كيف سيتعامل ترامب مع الاتفاق النووي الإيراني؟

rtsdml-570

ترجمة وتحرير نون بوست

في الثامن عشر من نيسان/أبريل الجاري، أقرت إدارة دونالد ترامب أمام الكونغرس أن إيران تعمل فعليا وفقا للاتفاق النووي الذي يجمع كلا الطرفين. من جانب آخر، تعهدت إدارة ترامب بأن تنازلها عن العقوبات فيما يتعلق بالاتفاق النووي خلال الشهر القادم، سيتكفل بوضع مصالح الأمن القومي الأمريكي في المقدمة. ويؤكد الموقف الذي تبنته الإدارة الأمريكية، والذي جسدته رسالة وزير الخارجية الأمريكي، ريكس تيلرسون، إلى رئيس مجلس النواب، بول راين، على أن تحرّك إدارة ترامب للتمسك بالاتفاق النووي الإيراني وتنفيذه يعوزه الحماس.

في غضون ذلك، تتطلع واشنطن إلى الضغط على إيران في المجالات التي لا يشملها الاتفاق النووي، على غرار برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني، وحقوق الإنسان، علاوة على تحركاتها في منطقة الشرق الأوسط التي تعتبرها الولايات المتحدة مزعزعة للاستقرار. وفي الوقت الذي تُجري فيه إدارة ترامب مراجعة شاملة لسياستها مع إيران، أعرب تيلرسون عن عدم رضاه عن “خطة العمل الشاملة المشتركة” نظرا لأنها لا تعالج قائمة المظالم الطويلة التي تتعامل معها الولايات المتحدة والمرتبطة أساسا بسياسة إيران.

محاولة إدارة ترامب التمسك بالاتفاق النووي وتطبيقه بشكل صارم مقابل محاولة تخريبه، تعد بمثابة دليل على أن البدائل التي ستقدمها الإدارة ستكون أسوأ

ووفقا لما صرّح به تيلرسون خلال بيان صحفي في التاسع عشر من نيسان/أبريل الجاري، فإن “خطة العمل الشاملة المشتركة” لم تحقق نجاحا يُذكر في تجريد إيران من الأسلحة النووية، بل العكس تماما فقد ساهمت في الحد من إمكانيات الولايات المتحدة للوصول إلى مبتغاها فيما يتعلق بهذه المسألة. وأضاف وزير الخارجية الأمريكي أن “الخطة تجاهلت تماما جميع التهديدات الخطيرة الأخرى التي تنطوي عليها مخططات إيران. من جهة أخرى، وظف إيران معظم ثرواتها ووقتها للتصدي لجهود إحلال السلام في المنطقة”.

وفي الوقت الذي أقرت فيه إدارة ترامب، على مضض، بالتزام إيران بشروط “خطة العمل الشاملة المشتركة”، نوهت بضرورة التطرق إلى مزايا الحفاظ على الاتفاق النووي، على الأقل في الوقت الحالي. في المقابل، ستظل إيران في نظر الولايات المتحدة دولة معادية وتعمل على زعزعة الاستقرار على جبهات أخرى على غرار دعمها لنظام بشار الأسد في سوريا، وحزب الله في لبنان والمتمردين الحوثيين في اليمن.

في الأثناء، يبدو أن إدارة ترامب تسعى إلى الحفاظ على “تطبيق خطة العمل الشاملة المشتركة، وتسليط جملة من الضغوط على إيران في مجالات أخرى، في الآن ذاته”، وذلك وفقا لما أفاد به دبلوماسي أوروبي، الذي فضّل التحفظ عن هويته، لموقع المونيتور في التاسع عشر من نيسان/أبريل الجاري.

من جهته، قال ريتشارد نيفيو، عضو سابق في فريق التفاوض حول الاتفاق النووي بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية: “أعتقد أن موقف الإدارة الأمريكية يدل على تراجع الولايات المتحدة عن أهدافها” وذلك في إشارة إلى تخلي إدارة ترامب عن خطاباتها اللاذعة، التي لطالما انطوت على تهديد صريح بفضّ الاتفاق النووي. والجدير بالذكر أن دونالد ترامب قد وصف هذا الاتفاق مرارا وتكرارا بأسوأ صفقة تم التفاوض بشأنها على الإطلاق.

