رغم مرور أكثر من سنة ونصف على إبرام مختلف الأطراف المتدخلة في الشأن الليبي للاتفاق السياسي في مدينة الصخيرات المغربية بمباركة دولية وأممية، فإن هذا الاتفاق ظل حبرًا على ورق ولم يطبق على الأرض، مما زاد من تعقيد الوضع الميداني والسياسي في هذا البلد الذي يعاني من انتشار كبير للسلاح ويشكو الفوضى في معظم أنحائه.
تحذير من تدهور الوضع
في مسعى منه لوقف النزيف، حذر أنطونيو غوتيريس الأمين العام للأمم المتحدة، في تقرير له أمس، من تدهور الأوضاع في ليبيا على خلفية استمرار الجمود السياسي وتجدد الصراع على نطاق واسع في مناطق مختلفة، وشدد غوتيريس في التقرير الذي ناقشه مجلس الأمن الدولي بشأن التطورات في ليبيا، على ضرورة بناء قوات عسكرية وأمنية تعمل في ظل رقابة مدنية، ودعا المسؤول الأممي جميع الجهات الأمنية الفاعلة إلى المضي قدمًا في تنفيذ الترتيبات الأمنية المؤقتة المنصوص عليها في اتفاق الصخيرات.
سبق لكوبلر أن استبعد التوصل إلى حل للأزمة، معتبرًا أن ذلك سيكون مهمة الأجيال الليبية القادمة
بدوره، حذر المبعوث الدولي إلى ليبيا مارتن كوبلر من انزلاق البلاد من جديد في صراع واسع النطاق بسبب تصاعد العنف، وسبق لكوبلر أن استبعد التوصل إلى حل للأزمة، معتبرًا أن ذلك سيكون مهمة الأجيال الليبية القادمة، من جهتها شددت مندوبة الولايات المتحدة لدى مجلس الأمن الدولي السفيرة نيكي هايلي، في كلمتها أمام مجلس الأمن الدولي أمس، على أن الوضع الراهن في ليبيا لن يسهم في بناء مؤسسات أمنية موحدة، محذرة من زيادة تدهوره.
تواصل القتال في مناطق مختلفة
تأتي هذه التحذيرات في وقت تشهد فيه ليبيا اضطرابًا أمنيًا في العاصمة طرابلس بعد الاشتباكات العنيفة بالأسلحة الثقيلة والمتوسطة، أواخر فبراير، بين قوات تابعة لحكومة الوفاق مدعومة من كتيبة ثوار طرابلس، وقوات تابعة لحكومة الإنقاذ الوطني السابقة بقيادة خليفة الغويل، أدت إلى خروج الأخيرة من مقر المجلس الأعلى للدولة المعروف باسم مجمع قصور الضيافة، وتمركزها جنوب العاصمة.
قاعدة تمنهنت الواقعة قرب مدينة سبها
وتواصل القتال في منطقة الهلال النفطي شرقي البلاد للسيطرة عليه، بالإضافة إلى المعارك الطاحنة التي تدور بين قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر التي هاجمت “القوة الثالثة” التابعة لحكومة الوفاق بهدف السيطرة على أهم قاعدة عسكرية في الجنوب الليبي، قاعدة تمنهنت الواقعة قرب مدينة سبها، وكانت القيادة العامة لقوات عملية الكرامة قد أصدرت قبل أيام أوامرها لقائد اللواء 12 مجحفل العقيد محمد بن نائل بتطهير مناطق الجنوب ممن وصفهتم بالمليشيات المسلحة، ليتسنى لها شن هجمات جوية على مواقع لقوات مناوئة لحفتر تقع في مدن ومناطق غرب ليبيا، بعد أن أعلنت وزارة الدفاع التابعة لحكومة الوفاق إطلاق عملية “الأمل الموعود”، بهدف محاربة مجموعة من مسلحي داعش، وقوات اللواء 12 التابعة لحفتر بقيادة محمد بن نائل.
التقى السرّاج، في 5 أبريل الجاري، قائد القيادة العسكرية الأميركية في إفريقيا “أفريكوم”، الجنرال توماس والدهاوسر، بمقر القيادة بمدينة شتوتغارت الألمانية
إلى جانب ذلك تواصل الطائرات الحربية التابعة للواء المتقاعد خليفة حفتر قصف مدينة درنة شرق البلاد، فيما تستعد قواته لشن هجوم على أحياء في بنغازي، مما يهدد كل ما حققه المجلس الرئاسي على طريق المصالحة الوطنية وتحقيق الاستقرار، حسب رئيسه فايز السراج.
وفي تطوّر لموقف السراج الذي ما فتئ يؤكّد وقوفه على الحياد، التقى، في 5 أبريل الجاري، قائد القيادة العسكرية الأميركية في إفريقيا “أفريكوم”، الجنرال توماس والدهاوسر، بمقر القيادة بمدينة شتوتغارت الألمانية، وطلب منه مساعدات أميركية لتطوير القدرات العسكرية الدفاعية للقوات الليبية، في مجالات بناء القدرات العسكرية والتدريب وتبادل المعلومات. وكان السراج قد أدان، في 19 مارس الماضي، لأول مرة تهديدات اللواء المتقاعد خليفة حفتر بدخول طرابلس بقوة السلاح.
دعم الاتفاق السياسي وإمكانية إدخال تعديلات عليه
في غضون ذلك، أكد مارتن كوبلر أن الاتفاق السياسي ليس مثاليًا لذلك تم الاتفاق على إدخال بعض التعديلات عليه لتجاوز الجمود السياسي الحاصل في البلاد والمضي قدمًا بالعملية الانتقالية، مؤكدًا تواصل دعم المجتمع الدولي لهذا الاتفاق ومؤسساته لإنقاذ ليبيا من الأزمة التي تعيشها، خاصة أن “مؤسسات الدولة الليبية في خطر بسبب الأزمات الأمنية والسياسية والاقتصادية التي تعيشها البلاد”، حسب قوله.
تعيش ليبيا انقسامًا سياسيًا كبيرًا، حيث تدار بثلاث حكومات منفصلة
وكان مجلس النواب الليبي المنعقد في طبرق، قد قرر الشهر الماضي، إلغاء قرار سابق اعتمد فيه الاتفاق السياسي الموقع من الفرقاء الليبيين بمدينة الصخيرات المغربية في الـ17 من ديسمبر 2015، الذي ينص على إنشاء مجلس رئاسي ليبي يتيح تشكيل حكومة وفاق وطني تجمع كل الأطراف الليبية، تقود مرحلة انتقالية من عامين تنتهي بإجراء انتخابات تشريعية، غير أن الحكومة لم يتم تنصيبها من لدن المجلس لخلافات في تحديد أسمائها رغم اعتماد اتفاق الصخيرات.
برلمان طبرق
وعرفت ليبيا، في الفترة الأخيرة، تقديم العديد من المبادرات من قبل دول الجوار للخروج من الأزمة التي تعيشها، بالإضافة إلى اتخاذ عدد من النواب تحت قبة البرلمان قرار بالعودة إلى الحوار بعد مقاطعته.
وتعيش ليبيا انقسامًا سياسيًا كبيرًا، حيث تدار بثلاث حكومات منفصلة، واحدة في الشرق يقودها عبد الله الثني، في حين تدار العاصمة طرابلس بحكومتين هما حكومة الوفاق الوطني برئاسة فايز السراج المدعومة دوليًا، وحكومة الإنقاذ الوطني التي يقودها خليفة الغويل، بعد فشل اتفاق الصخيرات في إحلال السلام في البلاد.