أسطح حمراء أنيقة، بساتين زهور ملونة، حدائق طبيعية وبحيرات وشلالات، غابات ووديان، تلال وسهول، ثلوج في الشتاء وخضرة في الربيع تغطي كامل أنحاء المدينة، إنك في “إفران” عروس جبال الأطلس.
رائحة المدن تحط الرحال في جولتها الأسبوعية في مدن المغرب العربي، في جبال الأطلس المغربية حيث تقع مدينة إفران التي شيدت وصممت على الطراز الأوروبي فوق تلة صغيرة من تلاله.
طبيعة خلابة تدثرت باللون الأخضر
خلال هذه الأيام وطيلة فصل الربيع والصيف تتزين “إفران” بلون أخضر رائع، بعد أن نزعت عنها رداءها الأبيض الناصع الذي تلتحف بيوتها وأشجارها وأرصفتها وطرقها به طيلة أشهر الشتاء البارد، فحيثُما وليت وجهك ثمة خُضرة، على أغصان الأشجار الباسقة وعلى أرضِ الحدائق، وجنبات الأحواض والشلالات المائية، وفي الساحات العامة وفي كل مكان.
غابات المدينة
في هذه الفترة من كل سنة، تستقبل المدينة التي حباها الله جمالاً وزادها الإنسان روعة، زوارها من المغربيين والمقيمين والأجانب، الذين يفضلون التمتع بجاذبية شلالاتها المائية الدائمة الجريان وطبيعتها الخضراء الخلابة، التي خولت لها أن تكون من أشهر المنتجعات السياحية لعشاق السكينة والطبيعة والاستكشافات، في عمق جبال الأطلس المتوسط وسط الفضاءات الخلابة.
تعني “إفران” باللهجة الأمازيغية المحلية الكهوف، وتسميتها مستوحاة من المغارات المنتشرة في محيطها
أطلق عليها البعض لقب “الجوهرة”، فيما أسماها آخرون “سويسرا المغرب”، لمواصفاتها ومؤهلاتها السياحية، حتى تغنى بجمال أغصانها وبساتينها، الشعراء والمبدعون من ذلك ما قاله فيها المغني المغربي الراحل إبراهيم العلمي، الذي أنشد أغنيته الواسعة الانتشار “ما أحلى إفران وما أحلى جماله”.
تساقط أوراق الشجر خلال فصل الخريف
وتعني “إفران” باللهجة الأمازيغية المحلية الكهوف، وتسميتها مستوحاة من المغارات المنتشرة في محيطها، أما اسمها القديم باللهجة المحلية فهو “أورتي” أي الحديقة أو البستان، ويرجع تاريخها الحديث إلى سنة 1928، حيث قررت الحماية الفرنسية بناء قاعدة عسكرية في هذا المكان، ومن ثم عرفت بإفران.
وتحيط بمدينة إفران من كل جانب، غابات الأرز والبلوط الأخضر وأشجار السيكامور والكستناء والزيزفون النادرة، فاتحة ذراعيها تستقبل عشاقها، حيث تطيب لهم الأوقات هناك وترق لهم النسمات العليلة، بعد أن عرفت هذه الغابات في وقت مضى بتاريخ المقاومة المغربية، وتسكن رحابها أنواع من الطيور والحيوانات النادرة التي تعجب رؤيتها السياح.
شلالات وبحيرات
إضافة إلى جمال أشجارها وحدائقها وزهورها، تمتاز المدينة أيضًا بشلالاتها وبحيراتها ومائها المتدفق الرقراق في شلالات “زاويات واد إفران” و”شلالات العذراء”، بسبب التساقطات الثلجية التي تغمر المكان كل عام في فصل الشتاء، فتجعل منها مدينة فاتنة وساحرة، تستقطب السياح الذين يبحثون عن الراحة والهدوء والابتعاد عن صخب المدن الكبرى، وتمنحهم رؤية رومانسية خاصة لحظة تدفق المياه بغزارة.
بحيرات إفران
وتعتبر عين “فيتيل “المائية الكبيرة التي توفر جولات قصيرة عبر مراكب صغيرة يمكن إيجارها في عين المكان، إحدى أبرز البحيرات التي ينصح زيارتها، بالإضافة إلى بحيرة “ضاية عوا” المائية وسط الأشجار، التي تعتبر من الأماكن المفضلة لدى عامة العائلات والسياح للاصطياف والتنزه، وأيضًا “ضاية إفراح” وهي من أكبر بحيرات الأطلس المتوسط وغالبًا ما تكون مغطاة بالثلوج، في منظر أخاذ يسحر الألباب، وتوفر هذه البحيرات والوديان إمكانية واسعة أمام محبي الصيد لممارسة هواياتهم، في أفضل الظروف لوجود أنواع كثيرة من الأسماك.
