يقترب سباق الرئاسة الفرنسية لوصول أحد المرشحين إلى قصر الإليزيه من الحسم في جولته الأولى المقررة غدًا الأحد 23 من أبريل/ نيسان، إلى ذلك يراقب المستثمرون في أوروبا والعالم عمومًا بحذر ما ستقرره الانتخابات غدًا، لما يحمله بعض المرشحين من برامج اقتصادية قد تؤذي الاقتصاد الفرنسي والأوروبي، والمؤكد أن الانتخابات الأمريكية وقبلها استفتاء البريكسيت أعطى المستثمرون خبرة في توقع أي مفاجآت ممكنة من فوز مرشحي اليمين المتطرف.
سيناريو فوز اليمين في فرنسا
استبق وزير المالية الألماني “فولفجانج شيوبله” الانتخابات الفرنسية، بقوله: “الانتخابات الفرنسية التي ستجري غدًا تمثل خطرًا على الاقتصاد العالمي”، فالمعلوم أن اقتصادًا يمثل ثاني أكبر اقتصاد في أوروبا وخامس أكبر اقتصاد في العالم ستؤدي أي حركة غير اعتيادية فيه إلى انتكاسات على فرنسا والعالم.
علمًا أن الأسواق المالية والمستثمرين حول العالم تمرنوا على تلقي صدمات من هذا النوع سابقًا، في الانتخابات الأمريكية واستفتاء البريكسيت في بريطانيا، حيث فشلت شركات استطلاعات الرأي في بريطاينا من توقع النتيجة الأقرب للنتيجة الحقيقية، بعدما أشارت الاستطلاعات إلى رجحان كفة المعسكر المؤيد لبقاء بريطانيا في الاتحاد ضد المعسكر الرافض، وتشابه ذلك أيضًا في الانتخابات الأمريكية حيث توقعت استطلاعات الرأي فوز هيلاري كلينتون على ترامب إلا أن النتيجة كانت عكس ذلك.
يراقب المستثمرون في أوروبا والعالم عمومًا بحذر ما ستقرره الانتخابات الفرنسية غدًا لما تحمله برامج بعض المرشحين من خطر على الاقتصاد الفرنسي والأوروبي
حملات اليمين لاقت رواجًا غير عادٍ في بلدان عدة وهذا ما يجعل المستثمرين يضعون أيديهم على قلوبهم بالأخص بعد صعود ترامب ونجاح البريكسيت، كما يراقب أيضًا البنك المركزي الأوروبي بحذر الانتخابات الفرنسية الأولية التي ستكون لنتائجها انعكاسات كبيرة على عملة اليورو وتوجهات الاستثمار والنمو في منطقة اليورو المثقلة بالديون، وتحتاج إلى تماسك حتى تتمكن من جذب الاستثمارات.
فزعيمة الجبهة الوطنية مارين لوبان تقود حملة تروج من خلالها لإخراج فرنسا من الاتحاد الأوروبي ومنطقة اليورو، وأثار مرشح أقصى اليسار جان لوك ميلينشون أيضًا احتمال انفصال فرنسا عن الاتحاد الأوروبي، حيث يثير برنامج لوبان الانتخابي الأسواق المالية، وهي دعوات تشابه كثيرًا ما كان يدعو إليه الرئيس الأمريكي ترامب في حملته الانتخابية وقاده للفوز في سباق الرئاسة الأمريكية ضد مرشح دعا لتبني سياسات تقليدية اعتاد عليها الشعب الأمريكي.
الانتخابات الفرنسية التي ستجري غدًا تمثل خطرًا على الاقتصاد العالمي
وتدعو لوبان للقضاء على العولمة وتحطيم “النظام العالمي” القائم حاليًا، وتبني سياسات حمائية وانغلاقية على صعيد التجارة وحرية حركة البضائع والخدمات والحد من الهجرة، وإخراج فرنسا من منطقة اليورو والعودة تدريجيًا إلى طباعة الفرنك الفرنسي، وزيادة الضرائب والرسوم الجمركية على السلع والخدمات المستوردة إلى السوق الفرنسية، وفرض رسوم مرتفعة على عقود الموظفين الأجانب في فرنسا، سواء كانوا يعملون لصالح شركات فرنسية أو شركات متعددة الجنسيات، وخفض سن التقاعد وزيادة إعانات البطالة والإعانات الأخرى الخاصة بدولة الرفاه، وزيادة ميزانية الدفاع والشرطة وأجهزة الأمن الوطني في فرنسا.
