من بين ما يقرب من 1636 شخصًا بينهم 137 امرأةً تقدموا للمشاركة في الانتخابات الرئاسية الإيرانية، وافق مجلس صيانة الدستور على قبول طلبات 6 مرشحين فقط لخوض منافسات الدورة الثانية عشرة للانتخابات المقرر لها التاسع عشر من مايو المقبل وسط حالة من الترقب لما ستسفر عنه تلك المنافسات.
الانتخابات الرئاسية الإيرانية هذه المرة تختلف عن المرات السابقة وهو ما يفسر حجم الزخم السياسي والإعلامي حيالها، إذ إنها تأتي في ظل حزمة من الأجواء الملتهبة إقليميًا ودوليًا، أبرزها كونها أول انتخابات بعد الاتفاق النووي الموقع في 2015، وما أثير حوله من جدل وعلامات استفهام خاصة بعد صعود التيار الشعبوي في أوروبا وأمريكا، ناهيك عن التحذيرات المتتالية الصادرة عن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بإلغاء الاتفاق وفرض المزيد من العقوبات على طهران.
سخونة الأجواء المحيطة بطهران تلقي بظلالها على المشهد الانتخابي برمته، إذ إن تحديد اسم الرئيس الإيراني القادم سيترتب عليه العديد من التبعات المحلية والدولية خاصة فيما يتعلق بالعلاقة بالقوى الدولية ومستقبل نفوذ إيران الإقليمي في سوريا والعراق واليمن.
العديد من علامات الاستفهام فرضت نفسها بشأن الأسماء المرشحة لخوض الانتخابات القادمة بحسب ما أعلنه مجلس صيانة الدستور، فضلاً عن استبعاد بعض الأسماء الأخرى، وهو ما يدفع إلى إلقاء الضوء أولاً على الأسماء التي تم الموافقة على طلباتها.
تعد الانتخابات القادمة هي الأولى بعد الاتفاق النووي، مما يعطيها زخمًا سياسيًا وإعلاميًا غير مسبوق
حسن روحاني.. الشيخ الدبلوماسي
نجح الرئيس الإيراني الحالي حسن روحاني والذي ينتمي إلى التيار الإصلاحي في فترة ولايته الأولى الممتدة من 2013 وحتى الآن في كسر عزلة إيران الدولية من خلال إبرام الاتفاق النووي في 2015 بعد سنوات عدة من المفاوضات العقيمة إبان فترة الرئيس الأسبق محمود أحمدي نجاد، إضافة إلى فتح قنوات اتصال مع خصوم طهران الإقليمين وأبرزهم دول الخليج.
في عام 1972 حصل روحاني على البكالوريوس في القانون من جامعة طهران، ثم انتقل لإكمال دراسته في الخارج حيث حصل على درجتي الماجستير والدكتوراة غلاسكو كالدونيان عام 1995 و1999، وهو ما أهله لأن يتبنى فكرًا انفتاحيًا على الآخر بصورة ملحوظة.
يلقب روحاني بالشيخ الدبلوماسي، وذلك لما يتمتع به من قدرات دبلوماسية هائلة تجسدت في دوره الملحوظ في المفاوضات النووية فضلاً عن كونه رجل دين في المقام الأول، مما أهله لتقلد العديد من المناصب السياسية والدينية قبيل الفوز برئاسة إيران في الانتخابات السابقة.
حسن روحاني
محمد باقر قالیباف.. عمدة طهران
أحد أبرز الوجوه السياسية في الشارع الإيراني، محمد باقر قاليباف، عمدة طهران منذ 2005 وحتى الآن، وواحد من أعمدة تيار المحافظين، والذي شارك في الحرب العراقية الإيرانية.
قاليباف يحمل شهادة الدكتوراة في الجغرافيا السياسية من جامعة “تربيت مدرس” في العاصمة طهران، وعمل قائدًا لجناح القوات الجوية الإيرانية في حرس الثورة الإسلامية.