وأضاف نيفيو، أن “موقف إدارة ترامب من إيران لا يعتبر انتصارا للجانب الأمريكي. ويبقى السؤال الحقيقي: ما الذي ستفعله إدارة ترامب إبان تغير موقفها؟”. كما يرى نيفيو أن محاولة تعديل الاتفاق، أو التفاوض من جديد على جوانب منه، فضلا عن التصدي لإيران بقوة على جبهات أخرى، من شأنه أن يتسبب في إحداث أضرار بليغة.

وفي هذا الصدد، أعلن البيت الأبيض أن الرئيس الأمريكي قد أصدر  توجيهات إلى مجلس الأمن القومي لإجراء مراجعة شاملة خلال الثلاثة أشهر القادمة، بهدف تحديد ما إذا كان التمسك بإنهاء الولايات المتحدة لخطة العمل الشاملة المشتركة، فيما يخص تعليق العقوبات المرتبطة بالسلاح النووي الإيراني، سيخدم مصالح الأمن القومي الأمريكي. من جهته، قال المحامي، دوغلاس جاكوبسون، إن مجموعة من التنازلات المتعلقة بالعقوبات التي تتضمنها الخطة، والتي تتعلق باتفاقية حظر انتشار الأسلحة النووية فى إيران سينتهي أجلها في أيار/مايو المقبل. فيما ينتهي أجل تنازلات أخرى في شهر حزيران/يونيو المقبل.

كلا من الإدارة الأمريكية والكونغرس قد أدركا أن إبطال الاتفاق، الذي يعدّ ناجحا، فضلا عن أن بقية دول العالم تشعر بالرضا التام حياله، من شأنه أن يزيد من إضعاف مساعي الولايات المتحدة لإعادة تشكيل السياسات الإقليمية الإيرانية

من ناحية أخرى، صرّح الناطق باسم البيت الأبيض، شون سبايسر، خلال مؤتمر صحفي في التاسع عشر من نيسان/أبريل أن “الرئيس الأمريكي أمر مجلس الأمن القومي بقيادة مراجعة بمشاركة جل الوكالات لخطة العمل الشاملة المشتركة وتقييم ما إن كان تعليق العقوبات طبقا للخطة يصب في مصلحة أمننا القومي”. وفي الإطار ذاته، بيّن ريتشارد نيفيو أنه “خلال تولي الإدارة الأمريكية حيثيات مراجعة الاتفاق النووي، سيحرص مسؤولون إستخباراتيون فضلا عن أشخاص من القارة الأوروبية، أو ربما آسيويون، على عرقلة مساعيها بتعلة أن هذه الإجراءات قد تلحق بهم أضرار بليغة. كما أشار نيفيو إلى أن حلفاء إدارة ترامب والعديد من العناصر ستحاول حثها لتجنب أي إجراءات من شأنها أن تؤدي إلى انهيار الاتفاق.

وفي شأن ذي صلة أورد البيت الأبيض أن مراجعة مجلس الأمن القومي ستحدد ما إذا كان يتعين على الولايات المتحدة التخلي عن العقوبات المرتبطة بالبرنامج النووي الإيراني الشهر القادم. في المقابل، أكد أن مصادقة الإدارة الأمريكية في حد ذاتها على مثل هذا الإجراء يدل على أن تخطط للتخلي حقا عن العقوبات. وتجدر الإشارة إلى أن بعض العقوبات التي تم رفعها عن إيران تنتهي مهلتها في 18 أيار/مايو القادم، أي قبل يوم واحد من الانتخابات الرئاسية الإيرانية.

