تعد المناطق الصناعية أحد أهم مقومات تسريع التنمية الاقتصادية في البلاد، وتطورها مؤشر مهم على تطور الاقتصاد وجذب للاستثمارت المحلية والأجنبية، وقد سعت العديد من الدول العربية في العقد الماضي إلى إنشاء مناطق صناعية، من بينها سوريا ومصر والمغرب ودول أخرى، وعكفت تلك الدول على التعاقد مع الصين لإنشاء تلك المدن.
أهمية المناطق الصناعية وأهدافها
لا بد لكل نهضة اقتصادية في كل بلد من عامل كبير يسهم في تلك النهضة، ففي الإمارات العربية المتحدة على سبيل المثال، أسهمت المناطق الصناعية هناك وفي إمارة دبي خاصة إلى رفع سوية القطاع الصناعي والوضع الاقتصادي العام، إذ تعتبر منطقة دبي الصناعية ثاني أكبر مشروع غير عقاري في الإمارة، وتضم نحو 150 شركة منها شركات كبرى مثل باسف وإيكيا.
ويعود الفضل في جذب مئات الشركات إلى تلك المناطق، أن المنطقة تسلحت بالمرافق اللازمة لإقامة أي مشروع صناعي مثل الكهرباء والمياه، والطرق والري والاتصالات، وأي خدمات لوجستية تسهيلية للمستثمرين الراغبين بإقامة مصانعهم في المنطقة، كما وفرت 23 منطقة تجارية حرة في دبي فرصة لتكون مركزًا للشركات التي تود الانطلاق من دبي نحو العالم، إذ تم تقديم إعفاءات جمركية على الصادرات والواردات تشجيعًا للشركات لتأسيس أعمال لها، وتحفيز التجارة في الإمارة.
ستكون الشركة الصينية هي المستثمر الرئيسي في المدينة الصناعية الجديدة التي تبلغ مساحتها 11.7 كيلومتر مربع، ويقدر إجمالي الاستثمارات التي سيتم ضخها بها حتى عام 2022 بـ10.7 مليار دولار
من الناحية العملية تنبع أهمية المناطق الصناعية في أي بلد، في توفير فرص جاذبة للاستثمارات من خلال تسهيل حصول المستثمرين على الأرض والبنى التحتية بأسعار مشجعة للغاية، وتحقيق انتشار جغرافي متوازن للصناعة والاستثمارات الصناعية، وتوفير فرص عمل جديدة وتسريع حركة التنمية الصناعية والنمو الصناعي، وتوطين النشاطات الصناعية القائمة داخل المدن بتشجيع انتقالها إلى المناطق الصناعية للحد من استنزاف الموارد المائية والتأثير البيئي في مناطق التجمعات السكانية.
أما عن العوامل الجاذبة للاستثمارات إلى المناطق الصناعية فترتبط بعدة عوامل مهمة على الدول الأخذ بها، ومن بين تلك العوامل البيئة التنظيمية والقانونية للدولة والتي تتضمن إنشاء الشركات، الحصول على الرخص، قوانين العمل، سهولة إدارة التجارة الدولية، تسجيل الملكية.
العوامل الجاذبة للاستثمارات إلى المناطق الصناعية، البيئة التنظيمية والقانونية للدولة والتي تتضمن إنشاء الشركات، الحصول على الرخص، قوانين العمل، سهولة إدارة التجارة الدولية، تسجيل الملكية
وكذلك النظام الضريبي المعتمد في الدولة وقياس التكلفة والوقت المطلوب لدفع الضرائب، حيث تعد الاعتبارات الضريبية حافزًا أو مثبطًا ماليًا مهمًا لكل من المستثمر المحلي والأجنبي للوجود في منطقة صناعية، نظام الحوافز وطبيعة الشركات التي يمكن أن توجد في المنطقة، على اعتبار أن الحوافز هي جزء من الشروط التي تسهم في إنجاح المنطقة، كما تعد تكاليف التشغيل من أهم العوامل الجاذبة للاستثمار في المنطقة الصناعية فالقوانين المتعلقة بتشغيل الأيدي العاملة، وتكاليف استئجار المباني، والمرافق، والنقل والخدمات الأساسية في المنطقة، كلها ضرورية لاتخاذ قرار الاستثمار في المنطقة المستهدفة.