كون قاليباف محسوبًا على تيار المحافظين لم يمنعه من المناداة بأفكار التغيير والإصلاح
شارك في الانتخابات الرئاسية عام 2005، لكنه خرج مبكرًا من السباق بسبب عدم حصوله على الأصوات اللازمة، كما أنه فضل عدم خوض انتخابات الدورة التالية في 2009، وفي 2013 قرر خوض الماراثون الانتخابي ليحل في المرتبة الثانية بعد حسن روحاني بإجمالي 6 ملايين صوتًا.
رغم كونه محسوبًا على تيار المحافظين فإنه من القلائل الذين ينادون بأفكار التغيير والإصلاح، وهو ما حقق له شعبية كبيرة في الشارع الإيراني خاصة بعد نجاحه في إبرام العديد من المشروعات الضخمة في طهران، فهو صاحب شعار”آن الأوان لإسكات الشعارات والبدء بالتطبيق العملي”.
باقر قاليباف
إسحاق جهانغيري.. الداعم لسياسات روحاني
النائب الأول لرئيس الجمهورية في حكومة الرئيس الحالي حسن روحاني، سياسي إيراني مخضرم، شغل منصب وزارة الصناعة والمناجم في حكومة الأسبق محمد خاتمي.
جهانغيري الذي ينتمي للتيار الإصلاحي كان عضوًا بمجلس الشورى الإسلامي لدورتين متتاليتين خلال الفترة من 1984 إلى 1992م، وأحد أبرز المدافعين عن سياسات روحاني وحكومته الحالية.
البعض ذهب إلى أن دخوله مضمار الانتخابات هذه الدورة إنما يأتي للتمهيد من أجل انتخابات 2021، إذ إن حظوظه في الفوز متواضعة جدًا مقارنة بنظيره الإصلاحي أيضًا حسن روحاني.
إسحاق جهانغيري
إبراهيم رئيسي.. حجة الإسلام والمسلمين
سياسي ورجل دين مقرب من المرشد الأعلى للجمهورية علي خامنئي الذي عيّنه عام 2016 رئيسًا للمؤسسة الخيرية التي تحظى بنفوذ “آستان قدس رضوي”، يلقب بـ”حجة الإسلام والمسلمين”، عمل سنوات عدة في سلك القضاء منذ عام 1989 وحتى الآن، وإن كانت خبراته السياسية قليلة.
مراقبون يرون أن رئيسي المنتمى لتيار المحافظين، يمكن أن يشكل مفاجأة كبيرة وتحديًا حقيقيًا لروحاني، ومن شبه المؤكد أن يجبره على خوض جولة ثانية من الانتخابات الرئاسية يكون خلالها الاستقطاب حادًا والمنافسة شديدة، وهو ما يقلق التيار الإصلاحي بصورة كبيرة.
ومن مظاهر قلق الإصلاحيين أيضًا من ترشح رئيسي كونه أحد المتورطين في قضايا انتهاكات حقوق الإنسان في إيران لا سيما إعدام آلاف السجناء السياسيين عام 1988 حيث كان رئيسي يومها نائب المدعي العام، مما يجعله أحد المسؤولين عن هذه الإعدامات.
إبراهيم رئيسي
مصطفى مير سليم.. المثقف المتشدد
أول من تقدم بأوراق ترشحه للانتخابات الرئاسية، وهو مرشح حزب “المؤتلفة” الإسلامي المتشدد في إيران، حاصل على شهادة الماجستير في الهندسة الميكانيكية من جامعة بواتييه الفرنسية.
ينتمي سليم إلى تيار المحافظين، وقد تقلد منصب وزير الثقافة في الولاية الثانية من رئاسة هاشمي رفسنجاني من عام 1993 وحتى 1997، حيث فرض خلالها العديد من القيود على الأفلام السينمائية وإغلاق صحف المعارضة وهو ما أثار جدلاً واسعًا في الشارع الإيراني حينها لا سيما من قبل الإصلاحيين.
