مع كل مواجهة تخوضها المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة يتحول مجمع الشفاء الطبي أكبر المستشفيات إلى مكان يتوافد عليه آلاف الجرحى وعوائلهم، إلا أن مواجهة “طوفان الأقصى” حولت المجمع إلى ملجأ لعشرات الآلاف من الأسر الفلسطينية في غزة.
وبمجرد اقتراب الشخص من البوابة الرئيسية للمجمع يشاهد حركة مرورية غير طبيعية أو اعتيادية للمنطقة التي تشتهر بالأساس بالازدحام المروري، إذ يلاحظ وجود المئات على الطرقات الخارجية للمستشفى إلى جانب حركة سيارات الإسعاف السريعة التي تنقل الجرحى.
لكن التحول الجوهري في شكل المستشفى، كان حينما أطلق الاحتلال الإسرائيلي تحذيراته للفلسطينيين في المناطق الشمالية ومدينة غزة من قطاع غزة بالتحول نحو المناطق الوسطى والجنوبية في القطاع ليختار عشرات الآلاف اللجوء إلى المستشفى وعدم مغادرة المدينة.
ومنذ قرابة 4 أسابيع تعيش المشفى واقعًا صحيًا وبيئيًا لا يليق بالمستشفيات نظرًا للأجواء غير الصحية التي يعمل بها الأطباء مقارنة مع ما تحتاجه المستشفيات عالميًا من إجراءات وأدوات، وهو ما تسبب في تسجيل بعض الأمراض الوبائية بفعل التلوث الحاصل.
خارج أسوار المستشفى التي تحول داخلها إلى ملجأ أو ما يشبه لفندق مبيت للنازحين ينتشر باعة المياه المعدنية والعصائر وبعض باعة الطعام المتجولين في ظل تكدس الآلاف داخل أسوار المستشفى للأسبوع الرابع على التوالي من عمر العدوان الإسرائيلي.
وقبل الولوج في تفاصيل المشهد داخل أسوار وأقسام المجمع الطبي الأكبر الذي تأسس في القرن الماضي خلال العهد المصري، يجب الإشارة إلى أن جميع مستشفيات القطاع شبه متوقفة جراء أزمة الوقود ومنع الاحتلال إدخاله إلى غزة عبر المعابر الحدودية المختلفة.
أما عند الدخول إلى قسم الاستقبال في المستشفى فتلحظ مئات الأشخاص يسيرون في مختلف الاتجاه بحثًا إما عن أقارب لهم أصيبوا في القصف الإسرائيلي وما يزال بعضهم مفقودًا أو لنقل بعض المصابين إلى غرف العمليات على وجه السرعة أملًا في تحسن حالتهم.
ومع ضغط الحالات المصابة في الغارات الإسرائيلية التي لا تفرق بين صغير وكبير فإن الكثير من المرضى يتم تقديم العلاج لهم على الأرض ودون أي تخدير، وبالاعتماد على الخل في التعقيم في ظل النقص الحاد في المواد الطبية والمستهلكات اللازمة.
وبالكاد داخل هذا القسم يمكن للشخص أن يسير أو يتحرك أو حتى يتعرف على الناس فيه نظرًا لحجم الضغط الكبير فيه وصعوبة الحركة والتنقل نظرًا لسرعة توافد الحالات إلى القسم وتدافع الناس إلى المشفى للاطمئنان على الحالة الصحية لعوائلهم.
في الوقت ذاته فإن الساحة الداخلية لهذا القسم تعد بمثابة مكان لمبيت بعض السيدات والأطفال الذين نزحوا من منازلهم إما لتدميرها أو خشية من تعرضها للقصف الإسرائيلي في ضوء تدمير الاحتلال لآلاف المنازل، وارتكابه مجازر واسعة بحق المدنيين.
