أصدر العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز مجموعة أوامر ملكية جديدة تضمنت إقالة وزراء وتعيين غيرهم واستحداث مناصب وتشكيل لجنة للتحقيق مع أحدهم، إضافة إلى إعادة جميع البدلات والعلاوات لموظفي الدولة المدنيين والعسكريين، فما دلالة هذه الإجراءات من الناحية الاقتصادية على الدولة والمواطن في السعودية؟
تناول نون بوست في مقال مفصل جميع التعيينات والإعفاءات والقرارات الإدارية بالإضافة إلى الأسماء كما ورد في المرسوم الملكي.
القضاء على الفساد
شملت الأوامر الملكية إعفاء وزير الخدمة المدنية خالد بن عبد الله العرج من منصبة وتشكيل لجنة للتحقيق معه فيما ينسب إليه من تجاوزات، مع تكليف عصام بن سعد بن سعيد بالإشراف على شؤون الوزارة. الوزير العرج المعزول سقط بهفوة في أحد البرامج الإعلامية على إحدى القنوات المحلية فتحت عليه انتقادات كثيرة، إلى أن صار بالنهاية إلى الإطاحة به بالأمر الملكي وإحالته إلى التحقيق.
ذكر العرج في برنامج “الثامنة” مع الإعلامي داود شريان أن “إنتاجية الموظف الحكومي لا تتتجاوز ساعة في اليوم” وبعد سماع المواطنين تصريحه هذا انهالوا على منصة التواصل الاجتماعي “تويتر” منتقدينه على هذا التصريح المهين.
وزير الخدمة المدنية المعزول خالد بن عبد الله العرج
وبعد التفتيش في ملفات الوزارة تبين أنه عين ابنه ذي المؤهل الذي لا يزيد على الثانوية العامة في وظيفة براتب 5570 دولارًا تحت اسم كفاءات نادرة، ويتخطى الراتب المذكور خمسة أضعاف ما يستحقه من يحمل الشهادة نفسها ويفوق حتى رواتب الأطباء ووكلاء الوزارات وكبار ضباط الأمن.
سخر المغردون آنذاك بعد تصريحه، بأنه عندما قصد أن إنتاجية الموظف الحكومي ساعة كان يقصد بها ابنه وعمم ذلك على المواطنين، وطالب 95% من المواطنين في استفتاء قام به أحد الخبراء على حسابه بتويتر شارك فيه 20 ألف مغرد، بإقالة الوزير ومحاسبته على تجاوزاته وتقصيره بعمله في الوزارة، واعتبروا تجاوزاته للنظام بأنها خيانة للأمانة، وضموا أيضًا كل من وزيري الإسكان والإعلام.
صرح الوزير العرج أن “إنتاجية الموظف الحكومي لا تتتجاوز ساعة في اليوم” وبعد سماع المواطنين تصريحه هذا انهال عليه المواطنون بانتقادات كثيرة
تكلم مغردون أنه لا يمكن إصلاح النظام الاقتصادي في البلاد إلا بمحاربة الفاسدين والحد من سرقة المال العام ومحاسبة كل المقصرين، وناشد البعض الملك سلمان بإقالة الوزير، متهمين إياه بالكذب في أثناء أداء القسم أمام الملك. لذلك فإن دلالة إقالة وزير الخدمة المدنية لها بعد كبير على المستوى المحلي، إذ جاء القرار الملكي ليؤكد أن الملك وحاشيته مع الموقف الشعبي المناهض لتصريحات وأفعال الوزير المشينة، ولتأكيد أن سياسة الحكومة في ظل رؤية 2030 التي صاغها ولي ولي العهد محمد بن سلمان تختلف عمّا قبلها، وأن القرار هذا يقول للشعب والوزارات إن الإصلاحات الاقتصادية ماضية على الجميع، ولا تهاون مع أي تقصير.
لا يمكن إصلاح النظام الاقتصادي في البلاد إلا بمحاربة الفاسدين والحد من سرقة المال العام ومحاسبة كل المقصرين
من هذا المنطلق كسب الملك وابنه محمد بن سلمان صاحب الرؤية والذي ينوي نقل البلاد إلى عصر الحداثة وترك الإدمان على النفط، ود الشعب لأنه أقال الوزير وأحاله إلى لجنة تحقيق بسبب ممارساته الفاسدة، وظهر بمظهر المصلح والعادل الذي يفعل ما يرضي الشعب، وهذا سينعكس على الحكومة بحالة من الرضى الشعبي.
كما أقال الملك أيضًا وزير الثقافة والإعلام عادل الطريفي وعين عواد العواد خلفًا له، علمًا أن هذه الإقالة فاجأت الوسط الإعلامي السعودي، فالوزيرالشاب الذي تسلم منصبه مطلع العام 2015، يحظى بعلاقات وثيقة مع عدد من كبار القادة، إضافة إلى أنه وصل إلى منصبه بالتدرج إذ عمل في البداية رئيس تحرير لمجلة “المجلة” البارزة، ومن ثم رئيس تحرير صحيفة “الشرق الأوسط” وانتهاءً بنائب ثم رئيس قناة “العربية”، وهي أبرز الوسائل الإعلامية السعودية.
كسب الملك وابنه محمد بن سلمان، ود الشعب بإقالته للوزير العرج بسبب ممارساته الفاسدة، وظهر الملك بمظهر المصلح والعادل الذي يفعل ما يرضي الشعب
مع ذلك لم يكن أداء الوزير مرضيًا للإدارة السعودية ولأوساط إعلامية وشعبية كثيرة، فالوزارة المسؤولة عن القطاع الإعلامي في السعودية، تدير سلسلة قنوات تليفزيونية كبرى، وصحفًا محلية وعربية وعالمية، وشبكة إذاعات متعددة اللغات، ومواقع إلكترونية جماهيرية تجعل من توجيهها كلها بالشكل المطلوب أمر بالغ الأهمية والتعقيد في نفس الوقت.