مير سليم
مصطفى هاشمي طبا.. الإصلاحي المحافظ
أحد أبرز المرشحين المثيرين للجدل في الانتخابات القادمة، الوزير الأسبق للصناعة ورئيس اللجنة الوطنية الأولمبية السابق، فضلاً عن كونه مساعد الرئيس في حكومة هاشمي رفسنجاني.
ميوله السياسي يتميز بالتناقض النسبي، فقد كان عضوًا في حزب مؤيد لـ”الإصلاح”، ودعَم المرشحين “الإصلاحيين” في الانتخابات المتنازع عليها في 2009، إلا أنه في الوقت نفسه كان أحد أبرز المؤيدين لغلق الصحف وقمع المعارضين وفرض المزيد من القيود على الحريات في السنوات الأولى من الألفية الثالثة.
قبول أوراق ترشيحات الأسماء الستة سالفة الذكر كانت متوقعة بنسبة كبيرة من قبل المحللين، رغم تباين المواقف وتعارضها أحيانًا، إلا أن الملاحظة الأبرز في القرار النهائي لمجلس صيانة الدستور هو استبعاد أوراق الرئيس الأسبق محمود أحمد نجاد، مما يدفع للتساؤل عن سبب إزاحته من الماراثون الانتخابي.
هاشمي طبا
لماذا استبعد نجاد؟
“قلت له ألا يترشح لأنني أعتقد أن ذلك ليس في مصلحته أو مصلحة البلاد إذ سيخلق ترشحه استقطابات وانقسامات أرى أنها ستكون ضارة”، كانت هذه الكلمات التي قالها المرشد الإيراني، على خامنئي، مخاطبًا بها أحمدي نجاد، ضوءًا أخضر لمجلس صيانة الدستور الذي يهيمن عليه رجال الدين في إيران برفض أوراق ترشح نجاد حسبما رجح محللون.
توجهات نجاد وتصريحاته إبان ولايته شكلت أزمة سياسية في إيران وكادت أن توقعها في صدام دبلوماسي مع العديد من القوى على رأسها الولايات المتحدة والتي وصفها بـ”الشيطان الأعظم”.
البعض تفهم قرار استبعاد نجاد من الانتخابات وفق ما ذكره المرشد الأعلى والذي أشار إلى أن الظرف الراهن الذي تمر به طهران لا يتواءم مع ما يحمله نجاد من أفكار، فالرجل الذي عادى الدول الكبرى لأجل البرنامج النووي لا يمكنه أن يكون رئيسًا في ظل اتفاق يوليو 2015.
تفسير آخر ذهب إليه البعض لمحاولة فهم قرار رفض أوراق ترشح نجاد يتعلق بمحاولة عدم تفتيت أصوات التيار المحافظ وهو ما قد يصب في مصلحة الإصلاحيين، وهو ما تفنده توجهات وانتماءات الأسماء الستة المعلن خوضها الانتخابات.
الظرف الراهن الذي تمر به طهران لا يتواءم مع ما يحمله نجاد من أفكار
انقسام المحافظين
المتابع للأسماء المرشحة للمشاركة في منافسات الدورة الثانية عشر للانتخابات المقرر لها التاسع عشر من مايو المقبل يجد أنه ورغم إزاحة أحمدي نجاد من السباق فإن ثلاث من تلك الأسماء على الأقل ينتمون إلى تيار المحافظين، وهو ما يعكس حجم الانقسام بين أنصار هذا التيار.
إبراهيم رئيسي، ابن النظام المحافظ وأحد أبرز قاماته يواجه تحديًا خطيرًا فيما يتعلق بالكتلة التصويتية لهذا التيار، إذ إنه من المتوقع أن يواجه تآكلاً واضحًا في أصوات هذه الكتلة لصالح منافسيه في السباق، محمد باقر قالیباف عمدة طهران ذو الشعبية الجارفة، ومصطفى مير سليم مرشح حزب “المؤتلفة” الإسلامي.
