بات التصعيد والهجوم، والهجوم المضاد، هو عنوان العلاقات بين النظامين الأردني والسوري مؤخرًا، فمنذ بدء الأزمة السورية لم تصل العلاقة بين النظامين إلى هذه الحدية، فحتى الآن وبرغم الخلافات الكبيرة بين الطرفين لم يقم الأردن بطرد السفير السوري أو إغلاق السفارة السورية في عمان، وكذلك دمشق أيضًا.
هذه المرة، كانت تصريحات رئيس النظام السوري بشار الأسد لوكالة “سبوتنيك” الروسية بمثابة قنبلة، فجرت حالة من الغضب لدى النظام الأردني، حيث كانت تصريحاته أشبه بإهانة للنظام الأردني والدولة الأردني مجتمعة، حيث قال الأسد في حديثه مع الوكالة الروسية، أول أمس الجمعة، إن “الأردن كان جزءاً من المخطط الأمريكي منذ بداية الحرب في سوريا، سواء أحب ذلك أم لم يُحب، وعليه إطاعة أوامر الأمريكيين”.
واعتبر الأسد في حواره أن “الأردن ليس بلداً مستقلاً على أي حال، وكل ما يريده الأمريكيون سيحدث، فإذا أرادوا استخدام الجزء الشمالي من الأردن ضد سوريا فإنهم سيستخدمونه”.
الحكومة الأردنية بدورها ردت مباشرة على هذه التصريحات التي أدلى الأسد، والذي علقّ فيها أيضًا على معلومات لديه تفيد “بوجود خطط لدى الأردن لنشر قواته في سوريا بالتنسيق مع الولايات المتحدة؛ بذريعة محاربة تنظيم “داعش”، معتبرة أن كلام الأسد “محض ادّعاءات، ولا أساس له من الصحة”.
وزير الإعلام الأردني محمد المومني
وقال وزير الإعلام الأردني، محمد المومني، “إن تصريحات رئيس النظام السوري بشار الأسد، لوكالة “سبوتنيك” الروسية، حول علمهم بوجود مخطط لنشر قوات أردنية بالأراضي السورية مرفوضة، وادعاءات منسلخة عن الواقع”.
المومني: حديث الأسد منسلخ تماماً عن الواقع، ويدلل على حجم التقدير الخطير الخاطئ لواقع الأزمة السورية بأبسط حقائقها
الأردن وعلى لسان المومني عبّر عن أسفه لحديث الأسد “عن موقف الأردن وهو لا يسيطر على غالبية أراضي سوريا”. ولفت المسؤول الأردني إلى أن “حديث الأسد منسلخ تماماً عن الواقع، ويدلل على حجم التقدير الخطير الخاطئ لواقع الأزمة السورية بأبسط حقائقها، وأستغرب أن يتم الاعتقاد أن أول دولة دعت للحل السياسي للأزمة السورية، وأقنعت العالم بهذا الحل، ستدفع الآن باتجاه الحل العسكري”.
وأضاف المومني أن الأسد “يعلم أن الأردن في مقدمة من يوازن الأجندة الإقليمية والعالمية لغالبية أزمات المنطقة بسبب الاحترام الكبير الذي يحظى به، وبما يخدم قضية الشعب السوري والشعوب العربية ويحقن الدماء”.
وأكّد أن “الموقف الأردني القومي والتاريخي من الأزمة السورية لا يزال ثابتاً، وهو يؤكّد على أهمية وحدة تراب سوريا، ويدعم الحل السياسي فيها، ويقف إلى جانب محاربة التنظيمات الإرهابية التي اجتاحت أراضيها”.
تصريحات الملك والتحركات على الأرض
قبل نحو أسبوعين، قال الملك الأردني، عبد الله الثاني وبشكل واضح في مقابلة له مع صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية إن “المنطق يقتضي بأن شخصاً ارتبط بسفك دماء شعبه من الأرجح أن يخرج من المشهد”، قاصداً رئيس النظام السوري بشار الأسد.
