قبل يومين من موعد الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية الفرنسية، بدأ شبح الارهاب والحديث عنه، الحدث الأبرز والمسيطر على الساحة الفرنسية الرسمية وغير الرسمية، خاصة بعد إحباط هجوم إرهابي قبل أيام، وحادثة إطلاق النار التي شهدها أكبر شارع في باريس ليلة أمس.
تفاصيل الهجوم
في أخر تطورات الهجوم الذي وصفه الرئيس فرانسوا هولاند بـ “العمل الإرهابي”، تعرفت السلطات الفرنسية على هوية المسلح الذي نفذ الهجوم، لكنها لم تعلن اسمه إلى أن يتأكد المحققون ما إن كان له شركاء، حسب تصريح فرانسوا مولانس مدعي باريس.
للمرة الأولى تنظم الانتخابات الفرنسية في ظل حالة الطوارئ التي أعلنت في أعقاب اعتداءات 13 نوفمبر 2015
وأورد الموقع الاخباري لقناة فرانس 24 عما وصفه بالمصادر المقربة من التحقيق أن المعتدي فرنسي في التاسعة والثلاثين من عمره كان يخضع لتحقيق جهاز مكافحة الإرهاب، بعد أن أعرب عن نيته قتل شرطيين وأوقف في 23 فبراير ثم أفرج عنه لعدم كفاية الأدلة، وكان حكم عليه 2005 بالسجن لنحو 15 سنة لمحاولة قتل شرطي وطالب وأخيه في منطقة باريس.
في سياق متّصل، أعلن تنظيم “الدولة الإسلامية” مسؤوليته عن هذا الهجوم الذي استهدف مركبة للشرطة في جادة الشانزلزيه في باريس مساء أمس الخميس وأسفر عن مقتل شرطيين وإصابة اثنين آخرين، ومقتل منفّذ العملية.
شارع الشانزلزيه في باريس
وللمرة الأولى تنظم الانتخابات الفرنسية في ظل حالة الطوارئ التي أعلنت في أعقاب اعتداءات 13 نوفمبر 2015. وتعود آخر الاعتداءات إلى صيف 2016 عندما دهس مهاجم بشاحنة في 14 يوليو المحتفلين بالعيد الوطني على كورنيش نيس وقتل 86 شخصا، وأدّت الهجمات التي شهدتها فرنسا في العامين الأخيرين إلى سقوط أكثر من 230 قتيلا.
المخابرات الداخلية تحذّر من “تهديدات جدية”
هذا الهجوم تزامن، مع انطلاق محاكمة 20 شخصا تتراوح أعمارهم بين 23 و33 عاما، أمس، بتهمة الانتماء إلى “أخطر شبكة إرهابية” في فرنسا، يشتبه بعلاقتها في الهجوم على متجر يهودي عام 2012، والتخطيط لاستهداف عسكريين والقيام بزيارات إلى سوريا، بعد إحباط مخطط هجوم كان يستهدف الانتخابات الرئاسية.
وقبل ذلك، حذّرت المخابرات الداخلية الفرنسية من “تهديدات جدية” ضد أبرز المرشحين للانتخابات، على غرار فرانسوا فيون مرشح اليمين المحافظ، أو إيمانويل ماكرون، مرشح الوسط، حسب ما كشفته صحيفة “لوجورنال دو ديمانش” الفرنسية.
كثّفت قوات الشرطة الفرنسية من حملات تفتيش، ورفّعت السلطات من الإجراءات الأمنية الخاصة بالانتخابات
وحسب الصحيفة، فإن المرشح اليميني المحافظ، فرانسوا فيون، ومرشح الوسط إيمانويل ماكرون، من أبرز المستهدفين المحتملين، وفق ما نقلت الصحيفة عن مصادر مقربة من المرشحين، التي أكدت تعدد التحذيرات الأمنية من اعتداءات إرهابية ضدهما، ومطالبة الأجهزة الأمنية الرسمية، من فرق حماية المتنافسين على الفوز بتعزيز الإجراءات الأمنية المقررة.
تأهب أمني كبير
وكانت السلطات الفرنسية، قد ألقت الثلاثاء، القبض على رجلين في مدينة مارسيليا الساحلية (جنوب)، يشتبه في تحضيرهما لاعتداء “وشيك وعنيف” يسبق الدورة الأولى للانتخابات الفرنسية، حسب وزير الداخلية الفرنسي ماتياس فيكل، الذي أكّد اعتقال 19 شخصا في إطار تدابير مكافحة الإرهاب، في شهر مارس الماضي.
في غضون ذلك، كثّفت قوات الشرطة الفرنسية من حملات تفتيش، ورفّعت السلطات من الإجراءات الأمنية الخاصة بالانتخابات والمرشحين لضمان الأمن، خلال الدورة الأولى للانتخابات الرئاسية التي تُجرى الأحد المقبل، والدورة الثانية في 7 مايو، ووضعت فرنسا50 ألف شرطي ودركي لتأمين مكاتب الاقتراع التي يبلغ عددها 67 ألف مكتب.