يبلغ حجم الاقتصاد الفرنسي نحو 2.8 ترليون دولار ويمثل بهذا الحجم نسبة 15% من اقتصادات منطقة اليورو المقدر حجمها بحوالى 17 ترليون دولار.
يرى مراقبون أن كثيرًا من النقاط التي تحدثت عنها المرشحة لوبان، تعد جذابة بالنسبة لمواطني الريف الفرنسي والشباب الذين يميلون إلى النظرة الشعبوية الضيقة والمكاسب الوطنية بمعزل عن أوروبا والعالم، وبالتالي، فإن مخاطر فوز لوبان ستبقى أكبر مهدد لمشروع أوروبا الموحدة وربما لمستقبل فرنسا الاقتصادي.
فوز لوبان سيقود السندات الفرنسية لهبوط قيمتها بشدة ومعها سندات العديد من دول منطقة اليورو
سيناريو مخيف يفرض نفسه على الأسواق المالية، إذ يفترض هذا السيناريو أن تسفر نتيجة الجولة الأولى من الانتخابات عن فوز أحد مرشحي التطرف وهما مرشحة الجبهة الوطنية الديمقراطية مارين لوبان، ومرشح اليسار المتطرف جان لوك ميلانشون، مع أن أطرافًا أخرى واستطلاعات رأي تشير أن صعود مرشح الاعتدال مانويل ماكرون إلى المرحلة الثانية من الانتخابات سيطيح بماريان لوبان بسهولة في حال صعودها للدورة الثانية والأخيرة من الانتخابات.
الاقتصاد الفرنسي
يبلغ حجم الاقتصاد الفرنسي نحو 2.8 ترليون دولار، ويمثل بهذا الحجم نسبة 15% من اقتصادات منطقة اليورو المقدر حجمها بنحو 17 ترليون دولار، وعلى الرغم من الحجم الضخم للاقتصاد الفرنسي، فهي تعاني من مشكلة البطالة فوق 10% مقارنة مع ألمانيا التي يبلغ فيها معدل البطالة نحو 4.0%، وبريطانيا التي يحوم فيها معدل البطالة حول 5.0%.
لذا فإن أجندة الاقتصاد وتحسن مستويات المعيشة ومستويات الدخل إلى جانب الهجرة، من بين أهم القضايا التي ستحدد مستقبل الانتخابات الفرنسية، محليًا تعاني فرنسا من مشاكل في قطاع الصناعة وسوق العمل ونظامها الاجتماعي، كما أن عدم قدرة الحكومات المحافظة والحكومات الاشتراكية على معالجة التصدعات، وتراجع القدرة التنافسية – إذ بدأت فرنسا بتسجيل تراجع لحصتها في السوق في منطقة اليورو في مسار تنازلي لم تتمكن الحكومات المتعاقبة من إيقافه -، شجع الناس على التراجع باتجاه القومية والمحلية وهو ما أدى إلى ارتفاع رصيد مرشحي اليمين.
تتوقع مصارف في لندن أن يقود فوز لوبان إلى هبوط كبير في سعر صرف اليورو
قلق المستثمرين تمثل بشكل عملي قبل ظهور النتيجة من خلال اتساع فارق الفائدة بين السندات الفرنسية والسندات الألمانية، حيث يهرب المستثمرون بكثافة من سندات الخزانة الفرنسية التي ترتفع مخاطرها بحثًا عن “ملاذ آمن” لاستثماراتهم في السندات الألمانية.
أشارت لوبان في تصريحات لها بأنها ستعمل في حال فوزها على طرح الفرنك الفرنسي بقيمة مساوية لقيمة اليورو ثم تقوم بتعويمه في سوق الصرف، مشيرة إلى أن الفرنك الفرنسي سينخفض أمام اليورو، وبالتالي سيفيد ذلك صادرات البضائع الفرنسية المنافسة للبضائع الإيطالية والألمانية.
وتتوقع مصارف في لندن أن يقود فوز لوبان إلى هبوط كبير في سعر صرف اليورو، ربما إلى أقل من دولار واحد مباشرة بعد إعلان النتيجة، كما أن السندات الفرنسية ستهبط قيمتها بشدة هي الأخرى ومعها سندات العديد من دول منطقة اليورو، ومن المتوقع أن يستفيد من ذلك كل من الدولار والفرنك السويسري والجنيه الإسترليني والسندات الحكومية في كل من بريطانيا وألمانيا وسويسرا.