حينها، اٌعتبر تصريح الملك هو الأكثر حديه ووضوحًا في العلاقة مع نظام الأسد، حيث كان الموقف الأردني على الدوام هو موقف رمادي تجاه الأزمة السورية ومتذبذب، وذلك بعد سنوات من بداية الأزمة السورية حرص فيها الأردن على تجنب الخوض في هذا الشأن، لكنه أثار غضب دمشق الناقمة أصلاً على عمّان.
بات واضحًا أن العلاقات بين النظامين لن تعود كما كانت في السابق، حيث يدلل حجم التوتر هذا على هشاشة العلاقات التي حافظ عليها الأردن مع نظام الأسد، طوال سنوات الأزمة
هذا التصعيد المتبادل، وما بين مقابلة الأسد ومقابلة الملك عبد الله الثاني، بات واضحًا أن العلاقات بين النظامين لن تعود كما كانت في السابق، حيث يدلل حجم التوتر هذا على هشاشة العلاقات التي حافظ عليها الأردن مع نظام الأسد، طوال سنوات الأزمة، وحتى تلك العسكرية والأمنية التي تحدّث بإيجابية عنها رئيس هيئة الأركان المشتركة الأردنية، الفريق الركن محمود فريحات، في مقابلة نادرة نهاية العام الماضي. وساد اعتقاد عام لدى كثير من المراقبين، بأن هذه العلاقات تدار عبر قناة تواصل روسية، لا سيما في ظل التقارب الأردني الروسي، الذي كان عنوانه إدارة الجبهة السورية الجنوبية، المحاذية للمملكة، بما يضمن استقرارها.
وفي الحديث عن الجبهة الجنوبية السورية، فبحسب وسائل إعلام سورية محلية فإن الأردن سيدخل في معركة ستنطلق قريبًا تهدف لطرد “جيش خالد الوليد” التابع لتنظيم “داعش” من درعا، وطرد ما تبقى من فلول التنظيم من البادية السورية كاملة، والتي كان الأردن يصرح على الدوام أنها تهدد أمنه واستقراره.
الجيش الأردني على الحدود مع سوريا
هذه التوقعات يؤكدها الحشد الأردني الكبير والمتصاعد على الحدود الشمالية مع سوريا مؤخرًا، وذلك بعد زيارة الملك الأردني عبد الله الثاني مؤخرًا إلى واشنطن ولقائه بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب، حيث بات من الواضع أن الأردن أخذ الضوء الأخضر –وبدعم أمريكي- للتدخل في جنوب سوريا، وربما هذا ما يخشاه نظام الأسد، ودعاه لهذا الهجوم غير المسبوق على النظام الأردني، فإذا أردنا أن نعلم ماذا ستفعل إدارة ترامب في سوريا علينا مراقبة أن تصرفات الأردن وتحركاتها، هذا حقيقة ما يخشاه بشار وحلفاؤه في سوريا.
جل ما يخشاه الأسد أن ينشئ الأردن وبدعم عربي أمريكي مناطق آمنة جنوب دمشق، تقضي على حلم تنظيم الأسد بالوصول إلى الحدود الأردنية وإعادة تشغيل المعابر الحدودية للتنفيس على اقتصاده المحتضر أصلًا
فجل ما يخشاه الأسد أن ينشئ الأردن وبدعم عربي أمريكي مناطق آمنة جنوب دمشق، تقضي على حلم تنظيم الأسد بالوصول إلى الحدود الأردنية وإعادة تشغيل المعابر الحدودية للتنفيس على اقتصاده المحتضر أصلًا. حيث بات يخشى نظام الأسد تحرك (أردني أمريكي) في الجنوب كالذي في الشمال –من قبل الأمريكيين- وقد تتوافق الأجندة التركية الداعية لإنشاء مناطق عازلة شمال سوريا مع أجندة أمريكا والأردن وإنشاء منطقة مشابهة في الجنوب الأمر الذي يضع الأسد بين فكي كماشة.
وهنا، لا بد لنا من التذكير في رسائل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التي أعلن عنها بقوة مؤخرًا بعد الضربة العسكرية لمطار الشعيرات، بأن “الأسد لن يكون له دور في المستقبل القريب”، وذلك بعدما أرسل وزير خارجيته لروسيا للضغط عليها من أجل التخلي عنه، بضغط واجماع من المجتمع الدولي بشكل كامل.