أما فيما يتعلق بتيار الإصلاح فالبعض ذهب إلى أن ترشح الإصلاحي إسحاق جهانغيري، النائب الأول لرئيس الجمهورية، لن يؤثر على كتلة أصوات الإصلاحيين لحسن روحاني، إذ إنه أحد أبرز الداعمين له، وهناك بعض الآراء التي تتوقع إعلان انسحابه في اللحظات الأخيرة لصالح الرئيس الإيراني الحالي، إذ إن دخول الرجل الانتخابات الحالية يعد دخولاً “تكتيكيًا” تمهيدًا للدورة المقبلة في 2021 بحسب البعض.
الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد
هل يفعلها روحاني؟
ربما تأتي الرياح بما تشتهي السفن أحيانًا، فبعد رفض أوراق المرشح الذي كان يمثل القلق الأكبر لحسن روحاني من خوض الانتخابات، فضلاً عن حالة الانقسام الواضحة – حتى الآن – في تيار المحافظين، بات الطريق إلى ولاية ثانية ممهدًا أمام الرئيس الحالي حسن روحاني، ولكن.
لا شك أن روحاني خلال ولايته الأولى نجح في إخراج إيران من عزلتها كما قلنا سابقًا، كما أن توقيع الاتفاق النووي بعد سنوات من الجمود الدبلوماسي يحسب له بصورة كبيرة، إضافة إلى تحسن الوضع الاقتصادي الإيراني خلال العامين الماضيين، حيث ارتفع مستوى الاستثمار الأجنبي، وتراجعت معدلات التضخم بصورة ملفتة للنظر، إلا أن كل هذا لم يكن على مستوى طموحات الشعب الإيراني.
الإيرانيون بعد الاتفاق النووي رفعوا من منسوب طموحاتهم بشكل كبير، وهو ما لم يتحقق على أرض الواقع بالصورة التي ترضيهم، مما تسبب في تراجع مستوى الرضا الشعبي حيال سياسات روحاني خاصة بعد الفجوة الكبيرة بين شرائح إيران المجتمعية.
في الوقت الذي حقق فيه روحاني نجاحات عدة إلا أنها لم ترتق لمستوى طموحات الإيرانيين
ومن الظواهر التي باتت تهدد شعبية روحاني ما تم الكشف عنه مؤخرًا بشأن قائمة مرتبات كبار الموظفين في بعض القطاعات والتي تبلغ عشرات أضعاف مرتب المواطن الإيراني العادي، مما أثار حفيظة الشعب الإيراني بصورة كبيرة، حين استشعر أن هناك فئة من الشعب تسيطر على الغالبية العظمى من قوت الفئة الأكثر.
وبلغت هذه الأزمة مداها حين فتح البرلمان الإيراني تحقيقًا مع شقيق حسن روحاني، حسين فريدون، بعد تورطه في تعيين بعض رؤساء البنوك المتورطين في قائمة المرتبات الخيالية، وهو ما يمكن أن يؤثر بشكل أو بآخر على حظوظ روحاني في الفوز حال استغلال مثل هذه المعلومات من قبل المرشحين المنافسين.
وتبقى صناديق الاقتراع هي الفيصل والحكم الأخير في تحديد اسم الرئيس الإيراني الجديد، ورغم التكهنات هنا وهناك فإن جميعها يظل محل شك لا يمكن تأكيده أو نفيه إلا مع نهاية فرز الصناديق الانتخابية، وقد تحمل الأيام القليلة القادمة التي تسبق الجولة الأولى من الانتخابات مفاجآت من نوع ما تؤثر بشكل أو بآخر على حظوظ كل مرشح في الفوز.