رؤية أبرز المرشحين للإرهاب
هذا الهجوم ألقى بضلاله مباشرة على مرشحي الرئاسة، لمرشحون الأبرز للرئاسة، إذ ألغت مرشحة اليمين المتطرف مارين لوبان ومرشح اليمين فرانسوا فيون ومرشح الوسط إيمانويل ماكرون آخر الجولات الانتخابية المقررة اليوم الجمعة.
وسبق للمرشّح الرئاسي الوسطي إيمانويل ماكرون، أن قال إنه لن يتخذ أي خطوات جديدة فيما يتعلق بالإرهاب، واستبعد ما وصفه بالسياسات الرمزية، مثل سحب الجنسية الفرنسية من المتورطين في أعمال إرهابية من ذوي الجنسية المزدوجة، وهي سياسات قال إنها ستقسم البلاد. وأضاف أنه لن يقبل أبدًا أن يوسم الناس بناء على دينهم أو معتقداتهم، كما أنه يرفض أي تعصب على أسس دينية، وقال إن الأمر المهم هو جعل الإجراءات الأمنية المتخذة حاليًّا أكثر فعالية.
تعهّد فرانسوا فيون، طيلة حملته الانتخابية باتخاذ إجراءات ضد الجماعات “الشمولية
مقابل ذلك، كانت رؤية مرشحة اليمين المتطرّف مارين لوبن لمسألة الإرهاب أكثر تشدّدا، إذ وعدت في برنامجها الانتخابي بتعليق الهجرة وترحيل الأجانب الذين لهم سوابق أمنية وصلات بالتطرف، ومزيد من تحصين الحدود الفرنسية، وإغلاق مساجد السلفيين”، وحظر “اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا”، وحماية الناخبين من العولمة وتعزيز الأمن، في مسعى منها لاستثمار هذه النقطة لتعزيز حظوظها في الانتخابات نحو قصر الإليزيه، وإقناع الناخبين المترددين وكذلك الذين قد يمتنعون عن التصويت الذين يشكلون نحو 30% من نسبة الناخبين.
فيون إلى جانب ماكرون ولوبن
أما المرشح الرئاسي الأخر، فرانسوا فيون، الذي أعلنت حملته أنه كان معرضاً لمحاولة اغتيال خلال المؤتمر الذى جمعه، الجمعة الماضية بأنصاره في مدينة ليل، والذي يعرف بعدائه الشديد لجماعات الإسلام السياسي، فقد تعهّد طيلة حملته الانتخابية باتخاذ إجراءات ضد الجماعات “الشمولية”، وسبق له أن طالب باتخاذ إجراءات وقائية للحد من الهجمات الإرهابية التي تعرضت لها بلاده في 2016، وقال فيون قبل ذلك إنه يريد رقابة صارمة مع حل كل المنظمات المرتبطة بالتيارات السلفية والإخوان في العالم، وصرّح قبلها بأنه لا وجود لإشكال ديني في فرنسا ولكن هناك مشكلة مرتبطة بالإسلام، مشيرًا إلى أن “العدو” يتمثل في الشمولية الإسلامية، خاصة انها تهدف إلى خلق ظروف اندلاع حرب عالمية ثالثة.
اليمين المتطرّف أكبر مستفيد
مع اتساع رقعة الارهاب في فرنسا وارتفاع عدد ضحاياه، يؤكّد خبراء أن اليمين المتطرّف أكبر المستفيدين من هذه الهجمات، إذ يطمح مرشحيه إلى استثمارها في تعزيز حظوظهم في الانتخابات. وتطمح مرشّحة اليمين المتطرّف في الانتخابات الرئاسيّة الفرنسيّة، وتحديداً “الجبهة الوطنية” بقيادة مارين لوبان، التي اتخذت عداء المسلمين والمهاجرين شعارا لها في حملتها الانتخابية إلى إعادة السيناريو الأمريكي والبريطاني من خلال خطابها الشعبوي.
مارين لوبن
ويتخوّف العديد في فرنسا، من تكرٍّ هذا السيناريو المتمثل في وصول لوبن التي وصفت نفسها قبل أشهر بأنها “مرشحة الشعب القادرة على جمع الفرنسيين”. وتقيم في فرنسا أكبر جالية مسلمة في أوروبا، وتقدر بنحو خمسة ملايين مسلم، واقترع غالبيتهم في الانتخابات الرئاسية الماضية لمرشح الحزب الاشتراكي، الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند، حيث صوت 86% من المسلمين في الانتخابات الرئاسية السابقة لصالحه فى الدورة الثانية من الاقتراع (ضمن 51.6% حصل عليها بشكل عام).