خطوات عدة أقدم عليها ترامب منذ وصوله للبيت الأبيض 20/1/2017 قبل أن تتضح خطته بعناوينها العريضة تجاه سوريا، بحسب ما كشفت وكالة “أسوشيتيد برس” عن رؤية كاملة لإدارة ترامب تقتضي استراتيجية أمريكية كاملة لوضع نهاية للملف السوري، تحقق في نهاية المطاف المطلب الأول للشعب السوري للإطاحة بالأسد.
إزاحة الأسد تأتي بعد تنفيذ البندين الأول والثاني المتمثلين بمحاربة داعش، وتحقيق الاستقرار في سوريا، عبر وساطة أمريكية بين النظام والمعارضة لوقف النار وتحقيق مناطق استقرار تساهم بها حكومة النظام تختلف عن المناطق الآمنة التي دعا إليها سلفه أوباما طيلة فترة حكمه.
وقبل الخوض في مطبات وثغرات الخطة الأمريكية الأخيرة، ثمّةَ نقاط مهمة لا بد من الإشارة إليها لتوضيح المفارقة بين سلوك ترامب وما كشفت عنه وكالة أسوشيتيد.
قرر ترامب الخروج من دائرة الخطر إلى دائرة الظهور والتألق، من بوابة الشرق الأوسط التي رأى فيها زاوية النجاة لكل الوعود
بعد سيل من الاتهامات لترامب من خصومه بشأن كيفية وصوله للسلطة التي رافقتها سلسلة مظاهرات في معظم الولايات الأمريكية، قرر ترامب الخروج من دائرة الخطر إلى دائرة الظهور والتألق، من بوابة الشرق الأوسط التي رأى فيها زاوية النجاة لكل الوعود التي ما زال يقف عاجزًا عن تنفيذها، كإلغاء “أوباما كير” بما يعرف بالتأمين الصحي وقانون منع سبع دول من دخول أمريكا.
ثلاث رسائل وجهها ترامب قبيل صدور التقرير الواضح أنه جاء كردٍ على روسيا التي اتهمت ترامب أنه لا يمتلك إلى الآن استراتيجية واضحة لسوريا، إضافة إلى تلغيم الخطة ببالون كبير لدول المنطقة لمعرفة ردود الفعل ثم البناء عليها.
من هنا يتضح أن كل شيء يخضع للتبديل والتفاوض، كما عودتنا أمريكا بسياستها على مدار ست سنوات.
رسم ترامب طريق الظهور بصورايخ توماهوك إلى قاعدة الشعيرات في السابع من نيسان الحالي، وأرسل قوةً بحرية مرابطة في سواحل كوريا الشمالية، ثم قام بتوجيه ضربة لتنظيم القاعدة في أفغانستان بقنبلة حرارية استعرض من خلالها حجم القوة التدمرية، لتعود عليه بالقوة وتعيد شأنه كبطل قوي أمام عنجهية كوريا وروسيا وإيران.
انتصارات عسكرية وسياسية كانت كفيلة بتلميع شخصية ترامب أمام خصومه وحلفائه، كرجل يحسب له حساب
انتصارات عسكرية وسياسية كانت كفيلة بتلميع شخصية ترامب أمام خصومه وحلفائه، كرجل يحسب له حساب، لا سيما بعد وضوح ملامح استراتيجية الأخيرة عقب انتهاء زيارة وزير الدفاع جيم ماتيس إلى دول الحلفاء قطر والسعودية.
بغض النظر عن الخطة، فقد بدا واضحًا أن ترامب يسير بخطى متوازية، فمحاربة داعش تعني تحجم إيران وتقليص شراكتها مع روسيا وجميعها سيقود بالضرورة إلى الإطاحة بالأسد.
هذا السلوك يختلف عما كشفت عنه وكالة أسوشيتيد لعدة أمور أولها:
الخطة الأمريكية وفق التقرير فضفاضة ولا تنهي الأسد
محاربة داعش بشكل أحادي تناقض التصريحات الأخيرة للموقف الأمريكي حيال الأسد ووضعه أولوية، بعدما قام الأخير بمجزرة في خان شيخون، إذ تغيرت بين ليلة وضحاها كل الأولويات للإدارة، ووضعت نصب عينيها أولوية سقوط الأسد، مما يظهر هنا الثغرة الأولى في الخطة الهلامية.
علاوة في ذلك، فإن محاربة داعش قد تستغرق وقتًا طويلًا وهو ما غاب عن التقرير الحقيقة القائلة إن إدارة أوباما الداعمة للثورات المضادة هي التي ساهمت في انتشار الفوضى في كل المنطقة، وساهمت بتقوية نظام داعش الذي يمتلك دائمًا عنصر المباغتة.
إذا ما استمر ترامب في الاعتماد على القوات المحلية بدعمه لقوات سوريا الديمقراطية، فهذا قد ينعكس عليه سلبًا في خلق إرهاب جديد بين العرب والأكراد
حرب الموصل خير دليل، فنراها اليوم دخلت مرحلة الاستعصاء بعدما وصلت المعارك إلى الجزء الشمالي من غربي الموصل في الأحياء القديمة.
وإذا ما استمر ترامب في الاعتماد على القوات المحلية بدعمه لقوات سوريا الديمقراطية، فهذا قد ينعكس عليه سلبًا في خلق إرهاب جديد بين العرب والأكراد، إلا إذا اللهًّم قرر حسم ورقة الأكراد بشكل نهائي والاستعاضة عنها بالحليف التركي الذي عاد بقوة مرحبًا به في المنطقة بعد نجاحه بالاستفتاء الأخير، والذي أكسب تركيا قوةً إضافية تفرض نفسها كلاعب قوي أكثر من ذي قبل، ومن المعروف أن معركة الرقة شارفت على البدء في الأيام القريبة، وهي المعركة التي ستضع إدارة ترامب على المحك في حال ازدادت شراسة التنظيم في الدفاع عن نفسه في آخر معاقله في سوريا.
