أماطت معركة “طوفان الأقصى” التي شنتها المقاومة الفلسطينية بقيادة كتائب عز الدين القسام، الذراع العسكرية لحركة حماس، في 7 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، عن تطور نوعي في أداء وتسليح المقاومة المحاصرة في قطاع غزة منذ بداية انتفاضة الأقصى عام 2000.
وكان واضحًا هذا الأمر منذ اللحظات الأولى للمعركة، حينما دشّنت المقاومة الفلسطينية هذه الأنواع من الأسلحة التي لم تخطر ببال الكثيرين أن تكون قد عملت على تطويرها، أو حتى صناعتها لاستخدامها في المواجهة ضد الاحتلال الإسرائيلي.
وتنوعت هذه الوسائل القتالية بين الأدوات الهجومية وتلك الدفاعية وبين ما يستخدم بشكل صاروخي أو برّي أو بحري أو حتى جوي، وهو ما عزز من صدمة المنظومة العسكرية والأمنية الإسرائيلية التي عملت منذ سنوات على ترديد مقولة إن المقاومة وحركة حماس مردوعتان.
وخلال المواجهات التي شهدها القطاع منذ عام 2008، كانت استراتيجية المقاومة، وتحديدًا حركة حماس، تقوم على عنصر الصدمة للاحتلال من خلال الأساليب والتكتيكات العسكرية المستخدمة في المواجهة ضد الجيش الإسرائيلي، وهو ما أربك الحسابات العسكرية في أكثر من مناسبة.
ومنذ عام 2014، لم تنفذ القوات العسكرية الإسرائيلية أي عملية برّية ضد القطاع، وبات العمل من الجو هو السلاح الوحيد الذي يستخدمه الاحتلال الإسرائيلي في المواجهة مع المقاومة الفلسطينية، إلى جانب سلاح المدفعية عبر الدبابات القريبة من السياج الفاصل مع غزة.
ومنذ عام 2000 عمدت المقاومة الفلسطينية إلى تطوير سلاحها عبر عدة مسارات، كان المسار الأول يقوم على تهريب السلاح من الخارج نحو القطاع، والمسار الثاني يقوم على صناعة السلاح الخاص بالمقاومة محليًّا عبر الكوادر والناشطين فيها.
مراحل التطور.. بداية الصناعات
بدأت كتائب القسام عملها العسكري بتصنيع أسلحة نارية خفيفة وقنابل بدائية يطلق عليها الفلسطينيون اسم “الكوع”، وهي عبارة عن أسطوانة حديدية محشوة بمواد متفجرة تطورت لتصبح عبوات ناسفة، ولاحقًا طوّرت القسام بعض ورش الحدادة البدائية لصنع الذخيرة، حتى تمكنت من صناعة أول صاروخ في أكتوبر/ تشرين الأول 2001 وأطلقت عليه اسم “قسام 1″، لتطلقه في حينه تجاه مستوطنة سديروت، وبلغ مداه آنذاك 3 كيلومترات.
في عام 2002 أطلقت كتائب القسام صاروخًا معدّلًا يحمل اسم “قسام 2” بمدى من 9 إلى 12 كيلومترًا، وبعد ذلك بـ 3 سنوات طوّرت حماس صاروخ “قسام 3” الذي استهدف مدينة عسقلان داخل “إسرائيل” لأول مرة، وبمدى يتراوح بين 15 و17 كيلومترًا.
وخلال حرب عام 2012، كشفت حماس عن صاروخ “إم 75” ذي مدى 80 كيلومترًا، والذي وصل إلى مدينة تل أبيب، وخلال الحرب الإسرائيلية على غزة عام 2014 أطلقت القسام صاروخ “جي 80” على تل أبيب بلغ مداه 80 كيلومترًا، كما كشفت عن صاروخ “سجيل 55” بمدى 55 كيلومترًا، وفي العام ذاته أيضًا استخدم الجناح المسلح صاروخ “آر 160” الذي أطلقه تجاه مدينة حيفا، ويبلغ مداه نحو 160 كيلومترًا.
وفي المواجهة العسكرية عام 2021، استخدمت حركة حماس عبر ذراعها العسكرية ولأول مرة صاروخ “كيو 12-20” الذي يتراوح مداه بين 12 و20 كيلومترًا، ويحمل رؤوسًا متفجرة ذات قدرة تدميرية عالية، وفي العام نفسه قصفت مدينتَي القدس وتل أبيب عن طريق صاروخ “أي 120” الذي يحمل رأسًا متفجرة بقدرة تدميرية عالية، ويصل مداه إلى نحو 120 كيلومترًا.
وأطلقت القسام عام 2021 أيضًا صاروخ “SH85” الذي يصل مداه 85 كيلومترًا تجاه مطار بن غوريون في تل أبيب، كما أطلقت صاروخ “عياش 250” الذي يصل مداه 220 كيلومترًا تجاه مطار رامون جنوبي فلسطين المحتلة، والذي يعتبر الصاروخ الأحدث.
وإلى جانب ذلك، يدور الحديث عن الصواريخ الواردة من إيران، والتي هي عبارة عن صاروخ “فجر 3” يبلغ مداه 43 كيلومترًا وصاروخ “فجر 5″ يبلغ مداه 75 كيلومترًا، و”إم 302” يبلغ مداه 180 كيلومترًا، فضلًا عن الصواريخ الأخرى الموجودة لدى بقية الفصائل الفلسطينية مثل الجهاد الإسلامي وغيرها.