عمارة أوروبية
عند دخولك وسط المدينة يعترضك مباشرة أسد الأطلس حامي إفران، الذي نحته إزميل فنان إيطالي أسره الفرنسيون خلال الحرب العالمية الأولى، فقام بدوره بأسر أسد الأطلس المهدد بالانقراض، حسب روايات السكان القدماء للمنطقة، ويرمز هذا التمثال، الذي أصبح رمزًا وعلامة للمدينة، إلى أسد الأطلس المنقرض، الذي عاش لسنوات طويلة بالمنطقة، بعد أن استقدمه الرومان لقتال المجالدين والمجرمين المحكوم عليهم بالإعدام في الكولوسيوم.
أسد المدينة الذي يحرسها
عند بداية بنائها سنة 1928، سعى الفرنسيون إلى إنشائها بمواصفات أوروبية وتصميم هندسي فرنسي، وفق نموذج “مدينة الحدائق” (جاردن سيتي) السائد حينذاك في مدن أوروبا الغربية، فتم إنشاء شاليهات صيفية على طراز منازل جبال الألب، المحاطة بالحدائق والشوارع المنحنية تحمل أسماء نباتات ومحفوفة بالأشجار.
تصنف مدينة إفران كواحدة من أنظف المدن في العالم وفق أحدث التصنيفات في هذا الشأن
ويخيل لكل من زارها، بقرميد منازلها الحمراء، وشوارعها الشاسعة، وساحاتها الفسيحة، واحترامها التام لخصوصيات زوارها من المواطنين والسياح الذين يقبلون عليها شتاءً للتزلج، وربيعًا للتنزه، وصيفًا للاستجمام والتخييم في ربوعها، وخريفًا للتمتع بالهدوء الذي لا يكسره سوى تساقط الأوراق الصفراء المذهبة على جذوع الأشجار، أنها قطعة من أوروبا.
منازل المدينة
وصنفت مدينة إفران كواحدة من أنظف المدن في العالم وفق أحدث التصنيفات في هذا الشأن، ويعود هذا إلى أن لدى هذه المدينة 100% من احتياجاتها من المياه والهواء النظيفين، حيث لا دخان للمصانع، ولا هدير للشاحنات، ولا منبهات قوية للسيارات، ولا وجود لأي مصدر للإزعاج، وإضافة إلى النظافة، تتميز مدينة إفران بالأمن، ففي المدينة من النادر أن يسمع سكانها عن وقوع جريمة وهو ما يجذب السائحين إليها بشدة.
مقصد محبي المغامرات والتزلج
إضافة إلى محبي الطبيعة وعاشقي عمارتها الفريدة، تمثل إفران مقصدًا لمحبي الاستكشافات والمغامرات، فهي توفي لهم كل المقومات لمزاولة هواياتهم الرياضية، مثل التسلق وامتطاء الدراجات الهوائية والصيد والرحلات الجبلية الاستكشافية.
ركوب الخيل في غابة إفران
ليس هذا فقط، فهي أرض لمحبي رياضة الفروسية وركوب الخيل، الذين يمكنهم النادي الملكي للفروسية “في ضاية عوا” من فرصة التمتع بجمال الطبيعة، واكتشاف التراث الثقافي والرصيد المعماري للمدينة فوق ظهور الخيل.
تحولت إفران إلى أجمل مدن المغرب بفضل معمارها ذي الطابع الخاص
وتتحول المدينة خلال فصل الشتاء إلى منتجع سياحي، يستهوي محبي التزلج الذين يجدون في مرتفعات إفران متنفسًا ومكانًا لقضاء وقت ممتع في ممارسة رياضة التزلج.
رياضة التزلج على الجليد
بعد أن كانت كهوفًا ومغارات موحشة، تحولت إفران إلى أجمل مدن المغرب بفضل معمارها ذي الطابع الخاص وبحيراتها وشلالاتها ووديانها المنسابة وسط غابة الأرز الفيحاء، لتشكل فسيفساء هوتها أعين السياح.