وفي هذا الإطار، أورد الرئيس الإيراني، حسن روحاني، مساعيه للتوصل إلى اتفاق نووي مع ست قوى عالمية على رأس أجندته الانتخابية في إطار ترشحه لرئاسة الدولة لولاية ثانية. وفي تعليقه على رفع العقوبات عن إيران، صرّح نيفيو “أعتقد أنهم سيقومون بتجديد قرار رفع العقوبات. في الواقع، سيكون من الصعب جدا بالنسبة لهم الآن، خاصة بعد مصادقتهم على الإجراءات الجديدة، المضي قدما في تسليط المزيد من العقوبات على إيران”.

أعلن البيت الأبيض أن الرئيس الأمريكي قد أصدر  توجيهات إلى مجلس الأمن القومي لإجراء مراجعة شاملة خلال الثلاثة أشهر القادمة

من جانب آخر، أوضح الخبير الايراني، علي فايز، أن محاولة إدارة ترامب التمسك بالاتفاق النووي وتطبيقه بشكل صارم مقابل محاولة تخريبه، تعد بمثابة دليل على أن البدائل التي ستقدمها الإدارة ستكون أسوأ. خلافا لذلك، لا تخلو الخطة الظاهرية التي تقتضي البحث عن طرق بديلة تسمح بالضغط على إيران خارج الاتفاق من المخاطر.

وأضاف فايز، الخبير التابع “لمجموعة الأزمات الدولية” أن “كلا من الإدارة الأمريكية والكونغرس قد أدركا أن إبطال الاتفاق، الذي يعدّ ناجحا، فضلا عن أن بقية دول العالم تشعر بالرضا التام حياله، من شأنه أن يزيد من إضعاف مساعي الولايات المتحدة لإعادة تشكيل السياسات الإقليمية الإيرانية عبر الدبلوماسية القسرية”. وأردف فايز أن “عدم تجديد قرار رفع العقوبات عن إيران سيشكل انتهاكا واضحا لخطة العمل الشاملة المشتركة”.

من جهة أخرى، أورد فايز أن “حساب التفاضل والتكامل ذاته الذي دفع الجانبين إلى التوصل إلى اتفاق بعد 13 سنة من المواجهة وسنتين من المفاوضات لايزال قائما، في حين أن بدائل هذا الاتفاق سيكون وقعها أسوأ بكثير”. وفي الأثناء، حذر علي فايز من أن “المشكلة في إستراتيجية الإدارة الأمريكية المستجدّة، أي الحفاظ على الإتفاق والتصدي لإيران على جبهات أخرى، تكمن بالأساس في الصلة المتجذرة بين القضايا النووية وغير النووية، فضلا عن الطبيعة العشوائية للعقوبات الفعّالة. ونتيجة لذلك، لن يكون هناك مفر من حدوث تأثير غير المباشر الذي سيضعف بدوره خطة العمل الشاملة المشتركة”.

وفي السياق ذاته، أشار علي فايز إلى أن “المعضلة تتمثل في أن عدم معالجة العداء السياسي واسع النطاق بين طهران وواشنطن، سيلقي بظلاله على خطة العمل الشاملة المشتركة. وبالتالي، ستبقى الخطة  هشة في أفضل الأحوال وسيتم إيقاف العمل بها. وفي غياب تنفيذ كلي للخطة، قد يبدو حل العداء السياسي الرئيسي بين الطرفين أمرا مستحيلا”.

في الوقت الذي أقرت فيه إدارة ترامب، على مضض، بالتزام إيران بشروط “خطة العمل الشاملة المشتركة”، نوهت بضرورة التطرق إلى مزايا الحفاظ على الاتفاق النووي

ومن المرتقب أن يجتمع دبلوماسيين من الولايات المتحدة، وإيران، وكل من المملكة المتحدة، وفرنسا، وألمانيا، وروسيا، والصين، والاتحاد الأوروبي، وهي البلدان المُؤلفة للّجنة المشتركة والمشرفة على تنفيذ خطة العمل الشاملة المشتركة، بمدينة فيينا في 25 نيسان/أبريل الجاري.

المصدر: المونيتور