طريق المسيّرات.. مزيد من التطوير
شهدت معركة “طوفان الأقصى” استخدامًا من قبل المقاومة الفلسطينية للطائرات المسيّرة، التي عملت كوادرها على تطويرها خلال السنوات التي تلت عام 2006 وحتى المعركة الحالية، لتحويلها إلى أدوات دفاعية وهجومية وأخرى انتحارية يمكنها تنفيذ عدة مهمات.
وبالحديث عن سلاح الطيران، فقد بدأت المحاولات الأولى لذلك عام 2006 من خلال وفد هندسي تابع للقسام كان يتواجد في الأراضي السورية، قبل أن يتطور المشروع بمشاركة المهندس التونسي محمد الزواري الذي لعب دورًا بارزًا في تطوير هذا المشروع.
وشهد عام 2014 أول استخدام لسلاح المسيّرات من خلال الطائرة دون طيار التي حملت اسم “أبابيل”، والتي حلقت حتى وصلت مقر الكرياه حيث تقع وزارة الحرب الإسرائيلية في تل أبيب، قبل أن تكشف القسام عن امتلاكها 3 أنواع من طائرات أبابيل، وهي أبابيل استطلاعية وأبابيل هجومية وأبابيل انتحارية.
وعلى إثر ذلك، أصبحت المسيّرات جزءًا من المواجهة العسكرية بين حماس والاحتلال، الأمر الذي ظهر خلال المواجهة الحالية، إذ تمكنت إحداها من تفجير دبابة إسرائيلية، فضلًا عن سلسلة من الإعلانات لتنفيذ عمليات في عدة مناطق بالأراضي المحتلة.
ونجحت المقاومة في تطوير المسيّرات لتحمل مقذوفات متفجرة تصيب أهدافها بدقة عالية، وهو ما تحقق بالفعل عند مشاركتها في تمهيد عبور عناصر القسام إلى محيط غزة، وفي مايو/ أيار 2021 كشفت القسام عن الطائرة المسيّرة “شهاب” محلية الصنع، والتي استهدفت منصة للغاز بعرض البحر المتوسط قبالة ساحل شمال غزة، واستهدفت أخرى تجمعًا للجنود في موقع كيسوفيم العسكري.
وكما هو معروف، فإن الطائرات المسيّرة بإمكانها التحليق على ارتفاع منخفض لتجنُّب رصدها بالرادار حتى تصل إلى هدفها، ويمكن استخدامها ضمن سرب من الطائرات المسيّرة وصواريخ “كروز”، للتغلب على الدفاعات الجوية لضرب هدف استراتيجي في قلب العدو.
قدرات بحرية وشراعية.. المقاومة تضرب من كل مكان
تمتلك المقاومة الفلسطينية وحركة حماس وحدات بحرية يطلق عليها اسم “الكوماندوز البحري”، كشفت عنها لأول مرة في الحرب الإسرائيلية على غزة عام 2014، حين نفّذت هجومًا على موقع زكيم العسكري القريب من الحدود البحرية بين غزة والأراضي المحتلة.
ولاحقًا، كشفت القسام امتلاكها لغواصات بحرية وطرّادات بحرية سريعة ومعدّات غوص تستخدمها قوات الكوماندوز البحري، ضمن مهام تدريب ومحاكاة لمناورات ضد البحرية الإسرائيلية، كما أن الوحدات البحرية تستخدم أنفاقًا خاصة تحت سطح الماء للتحرك والتهريب، ولديها عدد من القوارب القابلة للتفخيخ والعبوات الناسفة العائمة لمهاجمة الأهداف البحرية.
وشهدت معركة “طوفان الأقصى” إفصاح المقاومة الفلسطينية عن استخدام كوادرها طائرات شراعية في المواقع التي اقتحمتها عناصرها، الأمر الذي شكّل مفاجأة للإسرائيليين، حيث تم استخدام “باور باراشوت” (مظلات الطاقة)، إذ ظهرت عناصره لحظة انطلاقها على متن مركبة صغيرة بـ 3 إطارات معلقة في مظلة.
وتجمع الطائرات الشراعية بين ميزة المظلة التقليدية التي يتم استخدامها للهبوط من الطائرات العسكرية، وقوة الدفع التي توفرها محركات تعمل بالطاقة، وذلك لمنحها القدرة على الانطلاق من الأرض، واتخاذ مسارات محددة بقوة دفع يمكن التحكم بها عن طريق المظلي الذي يستخدمها.
وهذا النوع من الطائرات يشبه إلى حد قريب الطائرة المخصّصة لنقل فرد أو اثنين، وتحلّ محل الجناحَين في الطائرات التقليدية، بينما يتم تزويد المركبة المعلقة بها بمحرك ومروحة خلفية لمنحها قوة الدفع اللازمة، ويمكن للطائرة الشراعية التي استخدمها عناصر القسام الانطلاق بسرعة تتراوح بين 40 و60 كيلومترًا في الساعة، مع قدرتها على الوصول إلى ارتفاعات تتجاوز 5 آلاف و700 متر فوق سطح البحر.