المنطقة الصناعية الأكبر في الخليج
حاولت الصين في السنوات الماضية التوغل أكثر في الأسواق الخليجية لتحقيق أهداف تنموية خاصة بها بالدرجة الأولى، وقد أثمرت جهودها في سلطنة عُمان بالاتفاق على بناء مدينة صناعية هي الأكبر في منطقة الخليج العربي، حيث تم وضع حجر الأساس للمدينة الصناعية الصينية العُمانية في منطقة تسمى “الدقم” جنوب العاصمة مسقط تقع على ساحل بحر العرب، وتم توقيع العقد عن الجانب الصيني شركة وانفانغ الصينية بموجب “اتفاقية التعاون ومنح حق الانتفاع والتطوير” لإنشاء المدينة الصناعية الصينية العُمانية بالدقم في 23 من مايو/ آيار الماضي.
تعد الاعتبارات الضريبية حافزًا أو مثبطًا ماليًا مهمًا لكل من المستثمر المحلي والأجنبي للوجود في منطقة صناعية
ستكون الشركة الصينية هي المستثمر الرئيسي في المدينة الصناعية الجديدة التي تبلغ مساحتها 11.7 كيلومتر مربع، ويقدر إجمالي الاستثمارات التي سيتم ضخها بها حتى عام 2022 بـ10.7 مليار دولار، علمًا أن الشركة الصينية وانفانغ أوشكت على الانتهاء من إنشاء البنية الأساسية للمدينة باستثمار يتجاوز 370 مليون دولار.
ومن المقرر أن يتم تقسيم مساحة هذه المدينة إلى “3 فئات رئيسية”، بحيث تكون مساحة الفئة الأولى نحو 870 هكتارًا، فيما ستقام الفئة الثانية على مساحة نحو عشرة هكتارات، وهي أرض غير قابلة للتقسيم تم تخصيصها لتنفيذ “فندق 5 نجوم”، في حين ستقام الفئة الثالثة على مساحة نحو 292 هكتارًا وتم تخصيصها لإقامة مصفاة نفط بسعة 230 ألف برميل يوميًا ومجمع للصناعات البتروكيماوية، حسب ما نقلته وكالة الأنباء الصينية.
المشاريع العملاقة التي ستنطلق في هذه المدينة الصناعية في عُمان سيبلغ حجم استثماراتها 3.2 مليارات دولار
ووفق الاتفاقية الموقعة ستمنح الشركة الصينية المنفذة للمدينة بتخصيص أراضٍ بموجب اتفاقيات حقوق انتفاع من الباطن لمستثمرين صينيين آخرين وشركات صينية، لإقامة مشاريع مختلفة، وتتضمن هذه المشاريع، مشاريع في الميثانول والسولار وصناعة أنابيب الحفر وإنشاء محطة كهرباء ومشروع مجمع سياحي، وستضم المدينة كذلك 35 مشروعًا يتوزع بين الصناعات الخفيفة والمتوسطة والثقيلة، ومشاريع بتروكيماوية، وقال مدير شركة وانففانغ، في كلمة خلال حفل التوقيع إن المشاريع العملاقة التي ستنطلق في هذه المدينة الصناعية سيبلغ حجم استثماراتها 3.2 مليارات دولار.
تعول سلطنة عُمان على هذه المدينة لتنويع اقتصادها وجذب الاسثمارات الأجنبية لتنمية الاقتصاد الوطني، ويبقى التذكير أن توفير الركائز الأساسية للاستثمار مثل توفير الأراضي الصناعية كاملة المرافق والطاقة بسعر مناسب وربط الاستثمار في قطاعات الصحة والتعليم بالواقع المحلي سيوفر المزيد من الدعم لنمو الاقتصاد، وهو ما تتمناه عُمان من المنطقة الصناعية.