أما الأقسام الأخرى، فيعتبر قسم الجراحات التخصصي في المجمع بمثابة ملجأ لآلاف الأسر الفلسطينية التي باتت تسكن طوابقه المختلفة سواء في الأدوار الأرضية أو العليا، بل حتى “السلم” -الدرج- بات هو الآخر مكان تتنافس العائلات على حجزه للنوم فيه.
وتستغل الأسر الفلسطينية ما تبقى من تيار كهربائي يعمل على الطاقة الشمسية في المستشفى لاستخدام الكهرباء إما لشحن هواتفها أو إعداد بعض الوجبات السريعة داخل المستشفى باستخدام بعض الأدوات الكهربائية البسيطة بما يسد رمق جوع الأطفال.
وعلى ذات الشاكلة يبدو المشهد في قسم الكلية الصناعية الخاص بمرضى الفشل الكلوي والذين يتواجد حولهم الناس ويفترشون الأرض بعد أن باتت المستشفى مكانًا آمنًا في نظرهم يمكن فيه الاحتماء من شدة القصف الإسرائيلي الذي لم يترك مكانًا إلا وشمله.
وعند الانتقال إلى الساحة الخارجية للمستشفى والتي عادة ما تضم سيارات الإسعاف أو تعتبر بمثابة حديقة بسيطة، فقد انقسمت إلى عدم أقسام، قسم يضم سيارات الإسعاف وآخر يضم خيام للناس أو الصحافيين الفلسطينيين الذين يعملون على تغطية الأحداث.
وقسم آخر للمستشفى تحول إلى خيمة خاصة بالجثث الخاصة بالشهداء الذين تتوافد حالاتهم في الغارات الإسرائيلية تمهيدًا لتعرف عوائلهم عليهم، قبل أن تتم عملية التكفين مرورًا بمراسم التشييع التي تتم للشهداء إلى المثوى الأخير في المقابر في غزة.
أما على صعيد المياه فتشهد المشفى الأكبر في القطاع نقصًا شديدًا في المياه وهو ما ينعكس بالسلب على المستشفى وعلى الأجواء الصحية فيها، وهو ما يدفع للاعتماد على “زجاجات” المياه الطبيعية التي تابع في الخارج ما يفاقم الأوضاع داخل المستشفى.
وخارج أسوار المستشفى تنتشر كميات من القمامة التي هي عبارة عن مخلفات المرضى والشهداء إلى جانب مخلفات النازحين الموجودة ما يعزز من خطورة الأوضاع الوبائية وانتشار أمراض داخل المستشفى قد تعزز من تردي الأوضاع الصحية في القطاع.
وخلال الأيام الأخيرة نفذت كميات الوقود المتوفرة من المستشفيات ما تسبب في توقف مختلف المشافي بعد أن توقفت في السابق 12 مستشفى و34 مركزًا صحيًا، وباتت المستشفيات تعمل بالحد الأدنى من طاقتها في ظل استمرار إغلاق المعابر وعدم إدخال الوقود.
ومنذ بداية العدوان الإسرائيلي على القطاع استشهاد ما يزيد عن 7 آلاف فلسطيني وأصيب آلاف الفلسطينيين الأخيرين بحراج متفاوتة، في حين تواجه المنظومة الصحية حالة انهيار غير مسبوقة جراء النقص الحاد في جميع المعدات والأدوية والمستهلكات الطبية، إذ أن إجمالي القوافل التي سمح بإدخالها عبر معبر رفح لم تلبي الاحتياجات الصحية وكان جزء منها يحوي على أكفان، بالإضافة لمضادات حيوية لا تحتاجها المنظومة الصحية في الوقت الراهن.
وتكررت في الأيام الأخيرة الزيارات التي نظمتها مؤسسات دولية مثل الصحة العالمية ومدير عمليات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “أونروا” إلى المجمع الطبي الأكبر لكن دون تقديم أي وعود أو توفير احتياجات المستشفيات من وقود ومواد طبية.