حظي الاحتلال الإسرائيلي، منذ بداية عدوانه على قطاع غزة، بدعم غربي غير مسبوق، سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا وإعلاميًا، ومنح الغرب – لا سيما الولايات المتحدة – الضوء الأخضر لممارسة جرائمه ضد الفلسطينيين العزل بعد أن عجز عن مواجهة المقاومة.
أرسلت الولايات المتحدة في البداية، حاملة الطائرات “جيرالد فورد” إلى شرق البحر المتوسط، ومن ثمّ أرسلت حاملة الطائرات “يو إس إس أيزنهاور” ومجموعة السفن الحربية التابعة لها، في مسعى من واشنطن لتأكيد تفوق كيان الاحتلال.
بعدها تتالت المساعدات الأمريكية من ذخيرة وأسلحة للكيان الإسرائيلي لدعم حربه الهمجية ضد غزة، وفعلت بالمثل العديد من الدول الأوروبية على غرار فرنسا وبريطانيا وألمانيا، ما منح “إسرائيل” قوةً إضافيةً لضرب المدنيين الفلسطينيين.
بالتوازي مع هذه المساعدات العسكرية، حصل الإسرائيليون على دعم سياسي وإعلامي غربي لا مثيل له، في المقابل لم يحصل الفلسطينيون من العرب إلا على بيانات التنديد والاستنكار دون أن نشهد أي تحركات فعلية تذكر.
البرلمان الليبي يهدد
في ظل هذا الوضع أصبحنا نبحث عن بعض الاستثناءات وإن كان الأمر صعبًا، وقد وجدنا ذلك في ليبيا، إذ طالب مجلس النواب الليبي – أمس الأربعاء – سفراء الدول الداعمة للكيان الإسرائيلي بمغادرة البلاد فورًا، كما هدد بالسعي إلى “وقف تصدير النفط والغاز” لتلك الدول، في حال عدم توقف الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة الدائرة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول الحاليّ.
وصف المجلس المنعقد في الشرق الليبي في بيان له، الحرب الدائرة في غزة اليوم بـ”حرب إبادة جماعية تقودها الولايات المتحدة والغرب في مواجهة شعب أعزل ومحاصر”، وأضاف “من منطلق المسؤولية التاريخية والإنسانية، نطالب سفراء الدول الداعمة للكيان المحتل في جرائمه مغادرة البلاد فورًا”.
وقال البرلمان إنه في حال عدم توقف المجازر التي يرتكبها هذا العدو الصهيوني بحق الفلسطينيين، سيطالب الحكومة الليبية بوقف تصدير النفط والغاز للدول المساندة للكيان الإسرائيلي، كما اعتبر زيارة قادة الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا إلى الكيان، وإعلان دعمهم له، يهدف إلى إبادة الشعب الفلسطيني، ووأد حقه المشروع في المقاومة وبناء دولته المستقلة.
من المستبعد تطبيق ما قرره البرلمان الليبي، ذلك أن مقرات البعثات الدبلوماسية الأجنبية تقع في العاصمة طرابلس، وهي منطقة خاضعة للحكومة المعترف بها دوليًا برئاسة عبد الحميد الدبيبة، والبرلمان في عداوة معها.
كما أن وقف تصدير النفط والغاز لهذه الدول، يعتبر أمرًا صعب التحقيق في الوقت الحاليّ، لأسباب عديدة المكان ليس مناسبًا لشرحها، لكن ما يمكن تسجيله للبرلمان أنه تحرك وقرر وإن كان يعلم أن قراراته لن تطبّق.
وقبل ذلك، قال مندوب ليبيا في اجتماع البرلمان العربي حسن البرغوثي الذي عقد بخصوص الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، إن بلاده داعمة للقضية الفلسطينية وللمقاومة دون أن تخاف أو تخشى المجتمع الدولي، وتابع: “أقسم بالله العظيم لو فيه آلية لفتح الحدود ندخّل كل السلاح اللي في ليبيا لغزة. وإنتوا عارفين الوضع اللي في ليبيا”.
صمت البرلمانات العربية
تكلم البرلمان الليبي وصدح بالحق، وحاول الفعل رغم صعوبة تحقيق ما قرر وقال، لكن في المقابل نرى صمت باقي البرلمانات العربية، فالبرلمان العربي مثلًا انتظر أسبوعين حتى يعقد جلسة “طارئة” لمناقشة الوضع في غزة.
عُقدت الجلسة في بغداد، وفيها اكتفى البرلمان العربي بمطالبة المنظمات الدولية والإقليمية “بالتدخل الفوري لوقف جرائم الاحتلال الإسرائيلي” في قطاع غزة، و”العمل لفتح المنافذ لإيصال المساعدات الإنسانية والإغاثية إلى فلسطين”.
اكتفى البرلمان العربي كالعادة بالإدانة وطلب العون من المنظمات الإقليمية والدولية والدول الأجنبية في إقرار ضمني بعدم قدرته على القيام بأي شيء لفائدة الفلسطينيين، لكن نعلم جميعًا أن القدرة موجودة والإرادة هي الغائبة.
⭕️ #البرلمان_الليبى 🇱🇾 يطالب سفراء الدول الداعمة لإسرائيل بمغادرة البلاد فورا pic.twitter.com/NDO8mJglhg
— اسكندرية – Alexandria (@Alexandria_egy1) October 25, 2023
ماذا عن باقي البرلمانات العربية؟
لا شيء، لم تحرك ساكنًا، وصمتت صمت القبور تجاه ما يجري من مجازر في حق الفلسطينيين، ومن تكلم فقد أدان واستنكر فقط، دون أن يكلّف نفسه عناء محاولة مساعدة الفلسطينيين وهم في غنى عن هذه المساعدات.