يرى مراقبون أن الخطاب الإعلامي للبلاد خلال فترة تولي الطريفي للوزارة، لم يكن متناسقًا بالشكل المطلوب مع الخطاب السياسي لبلد فاعل كالسعودية له مكانة سياسية واقتصادية ودينية كبيرة، كما أن الطريفي فشل في مجاراة سياسة الحكومة السعودية التي أقدمت على مواجهة إيران على حدودها في اليمن، إذ لم يستغل الإعلام السعودي كل طاقاته في مواجهة إيران جنبًا إلى جنب مع الحكومة، مع العلم أن الحكومة تنفق أموالًا طائلة على وسائل الإعلام السعودية.
وزير الإعلام والثقافة المعزول عادل الطريفي
وذهب البعض أن الإعلام على وقت الطريفي صار يبث برامج ترفيهية وفنية تتعارض مع ثقافة المجتمع السعودي المحافظ بدل التركيز على موجهة آلة الإعلام الإيرانية التي تبث أخبارها خطابها السياسي من خلال وسائل إعلامها في العراق وسوريا ولبنان واليمن ودول أخرى.
الخطاب الإعلامي للبلاد خلال فترة تولي الطريفي لوزارة الإعلام والثقافة، لم يكن متناسقًا بالشكل المطلوب مع الخطاب السياسي للسعودية التي تواجه إيران في اليمن
ومن المتوقع أن تشهد وسائل الإعلام السعودية تغييرات جذرية في مستويات مختلفة في وسائل الإعلام العامة والخاصة في عهد الوزير الجديد، وذلك بهدف تغيير الخطاب الإعلامي ووضعه على المسار الصحيح الذي ترتضيه الحكومة وهو إظهار الدور الذي تقوم به السعودية في اليمن ضد إيران وإظهار الدور التخريبي الذي تقوم به في دول عربية أخرى.
إعادة جميع البدلات والعلاوات
شملت الأوامر الملكية الجديدة إعادة جميع البدلات والعلاوات والمزايا لموظفي الدولة المدنيين والعسكريين، تأتي هذه الخطوة بعدما خفض مجلس الوزراء السعودي، في سبتمبر/ أيلول الماضي، مزايا موظفي الدولة، البالغ عددهم أكثر من مليوني موظف حكومي مدني، وقرر إلغاء بعض العلاوات والبدلات والمكافآت، وخفض رواتب الوزراء ومن في مرتبتهم بنسبة 20%، كما خفض مكافآت أعضاء مجلس الشورى بنسبة 15%.
بحسب تصريح وزير المالية محمد بن عبد الله الجدعان، فإن إعادة العلاوات والمكافآت والمزايا كانت بتوصية من ولي ولي العهد محمد بن سلمان، ويمكن قراءة هذه الخطوة من زاويتين الأولى تتعلق، بالصورة المجزية التي أراد محمد بن سلمان الظهور بها أمام الشعب وإيصال رسالة أنه لا يقبل باستمرار سياسة التقشف التي تضر المواطنين ومستوى معيشتهم، فيكسب رضى الشعب وستسجل نقطة لصالحه سيذكرها له الشعب يومًا ما.
إعادة العلاوات والمكافآت والمزايا كانت بتوصية من ولي ولي العهد محمد بن سلمان
ومن زاوية ثانية فالإصلاحات الاقتصادية التي قامت بها البلاد في الفترة الماضية تمكنت من ترشيد الإنفاق الرأسمالي والتشغيلي من خلال استهداف خفض 80 مليار ريال في العام الماضي و17 مليار ريال في العام الحالي، وحسب الجدعان فإن نتائج الربع الأول لأداء الميزانية العامة تظهر أن الإيرادات كانت أفضل مما هو متوقع وأن المصروفات أقل مما هو معتمد للفترة حيث بلغ العجز نحو 26 مليار ريال بينما المتوقع كان نحو 50 مليار ريال.
إلغاء بعض إجراءات التقشف تزامن مع موجة من التشاؤم في الأوساط الشعبية حيال الأوضاع الاقتصادية وذكر البعض أن البلاد تذهب في أزمة مالية تمس قطاعات مهمة في البلاد وشركات كبرى ستفلس وأمور من هذا القبيل.
قرار إعادة العلاوات سيؤدي إلى إعادة الحياة لطبيعتها بالنسبة للمواطن، أي ما قبل التقشف فمستوى معيشته سيعود كما كان، وسينعكس بشكل إيجابي على الاقتصاد السعودي على المدى القريب
لذا فإن هذه القرارت ستؤدي إلى إعادة الحياة لطبيعتها بالنسبة للمواطن، أي ما قبل التقشف فمستوى معيشته سيعود كما كان، ويعود معه بالمحصلة الإنفاق والاستهلاك وما هو سينعكس بشكل إيجابي على الاقتصاد السعودي على المدى القريب، ومن جهة أخرى تنفي أي أزمة مالية في البلاد.
أما فيما يخص صرف راتب شهرين للمنتسبين إلى عمليتي عاصفة الحزم وإعادة الأمل، فهو يشير إلى دفع العملية العسكرية التي تقوم بها السعودية ضد إيران في اليمن منذ أكثر من سنتين على المستوى الشعبي إلى الأمام بسبب طول مدة المعركة دون تحقيق نتائج ملموسة على الأرض.