة العظيمة في مناطق أصبحت بالاسم تحت سيطرته، متجاهلين كل الأعلام الأمريكية والروسية والإيرانية والكردية التي ترفرف فوق سماء السيادة اللاوطنية.
وعلى الطرف الآخر شريط الأخبار العاجل يكاد لا يهدأ من رسائل التهئنة لبشار الأسد من كوريا وإيران، لا ندري حقيقةً هل هي رسائل تهئنة فعلًا أم هي برقيات عزاء وسخرية بما حل به أو أنها رسائل شكر لإنجازه المهمة نيابة عنهم في تدمير البلاد وقتل العباد.
ليس بغريب على نظام الطغمة المنفصل عن الواقع أن يُتحفنا بفصل جديد من فصوله الجنونية المعتادة ولا غريب أن يتجاهل الوجود الأمريكي في شمال شرق سوريا ولا الوجود الروسي في عرض وطول البلاد ولا حتى العدو بالنسبة له الوجود التركي في المنطقة الآمنة التي وقف عاجزًا حيالها بعدما أصبح عاجزًا عن أي عمل لا يرضى عنه حلفاؤه.
الواقعية السورية عند موالين النظام والمفارقة الحقيقة الماثلة أمامهم في تمجيدهم لسيدهم في عيده الوهمي لا يسعنا إلا التذكير بفحوى عيدهم
أمام هذه الواقعية السورية عند موالين النظام والمفارقة الحقيقة الماثلة أمامهم في تمجيدهم لسيدهم في عيده الوهمي لا يسعنا إلا التذكير بفحوى عيدهم، عليكم فعلًا أن تحتفلوا، فهذا أسدكم لن يمر عليه الوقت الكثير حتى يبيعكم في سوق النخاسة كما باع أمام أعينكم كل ثروات وخيرات الوطن بعقود مجانية تارةً لروسيا وأخرى لإيران حتى أصبح بكم المطاف أنكم في وطنكم الدرجة الثانية من الشعب بعد الحضور الإيراني والروسي.
ونود أن نذكركم أن روسيا احتلت الساحل السوري بكل خيراته ووضعت يدها على أهم القواعد العسكرية والمطارات والتي دفع ثمنها أجدادكم الغالي والثمين من أجل أن تحميكم من عدوكم الوهمي إسرائيل.
علاوة في ذلك لا نريد أن نخفي عليكم السر المفضوح عن روسيا، فهي اليوم تُساوم على رأس سيدكم في دمشق وتضع رأسه في المزاد الدولي لكي تتقاضى ثمن خيانته لكم فهنيئًا لكم في تمجيدكم له.
من حقكم أن تحتفلوا برئيس لم يستطع أن يحمي البلاد ولن يستطيع أن ينقذكم من السفينة التي تغرق بكم.
وإياكم أن تلقوا بالاً لإيران التي تضع عينها على سواحل ومواني طرطوس وتفاوض الروس نيابة عن قائدكم بعدما استطاعت أن تستعيض عنكم بشذاذ الأرض غير آبهةً بكم بل أنتم اليوم تحت إمرة الذي تصفقون له قاسم سليماني.
الحقيقة التي نراها نصب أعيننا نلخصها لكم بإيجاز
عليكم أن تحتفلوا فعلًا بعيد جماعي ولكن ليس بذكرى الجلاء بل احتفلوا بيوم الإخلاء والإجلاء من وطنكم الذي غدرتم به وساهمتم بتدميره بيدٍ ملطخة بحق إخوانكم، من أجل شخص لا يُعير اهتمامًا لحياتكم، فهو أما مسرورُ لغبائكم في تصديقكم روايته، وإما هو غير معني بحياتكم من بعده طالما أنكم تظاهرتم بتصديقه وناصرتموه من أجل وعودٍ وأموالٍ زائلة، وأما الاحتمال الثالث والأخير هو أنكم جراد وحشرات ومهمتكم في الحياة الدفاع عن أسد الغابة ثم الموت لأجله لا لأجل الوطن.
ما فعله بشار الكيماوي في غوطة دمشق وخان شيخون لا يعادل 5% مما فعله الاستعمار الخارجي
احتلفوا وازعنوا بالاحتفال فشتان بين عيد الجلاء لمغتصب خارجي وعيد الإجلاء بمستبد داخلي، فلاغريب اليوم أن تجد السوريين بين مرحب لكل الدول الخارجية بالتدخل لإيقاف آتون هذه الحرب ورافض لها، فما فعله بشار الكيماوي في غوطة دمشق وخان شيخون لا يعادل 5% مما فعله الاستعمار الخارجي.