مثلًا البرلمان التونسي الجديد الذي شكله قيس سعيد، صم آذاننا بمسألة تجريم التطبيع مع الكيان الإسرائيلي ونصبت المنابر لهذا الأمر وانتقد البرلمانات التونسية السابقة لعدم مصادقتها على مشروع القانون، لكنه هذه المرة لم ينبس ببنت شفة وبقي المشروع في أدراج المكاتب كالعادة.
أما البرلمان الجزائري، فقد رفض تمرير مسودة قانون تجريم التطبيع، واعتبر أنه لا حاجة إلى إقرارها، فالجزائر لا تعترف بوجود الكيان الصهيوني سياسيًا ولا على المستوى الشعبي، وهذه ليست المرة الأولى التي يرفض فيها البرلمان الجزائري مسودة قانون تجريم التطبيع، فالبرلمان تحت ضغط السلطة التنفيذية.
صمت البرلمانات من صمت الأنظمة
صمت البرلمانات العربية لم يأت من فراغ، فهو من صمت الأنظمة التي امتهنت طيلة أيام الحرب الإسرائيلية المتواصلة على قطاع غزة والضفة الغربية وباقي فلسطين المحتلة إصدار البيانات فقط وفي أقصى الحالات السماح للشعوب بالخروج في مظاهرات للتنديد بما يحصل من مجازر في غزة.
حتى المظاهرات غير متاحة للجميع، فالإمارات والسعودية مثلًا لم نر فيهما مظاهرات داعمة لفلسطين ورأينا فيها فقط الحفلات التي تُقام بملايين الدولار لإسعاد الشعب أو لنقل إلهائه عمّا يجري في وطنه العربي وفي فلسطين الحبيبة.
الجميل في الأمر أن الفلسطينيين فهموا الأمر من زمن طويل ولا ينتظرون مساعدة القادة العرب
بعض الأنظمة العربية ساوت بين الضحية والجلاد، ولم تدن صراحة الجرائم الإسرائيلية المتواصلة منذ أكثر من أسبوعين، بل ووجهت إدانة ضمنية للمقاومة الفلسطينية وحمّلتها مسؤولية المجازر الواقعة في قطاع غزة.
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ذهب لما هو أبعد، إذ اقترح على أصدقائه نقل الفلسطينيين إلى صحراء النقب، قائلًا خلال مؤتمر صحفي في القاهرة، رفقة المستشار الألماني أولاف شولتس “لو كانت هناك فكرة للتهجير، فهناك صحراء النقب في إسرائيل.. يتم نقل الفلسطينيين هناك حتى تنتهي إسرائيل من العملية المعلنة في تصفية المقاومة أو الجماعات المسلحة مثل حماس والجهاد في القطاع، ويتم إعادة السكان بعد ذلك مجددًا”.
وأصر السيسي أيضًا على عدم فتح معبر رفح لتقديم المساعدات إلى سكان قطاع غزة، رغم أن مصر لها القدرة الفعلية على فتح المعبر الذي يعدّ “شريان الحياة” الوحيد لسكان القطاع، ما ساهم في مزيد من إرباك الوضع في غزة.
لم يكن الرئيس المصري استثناءً في المنطقة، لكنه قال صراحة ما عجز باقي القادة العرب عن قوله، فالمهم عند الرؤساء العرب الكرسي فقط لا أكثر، فلا أهمية للقضية الفلسطينية عندهم بقدر أهمية الحفاظ على كرسي الحكم، وما القضية الفلسطينية إلا أداة تستعمل وقت الرخاء للحصول على دعم الشعوب أو إلهائها حسب الظرف.
لماذا يا سيسي:في أي خانة نصنف الرئيس السيسي بقوله لكيان صهيون:ضعوا سكان غزة في صحراء النقب؟هل هذا رد حاكم أكبر دوله عربيه؟ولماذا يوافق على تهجير سكان قطاع غزة؟ لا يوجد عربي حر حاكما أو مواطنا يقبل بتهجير شعب فلسطين من أرضه ولا يمكن أن يتم هذا الأمر إطلاقا/لا نامت أعين الجبناء. pic.twitter.com/KSC18iLArE
— نصارالشمالي Nasar Alshemalis (@deebnasar1) October 20, 2023
حتى التهديد بقطع العلاقات لم يفلحوا فيه، يمكن أن نقول إن هذه الخطوة صعبة عليهم وقطع العلاقات لا يكون إلا بينهم – رأينا ما فعله الخليجيون مع قطر وأيضًا قطع العلاقات بين الجزائر والمغرب – لكن على الأقل يتم استدعاء سفراء الدول الداعمة للكيان الصهيوني للحديث معهم وليس للاحتجاج، فهذا صعب أيضًا، لكن كل ذلك لم يحصل ولن يحصل في ظل هذا الوهن الكبير.
الجميل في الأمر أن الفلسطينيين فهموا الأمر منذ زمن طويل ولا ينتظرون مساعدة القادة العرب، وإنما رجاؤهم لله وحده وللشعوب الحرة في الوطن العربي وفي العالم أجمع، وهو ما جعلهم أقوى، فإن كانوا ينتظرون المساعدة من أحد لما رأينا صلابتهم وقوتهم الرهيبة في صد العدوان الإسرائيلي المتواصل.