تحقيق الاستقرار والمناطق الآمنة
إذا ما قرر ترامب تحقيق مناطق استقرار بشكل منعزل عن محاربة داعش وبمساعدة حكومة النظام، هذا سيكلفه المزيد من المصاعب لتهيئة الأجواء لها، وسط غياب الثقة بكل المكونات على الأرض، ومن المعلوم أن تهيئة هذه المناطق تحتاج إلى قوات حماية دولية عربية وإلا سيكون مصيرها كما خروقات النظام الدائمة في وقف النار.
وإذا ما قرر ترامب عدم إرسال المزيد من القوات الأمريكية إلى سوريا بحسب آخر التصريحات من البيت الأبيض، فسيكون مصير هذه المناطق كوعود أوباما في تحقيق المناطق الآمنة، وبالتالي على ترامب أن يحسم هذه الجدلية بإرسال قوات دولية عربية تكون مهمتها الأساسية حماية هذه المناطق مع مواصلة حربه على داعش وطردها من سوريا.
عقدة مصير الأسد
رحيل الأسد بحسب الخطة المعلنة جاء فيها خيارات عدة للإطاحة به، أولها من بوابة جنيف وأستانة وقبوله بالتنحي مقابل عدم الملاحقة له قضائيًا، وهو ما يضمن للأسد ملاذًا آمنًا في روسيا أو إيران، وهذا ما لن يرضى الشعب السوري، فيما يأتي الخيار الثاني عن طريق دستور جديد مع إجراء انتخابات يُمنع الأسد من الترشح بها مع التلويح بمحاكمته دوليًا، وفي حال الرفض يبقى الخيار الأخير أن يكون مصيره كمصير القذافي على يد معارضيه.
من الواضح أن هذه الخيارات لمصير الأسد هي عروض تقدمها أمريكا لروسيا لاختيار إحداها، في خطوة توضح اهتمام الجانب الأمريكي بالدور الروسي، فواشطن هدفت من هذه الخطوة رسم مخرج نجاة لروسيا من المستنقع السوري لمنع المواجهة المباشرة بينهما، إلا أن هذا البند لا يخلو من حجر عثرة أمام ترامب، فكيف يمكن إنهاء الأسد دبلوماسيًا وروسيا ما زالت تقدم له الغطاء العسكري على الأرض وسياسيًا تمتلك الفيتو.
الثغرة في عقدة مصير الأسد الواضحة في التقرير تختلف عن المسعى الحالي لترامب الذي لا يلقي بالًا بتمسك روسيا بالأسد
ولم تمض ساعات قليلة حتى ردت موسكو على الخطة الأمريكية على لسان سيرغي لافروف، أنها تمتلك خطة واضحة للملف السوري عبر تمسكها بقرار مجلس الأمن 2245″ وهو ما يفسر حتى الآن تمسك روسيا بالأسد، في انتظار عروض أكثر إغراءً من ترامب متعلقة بالملف الأوكراني ورفع العقوبات وشرح ماهية الضمانات الأمريكية لحماية مصالح روسيا في الساحل السوري وطرطوس مقابل رفع يدها عن الأسد.
الثغرة في عقدة مصير الأسد الواضحة في التقرير تختلف عن المسعى الحالي لترامب الذي لا يلقي بالًا بتمسك روسيا بالأسد، إذ ثمة بوادر حلف عربي مع واشطن وعودة للعلاقات الدافئة، ظهرت عقب نهاية جولة وزير الدفاع ماتيس إلى دول الجوار والتصريحات النارية التي أطلقها ضد إيران بوصفها راعية الإرهاب والمطالبة بمراجعة الاتفاق النووي، وكلامه عن الأسد بأنه لا يزال يملك أسلحة كيماوية، جميعها تدخل في سياق الخطة الحقيقة لترامب المقتنع أن أي خروج للأسد سياسيًا أو عسكريًا يجب أن يسبقه خروج مليشيات إيران وحزب الله حينها يكون نهاية الأسد تحصيل حاصل.
الحقيقة الماثلة أمامنا هي أن الأسد لم يعد بإمكان أي طرف إعادة إنتاجه
موسكو بلا شك سيكون وضعها حرجًا أمام هذه الحراك العربي الأمريكي ضد إيران وقد ترضخ بنهاية المطاف لكل الإملاءات الأمريكية، والسبب بسيط فهي ليست قادرة على مواجهة ترامب عسكريًا ولا سياسيًا ولا اقتصاديًا، الأيام القادمة ستكون حبلى بالمفاجآت، فقد بدا واضحًا، أن واثق الخطوة يمشي ملكًا، فقط يبقى لعامل الوقت كلمة الفيصل حتى تتضح أكثر سياسية ترامب ليس فقط للملف السوري بل لكامل منطقة الشرق الأوسط.
الحقيقة الماثلة أمامنا هي أن الأسد لم يعد بإمكان أي طرف إعادة إنتاجه، انتهى إلى غير رجعة، ولن تستطيع روسيا أن تقدم صفقات إحياء الموتى إذا ما استمر ترامب في التصعيد لعودة الهيبة الأمريكية، ولن تعود هذه الهيبة إلا بالإطاحة بالأسد أولًا وأخيرًا.